Skip to main content

Full text of "تاريخ دولة آل سلجوق - عماد الدين محمد بن حامد الأصفهاني"

See other formats










7 
البفث 
2 101 0 
عاد لين ميركب شحَاونا لما 
لتو 1ه 0 جه 


تراه ورم له 


الدكو رع مراد 


شبكة كت الشيعة 


. 
ل هد 


تشتورات 
دار الكنب العلميق 


بكبيرّوت - لكان 





أ >12.دوع1[ 2500 ج1قطه 
رابيط بديل > 3.284 صا غعلد12 


لس ا بعت ا رقفيت بياضكت 
84 





دارالكب لعلميق 


جميع الحقوق محفوظة 
الوا نمه 
لوفقم قغطوك اله 
5 هأاأنع0 ون0 1 





جميرع حشوق اللكية الآدبيسة والفئلية معفوهطلة 
لبدارا لكك ببالعلميةه بيروتب- لينان. 
ويحظر طيع أو تصوير أو ترجمة أو!عادة تنضيد الكتاب كاملاً أو 
مجزاً أو تسجيله على أشرطة كاسديت أوإدخاله فلى الكمبيوتر 
أو بر مجتسه هلى اسطوانات ضولية إلا بموافقة الناشر خَطبا 
برا وخطوا عنااوباءراع 
مومدم ١‏ فداهن أأهلإأت]|ا-اق ناماأ0)١-ام‏ :08 
6 ©ط 118 تللأقنءاطيام اذا) )ه هم مزلم 
,2815 نمه بنط عن لمعم) لإحرق نأ لقان أناعك ,لوعنهمممم 


عطا اننم اقازبه .مع امبرو أوبواء)ع )هو عموط جادل هم دأ لع:ماو :0 
.64 ك1اطلام قلطا أن مولوو ممعم م وجاكلا )ماهم 


ف 118ا6ناا)© 18أه0 
معدن ٠‏ «امدصيمة 1281١‏ |ا-الة طماة)اءله 608 


86 ناه قأأقنال6 50 2500068عم ونام ذه آلك)1516 681 || 
انان ؟6ناع ه0606 >قاوزنن 60م هل ,680018 06 ,)هالل0'6 
اناسع هانات! #ياوامداظلدت ,0,0 ,ملأونوؤأق ,مااسسدون 
عفضواو ممتتمواءماية'! 985 ,واأقنعقم ننه منذااكع ,مالع6 

.لقأل ١١‏ مل 


الطبعة الأولى 


امه 


ارالك 3 
دارالكتب الغلمية 
بحتيورت ‏ لماي 
رمل الشريف - لمارع اليحثري - بناية ملكارت 
الإدارة الهامة: عرمون - العبة - مينى دار الكنب العلمية 
هالف وشاكس: 9/218ؤتراا/م ١‏ لمان زه اكوم 
نموي بريد : 1471 - ١١‏ بيروتث - ثينالن 


ةزات اله 6مأه»>ا-اهق +08 
30 - أل أ86 
'مماع 151 .واش8 امسنااوكا , 51 بمماطم8 أتسوجءلم احصو م 
ع0111 لمعل ١‏ 
و80 لاقضما-لة طدرعرماءلم عجن ٠١‏ ميوصجءه 
13 (5 961+) نينق كك أ76 
ممعهاو ا ٠‏ أانميع8 11-9424 :يرم8 26.0 


لأ ةلزأصمااءاةف طاناانت>كاءاة :031 
مهن ا - طانام)بزه8 
عوه:6 16 ,انماما ,ممصا ,لمولطم8 ونه ,أموج.ام امع 
لمحصفو دمأموعتو ممم 
القبرنم )ذ-الل ناماو كقلم 032 .مما - دودمم 
604810153 (5 4961) :يسق6 ث أن 
عهطنا - لانامزو8 11-9424 :م.م 











| 50 2.7451-1-4 


22000052 


لتاتمع شه لحل له مسيم م جد 





صتوء لمجلا لمججمبوء لعد ؛ للسص-ء 
دده ع طه جتسلا لد مكها 
مدع طهر ادسلل تددن لدرمطا 


5 اهلجر ايحم 
الأتراك السلاجقة 
الأتراك السلاحقة بمثلون القوة الإسلامية الدديدة الى حلت محل الغزنويين في 
ختراسان والمشرق الإسلامي؛ والي غذت الإسلام بدماء فتية جديدة» ساعدته على 
الصمود والانتصار» والانتشار فٍ بلاد الروم. ذلك لأن الخلافة العباسية قبل ذلك 
الوقت كانت عاحزة عن حماية حدودها بسبب عداوتها مع الخلافة الفاطمية في 
القاهرة. وقد انتهرت الدولة البيزنطية هذه الفرصة» وأخحذت تُغير على الحدود 
الإسلامية المتأحمة لهاء وتتوغل في شمال الشام والجزيرة. ولكن من 00 حظ الخلافة 
العباسية في ذلك الوقت» أن حاءتها من المشرق تلك القوة التركية الفتية المليئة بفتوة 
البداوة وعنفوانهاء فأنقذتها من انميار محقق. ففي سنة 451 ه ٠١1/١(‏ م) استطاعت 
حيوش السلاحقة بقيادة سلطاهًا "ألب أر سلان "2 وباسم الخلافة العباسية؛ أن تحرز 
انتصاراً حاسماً على الإمبراطور البيزنطي "رومانوس ديوجينيس" 801/]83105 
55 ,رررأن تأخذه أميرا في موقعة " ملا ذكرد " أو "من زكرد " 

أعمال "خلاط " على الفرات الأعلى. شمال بحيرة فان [الر7 عند أرمينية. 
لقد حاء السلاحقة ف فترة انحطاط القوى الإسلامية الأخرى من عباسية 
وفاطمية ونجحوا في توحيد المشرق الإسلامي من جديد؛ فأعطوا المسلمين الحيوية 
والنشاط ف الجهاد ضد الصليبيين» ويذكر بأن طغرل سلطان السلاجحقة كتب إلى 
الخليفة العباسي القائم بأمر الله مظهرا ولاءه لهء مؤكداً حبه لرفع راية الإسلام 
وإعلاء كلمة الله ني نشر الإسلام غرباء وقد أقره الخليفة العباسي سنة 4705 هل/ 
١٠١5٠‏ م سلطانا على السلاحقة, كما أكسب دولة السلاحقة الفتية صفة الشرعية 
1 حميتها الدينية لمناجزة البيزنطيين واسترداد البقاع الى كانوا قد احتلوها في 
أرمينية والأناضول؛ وقد أعطت نتائج هذه الموقعة سمعة إسلامية ضخخحمة للسلاحقة 
باعتبارهم المجماهدين والمدافعين عن الإسلام» والعاملين على نشر الدعوة» وإزاء ذلك 
مهدت الطريق أمام السلاحقة لنشر الدعوة ف آسيا الصغرى- حيث وحه "ألب 


1 المقدمة 
أرسلان " ابن عمه " سليمان قتلمش ", إلى الأناضول» وأقام هناك دولة سلاجقة 
الروم» نسبة إلى بلاد الروم الى قامت فيها. ومنذ ذلك الوقت, عم الإسلام بلاد آسيا 
الصغرى الي صارت تعرف إلى الآن باسم بلاد الأناضول الإسلامية. 

واستحدث السلاحقة- أيضا- بعض الأنظمة والعادات الفارسية والتركية الي 
حلبوها معهم من المشرق. ولم تكن معروفة من قبل أيام الأمويين والعباسيين 
والفاطميين. ومن أمثلة ذلك» استخدام "الجاليش " في مقدمة الجيشء و" الجاليش " 
عبارة عن حصلة وشعر ذيل الخصان. كانت ترفع في أعلى سنان الراية أمام الجيش» 
ثم صارت تطلق محازا على مقدمة اليش أو طلائعه باسم " الجاليشية ". ومن "أمثلة 
ذلك أيضاً حمل "الغاشية " بين يدي السلطان في الأماكن والمناسبات الحافلة 
كالميادين والأعياد والمواكب ونحوها كشعار للسلطنة. و "الغاشية" عبارة عن: سرج 
من الحلد مخروزة بالذهب حي يخاها الناظر كأمًا مصنوعة كلها من الذهب. يحملها 
ركاب الدار بين يدي السلطان؛ ويلفتها بين وشالا. وقد انتقلت هذه العادة إلى 
مصر والشام على يد صلاح الدين الأيوبي وخلفائه» واستمرت بعد ذلك في أيام 
سلاطين المماليك كرمز للطاقة والإخملاص للسلطان: "حمل الغاشية بين يديه ". 

كذلك استحدث السلاحقة نظام المدارس الدينية» وهي منشآت علمية هدفها 
بث روح الجهاد بين المسلمين والتصدي للطائفية» مثل: المدرسة النظامية ال أسسها 
الوزير السلجوقي "نظام الملك " في بغداد. وسار على هذه السياسة "نور الدين 
حمود زنكي " في الشام» ثم "صلاح الدين الأيوبي " في مصر. على أنه يلاحظ في 
هذا الصدد أن مدينة الإسكندرية عرفت نظام المدارس الدينية في أواخخر أيام 
الفاطميين وقبل بحيء صلاح الدين الأيوبي» فأول مدرسة أنشئت فيها هي المدرسة 
الحافظية الي أسسها "رضوان بن ولخشي " وزير الخليفة "الحافظ الفاطمي سنة 7ه 
ه ',. وأسند التدريس فيها إلى "الفقيه المالكي أبي الطاهر بن عوف '", الذي 
سبق أن قرأ المذهب المالكي على زوج خالته أبي بكر الطرطوشي المشهور بكتابيه 

“سراج الملوك"؛ و "الحوادث والبدع ". 


المقدمة 0 





وبعد عشر سنؤات أي في سنة .4ه ه بئ "العادل ين السلار", وزير 
الخليفة الظافر الفاطمي» مدرسة دينية أخري بالإسكندرية» وأسند التدريس ها إلى 
"الفقيه الشافعي أبي الطاهر أحمد السلفي " صاحب كتاب "معجم السفر". ويمكن 
القول بأن الأيوبيين هم الذين اهتموا في الواقع ببناء المدارس في أنحاء مصر والشام 
متأثرين في ذلك بسياسة السلاجقة. 

وقد سار السلاجقة- أيضا- على سنة أسلافهم "السامانيين" المتمثلة في 
الأكثار من المماليك الأتراك» وتربيتهم منذ الصغر تربية عسكرية إسلامية 
لاستخدامهم في الجيش والإدارة. وقد شرح هذا النظام وزير السلجوق "نظام الملك 
الطوسي " في كتابه "سياسة نامة " إرشادا للحكام السلجوقيين. وعلى هذا الأساس 
غلب الطابع العسكري على الدولة السلحوقية» فصار ولاتها وقادتًا من هؤلاء 
المماليك » كما أصبحت معظم أراضيها في فارس؛ والحزيرة: والشام» مقسمة إلى 
إقطاعيات عسكرية يحكمها القادة من هؤلاء المماليك» ف مقابل الخدمات العسكرية 
الي يؤدوها للدولة في وقت الحرب. وسمي هؤلاء المماليك الكبار باسم "الأتابكة". و 
"الأتابك" لفظ تركي مركب معناه الأب الأميرء ومعناه المربي لابن السلطان, ثم 
أصبح لقباً تشريفياً منح للكبار من القواد بمعين أبو الميش أو قائد اللديش أو نائب 
السلطنة. 

وهكذا نرى مما تقدم أن السلاحقة في أيام قوتهم اتخذوا أشخاصاً من كبار 
ماليكهم أطلقوا عليهم "الأتابكة" ليكونرا مربين لأولادهم القصرء ومنحوهم 
إقطاعيات كبيرة مقابل قيامهم على شئون هؤلاء الأبناء» وتأديتهم الخدمة العسكرية 
وقت الحرب. ولكن سرعان ما صار هؤلاء "الأتابكة" أصحاب النفوذ والسلطان في 
تلك الولايات. ومن مشاهير الأتابكة في أوائل القرن السادس المجري(١‏ م)» الأمير 
"عماد الدين زنكي" مؤسس أتابكية الموصل وحلبء وهو ابن قسيم الدولة آق سنقر 
الحاجب الذي بدأ حياته "مملوكا" للسلطان "ملكشاه السلجوقي "2 وعن طريق 
"زنكي وابنه نور الدين محمود" كان ظهور قواده "بحم الدين أيوب " وولده"صلاح 


. المقدمة 
الدين " الذي تأثر بالنظم السلجوقية» وإليه يرحع الفضل في انتقال تلك النظم إلى 
مصر والشامء حيث بقيت زمان الأيوبيين» ثم بعد ذلك دولة المماليك الأتراك, اليّ 
تبلور فيها هذا النظام التربوي العسكري الإسلامي. وصار راسخا متينأء ومكنها من 
صد الزحف المغولي شرقاء وطرد المستعمر الصلييي من مصر والشام غرباً. وفي 
ذلك يقول " القلقشندي " (صبح الأعشى ج ؛ ص ©5): "ودأبت سلطنة المماليك 
في مصر على أن تنقل عن كل مملكة سبقتها أحسن ما فيهاء فسلكت سبيله؛ 
ونسحت على منواله» حى تهذبت وترتبت أحسن ترتيب» وفاقت سائر الممالك؛ 
وفخر ملكها على سائر الممالك " . 





التمهيد ١‏ 
أصل السلاجقة 

أصولهم تعود إلى القبائل التركية الي عرفها العرب باسم «الغز)» واليّ 
استطاعت في القرن السادس الميلادي أن تقيم امبراطورية ذات طابع بدوي امتدت 
من الصين إلى البيحر الأسود. وحين اصطدمت بالصينيين فضعضعوها. هاجر (الغز) 
في القرن الثامن الميلادي (الثاني المحري) متجهين إلى الغرب ف الصحارى الواقعة 
شرق بحر قزوين دون أن يستطيعوا تحقيق وحدتهم» بل عادوا متقاتلين» وانتشرت 
فروعهم ممتدة إلى البعيد؛ حيث وصلت إلى فارياب على هر سرداريا (سيحون). 
ومن هؤلاء تحدر السلاجقة. 

وسبب تسميتهم هذا الاسم هو انتسايهم إلى أحد أجدادهم سلجوق بن دقاق» 
ودقاق هذا أو تقاق كما يلقبه ابن الأثير كان وجه الأتراك الغزء على حانب من 
الرأي والتدبير فأطاعه قومه واتبعوه, وولد له سلجوق الذي تقدم عند ملوك الترك 
كأبيه» وشعر يوما أن ملك الترك يتآمر عليه» فاستنفر جماعته ومضى بم إلى دار 
الإسلام فصار مسلما بين المسلمين» واستقر في نواحي (جند) وراح يؤلب المسلمين 
على الترك ويغزوهم يبمم. وبعد أن كان هؤلاء يأخذون الخراج من المسلمين» طردهم 
سلحوق وساد المسلمون ف تلك الأرض ومات سلجوق ربحند) بعد أن عمر مئة 
سنة وسبع سنين» وترك من الأولاد: أرسلان وميكائيل وموسى. 

وقتل ميكائيل في غزواته لبلاد الأتراك» وترك من الأولاد: بيغو وطغرل بك 
محمد وجغري بك داود؛ فسار الثلاثئة في عشائرهم» وتقدموا فنزلوا على بعد 
عشرين فرسخحا من بمخارى» فتوجس الشر منهم أمير بخارى فلم يسالمهم فتركوه إلى 
بغراحان ملك ت ركستان؛ وأقاموا في بلاده. ولكنهم ظلوا في ريبة من أمره فتقرر بين 
طغرل بك وأخخيه داود أن لا يلتقيا معا قي بجلس بغراخان؛ بل ينفرد كل واحد منهما 
بامحيء إليه» ويبقي الثاني بين قومه حوفا من أن يغدر بهما بجتمعين. 

ولما فشل بغراخان في الجمع بينهما في مجلس واحد قبض على طغرل بك)» 
فاستنفر داود قومه ومشى إلى مقّاتلة بغراخان لاستنقاذ أخيه» فاصطدم بقوى 





4 أصل السلاحقة 





بغراحان الزاحفة إليه فهزمها واستطاع تخليص أحيه. فرأيا أن يعودا بقومهما إلى 
قاعدتما الأولى (حند) غير البعيدة عن بخارى فيقيما فيها. 

وبانقراض الدولة السامائية وتملك إيلك الخان بخارى استفحل أمر أرسلان بن 
سلجوق عم داود وطغرل بك فيما وراء النهر؛ وكان علي تكين أو إيلك الخان؛ 
في سجن أرسلان ححان فهرب واستطاع الاستيلاء على بخارى وتحالف مع أرسلان 
بن سلحوق حيث صارا قويين» فمشى إليهما إيلك نحان أخو أرسلان نحان فهزماه 
وظلا في بخارى. 

وكان علي تكين يقلق محمود بن سبكتكين فيما بحاورا به من بلاد» ولا يبالي 
أن يقطع الطريق على رسله المترددين إلى ملوك الترك. 

وكان محمود بن سبكتكين قد أوقع مجماعة أرسلان بن سلجوق في مفازة 
بخارى؛ فلما عبر محمود النهر إلى بخارى» هرب علي تكين صاحبها منهاء وحضر 
أرسلان بن سلجوق عند محمود فقبض عليه وأرسله سجينا إلى الحند. وهاجم 
جماعته فأكثر القتل فيهم؛ ومن سلم منهم فر إلى خراسان فعاثوا فيها فساداء 
فطاردهم فيها وأحلاهم عنهاء فلح قسم بأصبهان فأمر محمود نائبه فيها أن يحتال في 
قتلهم أو إرسالهم إليه؛ فاصطدم بهم يعاونه أهل أصبهان فهزمهم فانطلقوا ينهبون 
القرى في طريقهم حن بلغوا أذربيجان. 

على أنه كان بقي أكثرهم في خراسان فراحوا ينهبون ويخربون ويقتلون, 
فأرسل محمود من يطاردهم؛ فلبثوا بي ذلك نحو سنتين إلى أن اضطر محمود إلى أن 
يقصد ححراسان بنفسه؛ وراح يطلبهم من نيسابور إلى دهستان فساروا إلى جرجان؛ 
ثم عاد عنهم مستخلفا ابنه مسعود بالري فاستخدم بعضهم. فلما مات محمود سار 
ابنه مسعود وهم معه إلى نحراسان. 

ثم إن تود من ل الهند لاحماد عصيان فيهاء فعاودوا العيث في البلاد. 
وكان قد أرسل أحد قواده إلى الري فلما بلغ نيسابور ورأى ما هم عليه من العبث» 


التمهيد 8 


قتل منهم من قتل» ولما بلغت أخبارهم مسعودا عاقبهم أسوأ عقاب من قطع الأيدي 
والأرحل والقتل واستصفاء الأموال. 

هذا ما يتعلق بأرسلان بن سلجوق وعشيرته؛ وأما أولاد إخوته فإن علي تكين 
صاحب بخارى راح يحاول الظفر يم فقرب إليه يوسف بن موسى بن سلجوق». 
وهو ابن عم طغرل بك محمد. وجغري بك داود وقدمه على جميع الأتراك الذين في 
ولايته وأقطعه أقطاعا كثيرة» ولقبه بلقب الأمير. 

وكان يهدف من وراء ذلك إلى أن يضرب به ابن عمه طغرل بك وداود 
ولكن يوسف تأي عليه ولم يماشه في هذا فأمر بقتله. 

فعظم قتله على طغرل بك وأحيه داود وعلى عشائرهماء فلبسوا عليه الحداد 
وجمعوا من استطاعوا جمعه من الأتراك للثأر له. وجمع علي تكين جيوشه وبعث بما 
لقتالهم فهزموها. 

وفي سنة ١417ه‏ سار طغرل بك وداود إلى (ألب قدا) الذي تولى قتل ابن 
عمهما يوسف فقتلاه. 

فأثار ذلك علي تكين فقصدهم علي ومن تبعه من جموع أهل البلاد 
وناوشوهم من كل جانب, فأوقعوا يهم موقعة عظيمة قتل فيها منهم العدد الكثير 
وسبوا نساءعهم وذراريهم» فاضطروا إلى العبور إلى تخراسان. فلما عبروا جيحون 
كتب إليهم خوارزم شاه هارون بن التونتاش يدعوهم إليه ليتحالفوا معا. 

فلبى طغرل بك وأحواه داود وبيغو دعوته؛ وخيموا بظاهر حوارزم سئة 67١‏ 
ه فغدر بحم ووجه إليهم أحد أمرائه ففاجأهم وأكثر فيهم القتل والنهب والسبي». 
فتركوا خوارزم بحموعهم إلى مغازة (نسا)» وقصدوا مرو دون أن يتعرضوا لأحد 
بشرء مخلفين أولادهم وذراريهم في الأسر 

وكان مسعود بك محمود بن سبكتكين قد سيطر على طبرستان وأقام فيها, 
فكاتبوه مستأمنين؛ واعدين إياه بأن يكونوا أعواناً له يتوججهون لقتال من يفسد في 
بلاده, 





١)‏ أصل السللاحقة 


ولكن مسعودا قبض على رسلهم وبعث إليهم حيشا جرارا التقى يمم عند 
(نسا) فانهزموا بعد قتال عنيف وغنمت أموالهمء فاختلف المنتصرون على اقتسام 
الغنائم اختلافا أدى إلى التقاتل بينهم. 

وكان داود قد قال لقومه: إن القوم قد اطمأنوا لهزعتنا وليس في ذهنهم أننا 
نعود إليهم؛ فأرى أن نباغتهم وهم قارون مطمئنون. فعادوا إليهم وهم يتقاتلون 
فأوقعوا يمم وقتلوا منهم وأسروا واستردوا أموالهم ورجاهم. 

وعاد المنهزمون إلى الملك مسعود ف نيسابور يقصون عليه ما +جرىء؛ فندم على 
ما كان منه من رفض استكمافهم وصداقتهم: ورأى أن هيبتهم قد ملأت قلوب 
رجالهء وأهم بعد هزعتهم لحيشه قد طمعوا به بعد خحوفهم منه, وخحشى من 
معاودقهم قتاله» فأرسل إليهم يتهددهم ويتوعدهم. 

فطلب طغرل بك من إمام صلاته أن يكتب إلى مسعود هذه الآية ولا يريد 
عليها شيئا: «قل اللهم مالك الملك تؤيّ الملك من تشاء وتزع الملك ممن تشاء 
وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك اخير إنك على كل شيء قدير»[آل عمران:6 ؟] . 

فكتب ما أمره بهء وتلقى مسعود الرسالة فكان صداها ف نفسه أن كتب 
إليهم كتابا بمنيهم فيه الأماني الطيبة» وأرسل لهم مع الكتاب خلعاً نفيسة» وطلب 
إليهم الرحيل إلى آمل الشط؛ - وهي مدينة على فر حيحون- . كما نصحهم بترك 
الشرك والفسادء وأقطع (دهستان) لداودء و(نسا) لطغرل بك» و(فراوه) لبيغى 
ومنح كل واحد منهم لقب (الدهقان). 

ولكنهم استخفوا بالرسول وبالخلع» وأظهروا عدم ثقتهم بالسلطان» وقالوا 
للرسول: لو علمنا أن السلطان يبقي علينا إذا قدر لأطعناه» ولكنا نعلم أنه م ظفر 
بنا أهلكنا لما عملناه وأسلفناه, فنحن لا نطيعه ولا نثق به. 

ثم راحوا يفسدون في الأرضء وبعد فترة تركوا ذلك وقالوا: إذا لم نستطع 
الانتصاف من مسعود فلا داعي للإساءة إلى الناس وهب أمواهم. 





١١ التمهيد‎ 


ثم فكروا ممحادعة مسعود والتظاهر بالخضوع له؛ ويطلبون منه أن يطلق عمهم 
أرسلان بن سلجوق من الحبس. 

فاستجاب لطلبهم هذاء وأطلق أرسلان» وأحضره إليه في بلخ» وأمره أن 
يكتب إلى بي أحيه طغرل بك وبيغو وداود بأن يكفوا عن الشر ويستقيموا في 
حياتهم. فأرسل إليهم رسولا يأمرهم بذلك. 

يقول ابن الأثير: وأرسل معه (إشفي) وأمره بتسليمه إليهم. فلما وصل 
الرسول وأدى الرسالة وسلم إليهم (الإشفي) نفروا واستوحشوا وعادوا إلى أمرهم 
الأول في الغارة والشرء فأعاده مسعود إلى محبسه وسار إلى غزئة. 

وبرجوعي إلى معجم لسان العرب رأيته يفسر (الإشفي) يذه التفاسير: 

الإشفي: المثقب. 

الإشفي: ما كان للأساقي والمزاود والقرب وأشباهها. 

الإشفي: المنخصف للنعال. 

اللإشفي: السراد الذي يخرز به. 

أما السلاجقة قصدوا بلخ ونيسابور وطوس والجوزحان» فأفسدوا ونبوا 
وخربوا البلاد وسبواء فتصدى هم الملك مسعود بن محمود» وأرسل حيشا في ثلاثين 
ألفا بقيادة حاحبه (سباشي) من غزنة. فلما وصل خخراسان رب ما سلم من تخريب 
السلاجقة» وظل طيلة سنة يدافع ويطاول حذرا من الاصطدام يهم فإذا ابتعدوا 
تتبعهمء وإذا أقبلوا رجع عنهم. 

وف سنة 9؟141ه كان هو ف قرية بظاهر سرحسء والسلاحقه بظاهر مرو 
مع طغرل بك - وقد بلغهم خبره - فساروا إليه وباشروا قتاله؛ فلما جاء الليل أذ 
سباشي ما خف من مال وهرب في خواصه وترك خخيامه ونيرانه على حاهاء» وقيل: 
إنه فعل ذلك بالاتفاق معهمء وف الصباح عرف من بقي من عسكره خيره فانهزموا. 

وتقدم داود أو طغرل بك وهو والد السلطان ألب أرسلان إلى نيسابور 
فدخلها بغير قتال؛ ووصل بعدهم طغرل بك. ثم وصلت رسل الخليفة حاملة رسالته 





١‏ أصل السلاجقة 


في وعظهم وفيهم عن النهب والقتل والتخريب, فأكرموا رسل الخليفة وعظموهم 
وحد بوهم 

ومال داود إلى نمب المدينة» فنهاه طغرل بكء فتجاهله داود, وبعد جدال 
طويل تحول عن النهب الصريح إلى النهب المغلف ففرض على أهل نيسابور ثلاثين 
ألف دينار. 

ومضى طغرل بك إلى دار الإمارة؛ وجلس على سرير الملك مسعود. وسير 
أخاه داود إلى سرحس فملكهاء ثم استولوا على خراسان كلها عدا بلخ. 

وكانوا ثلاثة إخوة: طغرل بكء وداود» وبيغو. أما ينال واسمه إبراهيم فهو 
أحو طغرل بك وداود لأمهما. 

أما الملك مسعود فقد حرج من غزنة إلى بلخ أول سنة 4748ه» وسبب 
حروجه منها ما كان يبلغه من أخبار السلاحقة وما ارتكبوه من الاستيلاء على البلاد 
والقتل والسبي والتخريب. 

وأقام فترة في بلخ يتهيأ لمطاردة السلاجقة» ثم قصد سرححس فتجنب السلاجقة 
الاصطدام به وتظاهروا بأنهم سيدخلون المفازة الي بين مرو وخوارزم»ء وكان جيش 
مسعود يتعقبهم؛ فما لبثوا أن اصطدموا بإحدى قطعه العسكرية فظفرت يم ثم 
واحههم بنفسه فانتصر عليهم ما أدى إلى ابتعادهم عنه, ثم رجعوا إلى نواحي مروء 
قريبا منه» فقابلهم وقتل منهم عددا كبيرا وهرب الآخخرون لاجثين إلى البرية الي 
اعتادوا الاحتماء با. 

أما في نيسابور فقد ثار الناس يبحم فقتلوا من قتلوا منهم وانمزم من بقي إلى 
البرية ملتحقين بجماعتهم. ومضى مسعود إلى هرات ليعد عدته مطاردا لهم. فابتعد 
طغرل بك ما قدر على الابتعاد عن طريق مسعود, ناهيا كل ما يمر به من يلاد مثخنا 

وراح مسعود يطارده فلما صار قريباً منه مضى طغرل بك ممعناً في السير إلى 
(استوا) واستقر بماء فمضى إليه مسعودء فرحل إلى طوس محتمياً بحباهها المنيعة 


التمهيد اش 
ومضايقها العسيرة العبور» فسير إليه مسعود أحد قواده في عساكر كثيرة» فلما قرب 
منه ارتحل طغرل بك نواحي أبيورد. وكان مسعود قد سار بنفسه إليه فاصطدم 
طغرل بك يمقدمة جيشه فهزمه واستسلم عدد كبير من جنوده فلما رأى ذلك وعلم 
أنه مطارد من كل جانب دخخل المفازة إلى خوارزم وأوغل فيها. ومضى مسعود إلى 
نيسابور منتظرا حلول الربيع ليعاود مطاردة السلاجقة. 

وأقام داود ف مدينة مرو وتعددت انهزامات عساكر السلطان مسعود في 





لقاءاقما مع السلاحقة وتضعضعت معنويات جنوده رهبة منهىء لا سيما بعد ابتعاده 
هو إلى (غزنة)» فراح نوابه وولانه يستغيئون به ويذكرون له عيث السلاحقة في 
البلاد. 

ولكنه كان لا يجيبء ولا يبالي مشغولا بقضايا الهند ومشاكلهاء صارفاً النظر 
عن السلاحقة وعن نخراسان. 

وباشتداد أمر السلاحقة في حراسان» صمم وزراء مسعود وأصحاب الرأي في 
دولته على استنهاضه لملاقاة حطر السلاحقة» وبينوا له أن السلاحقة إذا تمت لهم 
السيطرة على حراسان فهم سائرون إلى غزنة حتما. 

فتنبه للخطر وأعد جيشا كثير العدد بقيادة حاجبه (سباشي) وأرفقه بأحد 
كبراء أمرائه (مرداويج بن بشو). ول يكن في سباشي من الشجاعة ما تقتضيه هذه 
القيادة؛ بل كان حباناء فأقام بمرات ونيسابورء ثم باغت (مرو) وبما داود» فانهزم 
داود ولحقته العساكر. فأدركه أحد الأمراء فقاتله داود فقتل الأمير وانهرم جنوده 
وتضعضعوا وارتفعت معنويات السلاحقة. 

وعاد داود إلى مرو وأحسن السيرة فقي أهلهاء وف أول جمعة من شهر رحب 
سنئة 154174ه تخطب باسمه ولقب ملك الملوك. 

ثم التقى داود وسباشي في شعبان سنة 454 ه على باب سرحسء فانهزم 
سباشي وسار ومن معه إلى هرات» فتبعهم داود إلى طوس وغنم أموالهم» فكانت 


١‏ أصل السلاجقة 





نتيجة هذه المعركة أن ملك السلاجقة خراسان ودخل طغرل بك نيسابور وخطب 
له فيها في شعبان باسم السلطان الأعظم, وأرسل الحكام إلى النواحي. 

وسار داود إلى هرات» واضطر مسعود إلى الذهاب بئفسه إلى خراسان بجيش 
كبير فيه عدد كثير من الفيلة ووصل إلى بلخ فزحف إليه داود ونزل قريباً منها. 

ثم سار مسعود من بلخ يقود مثة ألف فارس فوصل الموزجان وقبض على 
واليها السلجوقي فصلبه؛ ثم واصل سيره إلى مرو الشاهجان. ومشى داود إلى 
سرس والتقى بأخويه طغرل بك وبيغوء فأرسل إليهم مسعود عارضاً الصلح؛ 
فذهب إليه بيغو بالجواب فتلقاه مسعود بحفاوة بالغة» ولكن الجواب كان بأننا لا نثق 
مصالحتك بعد الذي كان بيننا. 

ويمذا الواب انقطع أمل مسعود بالصلح فسار من مرو إلى هرات» فقصد 
داود مرو فقاومته وحاصرها سبعة أشهر مواصلا قتالها حئ سلمت. 

وكان لتسليم مرو وقع الصاعقة على مسعود؛ فترك هرات إلى نيسابور ثم إلى 
سرحس» وكلما تبع السلاحقة إلى مكان تركوه إلى غيره» حي كان الشتاء فأقاموا 
بئيسابور ينتظرون الربيع. 

فلما جاء الربيع كان مسعود مشغولا بلهوه وشربه. وانقضى الربيع والأمر 
كذلكء فلما جاء الصيف نبهه خواصه إلى ما هو فيه مستفزين له على التصدي 
لأعدائه السلاحقة؛ فاستحاب لهم وسار من نيسابور إلى مرو لمطاردة السلاحقة 
فدخلوا البرية فدخلها وراءهم في مرحلتين» وكان جنوده قد ضجروا من طول 
السفر وسكموا الترخل طيلة بالاث مين بعضها مع سباي وبعظها معة: 

فلما دحل البرية اضطر لنزول منزل قليل الماء في حر شديد.. 

وكان داود ومعه حل السلاحقة بإزائه» والأخرون مقابل ساقة عساكره 


١. التمهيد‎ 





وزاد أمر مسعود بلاء أن حواشيه اخنتصموا وجمع من عسكره على الماء 
وازدحموا وقامت الفتنة بينهم وأدى الحال إلى الاقتتال والتناهب, مما أدى إلى تخلخل 
معنويات الحند وراحوا يتذاكرون في التخلى عن مسعود. 

ووصلت أخبار ما هم فيه إلى داود فباغتهم وهم في هذه الحال فولوا منهزمين 
وكثر القتل فيهم وثمت المزيعة... 

ومضى مسعود في نحو مئة فارس حن أتى غرشستان. 

وكانت غنائم السلاحقة لا حصر لها ونزل داود في سرادق مسعود وقعد 
على كرسيه. وسار طغرل بك إلى نيسابور فدخلها آخر سئة ١47ه‏ وفهب 
أصحابه الناس. 

وانتهى الأمر باستيلاء السلاحقة على جميع البلاد» فسار بيغو إلى هرات 
55 وسار داود إلى بلخ فثبت فيها وال مسعود وقاوم؛ وأرسل إلى مسعود في 
غْرْئة يستمده» فأرسل إليه مسعود مددا نويا ققد اقدص ينهم الرتعع بردنها عند 
من السلاحقة فقاتلوهم فانهزم السلاحقة ولت تلك الأماكن منهم 

ومضى الآخرون إلى هرات» وفيها بيغو فقاتلوه ودفعوه عنها. ثم أرسل مسعود 
ولده مودودا في جحيش كبير مددا المقاتليه هناك. ولكن الأقدار كانت لمسعود 
بالمرصاد. 

الانقلاب على مسعود وقتله 
سار مودود إلى بلخ مدداً لواليها لرد داود السلحوقي عنهاء وكان مع مودود وزير 
أبيه أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد يدبر له الأمور ويساعده في مهمته. 

أما مسعود فبعد اطمئنانه إلى مسير اليش السائر لإنقاذ بلخ. توجه بعد سبعة 
أيام من مسير النيش» قاصدا الحند ومعه أخوه محمد. 

وكان سفره إلى الهند بقصد إعداد حملة يستعين بها على حرب السلاحقة 
فقد أيقن باستفحال أمرهم» وعجزه يما لديه من قوى عن قمعهم, فلما عبر فر 
سيحون معبرا معه بعض الخزائن. استغل أنوشتكين البلخي فرصة انفراده 


1 أصل السلاجقة 





فضم إليه جماعة من الغلمان الدارية» ونحبوا ما كان قد تخلف من الخزائن» وأعلنوا 
إقامة محمد ثي الإمارة بدل أيه مسعود؛ وجاءوا محمدا فسلموا عليه بالإمارة» فرفض 
ذلك وأباه عليهم» فهددوهء وأرغموه, فأحاب» ومضوا لحرب مسعودء والتقى 
الفريقان يق حرب ضارية» أدت إلى اغمزام مسعودء ونحصنه فيما يسميه ابن الأثير 
رباط ماريكله فحصروه فيه» ثم حرج إليهم مستسلما فقال له أخوه محمد: انظر أين 
تريد أن تقيم» حى أبعثك إليه. ومععك أولادك وحرمكء؛ فاختار قلعة كيكى فأرسله 
إليها محفوظا وأمر بإكرامه وصيائته. 

وفوض محمد أمر الدولة إلى ولده أحمدء وكان أهوج متخبطا فاتفق مع ابن 
عمه يوسف بن سبكتكين على قتل مسعود ليصفوا الملك له ولوالده فقتلاه. 

ووصل حبر قتل مسعود إلى ولده موؤدود وهو بخراسان فعاد بعساكره إلى غزئة 
فالتقى بحيشه حيش عمه محمد فانهزم محمد وجيشه؛ وقبض مودود على محمد وولده 
أحمد وأنوشتكين البلخي وغيرهم فقتلهم؛ وعاد إلى غزنة. 

فلما بلغ أهل هرات انتصار مودود ثاروا على من عندهم من السلاحقة 
وأخرجوهم منها بانتظار حاكم مودود. وكان مودود قد استقر أمره في غزنة» كما 
استقر في الهند. وفي سنة +4 هء وكان طغرل بك يملك جرجان وطبرستان 
ويولي عليها ويعود إلى نيسابور. وفي سنة 474ه. سار إلى خوارزم واستولى عليها. 

وفي السنة نفسها حرج من خخراسان إلى الري فتسلمها وتسلم غيرها من بلد 
الجبال. 

وأرسل إلى ملك الديلم يدعوه إلى الطاعة ويطلب منه مالاء فاستجاب له 
وحمل إليه مالا وعروضا. وسار إلى همذان فملكها. 

وق سنة 4ه سير مودود بن مسعود جيشا إلى نواحي نخراسان فأرسل 
داود أخو طغرل بك - وهو صاحب خراسان - ولده ألب أرسلان في حيش 
فاقتتلوا فكان النصر لألب أرسلان. 


١,7 التمهيد‎ 

وفي سنة 4ه كان (السلطان) طغرل بك يستكمل أدوات (السلطنة) 
فيتخذ له وزيرا هو أبو القاسم علي بن عبد الله الجويئ؛ ثم وزر له بعده رئيس 
الرؤساء أبو عبد الله الحسين بن علي بن ميكائيل» ثم وزر له بعده نظام الملك أبو 
محمد الحسن بن محمد الدهستاني» وهو أول من لقب نظام الملك, ثم وزر له بعده 
عميد الملك الكندري؛ وهو أشهر وزرائه» وسبب شهرته أن طغرل بك ف أيامه 
عظمت دولته ووصل إلى العراق وخحطب له بالسلطنة. 

وفي سنة لاه أرسل طغرل بك أخاه إبراهيم (ينال) إلى بلد الجبل 
فملكهاء ثم سار إلى همذان والدينور وقرميسين فملكها بعد أن أسرف في القتل 
والسبى والنهب ف الثالثة؛ لأنه لقي فيها مقاومة, ثم سار إلى الصيمرة وحلوان 
فأحرق هذه وقبها. 

واتجهت جماعة من السلاحقة إلى خانقين مطاردين أهل حلوان؛ وانتشروا في 
تلك النواحي وبلغوا (مايدشت) وما يليها فنهبوها وأغاروا عليها. 

وف سنة 84748ه كان طغرل بك يحاصر أصفهان فلا يظفر باء وانتهى الأمر 
حمل مال إليهء وأن يخطب له فيها وفي أعمالها. 

وف سنئة 479ه كان السلاجقة عتدون إلى البندينجين فينهبونما ويفعلون 
الأفاعيل القبيحة» من القتل» والنهب» وافتراش النساءء والعقوية على تخليص 
الأموال» فمات منهم جماعة لشدة الضرب كما نص ابن الأثير في الكامل. 

ووصلوا إلى ضواحي (باحسري) فقتلوا الرحال» وغنموا الأموال» وهبوا 
الأعمال. وعم ذلك باحسري والهارونية وقصر سابورء وجميع تلك الأعمال؛ وهلك 
من أهل تلك النواحي المنهربة خلق كثير» فمنهم من قتل ومنهم من غرق؛ ومنهم 
من قتله البرد. ووصل الخبر إلى بغداد بأنهم عازمون على قصد بغداد فدب الذعر في 
الناس. 





14 أصل السلاحقة 





ثم اتمهوا إلى السيروان فحصروا القلعة وأرسلوا سرية تمبت البلاد وانتهت إلى 
مكان بينه وبين تكريت عشرة فراسخ. والتجأ إلى بغداد من أهل طريق نخراسان 
خلق كثيرء وذكروا من حاهم ما أبكى العيون. 

وي سنة 0٠414ه‏ استولوا على شهرزور وحاصروا تبرانشاه ولكن وقوع 
الوباء دفعهم عنها واستردت منهم شهرزور. 

ولما وصلت أخبار تنامي قوة السلاحقة وبسط سلطتهم لما وصلت إلى 
جماعاتهم فيما وراء النهر أقبل منهم خلق كثير إلى حيث يقيم إبراهيم (ينال)» فقال 
إبراهيم: بلادي تضيق عن مقامكم والقيام ما تحتاحون إليه» والرأي أن تمضوا إلى 
لو لوو انا سانو عار ار 

فسبقوه وتبعهم» فوصلوا إلى (ملاذكرد)» و(ارزن الروم) و(قاليقلا) وبلغوا 
طرابزون وكل تلك النواحي. فزحف إليهم الروم والإبخار .ما يبلغ خمسين ألف 
مقاتل» فدارت الحرب سجالاء ثم انتصر السلاحقة فكانت غنائمهم كثيرة. وراحوا 
ينهبون ويتقدمون حى لم يبق بينهم وبين القسطنطينية إلا خمسة عشر يوما. 

يقول ابن الأثير: واستولوا على تلك النواحي فنهبوها وغنموا ما فيها؛ وسبوا 
أكثر من مئة ألف رأس» وأنخذوا من الدواب والبغال والغنائم والأموال ما لا يقع 
عليه الإحصاء. 

وفي سنة ١1414ه‏ وقع الخلاف بين طغرل بك وأخيه إبراهيم (ينال)» حق 
وصل الأمر إلى اقتتال جيشيهما وافزام (ينال) والقبض عليه ثم إحسان أخحيه إليه. 

وتوطد أمر طغرل بك وعلت سلطته فأرسل إلى حاكم مقاطعة دياربكر أن 
يقيم له الخطبة في بلاده ففعل؛ وأحس البيزنطيون أنه أصبح في جوارهم حكم قوي. 
فراسل ملكهم طغرل بك وهاداه وطلب إليه أن يتعاهدا فاستجاب له. وأعيد تعمير 
مسجد القسطنطينية وخطب فيه لطغرل بك. 

يقول ابن الأثير: ودان حينئذ الناس كلهم لهء وعظم شأنه وتمكن ملكه وثبت. 


التمهيد 1 

ونستطيع القول: إن هذه المرحلة هي مرحلة قيام الدولة السلحوقية وابتداء 
أمرها ابتداء لا ينقصه شيء من حقائق الدول ومظاهرها. 

كان أبو منصور بن علاء الدولة صاحب أصفهان على تحاذب مع طغرل بك؛ 
تارة يطيعه» وتارة يتمرد عليهء فلما اتتهى طغرل بك من عصيان أخخيه إبراهيم 
(إيئال)» مضى إلى أصفهان عازماً على احتلالها فاستعصت عليه؛ وظل على حصارها 
نحو سئةء وأخيراً استسلمت ودلها في المحرم من سنة 47 4ه فأحسن فيها السيرة: 
واستطابما فنقل ما كان له قي الري من مال وذحائر وسلاح إليها وحعلها عاصمته. 

على أن بعض الشرائح السلجوقية لم تفهم حقيقة قيام الدولة بسلطتها 
المركزية» فظلت تتصرف تصرفا قبائلياً» فألب أرسلان بن داود أخمي طغرل بك سار 
من مدينة مرو بخراسان إلى بلاد فارس دون أن يعلم عمه طغرل بك؛ فوصل إلى 
مدينة (نسا) واحتلهاء وأحدث فيها مذبحه ونبها وأسر الآلاف من رجاها. 

يقول ابن الأثير: وكان الأمر عظيماً. ثم عادوا إلى خخراسان. 

وراح طغرل بك بمد في ملكه فاستولى على أذربيجان وسار إلى أرمينية وقصد 
إلى ملا ذكرد وكانت للبيزنطيين فحصرها وضيق على أهلها ونب ما جاورها من 
البلاد وأخبرهما وأسر من رجالماء وبلغ حي ارزن الروم» وعند حلول الشتاء عاد إلى 
أذرييجان دون أن يملك ملاذكرد. ثم توجه إلى الري فأقام يما ح دخلت سنة /ا5 4هم. 

السلاجقة في العراق 

سنئة /41 8ه بدت نية الملك السلجوقي طغرل بك في الاستيلاء على العراق. 
فأعلن أول ما أعلن أنه يريد الحج وإصلاح طريق مكة, وقد مهد يبمذا الشعار ليبرر 
زحفه إلى العراق. ولم يكتف هذا الإعلان» بل أضاف إليه أنه يريد المسير إلى الشام 
ومصر وإزالة المستنصر الفاطمي صاحبها. 

وراح يعد لأمر الفتح عدته فاتصل بأنصاره بالدينور وقرميسين وحلوان نخاصة 
لقرب هذه المناطق من العراق» كما اتصل بغيرها ما هو أبعد منهاء وأوصاهم بإعداد 
الميرة وجمع الأقوات والعلوفات والتهيؤ للتقدم عندما يطلب إليهم ذلك. 





- أصل السلاجحقة 





ثم لم يلبث أن مشى إلى حلوان وانتشرت جماعته في طريق خراسان» وأرسل 
إلى خليفة بغداد يعلن فيه تابعيته له وطاعته لأوامره؛ بل وعبوديته. 

وكان ف بغداد جماعات كثيرة من الأتراك فكتب إليهم عنيهم ويعدهم بالخير 
العميم. 

أما الخليفة فقد كان هواه مع طغرل بك فأمر الخطباء في جوامع بغداد بأن 
يخطبوا لطغرل بكء وأما الأتراك فقد أنكروا أمر طغرل بك وبعثوا إلى الخليفة 
برأيهم. 

وأما الملك البويهي (الرحيم) فقد سلم أمره إلى الخليفة ليقرر ما يشاءء وكذلك 
فعل من كان مع الرحيم من الأمراءء فكان رأي الخليفة أن يرسلوا رسولا إلى طغرل 
بك بإعلان الطاعة؛ ففعلوا. 

ثم أرسل إلى الخليفة يستأذنه في دحول بغداد فأذن لهء وخرج لاستقباله 
موكب حاشد فيه الوزير رئيس الرؤساء والقضاة والنقباء والأشراف وأعيان الدولة 
مع وحوه الأمراء من عسكر الرحيم. فلما علم طغرل بك بتوجه المستقبلين إليه 
أرسل وفدا من قبله لملاقاتهم وزيره أبا نصر الكندري مع بعض الأمراء ودخحل بغداد. 

إذا كان طغرل بك قد استقبل -حكوميا- بهذا الاستقبال الحافل» فإن 
عراطف الشعب لم تكن متوافقة مع هذا الاستقبال الحكومي. 

ومن الغريب - كما سنرى - أن دخول طغرل بك إلى بغداد وإعلان اسمه ف 
الخطبة؛ كان يعينٍ هاية الحكم البويهي الشيعي وحلول الحكم السلجوقي الس 
مكانه) ومع ذلك فإن البغداديين السنيين هم الذين بادروه بالمقاومة والثورة» في حين 
قابله الشيعة بالمحدوء والسكينة وحماية جنوده من الاعتداءات السنية عليهم!! إن 
المورخ لا يستطيع أن ير يبهذا الأمر دون أن يقف عليه وقوفا طويلاء ودون أن 
يتساءل لماذا قابل سُئيو بغداد طغرل بك وحكمه السلجوقي» يبهذه الغضبة الدموية» 
ولماذا كان هدوء الشيعة وسكينتهم؟!.. 


التمهيد 5" 


الحقيقة في ذلك تشرف البويهيين وحكمهم., وتدل على أن البويهيين لم 
يكونوا يؤثرون فريقا على فريق؛ فالسنيون لم يروا ف زوال حكمهم زوال عهد كان 
لا ينصفهم ويتعصب عليهم» والشيعة ل يروا قي ذلك حسراناء لأن الحكم الزائل لم 
يكن كيزهم بشيء, فهم لا يخسرون شيئاً بزواله وحلول حكم آخر محله» وقد فضلوا 
أن يبادروه بالإحسان إليه كما سنرى والسكوت عنه اتقاء لشر يمكن أن يحل بحم 


همية , 





ونُورة السنيين إنما جاءت لما كان يتسرب إليهم من أخبار مظالم السلاحقة 
فيما كان بأيديهم من بلاد. 

بدأت الاضطرابات ابتداء غريباء فابن الأثير يقول: لما وصل السلطان طغرل 
بك بغداد دخمل عسكره البلد للامتيار وشراء ما يريدونه من أهلهاء وأحسنوا 
معاملتهم. ثم يقول: فلما كان الغد خاء بعض العسكر إلى باب الأزج وأخذ واحدا 
من أهله ليطلب منه تبناء وهو لا يفهم ما يريدون؛ فاستغاث عليهم وصاح العامة يهم 
ورجموهم وهاجوا عليهم. 

وسمع الناس الصياح فظنوا أن الملك الرحيم وعسكره قد عزموا على قتال 
طغرل بكء فارتج البلد من أقطاره؛ وأقبلوا من كل حدب ينسلون» يقتلون من الغز 
من وحد في محال بغداد إلا أهل الكرخ (الشيعة) فإفهم لم يتعرضوا إلى الغزء بل 
جمعرهم وحفظوهم (انتهى). 

في اليوم الأول كان التعامل حسنا بين الحنود (الغز) جنود طغرل بك وبين 
البغداديين» فالجنود امتاروا من تحار بغداد وأحسنوا التعامل معهم؛ وني اليوم الثاني 
جاء جماعة منهم يريدون شراء التبن لدوايمم» ويبدو حليا أنهم لم يكونوا يعرفون 
كلمه (التبن) العربية» فحاولوا إفهام أحد المارة ما يريدون فأخذوه جانباً ليتفاهموا 
معهء فظن أنهم يريدون به شراء فاستنصر بالناس فنصروه وتألب عليهم ابلمهور 
وصاحوا يمم ورجموهم وتكائروا عليهم!. 


3 أصل السلا جحقة 


لو كان البغداديون مبتهجين بزوال الحكم البويهي الشيعي لأغضوا عن 
استنجاد ذاك الفرد المستنجد ولأقبلوا إليه وإلى من استنجد عليهم محاولين الاستفهام 
عما يحري ولفضوا المشكل بين الفريقين بأهون سبيل.. 

ولو كانوا مستبشرين بقدوم من أراحهم من حكم البويهيين لطيبوا خاطر 
الجنود الغز وتعرفوا إلى حاحتهم وبادروا بإرشادهم إلى باعة التبن واعتذروا إليهم عن 
سوء ظن ذاك الفرد يممء ولتصافوا جميعا وانتهى الأمر بالتوادد والتحابب. 

ولكن البغداديين كانوا اسفين لانقضاء العهد البويهي غاضبين على من أنماه 
فلم يكادوا يسمعون صرخة الاستنجاد حى هاجموا حنود طغرل بك ورجموهم دون 
أن يحاولوا الاستفسار عن سبب الخلاف, والاستعلام من الجنود عما يريدون. 

على اق الأختطر جر :ذلك نو نه لأس تعدو على رق ونوا الا تي ايوق 
البغدادي وحنود طغرل بك فهاجوا على الجنود ورجموهم؛ بل تعدى إلى اللجمهور 
البغدادي الس كله, هذا الجمهور الذي وصفه ابن الأثير بقوله: 

(وسمع الناس الصياح» فظنوا أن الملك الرحيم وعسكره قد عزموا على قتال 
طغرل بك فارتج البلد من أقطارهء وأقبلوا من كل حدب ينسلونء يقتلون من الغز 
من وجد في محال بغداد, إلا أهل الكرخ (الشيعة) فإهُم لم يتعرضوا إلى الغز 
وحفظوهم. ومعيئن ذلك أن البغداديين حين علموا بتسليم الملك البويهي بالأمر الواقع 
وعدم مقاومته للاحتلال السلجوقي سكتوا وسلموا مثله بالأمر الواقع. ولكنهم 
حينما سمعوا الصياح ورأوا اشتباك مواطنيهم مع الغز حنود طغرل بكء؛ ظنوا بأن 
الملك البويهي (الرحيم) غير رأيه وعزم على المقاومة؛ لذلك ارتج البلد يهم وأقبلوا من 
كل حدب ينسلونء وراحوا يقتلون كل من يصادفونه من الجنود» وأعلنوها ثورة 
عامة على طغرل بك واحتلاله. 

أما أهل الكرخ (الشيعة) فقد كان موقفهم مغايراء ويبدو واضحا أنهم لم 
يشار كوا في هذه الثورة؛ بل راحوا يجمعون المنود الغز ويحفظوفهم. 





التمهيد الا 


وهذا ما يدعو إلى التفكير الطويل: السنيون يثورون على المحتل السئي القادم 
إليهم؛ وينتصرون للحاكم الشيعي ويثورون معه حين توهموا أنه ثائر على النتلين» 
ولا يبالون أن يقتلوا الحنود السنيين حيث وجدوهم. 

والشيعة يقفون على الحياد فلا ينتتصرون للحاكم الشيعي» ولا يثورون على 
الحاكم السين» ويزيدون على ذلك بأن يجمعوا الجنود السنيين ويحموهم ويصونوا 
دماءهم!! 

التفسير الصحيح لذلك - كما أشرنا من قبل - هو أن الحكم البويهي كان 
حكما عادلا غير متحيز لفريق على فريق» وأن السئيين كانوا راضين كل الرضا عن 
هذا الحكم الذي لم يسء لا إلى حياقم العامة ولا إلى مذهبيتهم, ولم يتدحل في 
طقرسهم وعقائدهم: بل تركهم أحرارا في كل شيء؛ والحرية هي مطمح الإنسان» 
فإذا حصل عليها فكل شيء بعدها يهون. 

وكل ما فعله الحكم البويهي هو أنه كما ترك السنيين أحراراء رفع الحيف عن 
الآخرين وأعاد إليهم حريتهم المغتصبة» ونركهم بمارسون هذه الحرية في طقوسهم 
وعقائدهم.. 

وبذلك تساوى اللجميع؛ بعد أن كانت الحرية لفريق دون فريق.. 

وسمعة الحكم السلجوقي كانت سيئة لدى البغداديين» وأحبار مظالمه كانت 
تصل إليهم. 

لذلك رأيناهم يقفون منه ذاك الموقف الحاد حين رأوه يصل إليهم. والإنسان 
لا قهمه حريته العقائدية فقط» بل همه حريته الكاملة» فماذا يجديه إذا كانت تترك له 
حريته العقائدية في حين تسلب منه حرية الحياة في كرامته وماله وعيشه واجتنائه 
العدل الاجتماعي. 

ونحن هنا لا نريد أن نستعرض الحكم البويهي الذي قابل البغداديون انتهاءه 
بالثورة على من أفغافى وحسبنا في أن نورد نماذج مما شهد به المورخون من نصاعة 


١‏ أصل السلاحقة 


الحكم البويهي» فابن الأثير يقول مثلا وهو يتحدث عن ظفر معز الدولة أبى الحسين 
أحمد بن بويه بياقوت وملك شيراز بعد معركة شرسة. 

يقول: كان معز الدولة في ذلك من أحسن الناس أثراء ثم يقول: إن معز الدولة 
وجد فيما غنمه بعد النصر: برانس لبود عليها أذناب الثتعالب ووجد قيودا وأغلالاء 
فسأل عنهاء فقال أصحاب ياقوت: إن هذه أعدت لكم لتجعل عليكم ويطاف بكم 
في البلاد. 

فأشار أصحاب معز الدولة أن يفعل يمم مثل ذلكء فامتنع وقال: 

إنه بغي ولوم ظفرء وقد لقي ياقوت بغيه. 

ثم أحسن إلى الأساري» وأطلقهم وقال: هذه نعمة والشكر عليها واحب 
يقتضى المزيد» وخخير الأسارى بين المقام عنده واللحوق بياقوت» فاخحتاروا المقام 
عنده» فخلع عليهم وأحسن إليهم. 

وسار من موضع الوقعة حيّ نزل بشيراز» ونادى في الئاس بالأمان وبث 
العدل» وأقام لهم شحنة يمنع من ظلمهم... ٍ 

ويصفه عند ذكر موته (ص 2175) بقوله: كان حليما كريا عاقلا. 

وعندما ينحدث ابن الأثير (ص 770) عن ركن الدولة البويهي يقول: 

كان حليماء كريماء واسع الكرم: كثير البذل» حسن السياسة لرعاياه؛ وجنده 
رعوفا بحم عادلا في الحكم بينهم؛ وكان بعيد الهمة» عظيم الجد والسعادة» متحرجا 
من الظلم» مائعا لأصحابه منه, عفيفاً عن الدماء. يرى حقنها واجبا إلا فيما لا بد 
منه. وكان يحامي على أهل البيوتات وكان يجري عليهم الأرزاق ويصوفهم عن 
التبذل؛ وكان يقصد المساحد الجامعة في أشهر الصيام» للصلاة» وينتصب لرد المظالم؛ 
ويتعهد العلويين بالأموال الكثيرة» ويتصذق بالأموال الحليلة على ذوي الحاحات؛ 
ويلين حانبه للخاص والعام. 

ثم يختم ابن الأثير الحديث عنه قائلا: رضي الله عنه وأرضاه. 

ومثل هذا القول لا يقال إلا للخلفاء الراشدين. 





التمهيد 0" 





ويقول ابن الأئير عن عضد الدولة: كان عاقلا فاضلا حسن السياسة» كثير 
الإصابة» شديد الهيبة: بعيد الهمة» ثاقب الرأي محباً للفضائل وأهلهاء باذلا في مواضع 
العطاء؛ مانعا في أماكن الحزم: ناظرا في عواقب الأمور. وبى على مديئة النبي (25) 
سوراء وكان لا يعول في الأمور إلا على الكفاءة: ولا يجعل للشفاعات طريقاً إلى 
معارضة من ليس من جحنس الشافع ولا فيما يتعلق به. 

حكي عنه: أن مُقدم حيشه أسفار بن كردويه شفع في بعض أبناء العدول 
ليتقدم إلى القاضي ليسمع تزكيته ويعدله؛ فقال: ليس هذا من أشغالكء إنما الذي 
يتعلق بك الخطاب في زيادة قائد» ونقل مرتبة جندي وما يتعلق يمم. وأما الشهادة 
وقبوهاء فهو إلى القاضيء وليس لناء ولا لك الكلام فيه» وم عرف القضاة من 
إنسان ما يجوز معه قبول شهادته؛ فعلوا ذلك بغير شفاعة. 

وكان يمخرج في ابتداء كل سنة شيئاً كثيراً من الأموال للصدقة والبر في سائر 
بلاده» ويأمر بتسليم ذلك إلى القضاة ووجوه الناس ليصرفوه إلى مستحقيه. 

وكان يوصل إلى العمال المتعطلين ما يقوم يمم ويحاسبهم به إذا عملوا. وكان 
محبا للعلوم وأهلها مقربا لهم ممسناً إليهم؛ وكان يجلس معهم يعارضهم في المسائل, 
فقصده العلماء من كل بلد وصنفوا له الكتب منها: (الإيضاح) في النحو و(الحجة) 
في القراءات» و(الملكي) في الطبء ول(التاحي) في التاريخ إلى غير ذلك؛ وعمل 
المصالح في سائر البلاد كالبيمارستانات (المستشفيات) والقناطر (الجسور) وغير ذلك 
من المصالح العامة. 

هذه نماذج مما تحدث به المورحون عن رحال الحكم البويهي. لذلك لا نعجب 
إذا رأينا البغداديين الذين لم يكونوا على مذهبهم يغضبون لزوال حكمهم ويثورون 
على من أزال هذا الحكم. 

أما الشيعة فلم يشاءوا أن يورطوا أنفسهم في ثورة اعتقدوا أنها فاشلة؛ فيجعلوا 
للحاكم الجديد سبيلا للإيغال في اضطهادهم, ورأوا أن يكون هم يد بيضاء عنده في 


حمايتهم لحنوده وعدم التعرض هم بالأذى وصون دمائهم. لعل هذه اليد تردعه عما 
يتوقعون من شره!.. 

وبالفعل فقد بدا أن موقفهم هذا قد أثمرء ولكن المؤسف أن هذا الإثمار كان 
إلى حين. 

لقد بلغ طغرل بك ما فعله الشيعة من حماية جنوده: فأمر بإحسان معاملتهم 
وأرسل وزيره إلى نقيب العلويين عدنان بن الشريف الرضي الذي كان يتولى نقابة 
العلويين بعد وفاة عمه الشريف المرتضيء وقد كان عدنان هذا أبرز شخصية شيعية 
في بغداد» بل كان رأس الشيعة فيها. 

أرسل الوزير إلى النقيب يطلب إليه الحضور لمقابلته» فجاء إليه فشكره باسم 
طغرل بكء وترك عنده خيلا بأمر طغرل بك تحرسه وتحرس المحلة كلها. 

ومعين ذلك أفهم كانوا يتوحسون من اعتداءات ربما تقع على النقيب وعلى 
امحلة بسبب الموقف الحيادي الذي وقفته. 

لقد كانت الثورة على الحكم الحديد ثورة هوجاء بدون قيادة وبدون تخطيط», 
فالعامة حين رأوا أنهم نمححوا في قتل من قتلوا من الجنود» خرجوا إلى ظاهر بغداد 
حيث يعسكر اليش السلجوقي؛ وخرج معهم جماعة من العسكرء بقصد الاشتباك 
بالجيش. 

وف تقديرات ابن الأثير أنه لو حرج معهم الملك الرحيم ومن لديه من جنود 
لانتصرت الثورة. 

وهذا غير بعيد؛ لأن في ذلك على الأقل وجود قيادة» ووجحود حنود محترفين. 

ولكن يبدو أن (الرحيم) لم يكن من رجال مثل هذا الموقف الذي يقتضي 
شجاعة وحزمًا وحسن تدبير» لذلك تخلف عن الالتحاق بالثائرين وتخلف معه 
جنودة, 

أما أعيان أصحابه فد أسرعوا دفعا للتهمة عنهم إلى دار الخلافة وأقاموا فيها. 


التمهيد نا 


ووقع الصدام حارج بغداد بين الجماعات الثائرة وبين الجيش السلجوقي 
و كثرت القتلى من الفريقين. 

وكان من الطبيعي أن تكون فاية تلك الجماعات: المزيمة؛ لأنه كان يعوز 
تورهها شيئان: التخطيطء والقيادة. 

وكان هذان الشيئان الأساسيان مفقودين لدى الثوار المقاتلين» إذ إن ثورتهم 
انبعثت من انفعال جماهيري طارئ فانتهت إلى المزيمة» وإحكام سيطرة طغرل بك 
على بغداد. 

تحققت هواحس البغداديين فافتتح الحكم السلجوقي أمره بالنهب؛ ويصف ابن 
الأثير ما كان يجري قائلا: ونب الغز درب ييى ودرب سليمء وبه دور رئيس 
الرؤساء ودور أهله فنهب الجميع. ا.هم. ورئيس الرؤساء هذا هو وزير الخليفة وهو 
الذي ذكرنا من قبل أنه حرج على رأس موكب حافل لاستقبال طغرل بك. 

فلم يشفع له منصبه واستقباله وحفاوته» بل نبت دوره ودور أهله. 

ويسترسل ابن الأثير في وصف ما افتنح به السلاحقة حكمهم في العراق قائلا: 
ونهبت الرصافة وترب الخلفاء وأخذ منها من الأموال ما لا يحصى؛ لأن أهل تلك 
الأصقاع نقلوا إليها أموالهم اعتقادا منهم أنما محترمة. 

ووصل النهب إلى أطراف فير المعلي» واشتد البلاء على الناس وعظم المخذوف ا. ه. 

وتحاهل طغرل بك ذلك كله. وكل ما فعله أنه أراد التخلص من ارتباطات 
وعوده للملك الرحيم الي كانت يتوسط الخليفة» فأرسل إلى الخليفة يعتب» وينسب 
ما حري إلى الملك الرحيم وأحناده؛ ويقول: إذا حضروا برئت ساحتهم, وإن تأخروا 
عن الحضور أيقنت أن ما جرى إنما كان بوضم منهم. وأرسل للملك الرحيم وأعيان 
أصحابه أمانا لهمء فطلب إليهم الخليفة أن يذهبوا إلى طغرل بك وأرسل معهم رسولا 
من قبله يبرئهم نما يتهمهم به طغرل بك. 

فلما وصلوا إلى خحيامه تمبهم الحنود وهبوا رسل الخليفة وأخذوا دوابهم 
ونيابهم. 





0 أصل السلاحقة 

ومع أن احتلال السلاجقة للعراق ودخحول طغرل بك بغداد كان في حقيقة 
الأمر نتيجة تواطؤ بين السلاجقة والخليفة تخلصا من سيطرة البويهبين على الخلافة» 
فإن هيبة الخلافة انتتهكت من السلاحقة في أول يوم وصلوا فيه إلى بغداد.» وذلك 
بإهانة رسل الخليفة ونبهم وبحريدهم حى من ثيايهم. 

وزيد في الأمر أن الملك الرحيم ومن معه إنما ذهبوا إلى طغرل بك بضمان 
الخليفة ورسالته بتبرئتهم» ولكن طغرل بك لم يبال بذلك» فبمجرد دنحوهم عليه؛ أمر 
بالقبض عليهم وسحنهمء ثم أرسل الملك الرحيم معتقلا إلى قلعة السيروان. 

وهال الخليفة ما لحقه من الإهانة بالقبض على الرحيم وأصحابه؛ وما كان قد 
جرى على رسله. ونهب بغداد على مرآى ومسمع منه؛ فأرسل إلى طغرل بك ينكر 
ما جحرى من القبض على الرحيم وجماعته: والاعتداء على قصر الخلافة بيغداد ونمبها 
وترويع أهلها. ويقول في رسالته: 

(إفهم (الرحيم وصحبه) إنما خرجوا إليك بأمري وأمان» فإن أطلقتهم: وإلا 
فأنا أفارق بغداد» فإ إنما احترتك واستدعيتك اعتقادا م أن تعظيم الأوامر الشريفة 
يزداد وحرمة الحريم تعظم؛ وأري الأمر بالضد). 

وإزاء هذه الغضبة الخليفية أطلق طغرل بك بعض المقبوض عليهم؛ أما الرحيم 
وهو المقصود الأول بكلام الخليفة فقد احتفظ به مقبوضا عليه وأرسله معتقلا سجينا 
إلى قلعة السيروان» كما مر. : 

وهكذا ظلت غضبة الخليفة بلا نتيجة عملية» فكان هذا بداية الاستهتار .مقام 
الخلافة» وبداية إذلانها وإحكام السيطرة عليها. 

وأما ما يتعلق باحتجاج الخليفة على ما جرى على أهل بغداد فقد قوبل يمد 
النهب والترويع إلى ما يتجاوز بغداد ويصل إلى سوادها وأريافهاء وظل المد يتعاظم 
حىّ صار مداه من الجانب الغربي من تكريت إلى النيل ومن الشرقي إلى النهروان 
وأسافل الأعمال» كما ذكر ابن الأثير. 

أي: أن النهب همل معظم العراق. 


التمهيد 83 

ويضيف ابن الأثير إلى ذلك قائلا: ورب السواد وأجلي أهله عنه. هذه هي 
فاتحة أعمال السلاحقة في العراق الي عاملوا يما العراقيين جميعا السنيين منهم 
والشيعة. 

على أنهم لم ينسوا أن يخصوا الشيعة الذين لم يشاركوا في الثورة عليهم, وحموا 
حنودهم من القتل وآووهم في دورهمء لم ينسوا أن يخصوهم بنوع من الحور لا 
يطال غيرهم. فالشيعة لا يقولون في آذان السحر: (الصلاة خحير من النوم)» بل 
يقولون بدلا عن ذلك (حي على خير العمل). 

فإذا بأوامر طغرل بك من أول يوم تندحل في شئوفم المذهبية وتفرض عليهم 
أن يتركوا حي على خخير العمل؛ ويبدلوها بالصلاة خير من النوم. 

في حين أن البويهيين الذين طال حكمهم في بغداد والعراق لم يتدحلوا في مثل 
هذه الشئون؛ وتركوا الناس أحرارا في طقوسهم المذهبية. 

وسينال الشيعة ما هو أشد من هذا وأفظع. 

طغرل بك في العراق 

استقر طغرل بك في بغداد وأمضى فيها ثلاثة عشر شهرًا وأياما دون أن يلق 
الخليفة. وقد كان في هذا تجاهل لمقام الخلاقفة واستهانة بالخليفة. 

وهذا الخليفة الذي تآمر مع السلاجقة على البويهيين؛ عامله السلاجقة بالمهانة 
منذ اليوم الذي دخلوا فيه بغداد. كما رأينا فيما تقدم من الأحداث. وتوالت هذه 
المهانة إلى الحد الذي ْم ير فيه الملك السلجوقي أن عليه أن يزور الْخليفة!.. 

وإذا كان ما ليه الخليفة هو المهانة» فإن ما لقيه الشعب هو الإذلال والإفقار. 
يقول ابن الأثير: (طال مقام السلطان طغرل بك ببغداد وعم الخلق ضرر عسكره؛ 
وضاقت عليهم مساكنهم فإن العسكر نزلوا فيها وغلبوهم على أقواتهم وارتكبوا 
منهم كل محظور). 

هذه الصورة .الموجزة في كلامه ترينا واقع الحال الي كان عليها أهالي بغداد 
في حكم السلاحقة: الجنود يشاطروهم السكين ف دورهم. 





* أصل السلاجقة 





ونستطيع أن نتصور بضعة حنود يساكنون أسرة في منزهاء الأسرة المكونة 
من رجال ونساء وأطفال. وعلى هذه الأسرة أن تتكفل بإطعام هؤلاء الدنود» وفوق 
ذلك يرتكب هؤلاء الجنود في الأسرة كل محظور!! والمحظورات الي لم يشا ابن الأثير 
أن يعددها نستطيع أن نتخيلها ونحسها!. 

هال الخليفة القائم بأمر الله ما يلقاه الشعب البغدادي- لا سيما وأنه المسثول 
الأو ل عن احتلال السلاجقة لبغداد - وما دام السلطان السلحوقي يتجاهله. فقد 
رأى أن لا يخاطبه؛ ولا يتصل به مباشرة» فكلف وزيره الملقب رئيس الرؤساء: أن 
يكتب إلى عميد الملك الكندري وزير السلطان أن يحضر للمقابلة الوزير فإذا حضر 
بين له عن الخليفة ما الناس فيه من البلاء. فإن أزال ذلكء» وإلا يساعد الخليفة على 
الانتزاح عن بغداد ليبعد عن المنكرات. 

ولا شك أن الخليفة قد تصرف تصرفاً فيه كل الدقة (الدبلوماسية)» فهو لم 
بخاطب السلطان بنفسه؛ فدلل بذلك على أنه لا يعترف به. ثم هو لم يطلب من 
وزيره أن يذهب لمخاطبة وزير السلطان» بل طلب إليه استدعاءه إليه» فدلل بذلك 
على أنه هو ووزيره أصحاب السلطة الشرعية... 

وحاء الكندري وتبلغ أمر الخليفة» ومضى إلى السلطان يبلغه ذلك. فاعتذر 
السلطان بكثرة العساكر وعجزه عن تمذيبهم وضبطهم؛ وأمر الكندري أن يلغ 
عذره هذا إلى وزير الخليفة.. 

وبذلك أبدى إصراره على استدامة الحال على ها كانت عليه؛» ورفض 
تعليمات الخليفة برفع البلاء» وعدم اكترائه بتهديد الخليفة بالرحيل عن بغداد... 

وهنا حدث ما ّم يكن بالحسبان: فقد حصلت عند سنجار معركة حربية بين 
(البساسيري) -سيأتي الحديث عنه- ومعه نور الدولة بن دبيس بن مزيد؛ وبين قريش 
بن بدران صاحب الموصل ومعه (قتلمش) فاقتتلوا قتالا شديدا فانزم قريش وقتلمش 
وقتل العدد الكثير من أصحاهما. 


6١ التمهيد‎ 

أما قتلمش المنهزم بأصحابه فقد لقي هو وأصحابه من أهل سنجار الأذي 
البالغ. 

وأما قريش بن بدران فقد جرح ف المعركة, فجاء إلى نور الدولة دييس بن 
مزيد» فرحب به دبيس وأعطاه خحلعة كانت قد وصلت من مصر فليسها. 

وانضم إليهم. وساروا جميعا إلى الموصل وأعلنوا انضمامها إلى الخلافة الفاطمية 
وخحطبوا للخليفة الفاطمي المستنصر بالله. 

وصلت أنباء ما جرى إلى طغرل بك في بغداد وهو في عنفوان تجبره واستعلائه 
على الخليفة وإصراره على اضطهاد الشعب العراقي. 

ويبدو جليا أنما وصلته ف نفس اليوم الذي رد فيه على رسالة وزير الخليفة بما 
ردء وبعد أن حمل وزيره الكندري رده إلى وزير الخليفة. 

فأمام الخطر الداهم الذي فاجأته أخباره عما جري في الموصلء والخشية من 
تفاقم الأمور وامتداد العصيان باتحاه بغداد» وقد بدت طلائعه عما جرى على ابن عمه 
وممثله (قتلمش) ف سنجار أمام ذلك» لم يحد بدا من التراجع عن طغيانه» واسترضاء 
الخليفة والبغداديين» وإيجاد مخرج لذلك» لا يبدو فيه ضعيفا متخاذلاء متراجعا عما 
عزم عليه خحائفا من الآني. 

كان المخحرج هو ادعاؤه أنه رأى في تلك الليلة في منامه النبي () عند الكعبة 
وكأنه يسلم على النبي وهو معرض عنه لم يلتفت إليه. وقال له: يحكمك الله في 
بلاده وعباده فلا تراقبه فيهم ولا تستحي من جلاله عز وحل ف سوء معاملتهم وتفتر 
بإعماله عند الحور عليهم. 

وتظاهر بأنه استيقظ فزعاء وأحضر وزيره الكندري وحدثه جما ادعى أنه رآه 
وأرسله إلى الخليفة يعرفه أنه يقابل ما رسم به بالسمع والطاعة. 

وأخرج الجند من دور العامة؛ وأمر أن يظهر من كان مخفيا إلى غير ذلك... 





1" أصل السلاجقة 





ثم تمهز طغرل بك وترك بغداد لإحماد تمرد الموصلء» فلما بلغ بحيشه (أوانا) 
نسي البي (يْ) ونسي المنام» فأعمل جيشه النهب فيها وف عكبرا وفي كل ما كان 
عر به ف طريقه. ووصل تكريت فسلمت البلدة عمال قدمه صاحبها لطغرل بك. 

ولما وصل (البوازيج) أقام فيها حىّ دخلت سئة 459ه فأتاه أخوه (ياقوقٍ) 
بالعساكر فسار يمم إلى الموصل واستخلصها. 

ولا بدت لدبيس بن مزيد وقريش بن بدران مظاهر قوة طغرل بك أسرعا 
يوسطان من يشفع لمما عنده ويعفو عنهما ففعل. 

ولكن إبراهيم (ينال) أخوه قال للوزير الكندري: من هؤلاء العرب حت 
تحعلهم نظراء السلطان وتصلح بينهم؟. هذا هو احترام السلاحقة للعرب!... 

ثم سار طغرل بك إلى ديار بكر وحزيرة ابن عمرء ولما كان يحاصرها سار 
جماعة من الحيش إلى (عمر اكمن) وفيه أربع مئة راهب فذبحوا منهم مئة وعشرين 
راهباء وافتدى الباقون أنفسهم بستة مكايك ذهبا... 

أرسلان البساسيري هو ف الأصل مملوك تركي من مماليك ماء الدولة بن عضد 
الدولة البويهى؛ ثم صار من جملة الأمراء عند البويهيين يرسلونه في مهماهم ثم ترقت 
به الحال وتقدم عند الخليفة القائم وقلده الأمور بأسرها وخعطب له على المنابر وهابته 
الملوك؛ ثم جرت بينه وبين وزير الخليفة الملقب رئيس الرؤساء منافرات فخرج 
البساسيري من بغداد وجمع واستولى على بغدادء وأنخرج الخليفة منهاء وخطب 
للمستنصر الفاطمى وقتل رئيس الرؤساء شرقتلة». واستولى على بغداد سنة كاملة. - 
قي تفاصيل سنعرض لبعضها بقدر ما له ارتياط .كوضوعنا- . 

وما يدل على كفاءة البساسيري, ما يذكره ابن الأثير في أحداث سنة 67٠‏ 
ه من أنه فيها استخلف البساسيري في حماية الحانب الغربي ببغداد لأن العيّارين 
اشتد أمرهم وعظم فسادهم وعجز عنهم نواب السلطان فاستعملوا البساسيري 
لكفايته وفضته. 

فون تعو هنا إدازيا جازم معنا 1 راندوة فيغاات امون 


التمهيد دن 

وف أخمبار سنة 4*5ه تقرأ أن خلافا قام بين جلال الدولة البويهى وبين 
قرواش بن المقلد العقيلي صاحب الموصل وأن جلال الدولة أرسل أبا الحارث 
البساسيري في مهمة عسكرية ناتحة من هذا الخلاف. وني أحداث سنة 44١‏ ه 
نقرأ أن جمعا من بين عقيل ساروا إلى بلاد العجم من أعمال العراق وبادوريا فتهبوهما 
وأحذوا من الأموال الكثير» وكانا في إقطاع البساسيري فسار من بغداد بعد عودته 
من فارس إليهم؛ فالتقوا هم وزعيم الدولة أبو كامل بن المقلد» واقتتلوا قتالا شديدا 
أبلى الفريقان فيه بلاء حسناء وصبرا جميلا وقتل جماعة من الفريقين. 

وابن الأثير راوي هذا الخبر لم يحدئنا من قبل عن سفر البساسيريي إلى فارس؛ 
ولا هو حدثنا هنا عما آلت إليه تلك الحرب!. 

وإن نكن عرفنا أنه قد أصبح للبساسيري إقطاعات عديدة واسعة وأن له 
مقاتلين ينفرون معه لقتال أعدائه قتالا شديدا. 

ثم لا نلبث أن نقرأ أن حربا شديدة قامت بين نور الدولة دبيس بن مزيد وبين 
الأتراك الواسطيين» وأنه بعد وقوع الهزبمة على الواسطيين أرسلوا إلى بغداد 
يستنجدون جندهاء وأهم بذلوا للبساسيري أن يدفع عنهم نور الدولة؛ ويأحذ فر 
الصلة وهر الفصل لنفسه. 

ثم نقرأ أن قرواشا أساء السيرة في أهل الأنبار ومد يده إلى أموالهم, فسار 
جماعة من أهلها إلى البساسيري في بغداد وسألوه أن ينفذ معهم عسكرا يسلمون إليه 
الأنبار فأحاههم إلى ذلك؛ وسير معهم جيشاء فتسلموا الأنبار» ولحقهم البساسيري 
وأحسن إلى أهلهاء وعدل فيهم؛ ولم يمكن أحدا من أصحابه أن يأخذ رطل خبز 
بدون ثمنهء وأقام فيها إلى أن أصلح حاها وقرر قواعدها وعاد إلى بغداد. 

فها هنا يبدو البساسيري صاحب عسكر مستقل بأمره يستنجد به فينجد... 

ثم نراه بعد ذلك يسير من بغداد إلى طريق خراسان ويقصد ناحية الدزدار 
ويملكها ويغنم ما فيهاء وكان سعدي بن أبي الشوك قد ملكها وقد عمل لها سورا 





وحصتها وحعلها معقلا يتحصن به ويدخر با كل ما يغنمه فأحذه البساسيري 

وف سنة 47 4ه نرى البساسيري إلى جانب الملك البويهي الرحيم مع دبيس 
بن مزيد وغيره يشرفون على ما تحقق من نصر للملك الرحيم في التمرد الذي قام به 
جمع كثير من العرب والأكراد في خوزستان. 

وفي أحداث سنة 44+6ه نري أن الملك الرحيم يسلم البصرة إلى 
البساسيري؛ وف السنة نفسها يزوج نور الدولة دبيس بن مزيد ابنه يهاء الدولة 
منصورا بابئة أبي البركات بن البساسيري. 

وف سنة 446ه يصل الخبر إلى بغداد بأن جمعا من الأكراد وجمعا من 
الأعراب قد أفسدوا في البلاد وقطعوا الطريق وهُبوا القرى» فيسير إليهم البساسيري 
ويتبعهم إلى البوازيج فيوقع بطوائف كثيرة منهم ويقتل فيهم ويغنم أموالهم وينهزم 
بعضهم, فيعبرون الزاب عند البوازيج فلا يدركهم ولا يتمكن من العبور إليهم لزيادة 
الماء وبذلك بحوا وفي سنة 45 4ه يرد اسم البساسيري خلال ذكر فتنة في بغداد 
هكذا: (وركب جماعة من الأتراك إلى دار الروم فنهبوها وأحرقوا البيع والقلايات 
ونهبوا دار أبي الحسن بن عبيد وزير البساسيري. 

إذن فقد صار للبساسيرى وزير» ولكن ما هو المنصب الذي يشغله ليكون له 
وزير؟ إننا حى الآن وق جميع الأحداث الي تقدم ذكرهاء لم نعثر فيما كتب عنه 
على اسم المنصب الذي يشغله أو المناصب الي تدرج فيها إلى أن بلغ المنصب الذي 
يصح أن يكون له فيه وزير. 

على أنه في كل ما مر ذكره من تصرفاته يبدو مستقلا في هذه التصرفات لا 
يتلقى أوامره من أحد. مع أنه مقيم في عاصمة الحكم بغداد؛ وفيها الخليفة العباسي 
والملك البويهي!. 

ويبدو استقلاله الطاغي فيما حدث هذه السنة نفسها من هجوم بن خفاحة 
على الجامعين وأعمال نور الدولة دبيس وفبهم وفتكهم في تلك النواحي» فأرسل 


التمهيد هه 





نور الدولة إلى البساسيرى يستنجده فسار إليه منجدا وعبر الفرات فانهزم الخفاحيون 
وأوقع البساسيري يهم وهب أموالهم وشردهم كل مشرد, وعاد إلى بغداد ومعه منهم 
خمسة عشرون رحلا فقتل جماعة وصلب جماعة. 

وهذا كله يدل على تفرد في السلطة لا يرحع فيه لا إلى الخليفة ولا إلى الملك 
ولا إلى الوزير. ولما جصر قريش بن بدران صاحب الموصل مدينة الأثبار وفتحها 
وخطب لطغرل بك فيها وفي سائر أعماله وفب ما كان فيها للبساسيري وغيره؛ 
جمع البساسيري جموعاً كثيرة وقصد الأنبار وحربي فاستعادهما. 

ليس في النصوص الي هي في أيدينا ما يدل على أن البساسيري كان يرجع إلى 
أحد في تنفيذ ما يريد تنفيذه؛ ولا أن أحدا ممن أنحدهم كان يطلب الاستنجاد من 
سلطة أعلى من البساسيري فتنتدب هي البساسيري لإنفاذ النجدة: فيما عدا ما رأيناه 
في أول عهده بالبروز من انتدابه الحماية الجانب الغربي ببغداد من تسلط العيارين 
عليه. 

ولا أنه كان يستأذن أحدا في استعمال القوة في حماية ما يعتقد أنه من حقه. ثم 
رأينا أنه كان له وزير. 

هذا يدل على انحلال سلطة الملك الرحيم المفروض فيه أنه هو صاحب السلطة 
الفعلية في الدولة» ويدل على عدم جدارته لتولى المنصب الذي وصل إليه؛ ثما كان له 
الأثر الأكبر في تسهيل سيطرة السلاجقة على الخلافة» ودخول طغرل بغداد دون أن 
يلقى مقاومة بويهية كان سبب فقدانماء فقدان الكفاءة القيادية عند الملك الرحيم . 

السلطة المطلقة الي صارت للبساسيري كان من الطبيعي أن لا تكون موضع 
رضا لا من الخليفة ولا من وزيره الملقب (رئيس الرؤساء) لا سيما من الأغخير» فكانا 
يكبتان غضبهما لعجزهما عن الوقوف في وجه تنامي نفوذ البساسيري. 

وجحد أن اثنين مخاصمين للبساسيري يسميهما ابن الأثير: أبا الغناء ؛ وأبا سعيد 
ابن امحلبان صاحبي قريش بن بدران وصلا سرا إلى بغداد, مما ساء للبساسيري وقال: 


5< أصل السبلاحقة 


هؤلاء وصاحبهم لبسوا حلل أصحابي وفبوا وفتحوا البثوق وأسرفوا في إهلاك 
الناس» وأراد القبض عليهم فحيل بينه وبين ذلك. 

ونسب ذلك إلى رئيس الرؤساءء واحتازت به سفينة لبعض أقارب رئيس 
الرؤساء فمنعهاء وطالب بالضريبة الى عليهاء وأسقط ما كان يدفع للخليفة شهريا 
من دار الضرب» وكذلك ما كان يدفع لرئيس الرؤساء وبعض الحواشي؛ وأراد هدم 
دور بِنٍ المحلبان فمنع من ذلك. وقال: ما أشكو إلا من رئيس الرؤساء الذي خحرب 
البلاد و أطمع السلاجقة وكاتبهم. 

ثم مضي إلى الأنبار» وأحرق ناحييّ (دما) و(الفلوجة)» وكان أبو الغنائم بن 
المحليان بالأنبار قد أتاها من بغداد. وجاء نور الدولة دبيس إلى البساسيري معاونا له 
على حصار الأنبار. 

ونصب البساسيري عليها المحاتيق» ورماهم بالنفط, ودخلها قهراء فأسر مئة 
نفس من بن حفاجة وأسر أبا الغنائم بن امحلبان بعد أن كان قد ألقى نفسه في 
الفرات فأخذ, ونب الأنبار وأسر من أهلها خمس مئة رجل. 

وعاد إلى بغداد» وأمامه أبو الغنائم على جمل؛ وعليه قميص أحمر وعلى رأسه 
برنس» وف رحليه قيد» وصلب جماعة من الأسري. 

وبالرغم من شدة هذا التحدي لرئيس الرؤساء وللخليفة نفسه. فقد قوبل 
بالصمت والمدو». ما دل على عجزهما عن كبح البساسيري. 

ولكن صدف بعد حين أن صديقا نصرانيا للبساسيري كان ينقل في سفينة 
حرار حمر فاستغل هذا الأمر وحرضت العامة بزعم أن هذا الخمر مرسل إلى 
البساسيري فتجمهر خلق كثير. 

وما يدل على أن هناك تحريضا من رئيس الرؤساء أنه كان بين المتجمهرين 
موظف كبير من موظفي الدولة يصفه ابن الأثير بأنه (حاجب باب المراتب)» وهحم 
الجميع على السفينة وكسروا جرار الخمر وأراقوها. 


التمهيد ف 

وبلغ ذلك البساسيري» وبلغه ما أشيع باطلا بأن جرار الخمر مرسلة إليه فعظم 
الأمر عليه؛ ونسب ما جرى إلى رئيس الرؤساء. 

كان أن اسيتدر حاو عن مقياء اللنفية يآن النق كلمن كم لزان 
وإراقة الخمر تعد غير واجبء؛ وهي ملك رجحل نصران لا يجوز. 

وحرض رئيس الرؤساء الأتراك البغداديين على الطعن في البساسيري وذمه 
والتشنيع عليه؛ ونسب إليه كل ما ينالهم من أذي. 

فلم يلبثوا أن حاءوا إلى الخليفة» يستأذنونه في التعدي على دور البساسيري» 
ونبها فأذن لهم فساروا إليها وفبوها وأحرقوها ونكلوا بنسائه وأهله ونوابه» وقبوا ٠‏ 
دوابه وجميع ما يملكه في بغداد. 





وراح رئيس الرؤساء يتناول في مجالسه البساسيري ذاما له» ناسباً إليه التآمر مع 
الخلافة الفاطمية في مصر ومراسلة الخليفة المستنصر. 

وفسدت الأمور بين الخليفة» والبساسيري إلى الحد الذي لا حكن معه 
إصلاحها. وأرسل إلى الملك الرحيم يأمره بإبعاد البساسيري فأبعده. 

ويقرر ابن الأثير: أن هذه الحالة كانت من أعظم الأسباب في ملك السلطان 
طغرل بك العراق والقبض على الملك الرحيم. 

ثم حدئت معركة سنجارء والاستيلاء على الموصل ال أشرنا إليها فيما تقدم؛ 
وبذلك جاهر البساسيري بالثورة ومارسها عمليا وأعلن الانتماء إلى الخلافة 
الفاطمية. 

وفي سنة.ه14ه قام البساسيري بمحاولة ثانية للاستيلاء على الموصل» 
بالتعاون مع قريش بن بدران» فاستوليا على المدينة » لم يستوليا على القلعة إلا بعد 
حصار أربعة أشهر. 

وهنا كانت ثورة البساسيري قد أصبحت ثورة على الحكم السلجوقي الذي 
صار هو المسيطر على العراق؛ فلما بلغ طغرل بك ما حجري في الموصل سار ع إليها 


فلم يجد أحدا؛ لأن البساسيري وقريش كانا قد غادراهاء فمضى وراءهما إلى نصيبين. 


- أصل السلا حقة 





على أن طغرل بك واحه هنا انشقاقا عائلياً هو انفصال أخيه إبراهيم (ينال) 
عنه وتوجهه إلى همذان. 

وكان إبراهيم هذا قد انشق عن أيه قبل اليوم» وكان أوه طغرل يصفح عنه 
عندما يظفر به ولكن بدا أن الانشقّاق هذه المرة كان أبعد اتجاهاء وأكثر خخطرا من 
كل انشقاق سابق» إذ قيل: إنه كان نتيجة اتصال الفاطميين به وتحالف بينه وبين 
البساسيري. 

وسنعرض في مكان آخر لهذا الانشقاق في تفاصيل أوسع. 

وكان البساسيري يواصل ثورته وتقدم فاحتل بغداد ومعه فريش بن بدران» 
ويفهم من نص ابن الأثير: أن قوته لم تكن تتجاوز أربع مثة غلام على غاية الضر 
والفقر» وقوة قريش بن بدران تبلغ مي فارس. كذلك يفهم منه أنه كان يقابله 
العسكر والعوام؛ ومع ذلك فإنه يذه القوة القليلة واجه العسكر والعوام. 

والعوام الذين يذكرهم ابن الأثير هنا ريما كانوا بعض المرتزقة» أو بعض من 
ينعقون مع كل ناعق. والدليل على ذلك أن ابن الأثير نفسه يقول بعد بضعة سطور 
من قوله هذاء وهو يذكر أن هناك من كان لا يرى الاصطدام عسكريا بالبساسيري 
بسبب ميل العامة إلى البساسيري يقول: أما الشيعة فللمذهب» وأما السنة فلما فعل 
ممم الأتراك (السلاجقة). 

هذا القول الذي سجله ابن الأثير في تاريخه يرينا حقيقة النقمة الشعبية على 
السلاجحقة» فهو قبل أن يقول هذا القول» يذكر أن البساسيري أعلن الانضمام إلى 
الخلافة الفاطمية» وخطب في جامع المنصور للخليفة الفاطمي المستنصر؛ وأمر بالأذان 
بحي على نخير العمل. 

والخلافة الفاطمية خلافة شيعية» تعتمد أحد المذاهب الشيعية» والمستنصر 
حليفة شيعي مثل ذاك المذهب. 

والأذان بحي على مير العمل كان يعتبر تحديا للسّنيين الذين لا يأحذون به 
كما كان استبداله في أذان الصبح بالصلاة خحير من النوم يعتبر تحديا للشيعة. 


وفي تلك العصور كانت إذا نشبت الحرب بين حكم شيعي وحكم سبنء فإن 
اتتصر الأول كان أول ما يفعله هو الأذان بحي على خخير العمل وإلغاء: الصلاة ير 
من النوم في أذان الصبحء وإذا انتصر الثاني كان يفعل العكس. 

فنور الدين محمود, مثلاء عندما افتتئح مدينة حلب - وكانت شيعية - كان 
أول أمر يصدره هو إبطال حي على خيير العمل من الأذان» والإعلان بالصلاة خير 
من النوم قي أذان الصبح» وهدد كل من لا ينفذ هذا الأمر بالعقوبة الشديدة. 

وأرسل مراقبين إلى مآذن المدينة كلها يرصدون له ما يجري» فجاء الجواب بأن 
أوامره نفذت في جميع المآذن ما عدا واحدة منهاء رفض مؤذفا في أذان الصبح أن 
يؤذن بالصلاة خير من النوم. فأمر بأن يرمى من أعلى المئذنة إلى الأرضء ففعل به 
ذلك ومات تلك الميتة المروعة!.. 

وفٍ المقابل: عندما مح إسماعيل الصفوي ف إقامة الدولة الشيعية ف إيران؛ 
كان إذا فتح مدينة» فأول شيء فعله: الأمر بالأذان: حي على ير العمل» وإلغاء: 
الصلاة خير من النوم من أذان الصبح. 

وكان ف ذهنه ما فعله نور الدين محمود في حلبء فأرسل مراقبين إلى جميع 
المآذن» فجاءه الخبر بأن مؤذناً واحدا أذن صباحا بالصلاة خير من النوم: فأمر يإلقائه 
من أعلى المئذنة إلى الأرض!.. 

يمذه الفظائع الوحشية كان التعامل نصرة للمذاهبء وتأبيدا في زعمهم 
للدين!! أما السنيون في بغداد فلم يبالوا أن يؤذن في جامع المنصور بحي على خخير 
العمل» وأن يعلن انضمامهم إلى خلافة شيعية ما دام في ذلك تخلصهم من حكم 
السلاحقة. 

إن في هذه الأحداث البغدادية من العبر ما علينا إلا أن ننظر إليه بعمق وتفكرء 
وما يدل على أن العصبيات المذهبية اليّ طائا أدت إلى الفعن والتقاتل والتذابح ليمست 
من أصالة الشعوب» بل إن الذين يحركوفا إما أن يكونوا عمي البصيرة أو من 
المستغلين المستفيدين. 


5 أصل السلاحقة 


فهذا الشعب البغدادي الذي طلما قرأنا في كتاب (الكامل) لابن الأثير نفسه 
ما كان يثور فيه من الفتن المذهبية» نراه هنا صفا واحدا ف مقاومة الظلم. 

هذا الشعب وغيره من الشعوب ثمن كانوا يهيجونه جرد كلمة تزاد في الأذان» 
أو تبدل بكلمة أخرى.؛ أو ليغير ذلك 3 الأسباب» ها هو عندما يواجه الحقائق» 
يرى أنه لا ضير على هذا الفريق أن لا يرى الفريق الآخر عين ما يراه هو فْ الشئون 
المذهبية. 

ولكن فقهاء السوء وحكام الجور هم الذين يؤحجون العصبيات المذهبية 
والنعرات الدينية. 

الأولون ليستغلوا براءة الشعب لنافعهم» والآخرون ليشغلوه عن التصدي 
لحورهم والتمره على ظلمهم. 

فهذا البساسيري لا عدل بين الناس؛ ولم يتعصب لمذهب» كان السنيون 
والشيعة ف مناصرته على السواء» ومضى السنيون على أصالتهم الفطرية يؤيدونه 
على الظالمين وإن كانوا من أتباع مذاهبهم» ولم ينظروا إليه على أنه على غير 
مذهبهم. 

وبالرغم من الرأي القائل بتفادي الصدام العسكري بالبساسيري؛ لأن جماهير 
الشعب سنية وشيعية تؤيده» وأنه لا توجد قوى سلحوقية في بغداد تقاتله؛ لأن طغرل 
بك كان يجنوده ف الري منشغلا بتمرد أخيه إبراهيم (ينال) عليه. 

بالرغم من ذلك فإن رئيس الرؤساء استجاب للقائلين بالحرب» وكان بذلك 
يستجيب لأحقاده على البساسيري. فعندما جاءه القاضي الهمذاني واستأذنه في 
الحرب. وضمن له قتل البساسيري أذن له فخرج ومعه الخدم وجماعات مختلفة» 
وأبعدواء والبساسيري يستجرهم؛ فلما أبعدوا حمل عليهم فانهزمواء وقتل منهم 
جماعة» ومات في الزحمة جماعة من الأعيان» ونب باب الأزج؛ وكان رئيس الرؤساء 
واقفا دون الباب فدخل الدار» وهرب كل من في الجريم. 


5١ التمهيد‎ 


وبعد هذا النصر رحع البساسيري إلى معسكره مترقبا ما يحدث» وإذا بالخليفة 
يأمر بدوام القئال على سور الحريم؛ ولكنهم فوجئوا بالزعيق ونب الحريم؛ وهنا رأى 
الخليفة أن يلجأ إلى هيبة الخلافة ومظاهر قوقاء فركب جواده لابسا السواد شعار 
الخلافة» وعلى كتفه البردة شاهرا سيفهء» وعلى رأسه اللواء» وحوله زمرة من 
العباسيين» والخدم بالسيوف المسلولة» فإذا به يعلم أن النهب قد وصل إلى أبواب 
داره» وأن كل هذه التهويلات لم تحد شيئاء فتراجع إلى الوراء» ومضى نحو أحد 
كبار رجاله صاحب لقب (عميد العراق) فوجده قد استأمن إلى قريش» فعاد وصعد 
المنظرة يائسا. 

وبرز هنا وزير الخليفة رئيس الرؤساء الذي كان بحقده وقصر نظره سبب هذه 
امخنة برز محاولا حماية الخليفة الذي ورطه يمذا كله باستنهاض مروءة قريش» فصاح: 
يا علم الدين» يعي قريشا: أمير المؤمنين يستدنيك. فدنا منه قريش» فقال رئيس 
الرؤساء: قد أنالك الله منزلة لم ينلها أمثالك. وأمير المؤمنين يستذم منك على 
نفسه وأهله وأصحابه بذمام الله تعالى وذمام رسوله (ي) وذمام العربية. 

ومعئ هذا: أن الخليفة يضع نفسه. وأهله وأصحابه في حماية قريش» مستسلما 
لقضاء الله!.. 

وكان قريش عند أمل الخليفة» فأحاب: قد أذم الله تعالى له» قال: ولي؟ ولمن 
معه؟ قال: نعم. وتوكيدا لذلك خلع قريش قلنسوته وأعطاها الخليفة» وأعطى 
مخصرته رئيس الرؤساء ذماما. 

فنزل إليه الخليفة ورئيس الرؤساء وصارا معه. 

وبلخ خبر ما حرى البساسيري» فأرسل إلى قريش: أتخالف ما استقر بينناء 
وتنقض ما تعاهدنا عليه؟!. 

وكانا قد تعاهدا على المشاركة في الذي يحصل لمما وأن لا يستبد أحدهها 
دون الآخر بشيء .وحلا للاشكال, وحذرًا من وقوع الخلاف بينهما: اتفقا على أن 
يسلم قريش رئيس الرؤساء إلى البساسيري لأنه عدوه وأن يحتفظ بالخليفة. 





3 أصل السلاجحقة 

وهكذا انتهى الأمر به إلى أن يحفظ الذمام نصف حفظ فوق للخليفة ولم يف 
لرئيس الرؤساء... 

ومضى برئيس الرؤساء يا لضخامة اللقب!! مضى به إلى البساسيري» فلما 
وقعت عينه عليه قال له: مرحبا مهلك الدول ومخرب البلاد. 

فتذلل رئيس الرؤساء قائلا: العفو عند المقدرة. 

فال البساسيري: لقد قدرت فما عفوت وأنت صاحب طيلسان» وركبت 
الأفعال الشنيعة مع حرمي وأطفالي» فكيف أعفو أناء وأنا صاحب سيف. 

يشير بذلك إلى أن رئيس الرؤساء لم يكن صاحب سلطة فعلية في ظل 
أصحاب السلطة الحقيقيين» ومع ذلك فقد فعل ما فعل. 

وأما الخليفة» فإن قريشا نقله راكبا إلى معسكره. محتفظا له بكل مظاهر 
الكرامة: عليه السواد والبردة وبيده السيف وعلى رأسه اللواء. وأنزله في خيمة 
بالمعسكرء وأخذ زوجته. أرسلان حاتون» وهي ابنة أخمي السلطان طغرل بك؛ 
فسلمها إلى أحد أخصائه ليقوم بخدمتها. 

أما دار الخلافة فقد ظل النهب فيها أياما. 

وقد اخحتار قريش أحد بن عمه ممن فيهم مروءة ودين» فسلمه الخليفة ليوصله 
إلى مأمن خارج بغداد» فحمله في هودج وسار به إلى بلدة (حديثة عانه) وتركه بما. 

جرى هذا كله والسلطان طغرل بك غائب يحتوده عن بغداى فأسرع 
أصحاب الخليفة و نخدمه إليه مستنفرين. 

سيطر البساسيري على بغداد» وجاء عيد الأضحىء فسار إلى المصلى تخفق 
عليه الألوية الفاطمية» معلنا بذلك التحاق بغداد بخلافة الفاطميين. 

وأحسن السيرة في الناس» وبشهادة ابن الأثير: م يتعصب لمذهب» وأجحرى 
الجرايات على المتفقهة. 

وكانت والدة الخليفة وقد بلغت التسعين لا تزال قي بغدادء فأفرد لها دارا 
وأعطاها جاريتين من جواريها لخدمتهاء وعين راتبا تعطاه لنفقاهًا. 


التمهيد للق 

أما العدو اللدود رئيس الرؤساءء فقد كان رهين السجن فلما تفرغ له أخرجه 
من السجن مقيدا وعليه جبة صوف وطرطور من لبد أحمر» وق رقبته مخنقة جلود 
بعيرء وهو يقرأ: 

(قل اللهم مالك الملك تؤقٍ الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) الآية. 

ولما مروا به في الكرخ - وهو حي الشيعة - وكان شديد العصبية عليهم 
موذيا لهم بصقوا في وجهه. 

وبعد هذا التشهير به على ظهر جمل في شوارع بغداد, أعيد إلى معسكر 
البساسيري» وقد نصبت له حشبة وأنزل عن الجمل وألبس جلد ثور» وجعلت 
قرونه على رأسه؛ وحعل في فكيه كلابان من حديد, وصلب.. . 

ومد البساسيري سلطته إلى واسط والبصرة. وأرسل إلى المستنصر الفاطمى في 
القاهرة يعرفه ما فعل» على أمل أن بمده المستنصر بما يقوى به للسيطرة على العراق 
كله. والحول دون سيطرة السلاحقة. 

وقد كان يمكن أن يتم ذلك فتسود الخلافة الفاطمية العراق ويتغير محرى 
التاريخ.. ولكن الأقدار كانت بالمرصاد, فقد كان وزير المستنصر أبا الفرج ابن أخي 
أبي القاسم المغربي» وهو يمن هرب من البساسيري» وفي نفسه عليه ما فيهاء فلم يشأ 
له أن يفوز هذه الأبحاد. وفضل أهدافه الشخصية على أهداف الدولة الي جعلته 





وزيرهاء فوقع في البساسيري وخحفف من شأنه وهون فعله وحذر من عاقبته. 

فأهمل الجواب على رسائله مدة؛ ولما أحيب كانت الأجوبة بغير ما أمل 
ورحاءء وهكذا ثرك يواجه مصيره بنفسه. 

كان طغرل بك خلال هذه الأحداث يعالج تمرد أيه إبراهيم (ينال)؛ وأخيرا 
وقع الصدام بينهما بالقرب من الري. فانتهت المعركة بانمزام إبراهيم وأسرهء وكان 
من قبل قد ثار على طغرل بك أكثر من مرة وظفر به وعفا عنه. أما هذه المرة فقد 
أمر بخنقه بوتر قوس. وكان ذلك في تاسع جماد الآخر سئة ١461هه,‏ وقال: إن من 
عوامل قتله أن تمرده كان السبب ف عدم استطاعته حماية الخليفة. 


4 أصل السلاجحقة 


وبانتهاء طغرل بك من أمر إبراهيم تفرغ لأمر ا!لبساسيري» ويبدو أنه وازن 
بين قواه وقوى البساسيري فرأى أن يحل الأمر سلميا مع البساسيري؛ فأرسل إليه 
وإلى قريش أنه يكتفي بأن تكون الخطبة له في بغداد وأن تكون السكة باسمه وأن 
يعاد الخليفة إلى بغداد على أن لا يعود هو إلى العراق. 

فرفض البساسيري هذه المقترحات» فعند ذلك تقدم طغرل بك بقواته إلى 
العراق. وبوصول طلائعه إلى قصر شيرين غير البعيدة عن حدود العراق» كان 
البساسيري يبعد حرعه وأولاده عن المخطر» ثم يتبعهم خخار جا من بغداد» بعد سيطرته 
عليها سنة» إذ كان دخحوله بغداد في شهر ذي القعدة سنة ٠145ه‏ وخروجه منها 
في ذي القعدة سنة ١#420+هص.‏ 

وبرحيل البساسيري دبت الفوضى في بغداد» وحرك امحركون النعرات المذهبية 
فثار أهل باب البصرة إلى الكرخ فنهبوه وأحرقوا درب الزعفران» وهو على ما يقول 
ابن الأثير من أحسن الدروب وأعمرها. 

ووصل طغرل بك إلى بغداد» وكان قبل وصوله قد أرسل من الطريق إلى 
قريش بن بدران أن يشكره على ما فعله للخليفة ولابنة أيه زوجة الخليفة. 

وكان الخليفة قد اتحه هو الآخر إلى بغداد فأرسل طغرل بك وزيره الكندري؛ 
وبعض الأمراء؛ والحجاب ومعهم الذيام العظيمة والسرادقات والخيل فلاقوا الخليفة 
وخدموه. وبوصول الخليفة إلى النهروان حرج طغرل بك لاستقباله» فقبل الأرض 
بين يديه وهنأه بالسلامة واعتذر عن تأحره بانشغاله بإحماد تمرد إبراهيم. 

وسبق طغرل بك الخليفة في الوصول إلى بغداد؛ ثم وصل الخليفة بعده. 

والذي يثير العجب هذا الانميار السريع لموقف البساسيري» لا سيما وأنه قد 
رفض مقترحات طغرل بك وكلها ف مصلحته وتأمين سلطته» فعلى أي شيء كان 
يستند في هذا الرفض؟ هل كان لا يزال يأمل بتأييد القاهرة؟ الذي يلوح أنه كان في 
انسحابه من بغداد يريد التوحه إلى الشام؛ فطغرل بك يقول للخليفة في أول لقاء له 


التمهيد 2 
معه ثي النهروان: أنا أمضي خلف هذا الكلب (يعين البساسيري) وأقصد إلى الشام 
وأفعل في حق صاحب مصر ما أجازي به فعله. 

وبعد استقرار طغرل بك في بغداد أرسل أحد قواده في ألفي فارس نحو الكوفة 
لمطاردة البساسيري» وكان قد قال لطغرل بك: أرسل معي هذه العدة ح أمضىي 
إلى الكوفة وأمنع البساسيري من الإصعاد إلى الشام. 

وهذا كله يدل أنه كان فٍ نية البساسيري التوحه نحو الشام» وأن هذه النية 
كانت معروفة عند طغرل بك ورحاله. وربما كان قصده من الوصول إلى الشام أن 
يكون أقرب إلى مصر حيث يسهل عليه الاتصال .من فيهاء وإقناعهم بتجهيز حملة 
يستطيع يما السيطرة على العراق. 

ومهما يكن من أمرء فقد تقدم من أرسلهم طغرل بك لمطاردة البساسيري» 
وسار هو في أثرهم؛ ووقع الصدام فسقط البساسيري جريحاء فأخذه عميد الملك 
الكندري وقتله وحمل رأسه إلى طغرل بكء فأمر بنقله إلى دار الخلافة وطيف به 
وصلب. 

ويقول ابن الأثير: وأخذت أموال أهل بغداد وأموال البساسيري مع نسائه 
وأولاده» وهلك من الناس الخلق العظيم. 

أوجز ابن الأثير الحال في بغداد إثر سيطرة طغرل بك عليها من جديد: أعذت 
أموال أهل بغداد» وهلك من الئاس الخلق العظيم. 

وكان قد قال قبل ذلك: ثار أهل باب البصرة إلى الكرخ فنهبوه وأحرقوا 
درب الزعفران. 

كانت المنطة المرسومة هكذا: أن التآلف الذي بدا بين السبنيين والشيعيين يجب 
إبطاله» ويجب إعادة الفعن المذهبية من جديد؛ وتأريث الأحقاد بينهماء لذلك جرى 
تحريض أهل باب البصرة السنيين على نمب الكرخ الشيعي) وجرى إحراق درب 
الزعفران الذي كان من أحسن الدروب وأعمرها. 


:5 أصل السلاحقة 





ونحن إذا كنا نعرف من مطالعاتنا لابن الأثير أن باب البصرة شيعي والكرخ 
سين» فإننا لا نعرف مذهب درب الزعفران. إننا نرحح أنه سيئ» وذلك استنتاحا منا 
أن الذين أغروا السنيين بنهب الكرخ أغروا الشيعة بإحراق درب الزعفران. وبعد أن 
تم لهم تأحيج النفوس بالأحقاد المذهبية عطفوا على الفريقين معا فأعملوا فيهما 
النهب والقتل: (أحعذت أموال أهل بغداد وهلك من الناس الخلق العظيم) هكذا قال 
ابن الأثير» وحسبه هذا القول لترى الصورة الرهيبة لبغداد يومذاك. 

وبعد فراغ طغرل بك من أمر بغداد اتحدر إلى واسطء وعبر إلى الجانب 
الشرقي من دحلة. يقول ابن الأثير: وسار إلى قرب البطائح فنهب العسكر ما بين 
واسط والبصرة والأهواز.. 

طغرل بك يريد مصاهرة الخليفة طْمعّ السلطان طغرل بك يمصاهرة الخليفة 
القائم بأمر الله على ابنته» ففي سنة 4ه أرسل أبا سعيد قاضي الري خخاطبا ابنة 
الخليفة فانزعج الخليفة من ذلك» وأرسل في الجواب أبا محمد التميمي وأمره أن 
يبلغ طغرل بك رفض طالبه. فإن أصر طغرل بك على الطلب فإن عليه أن يبعث 
ثلاث مئة ألف دينار ويسلم واسطا وأعماها. 

فاتصل التميمي أول ما اتصل بالوزير عميد الملك وأبلغه رسالة الخليفة» فرد 
الوزير: بأنه لا يصح أن يرد السلطان ولا يستجاب طلبه بعد أن سأل وتضرع, ولا 
يجوز مقابلته بطلب الأموال والبلاد؛ فهو يفعل أضعاف ما طلب منه. 

فقال التميمي: كما ترى. وما تقره يكون فيه الصوابء فاعتقد الوزير أن 
الموافقة قد حصلت. فأسرع وأخبر السلطان بذلك فسر كل السرور. 

وقد كان مثل هذه الموافقة وقبول مصاهرة الخليفة السلجوقي أمرا مستهجنًا 
فمهما سما هؤلاء وأمئالهم فَإِهُم لا يعتبرون أكفاء لمصاهرة الأسرة العباسية لا سيما 
الخليفة) ويعتبر طلبهم إهانة... 

لذلك أسرع السلطان وجمع الناس وعرفهم أنه قد حصل على ما لم يسبق أن 
حصل عليه غيره من الملوك من مصاهرة الجهة النبوية. وطلب إلى الوزير عميد الملك 


التمهيد 7ع 





أن يذهب ومعه أرسلان خاتون زوجة الخليفة وأن يصحبها مئة ألف دينار وما 
شاكلها من الجواهر وغيرهاء وأرفقه بعدد من وجوه الأمراء وأعيان الري. 

ووصل الوزير إلى القائم بأمر الله وأوصل زوجة الخليفة إلى دارهاء ثم ذكر 
للخليفة المهمة القادم بما وهي إتمام عقد الزواج. فاستنكر الخليفة ذلك وامتنع عن 
الإجابة إليها» وقال ما معناه: إنه يصر على الرفض فإن روعي رفضه وإلا فإنه يترك 
بغداد ويرحل إلى مكان آخر. 

فقال عميد الملك ما مؤداه أن الامتناع لم يحصل من أول الأمرء وإذا حصل 
الآن فهو سعي على دمه؛ ثم ترك بغداد ونصب خيامه في النهروان. 

وهكذا عاد التأزم من جديد بين السلطان والخليفة» فتوسط في الأمر قاضي 
القضاة وغيره وحذروا الخليفة ما يمكن أن يؤدي إليه رجوع الوزير عميد الملك إلى 
السلطان يبهذه النتيجة. 

فكتب الخليفة إلى عميد الملك: نحن نرد الأمر إلى رأيك ونعول على أمانتك 
ودكلة: تويدو أله قوم عن هذا :اكلم ححواففة اكخليفة فتحام .وما ال الله ومعة 
جماعة من الأمراء والحجاب والقضاة والشهود وقال للخليفة: أسأل مولانا أمير 
لمؤمنين التطول بذكر ما شرف به العبد المخدلص شاهنشاه ركن الدين فيما رغب فيه 
ليعرفه الجماعة. 

ولكن رد الخليفة كان حاسما فقال: قد سطر ف المع ما فيه الكفاية. فانصرف 
عميد الملك مغضبا وترك بغداد. ولا بلغ السلطان ما حرى كتب إلى قاضي القضاة 
والشيخ أبي منصور بن يوسف قائلا: هذا جزائي من الخليفة الذي قتلت أخحي ف 
خدمته وأنفقت أموالي في نصرته وأملكت حواصي في محبته... 

وأطال العتاب - على حد تعبير ابن الأثير - وكمقابلة بالمثل فقد طلب 
السلطان طغرل بك ابنة أيه زوجة الخليفة أن تعاد إليه. 


ار أصل السلا محقية 





ولما بلغ الأمر إلى هذا الحد وحيف حصول مضاعفات تؤدي إلى التقاطع التام؛ 
ورأى الخليفة شدة الأمر؛ اضطر إلى الاستسلام للواقع وأذن في إجراء عقد الزواج 
فجرى العقد في شعبان سنة 465٠‏ ه بظاهر تبريز. 

وقد كان فيما حرى وَهَنْ معنوي خحطير للخلافة العباسية» إذ مهما علا شأن 
أمثال هؤلاء فإنه لا يمكن أن يكون كفوا للزواج من سليلات البيت العباسي الحامي. 

ويقول ابن الأثير مشيراً إلى ذلك: (وهذا لم يجر للخلفاء مثله فإن بن بويه مع 
تحكمهم وعخالفتهم لعقائد الخلفاء لم يطمعوا في مثل هذا ولا ساموهم فعله). 

وأرسل السلطان أموالا كثيرة وجواهر نفيسة للخليفة ولولي العهد ولابنة 
الخليفة ولأمها ولآخرين. وكان لزوحة السلطان المتوفاة إقطاعات كثيرة في العراق 
منها (يعقوبا) وغيرهاء فجعل ذلك كله لزوجته الجديدة ابنة الخليفة. 

وفي شهر المحرم من سنة 4ه جاء السلطان إلى بغداد وأتى الوزير عميد 
الملك يطالب الخليفة بانتقال زوحة السلطان إليه» فقوبل طلبه بالرفضء» وقيل له: إن 
المقصود يذه الوصلة الشرف لا الاجتماع!. كما قيل له: إن حطك موجود في 
الشرط. 

وقد كان هذا الزواج من أعجب الزواحات في الذكاا “ويقو ميا أندتا 
ذكره الخليفة كان قد سحل ف الورق ووقعه فيمن وقعه شاهدا الوزير عميد الملك 

ثم قال الخليفة: إنه إن كانت مشاهدة فتكون في دار الخلافة. 

ومعين ذلك: أن أُقصى ما يوافق عليه الخليفة هو أن يتقابل العروسان بمحرد 
مقابلة وأن تكون هذه المقابلة قي دار الخلافة.. 

فقال السلطان: نفعل هذا. 

ولكن يفهم من النص الذي ذكره ابن الأثير أن السلطان رأى» أن تكون 
المقابلة في مكان مخصص لا يليق بماء فأردف كلامه المتقدم بقوله: ولكن نفرد له من 
الدور والمساكن ما يكفيه؛ ومعه خواصه وحجابه ومماليكه فإنه لا يمكنه مفارقتهم. 


التمهيد 46 

وعلى ذلك نقلت العروس إلى دار المملكة. 

ومضت مشاهد الرواية على هذا الشكل: 

جلست العروس على سرير ملبس بالذهب»؛ ودخل السلطان إليها وقبل 
الأرض وخدمها. ولم تكشف الخمار عن وجهها ولا قامت له. وحمل معه لها شيئا 
كثيرا من الجواهر وغيرها. واستمر الحال على هذا المنوال: يحضر كل يوم يخدم 
وينصرف. ومع ذلك فقد ظهر عليه سرور عظيم» وخلع على الوزير عميد الملك؛ 
لأن كل الذي جرى إنما حرى على يديه وبتوسطه. وأقام الموائد عدة أيام ... 

يقول ابن الأثير: إن السلطان ترك بغداد في شهر ربيع الأول ذاهبا إلى الري. 
وإذا كان قد حرى ما ذكرناه في امحرم فمعن ذلك أن الأمر استمر على الصورة الي 
ذكرناها شهرين!.. 

إذ لم يذكر ابن الأثير ما يدل على أن شيئا قد تبدل خلال الشهرين. 

لم يترك السلطان بغداد وحده؛ بل اصطحب معه ابنة أخيه أرسلان نخحاتون 
زوجة الخليفة لأهما شكت إطراح الخليفة ها فأخذها معه. 

الخليفة الذي رفض إلا أن يكون زواج ابنته من السلطان السلجوقي زواجا 
شكلياء كل ما ينال السلطان منه مقابلة زوحته من وراء حمارها المسدول على 
وجهها. وإن في هذا من الشرف للسلطان ما يغنيه عن كل شيء. 

الخليفة الذي رفض إلا أن يكون الأمر كذلكء؛ رأى ف مقابل هذا أن يطرح 
زوحته ابنة أي السلطان؛ فلاذت بعمها فأخذها معه. 

' وقد كان لنا أن ننتظر اكتمال هذه الرواية العجيبة فصولاء لولا أن الموت 

أفهاها بسرعة إذ مرض السلطان طغرل بك ف سفره هذا ومات في رمضان من السنة 

ويذكر ابن الأثيرك أن عمره كان حين مات سبعين سنة تقريباء وأنه كان 
عقيما لم يلد ولدا. 





5 أصل السلاحقة 

إذا فقد طب ابنة السلطان وعقد عليها وهو في السبعين من عمره. فلا بدع 
أن يقنع من عروسه بالنظر إليها من خلف الخمار... وأن يكون هدفه من هذا 
الزواج امتهان شموخ ببت الخلافة» والإدلال على منافسيه» بأنه وصل إلى ما لم يصل 
إليه أحد. 

وإذا كنا قد حرصنا على ذكر هذا العرس العباسي السلجوقي ببعض تفاصيله: 
فلأن فيه نماذج من علاقات السلاطين السلاجقة بالخلفاء العباسيين. 

ونلاحظ هنا أن ما ربط سلطنة طغرل بك بخلافة القائم بأمر الله كان سبع 
سنين وأحد عشر شهرا وان عشر يوما. ٍ 

يرئي ابن الأثير السلطان طغرل بك قائلا: كان عاقلا حليما من أشد الناس 
احتمالاء وأكثرهم كتمانا لسره» وكان يحافظ على الصلوات» ويصوم الاثتين 
والخميس» وكان ايه القيانيه البيض ةر كان ظارما عكوماء افابياء :و كان محسكه 
يغصبون الناس أموالهم وأيديهم مطلقة في ذلك ارا وليلا. وكان كرعاً..(انتهى). 

وحين نعود إلى ما رثى به ابن الأثير الملوك البويهيين - وهو ما مر بعضه - 
ونقارنه برثائه لهذا الملك السلحجوقي ندرك البون الشاسع بين الحكام البويهيين 
والحكام السلاحقة» فابن الأثير لم يقل عن أحد من البويهيين أنه كان ظلوماء 
غشوماء قاسياء ولا قال: كان عسكره يغصبون الناس أموالهم وأيديهم مطلقة نهار 
وليلا. 

بل قال عن معز الدولة مثل هذا القول - وهو يتحدث عن انتصاره -: ونادى 
في الناس بالأمان وبث العدل وأقام لهم شحنة بمنع الظلم. 

ويقول عنه: كان حليماء كريماء عاقلا. 

ويقول عن ركن الدولة: كان حليماء كرياء واسع الكرم كثير البذل» حسن 
السياسة لرعاياه» وجنده. رءوفا ههم؛ عادلا في الحكم بينهمء وكان متحرجا من 
الظلم مانعا لأصحابه منه عفيفا عن الدماء» يتصدق بالأموال الحليلة على ذوي 
الحاجات. 


التمهيد اه 


إلى غير ذلك من الأقوال ال قالها عن غير هذين الحاكمين وال مر ذكر 





بعد طغرل بك 

أسرع الوزير عميد الملك الكندري بعد موت طغرل بك إلى إعلان حلول 
سليمان بن داود حغرى بك؛ أخحي طغرل بكء مكان طغرل بك في السلطنة؛ لأن 
طغرل بكء الذي لم يكن له ولد قد عهد له بالملك بعده. 

على أن الأمر لم يمض بسلام فإن (باغي سيان) و(اردم) لم يقبلا بذلك 
وأسرعا إلى قزوين وخطبا فيها لعصر الدولة ألب أرسلان محمد بن داود حغرى بك. 

وكان هذا يتولى في عهد طغرل بك خراسان ومعه وزيره نظام الملك؛ ويبدو 
أن ميل الناس كان إليه» فاستسلم عميد الملك الكندري لهذا الواقع فأمر بالخطبة في 
الري للسلطان ألب أرسلان» وبعده لأيه سليمان. 

على أن ذلك لم ينجه من انتقام ألب أرسلان؛ فإن عميد الملك زار نظام الملك 
وزير ألب أرسلان ودفع له مالاء واعتذر وغادر منصرفاء فانصرف بانصرافه أكثر 
الناس؛ فرأب ذلك ألب أرسلان مع ما كان من إعلان عميد الملك تسلطن سليمان 
فأمر بالقبض عليه واعتقله في مرو الروذ سنة ثم أرسل إليه من قتله. 

ويبدو أنه كان يتهم نظام الملك بالسعي به عند ألب أرسلان» إذ إنه لما قرب 
للقتل قال للحلاد: قل لنظام الملك: بئس ما عودت الأتراك قتل الوزراء وأصحاب 
الديوان» ومن حفر قليبا (بثرا) وقع فيه. 

والوزير عميد الملك هذا كان على طريقة سادته السلاحقة من التعحصب 
المذهي الذميم. 

وهو لم يكتف بالتعصب على الشيعة الذين سماهم الروافض»؛ بأن طلب من 
السلطان أن يلعنوا على منابر خراسان فلبى طلبه» كما كان شديد التعصب على 
الشافعية وإمامهم الشافعي 


0١‏ أصل السلاجقة 





قوبل عهد ألب أرسلان بثورات عليه استطاع إحمادها واحدة بعد الأخرى» 
فكان أول الثائرين عليه أمير خحتلان؛ ثم أمير الصاغانيان. 

وكان عمه (بيغو بن ميكائيل) في هرات فثار طالب الأمر لنفسه. 

أما الثائران الأولان فقد قتل الأول منهما في المعركة, وأما الثانى فققد أسر 
وقتل. وأما عمه فقد استسلم بعد الحصار والتضييق فأبقى عليه وأكرمه وأحسن 
وكان ما فعله أن أعاد ابنة الخليفة الى عمّد زواجها طغرل بك - أعادها إلى 
بغداد- وقال: إنه إنما قتل عميد الملك؛ لأنه نقلها من بغداد إلى الري بغير رضاء 
الخليفة. 

كما أرسل إلى الخليفة طالبا إقامة الخطبة له في بغداد,» فجلس الخليفة حلوسا 
عاما وأعلن أمام رسل ألب أرسلان تقليد ألب أرسلان للسلطنة» وسلمت الخلع 
.مشهد من الناس. كما أن الخليفة أرسل إليه بطلب البيعة. 

وعادت رسل ألب أرسلان إليه يصحبها رسول الخليفة» وهو ف (نقجوان) 
بأذربيجان» فلبس الخلع وبايع للخليفة. 

ثم قامت عليه ثورة سلجوقية أخرى قادها قتلمش فقد بلغ ألب أرسلان خبر 
الثورة وهو في نيسابورء وأن قتلمش قصد الري ليستولي عليهاء فسار إليه ألب 
أرسلان والتقيا في معركة هزمت فيها جموع قتلمش؛ ووجد قتلمش ميتا ملقى على 
الأرض لا يدري كيف كان موته» قيل: إنه مات من الخوف!... ونقول هنا ردا 
على قول الدكتور عمر تدمري المتقدم: (وكان الخلاف المذهي بين العبيديين 
(الفاطميين) والإسماعيليين الشيعة في مصرء والسلاجقة الأتراك والعباسيين السنة في 
العراق هو أشبه بالخلاف المذهي بين الكنيستين اليونانية البيزنطية (الشرقية) 
واللانينية الرومانية (الغربية)» بل هو حلاف أشد وأدهى لطلما أدى إلى القتال» إذ 
كانت بلاد الشام مسرحا للصراع العسكري والسياسي والمذهبي بين السلاجقة 


التمهيد 0 
والفاطميين» مما جعلها منهوكة القوى عندما راحت ججيوش الصليبيين تجوس نخلال 
ديارهم). 

نقرل ردا على ذلك: إن هذا الكلام هراء في هراءء؛ فعندما كان الفاطميون 
الشيعة الإسماعيليون يسيطرون على مصرء كان البويهيون الشيعة يسيطرون على 
العراق» ولم يكن هناك سلاحقة. وعندما زال حكم البويهيين عن العراق» وسيطر 
عليه السلاحقة كان حكم الفاطميين قد تضعضع ف مصرء أواخر عهد المستنصر» ثم 
تلاشى هذا الحكم هُائيا في حياة المستنصر» باستيلاء الجماليين على الخلافة الفاطمية 
وإنشائهم الدولة الجمالية وحجرهم على الخلفاء الفاطميين؛ ومنعهم من التصرف في 
شئون الحكم, وتحكمهم في تعيين الخلفاء وأولياء عهودهم الذين أصبحوا أسرى في 
أيديهم. 

وف هذا الوقت - وقت احتلال السلاجقة للعراق - كان السلاحقة هم الذين 
أثاروا الخلاف لا بينهم وبين الفاطميين؛ لأنه لم يكن هناك فاطميون» بل بينهم وبين 
شيعة العراق بأن تدحلوا في شكوهم المذهبية؛ ثم أحرقوا مكتبتهم الكبرى في بغداد, 
وهاجموا بيت عالمهم الكبير أبي جعفر الطوسي» وأحرقوا كرسيه الذي كان يجلس 
عليه للتدريسء ثما اضطره للهحرة من بغداد وإغلاق مدرسته فيها... إلى غير ذلك. 

على أن طغرل بك بعد أن فعل ما فعل في العراق» كان هو البادئ بالتحرش 
بالخليفة الفاطمي المستنصر في مصر. 

فإنه وهو ف عنفوان طغيانه في بغداد» كاتب المستنصر طالبا إليه الدخول فقي 
طاعته . 

إن الدكتور عمر تدمري من أجل أن يسيء إلى الفاطميين ظلما وعدوانا 
حشرهم مع السلاجقة عملا بقول من قال: اقتلو ومالكاً. 

ورأى أنه لا بأس بأن يذكر السلاجقة بالشر ما دام هذا الذكر يوصل إلى ذكر 
الفاطميين بالشر. ْ 





5 أصل السلاحقة 





قلنا أن طغرل بك هو الذي بدأ بالتحرش بالفاطميين الذين كانوا في أيامهم 
الأخيرة» بأن كاتب المستنصر في القاهرة طالبا إليه الدحول في طاعته. 

ونريد أن نزيد الأمر إيضاحا وتفصيلا فنقول: 

إن الدور الفاطمي كان قد انتهى قبل الزحف الصليبيي هما يقارب ربع 
القرن» وأنه لى تكن هناك نحلافة فاطمية حاكمة عند ابتداء الغزو الصليبيي» وأن 
سلطنة هذه الخلافة كانت قد انتهت بفعل التسلط الجمالي» وقيام الدولة الحمالية: 
وأصبح الخلفاء سجناء قصورهم؛ لا يملكون من الأمر شيئاء كما ستفصله في الآي 
من القول. 

ونحن نريد هنا أن نوضح حقيقة أخرى؛ وهي أنه لم يقم صراع بين الفاطميين 
والسلاحقة» لسبب واحدء لأنه لم يكن هناك حكم فاطمي يصارع السلاحقة 
ويزاحمهم على امتلاك البلاد؛ لأن الحكم الفاطمي عند بدء الهحمات السلجوقية على 
بلاد الشام, كان قد بدأ بالانميار» ثم انار فعلا بالتسلط الجمالي. 

وإن الموقف الفاطمي الوحيد في مواجهة السلاحقة كان في أواخخر عهد 
المستنصرء عندما بدأ تضعضع حكم المتعتصر واضيدا في سنة 14145ه بسيطرة 
اجاعة على البلاد ومحاولة المستنصر استيراد القمح من بلاد البيزنطيين» واشتراط 
الإمبراطورة البيزنطية (تيودورا) عليه أن عدها بالجنود إذا ما اعتدى على بلادها أي 
معتدء وكان المفهوم أن هذا المعتدي المفترض وجوده هو السلاجقة, فبالرغم من 
حراجة موقف المستنصر في بلاده وما تدده به المجماعة فقد رفض هذا الشرط لأنه يأى 
أن يعين البيزنطيين على المسلمين. . 

وما اشتد الأمر عليه حاول أن يحقق طلبه القمح بقوة السلاح ففشل. 

والسلاحقة الذين رفض الخليفة الفاطمي المستنصر أن يعد الإمبراطورة 
البيزنطية بمعاونتها عليهم» لم يأبوا أن تحالفوا مع الإمبراطورة عليه وأن يستغلوا 
الموقف فيتقربوا منها!.. 


التمهيد م 
بإتمام إصلاح كنيسة القيامة على أن يطلق سراح حمسة آلاف أسير مسلمء فأخلى 
الإمبراطور سبيل الأسرى وأرسل المعماريين إلى بيت المقدس وأنفق كثيرا من الأموال 
على تحديد الكنئيسة. 

ولا ولي قسطنطين التاسع الحكم حافظ على استمرار العلاقات الودية مع 
المستنصر وبعث إليه سنة 45107 هم هدية عظيمة (اشتملت على ثلاثين قنطارا من 
الذهب الأحمر. قيمة كل قنطار منها عشرة آلاف دينار عربية). 

استغل المستنصر فرصة صفاء العلاقات بينه وبين الدولة البيزنطية للعمل على 
إنعاش الحالة الاقتصادية في دولته» فأرسل إلى الإمبراطور قسطنطين التاسع على أثر 
امحاعة الى حلت ,مصر سنة 45 4ه يطلب منه أن يمده بأربع مئة ألف أردب من 
القمح فأبدى الإمبراطور استعداده لمعونة مصر. 

ولكنه لم يلبث أن توق وخلفته الإمبراطورة (تيودورا) فاشترطت لتقدم هذه 
المساعدة أن بمدها المستنصر بالجنود إذا ما اعتدى على بلادها معتد. وكان المقصود 
يمذا المعتدي (السلاجقة). فرفض المستنصر الموافقة على هذا الشرط. 

فأحابت تيودورا على ذلك بأن حالت دون إرسال الغلال إلى مصر. 

أثارت سياسة هذه الإمبراطورة» غضب الخليفة المستنصر وعول على محاربتهاء 
فجهز حيشا بقيادة مكين الدولة الحسن بن ملهم, وما لبث هذا القائد» أن نزل 
بالقرب من إفامية» ثم تحول في أعمال إنطاكية. فأرسلت الإمبراطورة حملة بحرية 
أوقعت به المزعة» وأسر هو وكثير من جنده سئة /141 4 هء وكان ذلك ثما حمل 
المستنصر على أن يعهد للقاضي عبد الله القضاعي بالذهاب إلى القسطنطينية لتسوية 
الخلاف بين الدولتين» فلم تحفل الإمبراطورة بوجوده. 

فاستغل طغرل بك ذلك وعمل على التقرب من البيزنطيين والتحالف معهم؛ 
فأرسل من العراق رسولا إلى القسطنطينية حاملا رسالة ودية منه إلى الإمبراطورة 
تيودوراء ملتمسا فيها أن يصلي رسوله في جامع القسطنطينية» فأذنت له بذلك؛ 
فدئخله وصلى فيه صلاة الجمعة وأقام الخطبة للحليفة القائم بأمر الله العباسي . 





5ه أصل السلاحقة 





ولما وقف المستنصر على سياسة الإمبراطورة تيودورا العدائية إزاءه والإساءة 
الب لحقت بسفيره بعث بطلب كنوز كنيسة القيامة ونفائسها فأرسلت إليه. 

وازداد بذلك التوتر في العلاقات بين الفاطميين والبيز نطييئن. 

واستمر العداء مستمرا بين الدولتين حئّ حل الحماليون محل الفاطميين في 
حكم مصر فظل على استمراره إلى أن وجه الصليبيون حملاتهم إلى بلاد الشام. 

هنا يكمن الفارق بين الفاطميين والسلاجقة: يرفض الخليفة الفاطمي الوعد - 
بحرد الوعد - بإبحاد البيزنطيين على السلاحقة الذين جاهره ملكهم طغرل بك 
بالعداء. بإرساله إليه رسالته من بغداد طالبا إليه الدحول في طاعته - كما تقدم 
ذكره - يرفض المستنصر ذلك مع ما فيه بلاده من خخطر المحاعة ويضطر للدخول في 
حرب مع البيز نطيين» فيسار ع ملك السلاحقة طغرل بك عارضا خخدماته على 
البيزنطيين» فيتناصر السلاحقة والبيزنطيون على الفاطميين... 

ومن هذه الحقائق يتبين أن كل ما ذكره التدمري عن الخلاف المذهبي بين 
الفاطميين الإسماعيليين الشيعة في مصرء والسلاحقة الأتراك والعباسيين السنة في 
الغراق» وشووه له باطلا وو رالخناض)» وقول نه أدى إلى القتال وأن بلاد الشام 
كانت بذلك مسرحا للصراع العسكري والسياسي والمذهبي بين السلاحقة 
والفاطميين» مما حعلها منهوكة القوى عندما راحت حيوش الصليبيين تحوس خلال 
ديارهم. -إلى غير ذلك من أمثال هذه الأقوال- يتبين من الحقائق الي ذكرناها أن 
كل ما ذكره التدمري إما هو تمويش في تمويش وأباطيل في أباطيل!. 

فالصراع كان قائما بين الفاطميين والبيزنطيين» تعاون فيه السلاجقة مع 
البيزنطيين. 

وفي خلال ذلك انتهى أمر المستنصرء وسيطر بدر الجمالي على مصرء وأممى 
الحكم الفاطمي. وخل محله الحكم الجمالي» وأصبح الصراع ارقا جماليا. 

وكا البادلون بالضراع هم السلادقةة مستفلين تتافلتن: البرتطين عم 
وتأبيدهم لهم ففي سنة 4717 ه قصد (أتسز بن أوق) الخوارزمي وهو من أمراء 


التمهيد /اه 

ملك شاه السلجوقي - قصد الشام فجمع الأتراك وسار إلى فلسطين قفتح الرملة؛ 
وسار منها إلى القدس؛ وحاصرهاء وكان ذلك في أواخر عهد المستنصرء وبدء افيار 
الدولة الفاطمية فاستطاع الاستيلاء على القدس وما جاورها عدا عسقلان. 

كان هذا الصدام الذي بدأه السلاحقة منصرفين عن قتال البيزنطيين إلى قتال 
المسلمين» ومن التزاحم مع الروم على امتلاك البلاد» إلى التزاحم مع العرب شاهرين 
السيوف عليهم مقتحمين ديارهم. مقاتلين حنودهم!.. 

وبعد ثلاث سنوات من هذه الوقائع» أي في سنة 477ه كانت السيطرة 
الجمالية قد تمت على الخلافة الفاطمية» وكان بدر الحمالي قد أحكم قبضته على 
مصرء وأقصى المستنصر محجورا عليه. وهنا أصبحت المواجهة سلجوقية حمالية بحتة 
بعد أن كانت في بدئها مواجهة سلجوقية بدأها السلاحقة مع بقايا فاطمية ماشية إلى 
التلاشي» ولذلك رأيناها لا تلبث أن تتنحطم أمام أول هحمة سلجوقية فتفقد القدس 
وجل فلسطين. 

وهنا لم يكن للصليبيين وحود ليقال: إن الفاطميين استغلوا وحودهم للاستعانة 
كمم على السلاحقة» بل كان الوججود للبيزنطيين الذين استعان السلاحقة يمم على 
الفاطميين. 

وظل جهد السلاحقة متجها لقتال المسلمين والعرب» منصرفين عن 
البيزنطيين» حب كانت السنة 4“98ه», أي بعد ثلاث سنوات من سيطرة بدر 
الجمالي على مصر. 

ففي هذه السنة صمم السلاجقة على غزو مصر نفسها فاتحه إليها قائدهم 
(أتسز) فتصدى له صاحب أمر مصر: بدر الحمالي فهزمه ورده عن مصر. 

فما دل الفاطميين هنا وبعد هنا.. إلى وصول الصليبيين ليحشر اسمهم في 
الصراع السلجوقي الحمالي» ثم ليفتري عليهم عند وصول الصليبيين إلى حدود بلاد 
الشام؟! إذا كان من مأحذء وإذا كان من تممء فيجب أن يوحه ذلك إلى 
المتصارعين, لا إلى المقصيينء ا حجورء عليهم المغلولة أيديهم عن كل تصرف... 





5 أصل السلاحقة 


ويكضي الصراع السلجوقي الحمالي في حدته ففي سنة ١41+ه‏ كان قائد 
حيش بدر الجمالي يحاصر دمشق فاستنجد (أتسز) ممثل الحكم السلجوقي فيها بالملك 
السلجوقي تتش بن ألب أرسلانء فأقبل تتش لنحدته في جمع كثير من التركمان» ولم 
يلبث عند وصوله إلى أسوار دمشق أن قتل أتسز ودحل دمشق ورد جيش بدر 
الحمالي عنها. 

وابن الأثير يسمى في كل هذه الوقائع الجيش المصري يميش بدر الحمالي كما 
هو واقع الحال. 

وفي سنة 14148ه وصل بدر الجمالي في عساكر مصر إلى الشام» فحصر 
دمشق وفيها صاحبها السلجوقي (تنتش) فضيق عليه وقاتله فلم يظفر منها بشي 
فرحل عنها عائدا إلى مصر وق سنة 4ه هاحم تدش حمص وعرقة وأفامية 
فملكهاء وهاحم طرابلس وفيها جلال الملك بن عمار فلم يظفر بما. 

وهكذا يستمر الجهد السلجوقي متجهاً إلى قتال المسلمين والعرب» ويظل 
الصراع سلجوقياً - جمالياء فيما عدا فجوة صغيرة فيه - لم يطل أمدها - انحرف 
فيها فكان سلجوقيا - عماريا في طرابلس. 

كل ذلك يحرى والفاطميون غائبون أو مغيبون مضيق عليهم؛ لا يملكون 
لأنفسهم ضرا ولا نفعا ومع ذلك فإن مزيفي التاريخ يجعلون الصراع سلجوقيا 
- فاطميا ليجدوا منفذا يلجونه للافتراء على الفاطميين.. 

وني سنة 4ه كان بدر الجمالي يسير إلى القدس فيستخلصها من أيدي 
السلاحقة.. والفاطميون في معتقلاتهم يكابدون فقدان حريتهم: وكف أيديهم, 
وزوال سلطاهم.. 

كيف سيطر الجماليون؟ 

نريد هنا أن نزي الأمر إيضاحاء لنري القاريء أن الشام لم تكن أبدا 
مسرحا للصراع العسكري والسياسي والمذهبي بين السلاجقة والفاطميين ثما جعلها 
- على زعم التدمري- منهوكة القوى عندما راحت جيوش الصليبيين تجوس نخلال 


التمهيد 64 





ديارهم؛ وأن كل ما ذكره التدمري في هذا الموضوع هو تزييف للتاريخ؛ وتحريف 

طالت خلافة المستنصر الفاطمي ستين سنة وأربعة أشهر: تحقق له ف القسم 
الأول منها ما لم يتحقق لأحد من أسلافه, إذ خطب باسمه في بغداد بعد أن طرد 
منها الخليفة العباسي - القائم بأمر الله - واستمر ذلك سنة في تفاصيل مرّ ذكرها.. 

كما أنه قي أواخر عهده عند استبداد الناصر الحمدانى به أقيمت الخطبة باسم 
القائم العباسي في القاهرة» وف القسم الثاني من عهده بدا التضعضع بسيطرة بدر 
الجمالي؛ أو يما يمكن أن تسميه انتهاء العهد الفاطمي وخلول العهد الجمالي محله 
عكا مره 

فقد قامت فعلا الدولة الجمالية» بكل ها للدول في تلك العصور من واقعية 
الحكم ومظاهره؛ وصار سجين قصره محجورا عليه ما نستطيع أن نطلق عليه بلغة 
العصر الحاضر اسم: الإقامة ولم يكن في مصلحة الدولة الجديدة قتله أو الجبرية طرده 
بل كان من مصلحتها الاحتفاظ به أسيرا في يديها لاستغلال اسمه بما يمكن أن يستغل 
به. 

يقول المفريزي عن بدر الحمالي: (تحكم في مصر تحكم الملوك: ولم يبق 
للمستنصر معه أمرء واستبد بالأمور وكانت مده أيامه .كصر إحدى وعشرين سنة) 
وهو أول وزراء السيوف الذين حجروا على الخلفاء.مصر). 

ويقول المقريزى: (واستئاب ولده (الأفضل) وجعله ولي عهده). 

وبتسميته ابنه (وليا للعهد) يكون قد أكمل إعلان قيام الحكم الملكي الجديد 
على أنقاض الحكم الفاطمي المنهار. وتكون دولة جديدة قامت في مصر هي (الدولة 
الجمالية)» وهي وحدها المسئولة عما حرى في عهدها من أحداث ومنها الصدام مع 
السلاجقة؛ ثم مع الصليبيين. 


37 أصل السلاحقة 


وإذا كان بدر وابنه لم يعلنا إلغاء المخلافة 5 ف حين أنهمما ألغياها عملياء 
فلأنهما لا يستطيعان ادعاء الخلافة لنفسيهماء فكانا يريدان غطاء شرعيا لحكمهما 
يبرران به تسلطهماء وكان وجود الخليفة الشكلي هو الغطاء المطلوب. 

ولما مات المستنصر كان الأفضل بن بدر الجمالى هو الذي احتار خليفته. يقول 
المقريزي: 

(لما مات المستنصر بادر الأفضل بن بدر الجمالي إلى القصر وأحلس أبا القاسم 
أحمد بن المستنصر في منصب الخلافة ولقبه بالمستعلي بالله). 

وهو أصغر أخخوته: نزارء وعبد الله وإسماعيل. 

ثم يقول المقريزي: (ولم يكن للمستعلي مع الأفضل أمر ولا نمي ولا نفوذ 
كلمة). 

وكما قلت من قبل؛ فإن الدكتور تدمري يتبع مبدأً: اقتلون ومالكاء فهو من 
أحل أن يفتري على التاريخ الفاطمي لا يبالي أن يقرنه بالتاريخ السلجوقي فيقول: 

(إن السلاجقة والفاطميين على حد سواء قد رأوا في بجيء الصليبيين إلى الشام 
ما يحقق أهداف كل منهم في القضاء على خصمه. أو الحد من خخطره ونفوذة. 
وهكذا تيسر للصليبيين دخول الديار الشامية» واحتلال القسم الساحلي يكامله, 
والاستيلاء على بيت المقدس). 

ونقول: لقد انتهت سلطة الفاطميين قبل وصول الصليبيين إلى أطراف العالم 
الإإسلامي - لا سيما بلاد الشام - بربع قرن. 

فإن بدرا الجمالي أنمى سلطة الخليفة الفاطمي المستنصر وسيطر على الدولة سنة 
15هء و كان ابتداء وصول الصليبيين سنة ٠45ه‏ وسقّطت إنطاكية في أيديهم 
سنة ١18591ه.‏ 

إذن فلم يكن هناك فاطميون يرون في بحيء الصليبيين إلى الشام ما يحقق 
أهدافهم ف القضاء على خصمهم أو الحد من خخطره ونفوذه. بل كان هناك جماليون 


التمهيد 11 


هوا حكم الفاطميين وحلوا محلهم؛ فإن كان من مستولية فهى تقع على هؤلاء 
الحماليين.. 

ولكن هل صحيح أن الجماليين مسئولون عن تيسير دخول الصليبيين الديار 
الشامية واحتلال القسم الساحلي بكامله والاستيلاء على بيت المقدس؟!1. 

ذلك ما سنتحدث عنه في الآني من القول. 

ويوغل الدكتور عمر تدمري في الهوس فيقول: انساحت التيوش الصليبية 
ووطئت أرض الشام؛ وكونت بحيرات صليبية لاتينية ف أنحائها على مسمع ومرأى 
من السلاحقة والفاطميين» وكان على الإمارات العربية انحايدة بين السلاحقة 
والفاطميين أن تنتظر المساعدة أو النجدة منهمء إذ كان التزاع مستمرا بين 
الدولتين سياسيا ومذهبياء وكان الوقت ذهبيا بالنسبة للصليبيين» وهم يشهدون 
الحالة الي عليها المسلمون من التفكك والتنازع والضعف, فاستطاعوا ف حملة 
واحدة أن يستولوا على القدس» ولو أن القوى الإسلامية في المنطقة طرحت خخلافاتا 
جانبا» ووحدت صفوفها أمام العدوان الصليي لما تعرض الساحل الشامي للذي 
لحقه» أو على الأقل لما لبث الصليبيون في المشرق العربي الإسلامي نحو قرنين من 
الزمان» وبقدر ما يتحمل الفاطميون من تبعة لموقفهم المتخاذل» فإن السلاحقة 
يتحملون أيضا مثل ذلك.(انتهى). 

ليختر الدكتور عمر تدمري إحدى الصفتين: إما أنه جاهل بوقائع تاريخ تلك 
الحقبة جهلا يضعه مع أشباه الأميين ف التاريخ: وإما أنه متعصب أعمى التعصب 
بصيرته فجعله ينطق بهذا القول؛ ما هي الحقيقة في ذلك؟.. 

أولا: كان الحكم الفاطمي قد انتهى قبل ربع قرن من وصول الصليسسين إلى 
أطراف العالم الإسلامي, ثم إلى بلاد الشام كما بينا من قبل . 

يقول المقريزي في حططه: (لم يكن للمستعلي مع الأفضل أمر ولا نمي ولا 
نفوذ كلمة). 





3 أصل السلاجحقة 


في عهد المستعلي الفاطمي هذا الذي لم يكن له مع الأفضل أمر ولا نمي ولا 
نفوذ كلمة تقدم الصليبيون إلى بلاد الشام واحتلوا القدس. 

وكان صاحب الأمر والنهي ونفوذ الكلمة هو الأفضل بن بدر الجمالي؛ فلماذا 
تنسب أحداث تلك الفترة إلى الفاطميين وحلافتهم؟. 

إها يحب أن تنسب إلى أصحاب الأمر والنهي ونفوذ الكلمة» وهم غير 
الفاطميين. 

أما قول التدمري: (انساحت الجيوش الصليبية ووطفت أرض الشام... إلى 
آخر كلامه.. فإننا نقول له: إن الجيوش الصليبية انساحت ووطثت أرض الشام 
واحتلت القدس على مرأى ومسمع وخيانة من السلاحقة وأمثاللهم من غير 
الفاطميين). 

وإليك التفاصيل: 

يحدئنا ابن الأثير في تاريخه عن زحف كربوقا السلحوقي أمير الموصل لإنقاذ 
إنطاكية كما يلي: 

(جمع العساكر وسار إلى الشام وأقام مرج دابق واجتمعت معه عساكر الشام 
تركها وعرها سوى من كان بحلب. فاحتمع معه دقاق بن تنش» وطفغتكين أتابك؛ 
وجناح الدولة صاحب حمصء؛ وأرسلان تاش صاحب سنجار؛ وسليمان بن أرتق 
وغيرهم من الأمراء ممن ليس مثلهم. فلما سمعت الفرنج عظمت المصيبة عليهم 
وخخحافوا لما هم فيه من الوهن وقلة الأقوات عندهم. وسار المسلمون فنازلوا إنطاكية 
وأساء كربوقا السيرة فيمن معه من المسلمين وأغضب الأمراء وتكبر عليهم ظنا منه 
أنهم يقيمون معه على هذه الحال» فأغضبهم ذلك وأضمروا له في أنفسهم الغدر إذا 
كان قتال» وعزموا على إسلامه عند المصدوقة. 

وأقام الفرنج بإنطاكية بعد أن ملكوها ان عشر يوما يحدوا ما يأكلونه. 
وتقوت الأقوياء بدواههم؛ والضعفاء بالميتة وورق الشجر. 


التمهيد | ٍ 


فلما رأوا ذلك أرسلوا إلى كربوقا يطلبون منه الأمان ليخرحوا من البلد فلم 
يعطهم ما طلبواء وقال: لا تخرجون إلا بالسيف. وكان معهم من الملوك: بردويل؛ 
وصنجيل» وكندفري والقمص صاحب الرها وبيمنت صاحب إنطاكية» وهو المقدم 
عليهم...) إلى أن يقول ابن الأثير: (فخرجوا (الإفرنج) متفرقين من خمسة وستة» 
ونحو ذلك. فقال المسلمون لكربوقا: ينبغي أن نقف على الباب فنقتل كل من يخرج» 
فإن أمرهم الآن وهم متفرقون سهلء فتال: لا تفعلوا! أمهلوهم ححى يتكامل 
حروجهم فنقتلهم» ولم يمكن من معاحلتهم» فقتل قوم من المسلمين جماعة من 
الخارحين» فجاء إليهم هو بنفسه؛, منعهم وكاهم. 

فلما تكامل خروج الإفرنج؛ ونم يبق بإنطاكية أحد منهم؛ ضربوا مصافا 
عَظيفاء فول المسلمون منهزمينء, لما عاملهم به كربوقا أولا من الاستهانة بُم 
والإعراض عنهم, وثانيا من منعهم من قتل الإفرنج؛ وثمت الحزكة عليهم؛ ونم يضرب 
أحد منهم بسيف ولا طعن برمح ولا رمى بسهم.ء وآخخر من انمزم سقمان بن أرتق» 
وجناح الدولة» لأنهما كانا في الكمين؛ وانهزم كربوقا معهم. فلما رأي الإفرنج ذلك 
ظنوه مكيدة» إذ لم يجر قتال ينهزم من مثله» وخافوا أن يتبعوهم. وثبت جماعة من 
امجاهدين وقاتلوا حسبة وطلبا للشهادة فقتل الإفرنج منهم ألوفا وغنموا ما في 
المعسكر من الأقوات والأموال والأثاث والدواب والأسلحة؛» فصلحت حاهم 
وعادت إليهم قوهم)(انتهى). 

وعندما ينهى ابن الأثير كلامه هذاء يشير إلى أن ما أتاحه تصرف كربوقا 
وحيانة القادة الآخحرين» هي الى رسخت عزم الصليبيين على الزحف إلى القدس 
بعدما كان قد عراهم من اليأس والانخذال» حى طلبوا الأمان والاستسلام: فيقول: 
لما فعل الإفرنج بالمسلمين ما فعلوا ساروا إلى معرة النعمان... ثم تابعوا السير بعد 
ذلك إلى القدس. 





0 أصل السلاجقة 





كان ابن الأثير واضحاً في تحميل كربوقا والقواد الآخرين مسئولية ماح 
الصليبيين في احتراق بلاد الشام والوصول إلى القدسء مع اختلاف نوع المسئولية بين 
كربوقا وبين بقية الأمراء والقواد. 

لقد استطاع كربوقا أن يجيش الحيوش الإسلامية من الموصل حى بلاد الشام 
وكل من في طريقه من شمال العراق حي شمال الشام. وهذا ما أدركه الصليبيون 
الذين كانوا يعانون الوهن وقلة الأقوات - كما يقول ابن الأثير- بعد تلك الرحلة 
الطويلة الي بدءوها من قلب أوروبا وصولا إلى إنطاكية. 

وما زاد في وهنهم وانخذاللهم ما عانوه في حصارهم لإنطاكية حب عادوا 
وكأنهم هم المحاصرون. لا المحاصرين وكانت المجاعة قد حلت يمم لانعدام موارد 
القوات فيهم. فدب اليأس فيهم» وبدأوا يتسللون من جيشهم هاربين. وحين نعلم 
أنه كان في طليعة الماربين» الرحل الأول في الدعوة إلى إشعال الحرب الصليبية» 
وبطل جمع جموعهاء وتحريض الجماهير على الانضمام إلى جيوشهاء أعن - بطرس 
الناسك - وحين نعلم أن الفرار من الحيش الصلييي الجائع الواهن قد تعدى العامة 
إلى القادة» ففر أمثال (ستيفن كونت بلوا).. 

حين نعلم ذلك ندرك إلى أي مدى كان الصليبيون يائسين منخذلين واهنين 
جائعين وهم يمحاصرون إنطاكية. 

ولولا خحيانة حائن كان داحل إنطاكية لعجز الصليبيون عن دحول إنطاكية. 

لقد دحلوها على وهنهم وجوعهم., وظلوا على هذا الوهن والجوع؛ وهم 
داخلها؛ لأن أسباب الوهن والجوع كانت لا تزال قائمة؛ فلا مصادر للقوت تقيهم 
الجوع وتدفع عنهم الوهن. 

وصلت حملة كربوقا إلى إنطاكية والصليبيون على تلك الحال» ووصلتهم 
أخبار عن ضخامة الحيوش الي أخذت تحاصرهم, لذلك قرروا الاستسلام وطلب 
الأمان كما ينص على ذلك ابن الأثير... 


التمهيد 56 





وهذا 5 أن الحملة الصليبية قد فشلت وأن حيوشها وقوادها قد قرروا 
الاستسلام؛ وأن القدس الي كانت هدفهم قد بحت» وانتهى أمرهم ول تعد تقوم لهم 
قائمة. .. 

فماذا غير ذلك كله؛ وماذا أحال وهنهم إلى قوة» وجوعهم إلى شبع؛ وماذا 
بدلهم من موقف طالب استسلام إلى مهاجحم منتصر؟!. 

إن ابن الأثير يفصل لنا ذلك بعبارات مقتضبة فهو يقول: 

(.. ولما سمعت الإفرنج (بقدوم الحيوش الإسلامية الكثيفة) عظمت عليهم 
المصيبة وخافوا لما هم فيه من الوهن وقلة الأقوات عندهم). 

ثم يسترسل ابن الأثير قائلا: 

(وأساء كربوقا السيرة فيمن معه من المسلمين وأغضب الأمراء وتكبر عليهم 
ظنا منه أنهم يقيمون معه على هذه الحال» فأغضبهم ذلك وأضمروا له في أنفسهم 
الغدر إذا كان قتال» وعزموا على إسلامه عند المصدوقة). 

عوضاً عن أن تبعث كثرة الحند وضخامة الحيش في نفس كربوقا التواضع لله 
على أن وفقه لقيادة هذه القوة الكبرى» وعوضاً عن أن يحمد الأمراء على استجابتهم 
لدعوته ويتألفهم ويلين لهم, عوضا عن ذلكء عاد إلى طبيعته فرأى في تلك الحشود 
الإسلامية بحرد أتباع له وف أولئك الأمراء بحرد مأمورين له فازدهاه ذلك فتكبر 
وتحبر» وعامل الأمراء بمهانة أحفظتهم وغيرت نواياهم لا عليه وحده؛ بل على 
الموقف كله فاتقلبوا من متحفزين لنصرة الإسلام إلى ناوين حيانة الإسلام. 

فالأمر يلخصء» كما ذكر ابن الأثير» كما يلي: 

١‏ - كان الصليبيون داحل إنطاكية في منتهى الوهن وانعدام الأقوات. 

؟ - قرروا الاستسلام بلسان قيادتهم الموجودة كلها داعل إنطاكية. 

" - رفض كربوقا استسلامهم وقرر دخول إنطاكية بالسيف. 


4 - بدأوا بالتسلل من إنطاكية فرأى المسلمون مقابلتهم؛ وهم شراذم تسهل 
إيادتهم تدرجياء وبالفعل بدأ ذلك المسلمون فقتلوا كل من خرجء فرفض كربوقا 
ذلك وجاء بنفسه ينع المسلمين من هذا. 

ه - كان كربوقا قد أساء معاملة الأمراء المنضمين إليه وعاملهم يمهانة. 

5 - حقد هؤلاء الأمراء عليه وقرروا عدم القتال والاغمرام من المعركة عند 
أول مواجهة مع العدو. 

- أصر كربوقا على منع جمهور المقاتلين معه من تصيد الأعداء وهم شراذم 
ما أغضب هذا الجمهور فقرروا ما قرره الأمراء من الانمزام دون قتال. 

- وجدت جماعة ثي اليش الإسلامي رفضت ذلك فقررت الاستشهاد 
تقربا إلى اللّه. 

فأول ما يطال كربوقا من المسئولية ف ذلك هو: تنفيره قلوب الأمراء منه 
والاستعلاء عليهم. 

وثاني ما يطاله -وهو الأخطر في الأمر- هو رفضه استسلام الصليبيين بلا 
قتال: 

وثالث ما يطاله - وهو ما لا يقل خطورة عن الثاني - هو رفضه طلب جمهور 
المقاتلين عدم السماح للصليبيين بالتجمع كتلة واحدة ومقابلتهم وهم شراذم تسهل 
إبادتها. 

فلماذا فعل كربوقا ذلك؟.. 

يصعب علينا اتمام كربوقا بالخيانة فنحن لا ننسبها إليه. ولكننا لا نتردد أبدا 
باتهامه بالأنانية وحب الذات وتغليبهما على كل شيء مهما تعارض هذا الشيء مع 
المصلحة العامة, 

إن أنانيته» وحبه لذاته» وحرصه على محده الشحصي» جعلته يرفض استسلام 
الصليبيين بأمان بلا قتال وحروجهم من إنطاكية ورحوعهم إلى بلادهم. 


التمهيد 1 





لأنه وقد أيقن بوهنهم وحلول الجاعة فيهم اعتقد أنه سيخوض معهم معركة 
سهلة يكون هو بطلها المنتصر. 

واستسلامهم بلا قتال سير حمه من التباهي بالانتصار عليهم في معركة حاسمة. 

وكذلك القول في منعه جمهور المسلمين المقاتلين من تصيد الصليبيين أفرادا 
وشراذم؛ وهزعتهم يذه الطريقة» فإن ذلك سيحرمه من امحد الشخصي والتفاخر 
بالاتتصار. 

وهكذا فإن الأنانية» وحب الذات» وطلب المحد الشخصيء» عند كربوقا 
وخيانة الأمراء وجمهور المقاتلين قد حالت بين المسلمين وبين إناء الحروب الصليبية 
عند إنطاكية» وعرضتهم لما عرضتهم من فجائع دول الصليبيين للقدس فاتحين 
واستمرار الاحتلال الصليبيي لبلاد الشام مئى سنة» وما اقتضى ذلك من إذلال 


وسفك دماء. 
هكذا كله يتناساه مزيفو التاريخ ويتجاهلونه!! ويفتشون عن بريء يتهمونه 
وبطل مخونونه!. 


وهذا ما نأسف أن يتمسك به في هذا العصر من يقولون إنهم أكادميون وحملة 

دكتوراه وأساتذة حامعيون!. 
الاسترسال في التزييف 

ويستطيب الد كتور عمر تدمري تزييف التاريخ فيقول: 

إن أول ما يوخحذ على الفاطميين هو عدم اكترائهم بال هجمة الصليبية على 
الشامء بل إنهم رحبوا بما لأنمم وحدوا فيها عوناً على خصرمهم السلاحقة؛ وقد 
بعثوا رسلهم إلى زعماء الصليبيين وقادتهم ف إنطاكية للتعبير عن فرحتهم بسقوطها 
بين أيديهم شماتة بالسلاجقة. 

أولا: لقد قلنا ونقول: إنه لم يكن هناك فاطميون عند الهجمة الصليبية على 
بلاد الشام» بل كان هناك: حماليون» وقد فصلنا ذلك فيما تقدم من الكلام. 


3 أصل السلاحقة 


أما جرأته على الحق والصدق في قوله عن الفاطميين (الذين لم يكن لهم 
يومذاك وحود) بأنهم رحبوا بالمحجمة الصليبية على الشام لأنهم وجدوا فيها عونا 
على خخصومهم السلاحقة؛ وقد بعثوا رسلهم إلى زعماء الصليبيين وقادتهم في إنطاكية 
للتعبير عن فرحتهم بسقوطها شماتة بالسلاجقة - أما هذه الحرأة على الحق والصدق» 
فإننا لا نعرف في تاريخ التعصب الأعمي ها مثيلا. 

في أي كتاب وجدت أن الفاطميين لم يكترئوا بالحجمة الصليبية؟ وفي أي 
كتاب قرأت أنهم رحبوا بما؟ في أي كتاب طالعت أن رسلهم إلى زعماء الصليبيين 
ف إنطاكية عبروا عن فرحتهم بسقوطها شماتة بالسلاجقة؟!. 

نعيد ونكرر وسنظل نعيد ونكرر أن الفاطميين لم يكن لهم وحود عند الحجمة 
الصليبية» بل كانوا محجورا عليهم: وكانوا سجناء دورهمء وأن الذين حلوا محلهم 
هم: الحماليون.. 

ولكن هل فعل الجماليون هذا الذي يفتريه عمر تدمري؟.. لن بحيب نحن على 
هذا السؤال» بل نترك للدكتور محمد جمال الدين سرور في كتابه: (النفوذ الفاطمي 
في بلاد الشام والعراق) ليحيب عليه» وليبين حقيقة مهمة الرسل الذين أرسلهم 
الأفضل الجمالي إلى إنطاكية: 

يقول الدكتور سرور في الصفحة 10" من كتابه: 

(لا وصل إلى الحكومة الفاطمية في مصر نبأ هجوم الصليبيين على إنطاكية 
رأت أن تبذل حهدها لمنع زحفهم على بيت المقدسء فأنفذ الوزير الأفضل بن بدر 
الجماللي سنة 1497ه (98١1م)‏ سفارة إلى الصليبيين للتفاوض في عقد اتفاق معهم 
يتضمن أن يتفردوا بإنطاكية وأن تستقل مصر ببيت المقدس على أن يسمح للصليبيين 
بزيارة الأماكن المقدسة بفلسطين وتكون لمم الحرية في أداء شعائرهم الدينية على أن 
لا تريد مدة إقامتهم يما عن شهر واحد وأن لا يدحلوها بسيوفهم). ومن هذا يتبين 
أن الأفضل بن بدر الجمالي لا رأى سقوط إنطاكية وانزام قوى كربوقا بخيانة 
أسلاف الدكتور عمر تدمري أيقن أنه لم ببق في طريق الصليبيين قوى إسلامية 





التمهيد 14 


تستطيع التغلب عليهم والحول بينهم وبين الوصول إلى القدس؛ فحاول أن يتفعهم 
بالوقوف عند إنطاكية على أن تكون لحم حرية زيارة القدس أفرادا غير مسلحين وأن 
يغادرها من يزورها منهم في مدة أقصاها شهر. 

وأحسب أن هذا أقصى ما كان يستطيع أن يفعله الأفضل من أجل القدس 
يومذاك» فأين هو موضع التجريح هذا الرجل؟!. 

هذا إذا صح أن الأفضل أرسل سفارة» فنحن لم بحد ذكرا هذه السفارة 
المزعومة في أي مصدر عري!.. 

ومع افتراض وجود السفارة نقول: إنه لما فشلت محاولة الأفضل السلمية 
لإيقاف الصليبيين عند إنطاكية استعد لحرهم. 

فالاستعداد لحريهم كان واقعا سواء سلمنا بوجود السفارة أم لم نسلم. استعد 
الأفضل لحرب الصليبيين مع علمه بقوتهم وضعف قوته أمام حشودهم, فقام واليه 
على القدس بتسميم الأبار ال في طريقهم وطم القنوات لكلا يستفيدوا من مائهاء 
وعهد بحراسة أسواق القدس إلى جماعة من العرب والسودان. 

ويقول الدكتور حسن حبشي ف كتابه (الحروب الصليبية) فيما يقول عن 
حيش الأفضل بن بدر الحمالي المدافع عن القدس: (وأدرك الصليبيون أهم واجهوا 
هذه المرة خصما يرى أن ف ضياع بيت المقدس ضياعا لهيبته السياسية وانتهاكا 
حرماته الدينية). 

ونقول: كان ذلك على عكس أسلاف الدكتور عمر التدمري الذين لم يروا 
حرجا ف أن يخونوا الإسلام والمسلمين حين انحازوا عن طريق الصليبيين عند 
إنطاكية» ففتحوا لهم باب الوصول إلى القدس!. 

ثم يصف الدكتور حسن حبشي الدفاع البطولي عن القدس قائلا: (شرع 
الصليبيون ف اهجوم مساء الأربعاء ١‏ يوليو ٠١984‏ (447ه) ووجدوا من 
الحاميات الإسلامية دفاعا قويا رغم ما استعدوا به من آلات الحصار والأبراج 
المتحركة, وأحذت حامية المديئة ترميهم بالنار الإغريقية). 





7” أصل السلاحقة 





واستمرت المعارك على هذا المنوال العنيف سبعة أسابيع من 7 يونيو إلى ١١‏ 
يوليو 34١٠م‏ فأين هذا الدفاع: دفاع جيش الأفضل بن بدر الجمالي عن القدس» 
من خحيانة أسلاف عمر تدمري وأسلاف محمد علي الجوزو عند إنطاكية. 

وبعد سقوط القدس واصل الأفضل قتال الصليبيين» وقاد حملة لاسترداد القدس 
قْ رمضان سنة 15557ه (آب 494 ١٠م)‏ وصل ها إلى عسقلان» فلما بلغت أخبارها 
إلى حودفري ف القدس أرسل على عخل رسولا إلى تنكريد الذي كان في نابلس 
يستدعيه هو والقوات الى معه للمشاركة ف دفع الخطر الداهم؛ كما استدعى بقية 
الأمراء الذين ساهموا في بيت المقدس يطلب إليهم الانضمام إليه للدفاع عن القبر 
المقدس هذه المرة» ولم يتخلف منهم أحد على الرغم مما كان قائما بينهم من خلاف 
يومذاك. وهكذ! وحد المنطر بين جميع القوى الصليبية فتحشدت بأقصى ما تستطيع 
من تحشد., ففشلت معركة استرداد القدس في تفاصيل ليس هنا مكان الخنوض فيها. 

يقول المقريزي في خططه: (وفي سنة أربع وتسعين خرج عسكر مصر لقتال 
الإفرنج وكانت بينهما حروب كثيرة). ويقول ابن الأثير: سير الأفضل ولده شرف 
المعاللي في السنة الحالية إلى الإفرنج فقهرهم وأنخذ الرملة منهم. 

ويقول المقريزي ني خططه: (وكوتب الأفضل بن أمير الحيوش من عسقلان» 
باحتماع الإفرنج فاهتم للتوحه إليهمء فلم نغ أمكنا من هال وسلاحء وخخيل؛ 
ورحال» واستئاب أنخاه المظفر أيا محمد حعفر بن أمير الجيوش بين يدي الخليفة 
مكانه» وقصد استنقاذ الساحل من يد الإفرنج» فوصل إلى عسقلان: وزحف عليها 
بذلك العسكر). 

ولكن الحملة لم تنجحح. 

وقال المقريزي أيضا: وذكر تحهيز العساكر في البر عند ورود كتب صاحبي 
دمن و يا د عر راقع بارا عت على عزو ارج ومعارعامع 
حسام الملك» وركب الخليفة الآمر بأحكام الله» وتوجه إلى الخامع بالمقس» وجلس 


0١ التمهيد‎ 

بالمنظرة في أعلاه» واستدعى مقدم الأسطول الثاني» ولع عليه؛ وانحدرت الأساطيل 
مشحونة بالرحال والعدد والآلات والأسلحة. 

وقال المقريزي: قال ابن المأمون البطائحي في حوادث سنة تسع وخمس مئة: 
ووصلت النجابون من والي الشرقية تخبر بأن بغدوين ملك الإفرنج وصل إلى أعمال 
الفرماء فسير الأفضل بن أمير الجيوش للوقت إلى والي الشرقية بأن يسير المركزية 
والمقطعين يماء ويسير الراحل من المعطوفية؛ وأن يسير الوالي بنفسه بعد أن يتقدم إلى 
العربان بأسرهم بأن يكونوا ف الطوالع» ويطاردوا الإفرنج» ويشارفوهم في الليل قبل 
وصول العساكر إليهم؛ فاعتمد ذلكء ثم أمر بإخراج الخيام» وتجهيز الأصحاب 
والحواشي. فلما تواصلت العساكر وتقدمها العربان» وطاردوا الإفرنج» وعلم 
بغدوين ملك الإفرنج أن العساكر متواصلة إليه» وتحقق أن الإقامة لا تمكنهء أمر 
أصحابه بالنهب والتخريب والإاحراق وهدم المساحد. فأحرق جامعها ومساجدها 
وجميع البلدء وعزم على الرحيل... إلى أن يقول: وأما العساكر الإسلامية فإِنهم شنوا 
الغارات على بلاد العدو وعادوا بعد أن خحيموا على ظاهر عسقلان... ثم يقول: 
وتواصلت الغارات على بلاد العدو وأسروا وقتلوا... 

وظلت غارات الأفضل على شكل عصابات تغير على الصليبيين؛ ووصل 
بعضها إلى أسوار بيت المقدس سنة 4 .٠6(١١1١1م)‏ وسنة 65.1ه(5١١١م)»‏ وإلى 
يافا سنة هه( ١١1م).‏ 

وهذا يدل على أن الأفضل لم يهدأء أو لم يترك الصليبيين يهدءون» بل ظل 
يغير عليهم ويقاتلهم؛ فكانت بينه وبينهم حروب كثيرة» على حد تعبير المقريزي. 

وإذا كانت القوى الصليبية المتدفقة من أوروبا هي أكثف وأقوى مما استطاع 
الأفضل حشده. وإذا كان لقوى الصليبيين امتدادًا دائمًا من الخارج؛ وليس للأفضل 
أي إمداد من العالم الإسلامي الواسع» فذلك ليس ذنب الأفضل بن بدر الجمالي. 

وبالرغم من أن من جاءوا بعد الفاطميين والحماليين طمسوا كل ما يستطيعون 
طمسه من مآثر تلك العهودء وما قيل فيها من الشعر والنثر فد أمكن أن يصل إلينا 





7 أصل السلا حقة 
بعض ما خلده الشعراء من مآثر الأفضل بن بدر الجمالي في جهاده للصليبيين. فمن 
ذلك قصيدة للشاعر أمية بن أبى الصلتء يشير فيها إلى انصراف البلاد الإسلامية 
الأخره عن فواحية الاطن الصاريسي» زاقتضار الراجهة على الأنظال 'وحيسيه: 
وفيها يقول مخاطبا الأفضل: 

جردت للدين والأسياف مغمدة سيفا تفل به الأحداث والغير 

ثم يشير إلى فشل حملة استعادة القدس: 

وإن هم نكصوا يوماً فلا عجب قد يكهم السيف وهو الصارم الذكر 

العود أحمد والأيام ضامئة عقبى النجاح ووعد الله ينتظر 

ثم يتبئ الدكتور عمر تدمري أقوال زملائه المتقدمين عليه في الزمن» والمساوين 
له قي العصبية العمياء والتوغل في الباطل والافتراء على الحقيقة؛ أمثال: محمد كردعلي 
الذي ينقل قوله غير المستند إلى سند إلا اتقاء حذوة اللوم ق نفسه حيث يقول: 

(ومما يثير الاستغراب والدهشة أن الفاطميين ظلوا مكتوي الأيدي» وهم يرون 
المدن الإسلامية تُدمرء ويقتل رجاها ونساؤها وأطفالهاء وهدم مساجدهاء وكأن 
الأمر لا يعنيهم طالما أنهم يعتقدون أن المتضرر الأول هم السلاجقة؛ وأنهم بعدم 
التصدي للصليبيين» يصرفون نظرهم عن الدخول إلى مصر). 

ونقول محمد كردعلي؛ ولعمر تدمري: أن خيانة أسلافكم السلاحقة هي الي 
فتحت الباب للصليبيين لكى يدمروا المدن الإسلامية ويقتلوا رجالها ونساءها وأطفاها 
ويهدموا مساجدها. ١‏ 

أما الفاطميون فلم يكن لهم وجود.ء والحماليون الذين خحلفوهم لم يقفوا 
مكتوقي الأيدي؛ وقد عناهم الأمر كل العناية» وقد رأينا فيما تقدم من القول ما 

وأمثال ابن كثير الذي قدم التدمري لشتائمه بقوله: 

ولقد هاحم المورحون الخلفاء الفاطميين» ودولتهم على مواقفهم المتخحاذلة 
فكتب ابن كثير كلاما مقذعا قال فيه: .. 





التمهيد 07 


وقد كان الفاطميون أغئ الخلفاءء وأكثرهم مالاء وكانوا من أغئن الخلفاء, 
وأحبرهمء وأظلمهم: وأنحس الملوك سيرة» وأحبثهم سريرة» ظهرت ف دولتهم 
البدعء والمتكرات» وكثر أهل الفساد» وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد. 
وكثر بأرض الشام النصرانية؛ والدرزية» والحشيشية» وتغلب الإفرنج على سواحل 
الشام بكمالها حيت أخذوا القدسء, ونابلس؛ وعجلونء والغور» وبلاد غزة 
وعسقلان, وكرك» والشوبك» وطبرية» وبانياس» وصورء وعكاء وصيداء وبيروت» 
وصفدء وطرابلس» وإنطاكية» وجميع ما والى ذلك إلى بلاد أياس وسبس» 
واستحوذوا على بلاد آمد؛ والرهاء ورأس العين» وبلاد شى غير ذلك. وقتلوا من 
المسلمين خخلقا وأتما لا يحصيها إلا الله وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان 
نما لا يحد ولا يوصف. 

هذا الكلام ينقله ويتبناه؛ ويحاضر به على المنابر» رجحل يعيش في العقد الأخير 
من القرن العشرين» ويحمل شهادة د كتوراه ويدرس في الجامعة. 

لقد كان على عمر تدمري أن يخحل من محرد وجود هذا الكلام في كتاب 
عربي» لو كان عمر تدمري فعلا رحل علم وفكر وتحقيق. 

لقد استولى الإفرنج على ما ذكره ابن كثير من بلاد وفعلوا فيها ما عدده من 
الأفعال» وقد رأينا فيما تقدم أن الذين فتحوا للفرنج باب الشام على مصراعيه» هم 
أسلاف ابن كثير» ومحمد كردعلي» وغمر تدمريء ومحمد علي الجوزو. 

فالعار في ذلك على أسلافكم. وعتد العار إليكم؛ لأنكم لم تنكروا عليهم 
حيانتهم أما الفاطميون فسنظل نكرر ونكرر ونكرر أنهم الم يكونوا موجودين؛ وأن 
الحمالبين الذين خلفوهم دافعوا دفاع الأبطال لذود الصليبيين لا سيما عن القدس... 

وابن كثير هذا الذي يفيض قلمه بتلك البذاءات عن الفاطميين هو نفسه الذي 
يقول عن واحد من أولئك الفاطميين في الصفحة 784 من المجلد الحادي عشر من 
كتابه: البداية والنهاية: 





2 أصل السلاحقة 





كان المعز قبحه الله فيه شهامة؛ وقوة حزمء وشدة عرامء وله سياسة» وكان 
يظهر أنه يعدل؛ وينصر الحق. 

هذه هي الصفات الي كان يتحلي بها الفاطميون وال أنطق الله يما ابن كثير 
رغما عنه: الشهامة؛ وقوة الحزم» وشدة العرام؛ والسياسة؛ والعدل؛ ونصرة الحق. 

ومع ذلك فابن كثير لا يتورع عن أن يقول عن صاحب هذه الصفات: قبحه 
الل وأن يصف قومه الذين لا يقلون عنه في التحلى بمذه الصفات بما وصفهم به 
وأن يشتمهم مما شتمهم. 

نحن لا نريد أن نتحدث عن أمحاد الفاطميين إلا مما ذكره ابن كثير نفسه؛ ويا 
أرغمه الله على تدوينه في كتابه نفسه فهو يقول عن إحدى وقائعهم وهو يتحدث 
عن أحداث سنة ١ه76اه:‏ 

وفيها فتح المعز الفاطمي حصن طبرمين من بلاد الغرب» فتحه قسرًا بعد 
محاصرة سبعة أشهر ونصف. وقصد الإفرنج جزيرة أقريطش فاستنجد أهلها المعز 
فأرسل إليهم حيشا فانتصروا على الإفرنج. 

وقال في أحداث سنة هاه : وكان من عزمهم (الروم) أن يستحوذوا على 
البلاد الإسلامية كلها... ثم يقول: وفيها كانت وقعة المحاز ببلاد صقلية» وذلك أنه 
أقبل من الروم خلق كثيرء ومن الإفرنج ما يقارب مئة ألف» فبعث أهل صقلية إلى 
المعز الفاطمي يستنجدونه فبعث إليهم 200 كثيرة في الأسطولء. وكانت بين 
المسلمين والمشر كين وقعة عظيمة؛ صبر فيها الفريقان من أول النهار إلى العصرء ثم 
قتل أمير الروم منويل» وفرت الروم؛ وانهزموا هزيمة قبيحة؛ فقتل المسلمون منهم خخلقاً 
كثيراء وسقط الإفرنج ف واد من الماء عميق؛ فغرق أكثرهمء» وركب الباقون في 
المراكب» فبعث الأمير أحمد صاحب صقلية في آثارهم مراكب 5 فقتلوا أكثرهم 
في البحر أيضاء وغنموا في هذه الغزوة كثيرا من الأموال» والحيوانات» والأمتعة) 
والأسلحة. 


التمهيد هبن 





هو يعترف أنه كان من عزم الروم الاستحواذ على البلاد الإسلامية» ويعترف 
أن جيوش الفاطميين هي الي أحبطت عزمهم وردتم عن البلاد الإسلامية. كما 
اعترف من قبل أن جيش الفاطميين هو الذي أنحد مسلمي جزيرة أقريطش من الغزق 
الفرنحي فانتصر المسلمون على غازيهم من الإفرنج. 

يعترف بذلك؛ ثم يصف الفاطميين .ما وصفهم به؛ ويأقٍ اليوم أستاذ اللجامعة 
الأكاديمي» أستاذ الجامعة حامل الدكتوراه: عمر تدمري فيستشهد بأقواله ويرددها 
على المناير. 

ولتزداد معرفة بابن كثير ومتبئ أقواله» نقول: إنه وهو يذكر أحداث سنة 
١*هه‏ يذكر انتصار البيزنطيين على سيف الدولة الحمداني في إحدى المعارك 
ودخولهم حلبء فيقول: إن سيف الدولة فيه تشيع؛ لا جرم أن الله لا ينصر أمثال 
هؤلاء!.. 

إن ابن كثير الذي يدعي الإسلام» والغيرة عليه لا يباللي أن يشمت بانتصار 
البيز نطيين على الحمدانيين ما دام الحمدانيون شيعة, 

ولكن الله يخزى ابن كثير بقلم ابن كثير نفسه, إذ تضطره الأحداث لأن يتمم 
كلامه السابق قائلا عن سيف الدولة: بعث مولاه بحاء فدخل بلاد الروم» فقتل منها 
خلقاً كثيرأً؛ وسبى جمعا غفيرأًء وبعث صاحبه مع جيش طرطوس فدخلوا بلاد الروم 
فغنموا وسبواء» ورجعوا سالمين. 

ولتعرف من هو ابن كثير» هذا الذي يتبئ الدكتور عمر تدمري أقواله 
ويخطب بها على المنابر نذكر لك شيئا مما سجله في تاريخه: (البداية والنهاية): 

فهو عندما يتحدث عن وفاة الأشرف بن العادل الأيوبي يقول عنه في الصفحة 
7 من ابحلد الثالث عشر: إنه كان يعان الشراب أي أنه كان سكيرًا. ثم يقول 
عنه في الصفحة التالية: 


# أصل السلاحقة 

ولما توق رآه بعض الناس وعليه ثياب ضر وهو يطير مع جماعة من 
الصالحين» فقال: ما هذا وقد كنت تعاني الشراب في الدنيا؟ فقال: ذاك البدن الذي 
كنا نفعل به ذاك عندكمء وهذه الروح الى كنا نحب بما هؤلاء فهي معهم. 

ثم يعقب ابن كثير على هذا القول بقوله: ولقد صدق -رحمه الله-. قال 
رسول الله (5): المرء مع من أحب. وهكذا فعلى رأي ابن كثير: لا بأس بارتكاب 
المعاصي ومنها شرب الخمر» ما دام مرتكبها يحب بعض الصالحين على أن الطامة 
الكبرى هي ما ذكره في الصفحة5١١‏ من المجلد الثاني عشر: عن الاحتلاف ف إباحة 
الولدان في الجنة» وما قيل في الإباحة وعدم الإباحة بين أبي علي بن الوليد وأبي 
يوسف القزويئ» وأنه يباح لأهل اللحنة وطء الولدان في أدبارهم: فمال هذا إلى أباحة 
ذلكء, لأنه مأمون المفسدة هناك. وقال أبو يوسف: إن هذا لا يكونء لا في الدنيا 
ولا في الآخرة» ومن لك أن يكون هم أدبار» وهذا العضو وهو الدبر إنما خلق ف 
الدنيا لحاحة العباد إليه لأنه مخرج الأذى عنهم؛ وليس في الجنة شيء من ذلك» وإئما 
فضلات أكلهم عرق يفيض من حلودهم, فإذا هم ضمر فلا يحتاحون إلى أن يكون 
لهم أدبارء ولا يكون هذه المسألة صوره بالكلية!! هذا هو المورخ الذي يستشهد 
بأقواله الدكتور عمر تدمري ويخطب بما على المنابر!.. وإنه ليشرف الفاطميين وغير 
الفاطميين أن يشتمهم من تشغله في تاريخه أدبار الولدان!.. 

ولا يشرف الدكتور عمر تدمري أن يكون هذا مقتداه ومصدر أفكاره.. 

وابن كثير هذا الذي افترى على الفاطميين ما افترى» عندما يمر بخيانة الأيوبيين 
مر يما مرا سريعًا لا يلفت النظرء فهو مثلا عندما يتحدث عن تنازل العادل عن 
البلاد للصليبيين يقول: 

وأطلق لهم شيئا من البلاد» وعندما يذكر تحالف الأيوبيين» الصالح إسماعيل 
صاحب دمشقء والناصر داود صاحب الكرك؛ والمنصور صاحب حمص - عندما 
يذكر تحالف هؤلاء الأيوبيين مع الصليبيين على قتال قريبهم الأيوبي الآخخر الصالح 
أيوب صاحب مصرء يذكر ذلك بدون أي اهتمام وأي إنكار. وعندما يذكر انضمام 


التمهيد 77 
القاضيين صدر الدين بن سين الدولة ومحبي الدين بن الزكي إلى هولاكوء وانضمام 
الملك السعيد بن العزيز بن العادل الأيوبي إلى المغول أيضا وقتاله معهم في معركة عين 
جالوتء ومكاتبة الملك المغيث عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل الأيوبي لهولاكوء 
وحثه على القدوم إلى الشام مرة أخرى» وجواب المغول له بالثبات» ونيابة البلاد» 
وأفهم قادمون عليه لفتح الديار المصرية - عندما يذكر ابن كثير ذلك لا يرى فيه 
شيئاء ولا يرى أن هؤلاء الخونة يستحقون حي كلمة تقريع!.. 

ثم لا يبالي أن يفتري على الأبرياء الشرفاء المحلصين! والدكتور عمر تدمري 
لم ترعه هذه الخنيانات الصريحة المملوء ما وبأمئالها كتاب ابن كثيرء فلم يشر إليها 
بشيء في كل ما كتب ودونء بل تمسك بالافتراءات والأباطيل والبذاءات والشتائم! 
ولا يكتفي التدمري بالتمسك بأذيال ابن كثير» بل لجأ إلى نظير لابن كثيرء هو ابن 
الفرات» فنقل عنه ما كان عليه أن يخجل من قراءته؛ ولكنه - وهو يوافق هواه 
وعصبيته - انحدر مع ابن الفرات إلى دركات الخزي حين نقل عنه هذا القول الذي 
مهد له بقوله: وها هو ابن الفرات يورد رواية فيها الكثير من السخرية بالخليفة 
الفاطمي المراهق (الآمر باللهم وهو يتحدث عن سقوط مدينة طرابلس يقول فيها: 

... وحكي أن السبب في أحذ طرابلس أنه لما ضايقها الإفرنج كتب من فيها 
إلى الديار المصرية يستنجدون خليفتها ويسألوه المبرة» وأقاموا ينتظرون ورود الدواب 
بالمدد والميرة» فبيئما هم فق ذلك إذا مركب قد أقبل؛ فما شكوا أن فيه نمحدة, فطلع 
منه رسول وقال: قد بلغ الخليفة أن بطرابلس جارية حسنة الصورة» وأنما تصلح 
للخدمة؛ وقد أمر بإرسالا إليه؛ وأرسلوا إليه من حطب المشمش ما يصنع منه عيدان 
للملاهي فعند ذلك أيسوا من نصره وضعفت قواهم. 

إلى هذا المستوى انحط عمر تدمري» إلى هذا المستوى انحط من يعتبر نفسه 
مورخ الإسلام في بلاد الشام في هذا العصر!ا. 

لقد انحط إلى حد تبئ السفاهاتء والناداة بما شعارً! يواجه به جماهير الناس!.. 





م أصل السلاحقة 





يا عمر تدمري» إن طرابلس بلدك» وأنت تعرف أها صمدت بأبطالما الشيعة 
بي عمار عشر سنين في وجه الصليبيين تقاتلهم» وتذودهم» وتتحمل مرارة حصارهم 
لما. 

وها لم تستنجد بمصر؛ لأن مصر كانت هي الأخرى تقاتل الصليبيين 
وتدفعهم عن حمى الإسلام بقواها المحدودة النٍ لا تستطيع أن تستغئي عن جندي 
واحد منهم.. 

لقد استنجدت بأسلافك في بغداد الراتعين في دعة العيش المتنعمين بغضارة 
الحياة!. . 

دامح رردها مم ردره ام وتركوها تلاقي مصيرها وحيدة!.. 

لقد كنت انتظر منك كل شيء.. ولكن لم يدر بمخلدي أبدا أنك ستتبى 
الأكاذيب المصوغة بالبذاءة وانعدام الحياء!.. 

بين السلاجقة والصليبيين 

سنة ١491ه‏ كان الصليبيون يحتلون إنطاكية ويتوغلون منها في بلاد الشام 
قاصدين القدس. 

ويقول ابن الأثير عن حاكم إنطاكية السلجوقي (باغي سيان) إنه بمحرد أن 
مع صوت بوق الإفرنج يضرب عند السحرء و كان مع البوق عدد من الصليبيين لا 
يزيد على اختسممالة لا جمع (باعتي سيان) :صوت البوق وله الرعب» ففتخ يانب 
البلد ورج هاربا على وجهه, فحاء نائبه في حفظ البلد فسأل عنه؛ فقيل إنه هرب» 
فخرج من باب آخخر هارباء وكان ذلك معونة للفرنج؛ ولو ثبت ساعة لملكوا. 

ويقول ابن الأثير بعد ذلك بسطور: وكان الإفرنج قد كاتبوا صاحبي حلب 
ودمشق (السلحوقيين) بأننا لا نقصد غير البلاد الي كانت بيد الروم» لا نطلب 
سواهاء مكرا منهم وخديعة؛ حين لا يساعدا صاحب إنطاكية. 

هكذا سلم السلاحقة باب العالم الإسلامي مفتوحًا للصليبيين» فدخلوا منه 
حى وصلوا إلى القدس! هرب حامي الباب بسماعه صوت البوق فلم يرم بسهمء 


التمهيد 7 





ولم يحرد سيفاء ولى يشرع رحا دفاعا عن البلد الذي أنفذ فيه سلطانه. واستصفى 
أمواله؛ وعاش فيه آمرًا ناهيا مترفاء فلما حد الحد لم يكن له هم إلا نفسه ففر هاربا 
لا يلوي على شيءء ولم يترك البلد وأهله وحدهم عرضة لمذابح الصليبيين» بل ترك 
ح أسرته للقتل والسبي والأسر. 

وصاحبا حلب ودمشق (السلحجوقيان) لم يعنهما أن يحتل الصليبيون إنطاكية 
ثم ينطلقوا منها إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين؛ لم يعنهما ذلك ما دام الصليبيون قد 
طمأنوهما بأنهم لن يتعرضوا لهما. 

وف السنة ال كان الصليبيون يزحفون فيها على العالم الإسلامي فيحتلون 
إنطاكية ويتقدمون إلى بيت المقدسء كان السلجوقيون ف مكان آخحر لا يكترئون 
؟مذاء وإنما يتقاتلون فيما بينهم فيقود دولتشاه مع بيغو أخي طغرل بك فريقاء ويقود 
السلطان سنحر فريقا ويدحلون فيما بينهم .معارك دامية. وفي السنة الثانية من احتلال 
القدس (سنة 457ه) كان السلاجقة في شاغل عن هذا الاحتلال» وعن مذابح 
المسلمين في القدس» وعن الذل الذي غرق فيه المسلمون كانوا في شاغل عن ذلك» 
وكانوا يتحاربون في مكان آخعرء كان القتال دائرا بين السلطان (بركيارق) وواليه 
(أنر)؛ وبين (إيران شاه) وحلفائه (الشوانكاره). 

ومؤيد الملك عبيد الله بن نظام الملك (الوزير السلجوقي) لم يعنه وهو ف بغداد 
ما يحري في القدس بل عناه الخلاف السلحوقيء. فسار من بغداد لا إلى القدس 
لإنحادها واستنقاذهاء بل إلى حيث يقيم (أنر) لإنحاده واستنقاذه. 

وأنر هذا لم يعنه هو الآخر ما يحرى في القدس على المسلمين؛ بل عناه أن 
الإسماعيليين قد انتشر أمرهم ف أصفهان فندب نفسه لقتالهم» وحصر قلعة على جبل 
أصفهان!. 

أثر السلحوقي لى ير في انتشار أمر الصليبيين في بلاد الشام ما بحفزه على أن 
يندب نفسه لقتالهم» وأن يسرع لحصار قلعة من قلاعهم. بل رأى في انتشار أمر 
مواطنيه الإسماعيليين ما يحفزه على ذلك!. 


7 أصل السلاحقة 





وتسقط القدس ويجري ما يجري فيها على المسلمين» ويأني المستنجحدون من 
الشام إلى بغداد بغداد السلجوقية في ذلك الوقت. 

ويروي قصتهم ابن الأثير على هذا الشكل: 

(وورد المستنفرون من الشام في رمضان إلى بغداد بصحبة القاضي (قاضي 
دمشق) أبي سعد الحروي» فأوردوا في الديوان كلاما أبكى العيون وأوجع القلوب 
وقاموا بالجامع يوم اللجمعة فاستغائوا وبكوا وأبكوناء وذكر ما دهم المسلمين بذلك 
البلد الشريف المعظم من قتل الرجال ومبي الحريم والأولاد ونب الأموال). (انتهى). 

كان يومذاك في بغداد سلطتان: سلطة روحية بحتة هي سلطة الخلافة» وسلطة 
فعلية حاكمة هي سلطة السلاحقة. 

وكل ما استطاع الخليفة أن يفعله هو أن يقنع ستة من الفقهاء أن يسيروا نجدة 
لإحوانهم في الشام؛ ومع أن هذه النجدة لا طائل وراءهاء فإن هؤلاء لم يلبئوا أن 
رحعوا من أول الطريق.. 

أما السلطة الفعلية سلطة السلاحقة فقد أصمت أذنيها عن سماع الاستغاثة) 
وتحاهلت وصول المستغيثين منصرفة إلى شئوفها الخاصة. 

هذه السلطة الي لم تتوان عن أن يسير يما رأس من رعوسها الكبيرة» مؤيد 
الملك بن نظام الملك لإبحاد سلجوقي متناز ع مع سلجوقي آخر. 

ويعبر ابن الأثير عن الموقف أحسن تعبير حين يقول: (واختلف السلاطين 
فتمكن الإفرنج من البلاد). والمقصود بالسلاطين: سلاطين السلاحقة إذ لم يكن 
يومذاك من يدعى بالسلاطين غيرهم. 

ويبدو أن الخليفة المستظهر قد أحرج السلطان السلحوقي (بركيارق) فأرسل 
بركيارق إلى كربوقا أتابك الموصل فذهب لإنقاذ إنطاكية. فكان من كربوقا ومن 
معه من القواد أن تحكمت بكربوقا أنائيته» وتغلبت على القواد وجنودهم الخيانة 
فأضاعوا إنطاكية؛ وفتحوا البلاد للصليبيين... - كما سيأقٍ بيانه -. 


التمهيد 3م 





أما بركيارق فقد كان مشغولا عن الصليبيين بالاقتتال مع السلاجقة 
الاخحرين!. 

ففي سنة الزحف الصليبيي واحتلال القدس» وبمجحيء الوفد الشامي 
للاستنجاد بالسلطة السلجوقية سنة ١49ه‏ وعودته خائباء في هذه السنة نفسها 
كان السلاحقة مشغولين بالتزاحم على التسلط على بغداد» فالسلطان محمد بن 
ملكشاه ينازل أخاه بركيارق على السلطنة ويعلن نفسه سلطانا ويقطع خطبة أخيه 
من بلاده ويقبض على زبيدة عحاتون والدة أيه السلطان بركيارق ويسجنها ثم تقتل 

وكان زعماء السلاحقة يتعاضدون» لا على التوجحه إلى فلسطين لقتال 
الصليبيين» بل على التوجه لتوطيد أمر السلطان محمد؛ فيأق سعد الدولة كوهرائين 
من بغداد» وكربوقا من الموصل» وجكرمش من اللبزيرة» وسرخاب بن بدر من 
كنكورء وغيرهم من غيرها ويتوحهون إلى السلطان محمد في مدينة (قم)» فيوفد 
كوهرائين إلى بغداد ليحمل الخليفة على أن يخطب فيها للسلطان محمد فيستجيب 
الخليفة لذلك» ويلقب السلطان محمد بلقب: غياث الدنيا والدين!. 

أي دين وأي دنيا كان هذا السلطان السلحوقي غيائهما؟ أما دنيا الإسلام قي 
الأرض المقدسة فكانت موزعة في أيدي الصليبيين, وأما الدين فقد كان موعودا 
بسيوفهم!. 

والسلاحقة مع ذلك يسمون سلطافهم الحديد اللاهي عن ذلكء العاكف على 
استغلال سلطته في المسلمين يسمونه: غياث الدنيا والدين!.. 

لقد كان غياث دنياهم فعلاء أما الدين فلم يكن له فيهم من غياث» وأما دنيا 
القدس فقد كانت في مضيعة أي مضيعة. 

ولم يسكت بركيارق فجمع جموعه وأمير عسكره ينال بن أنوشتكين الحسامي 
وسار ومعه غيره من الأمراء إلى واسط» يظلم جنوده الناس وينهبون البلاد» حى بلغ 
بغدادء فلما بلغها كان قد خحطب له فيها قبل وصوله إليها بيومين!.. 


م أصل السلاجقة 

وهنا ضعفت عزائم الحلفاء الذين كانوا أجمعوا على تعضيد مزاحمة السلطان 
محمدء فأما جكرمش فاستأذن كوهرائين في العود إلى بلده بدعوى أن الأحوال قد 
اختلت» فأذن له!.. 

واتفق الآخرون على أن يصدروا عن رأي واحد لا يختلفون... 

ولما كانت الدنيا قد أحذت تقبل على السلطان بركيارق» فقد كان رأيهم 
الواحد الذي دلم يختلفوا فيه: أن كتبوا إلى بر كيارق يقولون له: أخرج إليناء فما فينا 
من يقاتلك!. 

فسار بركيارق إليهم» فترجلوا وقبلوا الأرض وعادوا معه إلى بغداد!. 

هذا السلطان وهؤلاء الأمراءء لم يذكر منهم ذاكر القدلس وأفاعيل الصليبيين 
فيهاء ولم يكن في حواطرهم التفكير في إنقاذها!. 

لقد احتمعوا من كل مكان. وما من مكان حاءوا منه إلا وفيه المقاتلة 
الأشداء,» لقد استغلوا هؤلاء المقاتلة لتوطيد سلطافهم وإحكام أمرهم. وحردوا 
السيوف بعضهم على بعضء لا على أعداء الإسلام: فاتحي القدسء وذابحي المسلمين 
فيه, 

وبغداد هذه الي عادوا إليها بجتمعين» ليوطدوا فيها سلطان بركيارق بعد أن 
كانوا قد وطدوا فيها من قبل سلطان عدوه محمد بن ملكشاه.. بغداد الي لم تثرهم 
فيها استغاثة المستغيثين بمم لإنقاذ القدس» بغداد الي شهدت القادمين من الشام 
ييكون العيون ويوحعون القلوب بذكر ما دهم المسلمين بذلك البلد الشريف المعظم 
من قتل الرحال» وسببي الحريم والأولاد» ونمب الأموال. 

بغداد الى شهدت كل ذلكء؛ وشهدتهم معرضين عن الإغائة» متجافين عن 
المعرنة فلم تبك عيوهم؛ ولم تتوجع قلوهم. ولم تتحرك سيوفهم؛ بل أعرضوا عن 
الصوت المستغيث!.. 

بغداد تشهدهم اليوم متجمهرين فيها حول سلطافهم القدمم الحديد بسيوف 
مشهورة؛ وألوية منشورة» ونفوس مسرورة!. 


التمهيد لم 





أما بركيارق هذاء الذي اكتفى عند الاستنجاد به لإنقاذ مسلمي بلاد الشام 
من مذابح الصليبيين» وتخليص القدس من برائنهم. اكتفى بائتداب من نخانوا الأمانة 
وعلى رأسهم كربوقاء ولم تحفزه النحوة على أن يسير على رأس جموعه الغفيرة 
مهاد الصليبيين. 

أما ب ركيارق هذا فهو يدل بغداد اليوم ظافراء مزهوا بترديد اسمه في المخطب 
على منابرهاء غير متذكر أن الصليبيين دخلوا القدس ظافرين» مزهوين بترديد 
شعاراتهم على منبر المسجد الأقصى وتحاريب بيت المقدلس.. 

وعوضًا عن أن يتوجحه مجموعه إليهم. قاد تلك الجمورع لقتال أخيه محمد 
وكان أخوه مستعدا هو الآخر للقتال» وبدلا من أن يمحوا كل من الأخوين ما ف 
قلبه من ضغائن على الآخرء وعلئا قلبيهما بالضغائن على الصليبيين الذين أجروا 
سيول الدماء في رحاب أولى القبلتبن عوضا عن ذلك صمما أن يتقاتلا ويتركا 
الصليبيين ف القدس آمنين مطمئنين؛ متحفزين للانطلاق إلى كل مكان إسلامي. 

ويصف ابن الأثير القتالل بين الأأحوين بهذا الوصف: 

(كان مع محمد نحو عشرين ألف مقاتل» وكان محمد في القلب ومعه الأمير 
سرمز» وعلى ميمنته أمير آخرء وابنه آيازء وعلى ميسرته مؤيد الملك والنظامية. 

وكان السلطان بركيارق في القلب, ووزيره الأعز أبو احاسن» وعلى ميمنته 
كوهرائين» وعز الدولة بن صدقة بن مزيد» وسرحاب بن بدرء وعلى ميسرته كربوقا 
وغيره. فحمل كوهرائين من ميمنة ب ركيارق على ميسرة محمد وبا مؤيد الملك 
والنظامية» فانهزموا ودحل عسكر بركيارق» في خيامهم فنهبوهم. وحملت ميمنة 
محمد على ميسرة بر كيارق فاهزمت الميسرة» وانضافت ميمنة محمد إليه في القلب 
على بركيارق ومن معه؛ فانهزم بركيارق» ووقف محمد مكانه» وعاد كوهرائين من 
طلب المنهزمين الذين انهزموا بين يديه» وكبا به فرسه فأتاه خراساني فقتله. وأنحذ 
رأسهء وتفرقت عساكر ب ركيارق» وبقي في خمسين فارسا). 


1 أصل السلاحقة 
وعادت احقطبة للسلطان محمد ببغداد 

إذا كان بقيادة محمد بن ملكشاه عشرون ألف مقاتل؛ فلا شك أن بقيادة أخيه 
بركيارق ما لا يقل عن هذا العذد إن لم يزد عليه؛ فهذه أربعون ألف مقاتل كان 
على السلاجقة أن يسيروا بحا لقتال الصليبيين» وصدهم عن التمدد في البلاد 
الإسلامية» وكانوا مستطيعين أن يضيفوا إليها أمثاهاء لو استجاشوا الناس واستنفروا 
الرجال من أقصى حراسان إلى أقصصى الشامء لقتال الصليبيين. ولكن قتال الصليبيين 
لى يكن يعليهم., وإنما كان الذي يعنيهم هو الاقتتال فيما بينهم» وسفك دماء 
المسلمين في سبيل مطامعهم الشخصية. 

على أن بركيارق لم يبأس فابحه إلى (الري) ثم إلى نيسابور» ووحد من يحالفه 
على قتال أيه الآخر (سنجر) في معركة طاحنة انمزم فيها بركيارق. 

وعاد فاستطاع جمع حيش مكون من حمسين ألف مقاتل» تقابل به مع جيش 
أخيه السلطان محمد المكون من خمسة عشر ألفاء فانتصر هذه المرةٌ بركيارق بجيشه 
الأكثر عددا على جحيش أخحيه الأقل عددا . 

ولا بد من أن نشير هنا إلى أن عبيد الله مؤيد الملك بن نظام الملك كان في 
صف السلطان محمد, فأسر ف هذه المعركة, فقتله بركيارق بيده بعد أن سبّه وأهانه, 
وبقي ملقى على الأرض عدة أيام إلى أن أذن بركيارق بدفنه, فحمل إلى تربة أبيه 
بأصبهان فدفن فيها. 

هكذا كان يموت هؤلاء الناس هذه الميتات الذليلة» بدل أن يموتوا في ساحات 
الشرف أعزاء في قتال أعداء البلاد. 

وهكذا يتبين أن بركيارق الذي استطاع بعد هزائمه المتتابعة أن جمع جيشا 
مؤلفا من حمسين ألف مقاتل» فيقاتل به أحاه في سبيل الملك» كان يستطيع جمع 
أضعاف هذا اليش ليقاتل به الصليبيين. ومضى بركيارق بعد هذا النصر إلى (الري) 
فوافاه إليها فيمن وافاه ( كربوقا) صاحب الموصل. 


التمهيد م 
إن كربوقا هذا المسئول الأول عن هزبة المسلمين ف إنطاكية» والذي كانت 
الحروب الصليبية ستنتهي عند إنطاكية لولا ما حناه هو ومن معه من القواد. 
والأمراء» والجدمهور. من جنايات الأنانية» والخيانة. إن كربوقا هذا قد عاد, بعد أن 
حئ ما حئ إلى إمارته في الموصل» وكأن شيئا لم يحدث» وكأنه لم يكن هو ومن 
معه السبب» فيما حرته الحروب الصليبية على المسلمين. 
وها هو يظهر دائمًا ف الأحداث» مشاركا فيها مع هذا اللجانب» أو ذاك 
الجانب» وقد رأيناه من قبل ينضم إلى جانب السلطان محمد على أخيه بركيارق» وها 





هو الآن ينضم إلى بركيارق. 

إن الذي لم يبال أن يكون هو وأعوانه السبب ف نكبة العالم الإسلامي» ويعود 
بعد أن فعل ما فعل عند إنطاكية» يعود أميرًا مزهواء هل يبالي بأن يتلون كل يوم 
بلون؛ وأن ينصر هذا السلطان اليوم؛ ثم يعود فيخذله منضما إلى عدوه؟!. 

إنه على خطي بركيارق» وغير بركيارق من أولئك السلاحقة الذين يرون 
تحدم العالم اللإسلامي بالأيدي الصليبية» فيشاركون في التهدىم بخياناتم» و أنانياقم» 
وسففك دماء المسلمين فيما بينهم؛ بدل أن تسفك في حهاد الصليبيين. 

على أنهم بلغوا أحط دركات النذالة في أخلاقهم الشخصية:» فمحمد بن 
ملكشاه يقبض على زوحة أبيه وأم أيه زبيدة حاتون فيهينها ويسجنها ثم يقتلها 
خنقا. وبركيارق يقبض على زوجة أبيه ووالدة أحويه محمد وسنجر وييبادل بما 
الأسرى مع أخيه سنجر. 

ومن هذه صفاتهم الشخصية الى لا يبالون معها أن يهتكوا نساء آبائهم 
وإخوتهم؛ أيطلب منهم أن يحافظوا على شرف الإسلام وعزة المسلمين؟!. 

مضى محمد بعد هزيعته إلى حرجان مستنجدا بأخيه سنجر- وهما لأم واحدة 
- وكان لم يبق مع محمد سوى 7٠٠‏ فارسا فوافاه أخموه سنجر من نخراسان في 
عساكره. 

يقول ابن الأثير: 


4 أصل السلاجقة 


سارا من جرجان إلى دامغان فخريما العسكر الخراساني (عسكر سنجر) 
ومضى أهلها هاربين إلى قلعة كردكوه. وخحرب العسكر ما قدروا عليه من البلاد» 
وعم الغلاء بتلك الأصمّاع حى أكل الناس الميتة والكلاب» وأكل الناس بعضهم 
بعضا. وسارا إلى الري» فلما وصلا إليها انضم إليهما النظامية وغيرهم فكثر جمعهما 
وعظمت شو كتهما وتمكنت من القلوب هيبتهما (انتهى). 

كان الصليبيون يفتكون بغرب العالم الإسلامي» وف الوقت نفسه كان 
السلاجقة يفتكون بشرق هذا العالم. وليتهم حين ل يهبوا لإنقاذ ذلك الغرب كفوا 
شرورهم عن ذاك الشرق. 

في الأيام الي كان فيها الصليبيون يخربون طرابلس وصيدا وصور ويشردون 
أهلها وأهل غيرها من مدن وقرى بلاد الشام؛ كان السلاحقة يخربون (دامغان)» 
ويخربون ما قدروا عليه من البلاد. وإذا كان ابن الأثير قد اكتفى بذكر مدينة دامغان 
فإن قوله: حربوا ما قدروا عليه من البلاد كاف للدلالة على عظم التخريب؛ لأن ما 
قدروا عليه كان كبيرا. 

وإذا كان الصليبيون قد بلغوا بالمذابح أقصى مداها في القدسء فلا شك أن 
المذابح قد بلغت حدا بعيدا في دامغان وغير دامغان ما سيطر عليه السلاحقة. والدليل 
على ذلك ما ذكره ابن الأثير من فرار من سلم إلى القلاع المنيعة. 

ومهما يكن من أمر فلم يبلغنا أن المسلمين في السيطرة الصليبية قد أكلوا الميتة 
والكلاب» وأكلوا بعضهم بعضا. ولكن ذلك جرى على المسلمين في السيطرة 
السلجوقية المزامنة للسيطرة الصليبية. 

الأحداث الى تحدثنا عنها فيما تقدم من القول» وال حجرت في السيطرة 
السلجوقية على شرق العالم الإسلامي جرت سنة 54914 هجرية. 

فلئر ماذا كان يحري ف السنة نفسها على غرب العالم الإسلامي: في سنة 
4ه الي كان الملكان السلجوقيان الأخوان المسلمان يدخلان بعسكرههما مدينة 
دامغان فيخربانها ويشردان أهلها فيهيمون على وجوههم, ثم يخربون كل ما قدروا 





التمهيد لام 
على تخريبه من البلاد» ثم يضطر المسلمون إلى أكل الميتة والكلاب وأكل بعضهم 

في تلك السنة (434)ه كان الصليبيون يتقدمون فيحتلون مدينة سروج من 
بلاد الحزيرة ويقتلون كثيرا من أهلها ويسبون حريمهم وينهبون أموالهم؛ ول يسلم إلا 
من مضى منهزما. دامغان في شرق العالم الإسلامي» وسروج في غرب هذا العالح. 

مصير واحد لقياه في زمن واحد.. مصير مأساوي فاجع.. 

القوى الي دخلت دامغان وامتدت منها إلى ما استطاعت الامتداد إليه من 
بلاد.. هذه القوى لم تكن وظيفتها احتلال دامغان وتخريبها وتشريد أهلهاء كانت 
وظيفتها الدفاع عن سروج وحمايتها من التخريب وحماية أهلها من القتل والسبي 
والنهب. 

لم يكن مكان محمد بن ملكشاه .ومكان أخخيه سنجر في دامغان» بل كان 





مكانهما في سروج. 

في السنة نفسها الي كان ينطئق فيها ابنا ملكشاه السلجوقي سنة 4515ه - 
ينطلقان من دامغان حى بيلغا (الري)» كان الصليبيون ينطلقون فيبلغرن مدينة حيفا 
فيملكوفا عنوة.. 

ويظلون في انطلاقهم فيملكون مدينة (أرسوف) بالأمان ويخرجحون أهلها 
منها... وينطلقون فيملكون مدينة (قيسارية) بالسيف ويقتلون أهلها وينهبون ما 
000 

حملتان على العالم الإسلامي في سنة واحدة؛ حملة شرقية وحملة غربية» حملتان 
توحدتا في الهدف: تخريب المدن وذبح أهلها وسبيهم وفبهم!. 

حملتان توحدتا في المحدف» وكان من حق الإسلام أن تتناقضاء كان من حق 
الإسلام أن لا يكون ميدان إحداهما ف الشرق وميدان الأخرى في الغرب؛ بل إن 
تلتقيا معا في الغرب, أن تلتقيا متصادمتين تصادما دمويا يرد الغربية إلى غرها البعيد 


الذي قدمت منه!.. 


اي أصل السلاحقة 





لم تنته الحرب بين السلاحقة فالنصر الذي أحرزه بركيارق الم تدم نتائجه 
طويلا. لقد كان من نتائج هذا النصر أن أقبل الناس على بركيارق فاستطاع أن 
يجمع جحيشا مكونا من مئة ألف مقاتل!. 

وهنا نعود إلى ما قلناه من قبل من أن استصراخ العالم الإسلامي كان ممكثاء 
وأن تأليف حيش قوي كبير يضم مئات الألوف يزحف للقضاء على الصليبيين كان 
مستطاعا لو كان هؤلاء القاذة مخلصين للاسلام مهتمين بحاضر المسلمين ومستقبلهم. 

فإذا كان بركيارق قد جمع حوله مئة ألف مقاتل» من أجل هدف تافه لا يعدو 
أطماع الدنياء فإنه مستطيع أن يجمع أضعاف هذا العدد من أجل هدف سام؛ لو 
كانت له أهداف سامية!. وما أبعد هؤلاء السلاحقة عن الأهداف السامية!. 

على أن بركيارق بعد أن تحقق له النصر لم يفكر بعيدا» ولم يعد لهذا المجيش ما 
يكفل له دوام التجمع» والواقع هو أن مثل هذا الجيش كان يجب أن يكون له هدف 
واضح كبير يكفل استمرار بقائه. ولكن لا السلطان كان يملك هذا الهدفء ولا من 
هم حول السلطان كانوا يملكونه. 

ففوحتوا أول ما فوجئوا بفقدان الحيرة» فلم يحاولوا تلافي أمر فقدافاء لفقدان 
الهمدف, لذلك أحذوا يتفرقون فعاد دبيس بن صدقة إلى أبيه في الحلة. 

وقامت ثورة على السلطان بركيارق بقيادة الملك مودود بن إسماعيل بن 
ياقرتى بأذربيجان» فسير إليه كربوقا في عشرة آلاف فارس. 

دائما هذا الاسم الكريه كربوقا أمامناء ودائما هو ف صميم الأحداث, لا 
يلويه عنها المخزي الذي لحق به ف إنطاكية» ولا العار الذي حلله بفتحه باب بلاد 
الشام أمام الصليبيين ليلجوا منه إلى فتح القدس. 

واستأذن الأمير (آياز) ف أن يقصد داره يممذان يصوم يما شهر رمضان ويعود 
بعد الفطر فأذن له وتفرقت العساكر لمثل ذلك» وبقي بركيارق في العدد القليل. 

على أن بركيارق فوجيء بأن أخويه محمد وسنجر قد جمعا الجموع» وحشدا 
الجنود» وأنهما لما بلغهما تفرق ما كان لديه من جيوش جدا في السير إليه؛ مسرعين 


التمهيد ءٍ 44 
في طي المراحل مرحلة بعد مرحلة؛ عازمين على مباغتته قبل أن يستطيع تجميع من 
كانوا مجتمعين حوله. ولما أصبحا غير بعيدين عنه صمم على اللحاق بآياز في همذان. 

ولكن الناس هم الناس فلما لاح هم أن الدنيا قد بدأت تدبر عنهء طمع فيه من 
كان يهابه وأيس منه من كان يرحوه؛ كما قال اين الأثير. 

وكان من أول المنقلبين عليه آياز نفسه: فقد بلغه وهو في الطريق إليه أن آيازا 
قد بعث إلى السلطان محمد لينضم إليه. 

لذلك حول بركيارق وجهة سيره عن همذان إلى خوزستان فكتب وهو في 
الطريق إلى بن برسق يطلب إليهم الوصول إليه. وكان هولاء قد بلغهم امتناع آياز 
عليه» كما بلغهم تعاظم قوة محمد فرفضوا الاستجابة.. لذلك اضطر للتوحه إلى 
العراق» وي طريقه إلى العراق وعند وصوله إلى حلوان فوحيء بتطور لم يكن 
ينتظره؛ ذلك أن آياز قد بعث إليه أن يتوقف عن السير إلى العراق لأنه سائر إليه. 

ولم يكن ذلك كرم أخلاق من آيازء بل كان حلقة من سلسلة الانتهازية 
والتذبيذب والوصولية» فإن محمد بن ملكشاه قد رفض قبول آياز بعد أن صار 
مستغنيا عنه بما أصبح يملك من قوة واقتدار» وأكثر من ذلك فقد وجه حملة إلى 
همذان ما اضطر محمدا إلى الفرار عنها متخليا عن ذخائره فيها من مال وكراع 
ودواب» ما كان شيئا كثيرا وقع كله غنيمة ف يدي محمد. 

والتقى بركيارق بآياز فكان كل ما بقي لمما من الحند معًا خمسة آلاف 





فارس. 

وقد كان حديرا ببركيارق أن لا يقبل آيازا بعد ما بدا له من خيانته» ولكنه 
كان بحاحة لأي رجحل ولأن المحنة وحدت بينهما. 

ولم يكن أمام الرحلين سوى مواصلة السير إلى العراق حيث وصلا بغداد؛ بعد 
أن كان الخليفة قد أرسل موكبا لاستقبال بركيارق» على أن بركيارق باعتباره 
السلطان الشرعي كان يعوزه المال للإنفاق على نفسه وعلى عساكره فأرسل إلى 


0 أصل السلاجقة 


الخليفة طالبا إنحاده بالمال» وبعد المداولات والمراجعات تقرر أن يصرف له حمسين 
ألف ديئار. 

ولم يكن ذلك كافيا فامتدت أيدي بركيارق وأصحابه إلى أموال الناس» ول 
يتورعوا في ذلك عن أي شيء حى ضح الئاس وتمنوا زوالهم. 

على أن من أفظع ما فعلوه هو استصفاؤهم أموال قاضي جبلة أبي محمد عبد 
الله بن منصور المعروف بابن صلحية؛ فقّد كان هذا الرحل نكايات في الصليبيين 
أقضت مضاحعهم؛ ثم أدرك أنم لن يتركوه بعد أن فعل يمم ما فعل فرحل بأهله 
وماله إلى العراق لائذا به وترك أمواله في مدينة الأنبار» وجاء بغداد ليقرر كيف 
يستقر؟ 

ولما عرف يركيارق بوصوله أرسل إليه أنه بحاحة إلى ثلاثين ألف دينار 
فاستجاب الرحل لذلك وقال إن أمواله قي الأنبار بالدار الذي نزطاء فلما عرفوا 
ذلك أرسلوا إلى الأنبار من استولى على كل ما يملك الرحل من مال. 

العلاقي ف بغداد 

واصل السلطان محمد وأحوه سنجر سيرهما إلى بغداد بعد أن استولى محمد 
على همذان وغير #مذان» وكان قد استطاع أن يجمع جيشا يزيد على عشرة آلاف 
فارس» كان عدته في الزحف إلى بغداد. وكان بركيارق ف بغداد مريضًا يتوقع 
أصحابه موته في كل ساعة. 

وكانت أخحبار تقدم محمد إلى بغداد تصلهم. يول ابن الأثير: 

(فماج أصحابه وخخحافوا واضطربوا وحارواء وعبروا به في محفة إلى اللجانب 
الغربي فنزلوا بالرملة ولم يبق في بركيارق غير روح يتردد وتيقن أصحابه موته 
وتشاوروا في كفنه وموضع دفنه). 

ويتابع ابن الأثير كلامه قائلا: (فبينما هم كذلك إذ قال لحم: 


5١ التمهيد‎ 





إني أحد نفسي قد قويت وحركي قد تزايدت» فطابت نفوسهم وسارواء وقد 
وصل العسكر الآخر» فتراءى الجمعان بينهما دحلة وجرى بينهما مراماة وسباب, 
ونهبوا البلاد في طريقهم إلى أن وصلوا إلى واسط). 

إذن فإن محمدا قد دحل بغداد دون أن يلقى مقاومة» فمرض بركيارق» وقد 
شغله وشغل أصحابه عن التفكير في الدفاع؛ وكان همهم النحاة بأنفسهم. 

وكان من الطبيعي أن يضطربوا ويخافوا ويحارواء فموت بركيارق سيجعلهم 
وجها لوحه أمام انتقام محمدء ومع ذلك فقد تماسكوا وحملوا سلطافهم في محفة 
عابرين به دحلة من جانب بغداد الشرقي إلى جانبها الغربي؛ لأن وصول محمد إلى 
بغداد سيكون في الحانب الشرقي وبذلك يكون دجلة حاحزا بينهم وبين حيوش 
حمك. 

على أننا لا بد لنا من أن نتساءل عن حقيقة هؤلاء الأصحاب» حقيقتهم 
العددية» وحقيقتهم العسكرية» وحقيقتهم الخلقية. 

ونعين بالحقيقة الخلقية هنا: ما إذا كان تائم مع بر كيارق بعد أن صار إلى ما 
صار إليه من الوهن: الوهن الجسدي والوهن العسكري, هو وفاء منهم للرجل الذي 
كان بالأمس سلطافم القوي الراتعين في ظله في حفض من العيش ودعة ونفوذ 
سلطان؛ أم أن ذلك خحوف من المصير المجهول الذي ينتظرهم من العدو المنتصرء 
حوف يدعوهم إلى التماسك لمواجهة الخطر الداهم؟!. 

ثم ما هي حقيقتهم العددية الموصلة إلى حقيقتهم العسكرية؟ إن ابن الأثير 
يقول: (وساروا وقد وصل العسكر الآخرء فتراءى الجمعان بينهما دجلة» وجرى 
بينهما مراماة وسباب؛ وقبوا البلاد في طريقهم إلى أن وصلوا إلى واسط). 

وهذا يدل على أن بقايا جيش كان لا يزال يحخيط ببركيارق» بقايا حيش ليس 
مؤهلا للصدام بجيش محمدء وكل ما استطاعته هذه البقايا هو أن ترامي أعداءها 
بالنبل من وراء نهر دجلة وأن تتبادل وإياها السباب. 


ف أصل السلاجحقة 


ومن فجائع هؤلاء الحكام المتنازعين على التحكم بالشعوب أفهم يستحلون 
نهب تلك الشعوبء فهؤلاء جماعة بر كيارق شُبوا البلاد الي مروا فيهاء من بغداد إلى 
رافظ 

والخليفة المستظهر بالله وقد أيقن برحيل بركيارق» بل ربما كان متوقعًا موته 
- أسرع فأرسل إلى محمد توقيعًا يتضمن الامتعاض من سوء سيرة بر كيارق ومن معه 
والاستبشار بقدومه!.. 

ويقول ابن الأثير: ورج الخلق كلهم إلى لقائه!. 

على أن إقامة محمد وأخحيه سنحر لم تمتد في بغداد أكثر من حوالي شهرين 
قصدا بعدهما العودة إلى موقعيهما: محمد إلى همذان. وسنجر إلى “خراسان. 

وإذا كان جماعة بركيارق قد قبوا البلاد من بغداد إلى واسطء ثم نبوا واسط 
نفسها كما سيأن» فإن جيش محمد الذاهب إلى همذان لم يقصر هو الآخر في النهب. 
فيقول ابن الأثير عنهم: 

فنهبوا اليلاد و تحربوها!.. 

بر كيارق من جديد 

يبدو أن نثماشاة الخليفة لمحمد وطعنه ببركيارق قد بلغت بركيارق» فاعترض 
المنتمين إلى الخليفة في واسطء وأسمعهم من القول في الخليفة ما قال ابن الأثير: أنه 
يقبح نقله» وبلغ ذلك الخليفة فأرسل يطلب إلى محمد العودة إلى بغداد فعاد. وإذا 
كان ابن الأثير يقول إن الخليفة عزم على الحركة مع محمد لقتال بر كيارق» فلنا أن 
نقول: إن استدعاء الخليفة لمحمد لم يكن ف الأصل للانضمام إليه في مهاجمة محمدء 
بل وا من أن يستفرد بركيارق الخليفة فينقض عليه ف بغداد. 

على أن محمدا طمأن الخليفة بأنه يستطيع وحده تأديب بركيارق ولا حاجة 
لمسير الخليفة معه, و بالفعل ترك محمد بغداد معاوذا السير إلى مقصده. 

أما ب ركيارق الذي وصل إلى واسط مريضاء فإن وصوله إليها أرعب عسكر 
تشاع كما أرغيه اموا أن احم لآ بدرونة ا سركت وداه انون ادا 


التمهيد ؟؟؟ 
والوه فرما غلب محمد على الأمر فانتقم منهمء وإذا قاوموه» فهو مقيم فيهم يستطيع 
أذيتهم: لذلك ارتأوا حلا وسطاء لا هو موالاة» ولا هو معاداة. بل هو موقف سلي 
إذا كان أقرب إلى عدم الموالاة فهو ليس صريح المعاداة. 

أما العسكر فقد أحذوا نساءهم وأولادهم وأموالحم وانحدروا إلى الزبيدية 
وأقاموا هناك. 

وأما الأعلون فقد لزموا أول الأمر بيوتهمء فلم يكن يرى في الطرق والأسواق 
أحد منهم» ولكنهم لم يسلمواء فإن عسكر بركيارق نهب البلد. 

وهكذا نرى أن لا صلة تربط بين هؤلاء الحكام وبين الشعبء وأن لا ولاء لهم 
في قلوب أبنائه» ولا محبة تربطهم به فإذا قوي أمر أحدهم انصاع الناس له ماداحين؛ 
وإذا ضعف انقلبوا عليه ناكثين. 

وهكذا فبعد أن شفي بركيارق من مرضه وبدأ أنه قد استقر في واسطء بعث 
إليه العسكر من الزبيدية يطلبون الأمان ليحضروا إليه فأمنهم وجاءوا فاستقوى يهم 
ثم عضدوه في السير معه إلى بين برسق الذين لم يلبئوا أن قدموا إليه. وهكذا أحذ 
يتقو شيعا فكينا حي اضارت له.قوة عسكرية مرموقة» قزق عند ذلك أن يه 
لمطاردة أحيه محمدء فالتقيا ومحمد في طريقه إلى فهاوند» وكانا في قوتين متساويتين؛ 
هي أربعة آلاف فارس لدى كل واحد منهما. 

ولما كادت القوتان تتصادمان؛ التفى بعض مقدمي القوتين وتذاكروا في أمر 
الصلح بين الأخوين بعد أن رأوا ما آل إليه أمر الناس من البلاء للنزاع بينهما. 

ولم يكن أبلغ في التعبير عن نفور الشعب ما يحري؛ واعتقاد الناس أنهم أخوان 
يحملهم حكامهم على التذابح» من أنه حين التصاف بين الفريقين وحروج مبارز من 
أحد الصفين» وحروج مبارز له من الصف الآخر. كانا .بمجرد أن تقع عين أحدهها 
على الآخر يعتنق كل واحد منهما مبارزه ويسلم عليه؛ ثم يعود عنه. 





57 أصل السلاحقة 


وانتهى أمر مفاوضات الصلح إلى أن يتقاسم الأحوان البلاد» ويتقاسما اللقب» 
فيكون لقب بركيارق: (السلطان) ولقب محمد: (الملك)؛ على أن يكون له جنزة 
وأعمالاء وأذربيجان؛ وديار بكر, والجزيرة» والموصل ومضى كل منهما إلى مقره. 

ثم عاد محمد فاقتنع أنه مغبون في هذه المصالحة» وأن الأمراء حامروا عليه فعاد 
الأمر إلى ما كان عليه من التنازع في تفاصيل مهلكة دامية نتحاوز ذكرها. 

في الجانب الآخر من الوطن الإسلامي 

في الوقت الذي كان فيه هؤلاء السلاحقة يتناحرون في المشرق الإسلامي 
وينحرون الشعب معهم ويبهضونه با لا يطيق حمله» في الوقت الذي كان فيه 
بركيارق مثلا يحاصر أنحاه محمدا في أصفهان ويضيق عليهاء فتعدم فيها الأقوات» 
ويرغم محمد أعيان البلد على أن يقرضوه.» فيأخذ منهم مالا عظيماء ثم يعود فيقسط 
على البلد شيئا آخر فيأخذه بالشدة والعنف» ثم يضطر للفرار من البلد» فيصبح أمر 
أصفهان كما وصفه ابن الأثير: (فلما فارق محمد أصفهان احتمع من المفسدين 
والسوادية ومن يريد النهب ما يزيد على مئة ألف نفس وزحفوا إلى البلد بالسلالم 
والدبابات وطموا الخندق بالتبن والتصقوا بالسورء وصعد الناس ف السلالم فقاتلهم 
أهل البلد قتال من يريد أن يحمي حريعه وماله فعادوا حائبين). 

وني الوقت الذي كان الوالي السلجوقي إسماعيل بن سلانحق يقتل من أهل 
مدينة (الري) مقتلة عظيمة» ويرسل من شعورهم إلى سلطانه بركيارق ما عمل منه 
مقاود وشكلات للدواب. ف هذا الوقت بالذات وف السنة نفسها كان صنجيل 
الصليبيي يحاصر طرابلس ويرغم أهلها على أن يدفعوا إليه مالا وخيلا ويتقدم منها 
إلى مدينة (أنطرسوس) فيحصرها ويفتحها ويقتل من بها من المسلمين» ثم يسير إلى 
حمص فينازنها ويحصر أهلها ويملك أعمانها. وكان القمص ينازل عكا ويضيق عليهاء 
وكان الصليبيي صاحب الرها يسير إلى بيروت ويحصرها ويضايقها. 

ومن بين هذه الظلمات تتوقد شعلة في القاهرة فتخرج عساكرها إلى عسقلان 
ليمنعوا الإفرنج عما بقي في أيديهم من البلاد الشامية على حد تعبير ابن الأثير» 


التمهيد 856 


فيسمع بهم بردويل صاحب القدس فيسير إليهم فيقاتلهم فيصر الله المسلمين وينهزم 
الإفرنج ويكثر القتل فيهم» وينهزم بردويل ويختفي في أجمة قصبء فيحرق القاهريون 
تلك الأجمة وتلحق النار بعض حسد بردويل» وينجو منها إلى الرملة فيتبعه القامريون 
ويحيطون به فيتدكر ويخرج منها إلى يافاء ويكثر القتل والأسر في أصحابه. 

وب ركيارق الذي أوفد كربوقا إلى أنطاكية فكان من أنانيته وحبه لذاته وحيانة 
حيشه أن فر منهزما تاركا باب العالم الإسلامي مفتوحا بلا حارس أمام الصليبيين؛ 
كربوقا هذا كان بركيارق نفسه يرسله هذه المرة إلى أذربيجان فيستولى على أكثرهاء 
ثم عرض يما وكوت... 

وباغي سيان حاكم إنطاكية الذي لم يكد يسمع صوت بوق الصليبيين حى 
فر هاربا تاركا أسرته عرضة للسبي» باغي سيان هذا الذي لم يكن فيه ذرة من 
النخوة والحمية تحملانه على أن يستميت دفاعا عن شرف أسرته» بل تركها تسبى 
بأيدي الإفرنج» استطاع الدانشمند في هذا الوقت أن يجعل من شروط إطلاق بيمند 
من الأسر إطلاق ابنة باغي سيان من السبي. 

في هذا الوقت الذي لم يستقر فيه أمر السلاحقة لا قي بغداد ولا ما وراء بغداد 
وصولا إلى أبعد مكان. وظلت البلاد في تماذب بينهم تسفك فيها الدماء وتنهب 
الأموال ويذل الناس. كان أمر الصليبيين قد استقر في القدس ويافا وأرسوف 
وقيسارية وحيفا وطبرية» وي فلسطين كلها ما عدا عسقلان» وف اللاذقية وإنطاكية. 
ومن الجزيرة: استقر أمرهم في الرها وسروج. 

وكان صنجيل يحاصر طرابلسء وفيها فخر الملك بن عمار يقود الدفاع عنها 
ويرسل أصحابه في المراكب يغيرون على البلاد الي بيد الإفرنج ويقتلون من وجدواء 
وقصد بذلك أن يخلو السواد ممن يزرع لنقل المواد من الإفرنج فيرحلوا عنه. 

ونذكر هنا - للاعتبار - حادثة تدل على حقيقة هؤلاء السلاحقة؛ فإن 
أحدهم بلك بن بمرام بن أرتق كانت له مدينة سروج فأحذها منه الصلييسيون» 





د04 أصل السلاحقة 


فبدلا من أن يعمل لاستردادها منهمء توجه إلى مدينة عانة الإسلامية فملكها وتمبها 
وسبي جميع نسائها!. 

ثم كان الصليبيون يعتدون فيحتلون حبيل» ثم عكا. 

نقطة بيضاء 

نحن لا نبخحس الناس أشياءهم فإذا سجلنا تلك الصفحات السود فإننا حين 
نرى نقطة بيضاء نسرع إلى تسجيلها وننصف أصحابما فمن ذلك الحوان الذي ارتمى 
فيه السلاجقة أمام الصليبيين يطل اثنان بنخوة إسلامية وحمية فائقة» اثنان كان 
بينهما ثارات وف قلبيهما أحقاد. وكان كل منهما يستعد للقاء صاحبهء هذان 
الاثنان هما: معين الدولة سقمان» وهمس الدولة جكرمشء وفيما كل منهما يتهيأ 
للانقضاض على صاحبه؛ تذكرا ما عليه المسلمون من الذل وما أحاق بديارهم من 
الاغتصاب والانتهاب والانتهاك: فنسيا ذحوهماء وأرسل كل منهما إلى صاحبه 
عارضا عليه أن يلتقياء ويعلمه أنه قد بذل نفسه لله تعالى وثوابه» فاستجاب كل 
منهما لطلب صاحبه. فاجتمعا على (الخابور) وتحالفا وسارا إلى لقاء الصلييسيين. 

وكان مع سقمان سبعة آلاف فارس من التركمان» ومع جكرمش ثلاثة آلاف 
فارس من الترك والعرب والأكراد؛ فالتقوا مع الصليبيين على فر البليخ فكان 
النصر لسقمان وجكرمشء فقتلوا من الصليبيين» وأسرواء وفاضت الغنائم؛ وكان 
بين الأسرى القمص بردويل صاحب الرهاء وكانت معظم الغنائم ف أيدي جماعة 
سقمان» وكذلك كانوا هم الذين أسروا القمصء. وكادت الفتنة أن تقع لأن 
أصحاب جحكرمش أخحذوا القمص من يام سقمان. 

وركب أصحاب سقمان للقتال فردهم؛ وقال لهم: لا يقوم فرح المسلمين في 
هذه الغزاة بغمهم باختلافناء ولا أوثر شفاء غيظي بشماتة الأعداء بالمسلمين. 

وثي المقابل فإنه حين توفي الملك دقاق بن تتش بن ألب أرسلان صاحب 
دمشق احتلف الورثة بين ولد له صغير» وبين عمه بكتاش بن نتش» وانضم إلى نتش 
الأمير إيتكين صاحب بصرىء وععرج هذان الاثنان إلى حوران» ولحق بمما كل من 


التمهيد لا 





يريد الفسادء وراسلا بغدوين ملك الصليبسيين يستنجدانه» فأحاههما إلى ذلك وسار 
إليهما فاجتمعا به واتفقا معه. 

والسلاجقة الذين تخلوا عن البلاد للصليبيين» لم يتخخلوا عن البلاد لأهل البلاد: 
والسلاحقة الذين عاش الصليبيون في جوارهم بأمان واطمئنان» لم يعنحوا هذا 
الأمان وهذا الاطمئنان لمواطنيهم: ففي عنفوان ذاك المد الصليبي المتدافع دفعة. 
كان الأمير (بزغش) قائد عساكر السلطان سنجرء يتقدم لا إلى الوقوف في وجه ذاك 
المدء ويجمع الجموع لا لقتال الصليسيين؛ بل كان يتقدم للقضاء على جمهرة من 
أبناء البلاد وسكافاء ويجمع الجموع لتخريب البلاد ونُبها وقتل رجاها وسبي 
نسائها. 

وكما قلناء ونكرر هذا القول: كان الغرب الإسلامي يعان امحنة على أيدي 
الصليبيين» وكان الشرق الإسلامي يعاني الحنة نفسها على أيدي السلاحقة. 

وأنقل هنا عبارة ابن الأثير نفسهاء فابن الأثير يقول: (جمع بزغش كثيرًا من 
عساكر خخراسان؛ وأتاه كثير من المتطوعة, وسار إلى قتال الإسماعيلية» فقصد طبس 
وهي لهم فخخربما وما جاورها من القلاع والقرى» وأكثر فيها القتل» والنهب» 
والسبي وفعل بهم الأفعال العظيمة!). 

لم يكن هؤلاء السلاجقة أرحم ني الأرض الإسلامية من الصليسيين» وبزرغش 
هذا أين هو من الصليبيين الطاغين في أرض الإسلام» وهولاء المتطوعة أين هم عن 
التطوع لإنقاذ القدس من برائن مغتصبها؟! وابن الأثير يقر بأن الإسماعيليين كانوا 
مواطنين مسلمين ككل المواطنين» فهو لم يشر إلى هفوة أو كلمة أو حركة لحم 
يستحقون معها ذرة ما ارتكبه فيهم القائد السلجوقي حليف الصلييسيين وإن لم 
يحالفهم؛ لأن من يسالمهم وينكل .كواطنيه هو الحليف الطبيعي لهم... 

وابن الأثير: هذا المورخ المندفع بحميته للبكاء على ما آل إليه أمر المسلمين؛ 
والشاكي إلى الله تفرق السلاطين» وانشغالهم عن حماية الإسلام والمسلمين. 

ابن الأثير يعلق على ما حدث قائلا: 


14 أصل السلاحقة 

(ثم إن بزغش» بعد عوده من هذه الغزاة» توق» وكانت خاتمة أمره: الجهاد 
- رحمه الله-. 

تخريب المدن والقرى في بلاد الإسلام وقتل رجالها وسببي نسائها وفب أموالماء 
يعده ابن الأثير غزاة ويعتبره جهاداء ويدعو الله لمرتكب ذلك بالرحمة!. 

وتدخل سنة /49ه وفيها يموت السلطان بركيارق بعد أن أوصى بولاية 
العهد لولده ملكشاه ذي الأربع سنين وثمانية أشهر من عمره. وكانت بوفاته ف 
بروحرد وهو في طريقه من أصفهان إلى بغداد, فلما أيقن بالموت أحضر جماعة 
الأمراء وأوصاهم بولده وأمرهم .كتابعة السير إلى بغداد» وبقي هو في بروحرد على 
أمل العودة إلى أصفهان فمات دون تحقيق ذلك» ولكن حثته حملت إلى أصفهان 
فدفنت فيها. 

مات بركيارق وهو في الخامسة والعشرين من عمره بعد أن ملك انْني عشرة 
سنة كانت حافلة بالأحداث الي شهدنا بعضها فيما مر من القول. 

وحطب للكشاه الثاني الطفل على منابر بغداد» ولكن الشماق لم يكن قد 
انتهى فهذا محمد بن ملكشاه أخو بركيارق الذي مر اسمه معنا كثيرا يهاجم ال موصل 
ليقضي فيها على (جحكرمش) فيكثر القتل في عسكرهاء ولما وصل خبر موت 
بركيارق. إلى جكرمش سلم الأمر إلى محمد. 

ثم سار محمد إلى بغداد ومعه جحكرمش وغيره من الأمراء يحاول انتزاع ملكها 
من ابن أخيه» وكان المباشر لأمور السلطان الطفل: الأمير (آياز). 

ووصل السلطان محمد إلى بغداد ونزل في الحانب الغربي منها بأعلاهاء 
فخطب له في هذا الجانب من بغداد» ولملكشاه بن بركيارق ف الجانب الشرقي!. 

خطبتانت تمثلان سلطتين ف مدينة واحدة هي عاصمة الخلافة!. 

وكان قسم من بغداد لم يدحل في نفوذ إحدى السلطتين وفيه جامع المنصورء 
فلم يخطب لأحد من السلطانين» بل قال الخطيب عوضا عن الخنطبة لأحدهها: اللهم 
أصلح سلطان العالم» وسكت. 


سس الس 1 ١‏ 

لنا أن نفسر موقف هذا الخطيب بأحد تفسيرين: إما أن يكون الخنطيب مذبذبًا 
انتهازيا لا يدرى لمن تكون الغلبة في الغدء فهو لا يريد أن يتورط بإعلان الولاء 
لأحد المتنازعين. وإما أن يكون مخلصا ساءه هذا الخلاف؛ لا سيما في هذه الظروف 
الى يعاني فيها المسلمون ما يعانون من إذلال الصليبيين لهم؛ بينما ينشغل حكامهم 
بأنفسهم وشقاقهم وتقاتلهم فيما بينهم» فأرسلها دعوة صالحة موجرة... 

نحن نريد أن تميل إلى الرأي الثاني لأننا نحسن الظن بالأمة» ونوقن أن فيها من 
كوامن الخير والحمية والنجدة والشهامة ما لو أهيب با لدفعت شر الصليبيين 
وعدوافهم. 

وخخير ما يمثل الأمة. وصفتها الحقيقية» هو هذا الخطيب المجهول... 

وبعد أن كاد القعال أن ينشب بين الفريقين المتنازعين سلم (آياز) بالأمر الواقع 
ومشى للسلطان محمد. وتوالت الأحداث حدثا بعد حدثء» وفيها من التنازع 
والتقاتل والقتل ما فيها. 

ومن أهم ما كان فيها أن الإسماعيليين الذين أصيبوا بما أصيبوا به من التخريب 
والقتل والسببي والنهب' ما مر ذكرهء وجدوا فرصة للانتقام فكانوا في انتقامهم شرا 
ممن انتقموا منهم, إذ نالوا في انتقامهم من الأبرياء والضعفاء والقريبين والبعيدين؛ لا 
سيما قاصدي بيت الله للحج. 

وكما نقلنا هناك عبارة ابن الأثير في وصف ما جرى على الإسماعيليين لننقل 
هنا أيضا إنصافا للحقيقة عبارة ابن الأثير فيما أحراه الإسماعيليون. قال ابن الأثير: 

(في هذه السنة (554) سار جمع كثير من الإسماعيلية من (طريثيت) عن بعض 
أعمال بيهق» وشاعت الغارة في تلك النواحي وأكثروا القتل في أهلها والنهب 
لأموالهم والسبي لنسائهم... 

وفي هذه السنة اشتد أمرهمء وقويت شوكتهمء ولم يكفوا أيديهم عمن 
يريدون قتله» لاشتغال السلاطين عنهم. فمن جملة فعلهم: أن قفل الحاج تجمع؛ هذه 
السنة» ما وراء النهر» وخراسان, والهند. وغيرها من البلاد» فوصلوا إلى خوار الري؛ 


0 أصل السلاحقة 


فأتاهم الباطنية وقت السحرء فوضعوا فيهم السيف» وقتلوهم كيف شاءوا وغتموا 
أموالهم ودوايهم» ولم يتركوا شيئا). 

ونحن هنا لا نستطيع أن نتهم ابن الأثير بالمبالغة» لأنه حين تحدث عما جرى 
على الإسماعيليين وصف الشدة الى نزلت هم عثل ما وصف ما أنزلوه هم من 
الشدة في الحجاج وغيرهم. 

ولا يشفع للإسماعيليين أنهم كانوا يثأرون لما نزل بم ظلماء وأن قلوهم 
كانت تغلى بالحقد على من فعلوا بمم ما فعلواء فالثأر لا يكون من الحجاج البريئين 
القادمين من كل مكان؛ والحقد على الحكام لا يحوز أن يبعث على الانتقام من 
الشعب.على أننا ونحن نقول ذلك لا ننسى مسئولية الحكام عما حرى؛ هذه 
المسثولية الي أوضحها ابن الأثير بقوله: 

(لاشتغال السلاطين عنهم). 

لقد كان أول واجبات السلاطين حفظ الأمن» ورعاية أمور الشعب» وحمايته 
من عبث فريق منه بفريق آخحر ولكن سلاطين السلاحقة كانوا في شاغل عن ذلك 
بالاقتتال فيما بينهمء والتناز ع على الاستثثار بظلم الناس. ؤإذا كانوا هم وجنودهم 
لا يتورعون عن السلب والتخريب والقتل والنهب فكيف يطلب من الناس أن 
يتورعوا عن ذلك؟! إفهم وهم الذين اعتدوا على الإسماعيليين الذين لا ذنب لهم 
جروا الإسماعيليين على أن يعتدوا على من لا ذنب لهم. 

في غرب العالم الإسلامي 

إذا كان الجانب الشرقي من العالم الإسلامي ظل يموج وعور ..محن السلاجقة 
فيهه فكذلك كان الجانب الغربي يموج ويمور جمحن الصليبيين فيهء غير أن 
السلاحقة الذين اعتيروا أنفسهم غير ملزمين بشيء تحاه العالم الإسلامي» وإن 
استباحه الصليبيين له لا تعنيهم؛ فانفردوا بالجانب الشرقي من هذا العالم مشغولين 
بأنفسهم. غير مبالين ما يجري في الجائب الآخر من ذبح للمسلمين وانتهاك 
لحرماتهم. إذا كان الأمر كذلك ححين الآن» فإننا سنئرى أن فيهم"من تعاون مع 


٠١ التمهيد‎ 





الصليبيين» وقد مر معنا شيء من هذا من قبل» وسنرى هنا لا تعاونا منهم مع 
الصليبيين بحرد تعاون» بل انضماما كاملا إلى صفوفهم. 

لم مدا المعارك مع الصليييينء» فهذا (طنكرى) الصليبيي صاحب إنطاكية 
يحاصر حصن أرتاح» وفيه نائب الملك رضوان؛ وضاق الأمر على المسلمين؛ فأرسل 
النائب إلى. رضوان يستنجد بهء فسار رضوان في محدة قوية من الخيالة وسبعة آلاف 
من الرحالة بينهم ثلاثة ألافف متطوع. 

وبعد أن بدأت المعركة بنصر المسلمين عادت المزيمة فحاقت بحم وقتل وأسر 
الكثير منهم؛ ولم ينج إلا الشريد, وسقط أرتاح بأيدي الصليبيين. 

وأخرج الأفضل بن بدر الحمالي حمله من القاهرة» قتصدى لما بغدوين 
الصليبيي صاحب القدسء فوقعت المعركة في مكان بين عسقلان ويافا فلم يتتصر 
أحد الفريقين على الآخرء بل ثبتا كلاهما. 

يقول ابن الأثير عن هذه المعركة: وكان مع الإفرنج جماعة من المسلمين منهم 
بكتاش بن نتش (السلجوقي). 

هذي هي الأبحاد السلجوقية» لا يكتفون بأن يتخلوا عن العالم الإسلامي» بل 
ينضموا إلى الصليبيين لقتال حيوشه.. 

وهنا نعود إلى الدكتور عمر التدمري لنقول له: لم يكن الأمر كما زعمت من 
أن الصراع في بلاد الشام كان بين السلاحقة والفاطميين» بل كان بين الجماليين» 
وبين الصليبيين متحالفين مع السلاجحقة. 

وبينما الفمن مستمرة بين السلاحقة في الشرق يستمر الصراع بين المسلمين 
والصليبيين ف الغرب. وقد يعن لأحد من السلاجقة أن يوائب الصليبيينء ثم لا 
يلبث أن يعود إلى حقيقته كهذا الذي حدث للملك رضوان بن تتش حين عزم على 
حرب الصليبيين فاحتمع إليه بعض الأمراء السلاجقة لهذه الغاية» ولكنهم ارتأوا أن 
يهاجموا أولا (حكرمش) صاحب الموصل وما والاهاء فساروا إليه» فلم يلبث الأمر 


0 أصل السلاجقة 





أن انقلب إلى فتنة بينهم» وتآمر بعضهم على بعض واقتتلواء ونسوا الصليبيين 
وقتالهم؛ وانصرف أتباعهم من التركمان إلى نمب مواشي المسلمين. 

وتملك الصليبيون حصن (أفامية)؛ ومدينة سرمين من أعمال حلب» كما 
كانوا قد ملكوا مدينة جبيل» وتقدم (صنجيل) الصليبيي منها إلى حصار طرابلس 
الي كان يحكمها بنو عمار» وثبت له بنو عمار فلم يقدر عليهاء ولما رأى أن الحصار 
سيطول؛ بئ بالقرب منها حصنا وأقام تحته ربضاء ولبث محاصرًا لطرايلس يلتمس 
منها غرة تمكنه من التغلب عليها. 

ولكن فخر الملك أبا علي بن عمار كان له بالمرصاد» فهاجمه وأحرق ربضه. 
وشاء قدر صنجيل أن يقف هو وبعض قادته وفرسانه على أحد سقوف الربض 
امخترقة» فا نخسف بمم السقفء فأصيب صنحيل إصابة بالغة» لم يلبث بعدها أكثر من 
عشرة أيام مات بعدها متأثرًا من إصابته بانخساف السقف. 

وعز على الصليبيين ما جرى عليهم في حصار طرابلس؛ فأرسلوا إليهم من 
اللاذقية الي كانوا يحتلوها ميرة في البحرء فلم يكن ابن عمار غافلا عنهم» فأرسل في 
البحر قطعًا من أسطوله اعترضت قطع الصليبيين فقامت معركة بحرية بين الفريقين 
ظفر فيها أسطول ابن عمار» وأسر قطعة بحرية للصليبيين عاد يما ويمن فيها من أسرى 
ومؤن إلى طرابلس. 

ودام القتال بين بن عمار وبين الصليبسيين على طرابلس عشر سنين. 

ويقول ابن الأثير: وظهر من ابن عمار صبر عظيم وشجاعة ورأي سديد, ثم 
يقول ابن الأثير: وأحرى ابن عمار الحرايات على الجند والضعفي, فلماً قلت الأموال 
عنده شرع يقسط على الناس ما يخرحه في باب الجهاد, فأخذ من رجلين من الأغنياء 
مالا مع غيرهماء فخترج الرجلان إلى الإفرنج وقالا: إن صاحبنا صادرنا فخرجنا 
إليكم لنكون معكمء وذكرا لمم أنه تأتيه الميرة من عرقة والحبل» فجعل الإفرنج جمعًا 
على ذلك الحانب يحفظه من دخول شيء إلى البلد.. 


٠.١ التمهيد‎ 


فأرسل ابن عمار وبذل للإفرنج مالا كثيرا ليسلموا الرحلين إليه؛ فلم يفعلوا. 
فوضع عليهما من قتلهما غيلة. 

هكذا كان فخر الملك أبو علي بن عمار بطل الموقف بكل ما قي البطولة من 
شجاعة وحزم وتضحية وحسن تدبير, 

ولو كان الأمريكيون واليهود سائدين يومذاك بوسائلهم الإعلامية؛ لنبزوه 
بلقب الإرهابي. فحيا الله ابن عمار: الإرهابي الأول في التاريخ الإسلامي. 

ويصف ابن الأثير حال الناس في طرابلس قائلا: فعدمت الأقوات ونخاف 





الناس على نفوسهم وأولادهم وحرمهم... 

هكذا كانت الحال في الغرب الإسلامي جهادا ونضالا للصليبيين» وكذلك 
كانت في الشرق على أيدي السلاجقة: 

جهادا ونضالا للمسلمين!. 

يذكر ابن الأثير- حلال سرده للأحداث المتقدمة - خبّرا موجرًا لا بد من 
الوقوف عنده بعض الوقت: ف هذه السنة ورد إلى بغداد إنسان من الملثمين ملوك 
المغرب» قاصدا! دار الخلافة) فأكرم» وكان معه إنسان يقال له: الفقيه» من الملثمين 
أيضاء فوعظ الفقيه في جامع القصرء واجتمع له العالم العظيم؛ وكان يعظ وهو متلثم 
لا يظهر منه غير عينيه. وكان هذا الملئم قد حضر مع الأفضل (بن بدر الحمالي) أمير 
الجيوش مصر وقعته مع الإفرنج؛ وأبلى بلاء حسنا. 

وكان سبب محيئه إلى بغداد: أن المغاربة كانوا يعتقدون في العلويين» أصحاب 
مصرء الاعتقاد القبيح» فكانواء إذا أرادوا الحجء يعدلون عن مصرء وكان أمير 
الجيوش بدر والد الأفضل أراد إصلاحهم, فلم بيلوا إليه؛ ولا قاربوه. فأمر بقتل من 
ظفر به منهمء فلما ولي ابنه الأفضل أحسن إليهم واستعان يمن قاربه منهم على 
حرب الإفرنج» وكان هذا من جملة من قاتل معه؛ فلما خالط المصريين حاف العودة 
إلى بلادهء فقدم بغداد» ثم عاد إلى دمشق» ولم يكن للمصريين حرب مع الإفرنج إلا 
وشهدهاء فقتل في بعضها شهيداء وكان شجاعا فتاكا مقداما. 


2 ْ أصل السلاحقة 


من هم الملشمون؟.. 

9 بد ليا اولااسن التدريف باللندين الذي بشي لبهم هذا ارزجل الذي علات 
عنه ابن الأثير هذا الحديث الموجز: 

الملنمون هم الذين عرفوا في التاريعخ باسمهم الآخر الأشهر : 

(المرابطون). 

وهناك احتلاف في سبب تسميتهم بالملثمين وأقريها إلى المنطق: أنهم كانوا 
يتلثمون دفعًا لهجير الصحراء صيفاء وزمهريرها شتاء؛ وقيل: إن سبب اللثام همء أن 
طائفة من لمتونة خرجوا مغيرين على عدوهم؛ فخالفهم العدو إلى بيوتهم» ولم يكن 
فيها إلا المشايخ» والصبيان» والنساءء فلما تحقق المشايخ أنه العدو أمروا النساء أن 
يلبسن ثياب الرجال» ويتلثمن» ويضيقنه» حى لا يعرفن» ويلبسن السلاح؛ ففعلن 
ذلك. وتقدم المشايخ والصبيان أمامهن» واستدار النساء بالبيوت» فلما أشرف العدو 
رأي جمعا عظيماء فظنه رجالاء فقال: هؤلاء عند حرمهم يقاتلون عنهن قتال الموت, 
والرأي أن نسوق الغنم ونمضيء فإن اتبعونا قاتلناهم خارجا عن حريعهم. 

فبينما هم في جمع الغنم من المراعي إذ أقبل رجال الحي» فبقي العدو بينهم 
وبين النساءء فقتلوا من العدو فأكثرواء وكان من قتل النساء أكثرء فمن ذلك الوقت 
جعلوا اللثام سنة يلازمونه؛ فلا يعرف الشيخ من الشاب, فلا يزيلونه ليلا ولا تمارا. 

ابتداء الخركة وتطورها 

كان ابتداء حركة المرابطين (الملثمين) سنة 4/8 4هم»ء ويرد ابن الأثير نسبهم 
إلى (حمير) فيقول: هم عدة قبائل ينسبون إلى حميرء أشهرها: لمتونة» وحدالة» ولمطة. 
وكان أول مسيرهم من اليمن, أيام أبي بكر الصديق ذإ فسيرهم إلى الشام» وانتقلوا 
إلى عفر ودخلوا الغرنية مع اموس :بن تر وتوحهوا مع طارق إلى طنجة فأحبوا 
الانفراد» فدخلوا الصحراء واستوطنوها. والله أعلم بحقيقة هذا النسب.. 

الرجل المحب للدين وأهله - كما يصفه ابن الأثير- المسمى: 





التمهيد م١١‏ 


(الجوهر) من قبيلة جدالة» ساقه حبه للدين إلى الذهاب للحج, فمر بفقيه في 
مدينة (القيروان) يعظ جماعة ويفقههم في الدين. 

والجوهر القادم من الصحراءء حيث البداة هناك كالبداة في كل صحراء لا 
يعرفون من الدين إلا ألفاظا يرددوفاء أصغى إلى هذا الفقيه وكلما طال إصغاؤه كثر 
تعحبه ما يسمع» فالدين إذن ليس الشهادتين فقطء إن له أحكاما لا يدرون في 
الصحراء منها شيئا. 

ومضى الجوهر إلى الحج ثم عاد مارا بالفقيه المفقه وأطلعه على ما فْ نفسه 
قائلا: ما عندنا من هذا في الصحراء من شيء غير الشهادتين والصلاة في بعض 
الخاصة, فابعث معي من يعلمهم شرائع الإسلام.. 

وقفة (الجوهر) على الفقيه في طريق مسيره إلى المج ثم وقفته عليه حين عودته 
من الحج وحديثه معه كانتا السبب في نشوء حركة دينية واسعة» ثم في نشوء دولة 
مترامية الأطراف امتدت من همال أفريقيا حين أقاصي الأندلس» نشبت فيها المعارك 
وسفكت الدماء وكثر القتلى» وكان بينهم (الجوهر) نفسه... 

لقد لى الفقيه طلب (الجوهر) فبعث معه رجلا اسمه عبدالله بن ياسين الحزولي» 
وكان في نظره فقيها صالحاء فسارا حى بلغا قبيلة لمتونة؛ فأول ما فعله ابجوهر ليرفع 
منزلة الفقيه بين القبيلة أن نزل عن جمله وأخحذ بزمام جمل الحزولي يقودهء فأقبل 
الناس يهثونه بالإياب ويسألونه عن رفيقه» فأحبرهم أنه قادم ليشرح هم العقاقد 
الإسلامية ويدعوهم إلى تطبيقهاء فلما أفاض الحزولي في الحديث» قالوا له: 

أما ما ذكرت من الصلاة والزكاة فقريب» وأما قولك من قتل يقتل» ومن 
سرق يقطع» ومن زفق يجلد أو يرجم فأمر لا نلتزمه. 

اذهب إلى غيرنا. 

إن هذه الصورة من الحوار هي قبل كل شيء طريفة كل الطرافة» ثم هي تدلنا 
على حقيقة تطبيق الإسلام لا في هذه الصحراء وحدهاء بل في الصحراوات كلها: 
فلا صلاة ولا زكاة ولا حدود؛ إفهم لم يذكروا الصيام؛ فهل كانوا يصومون؟. 


١.‏ أصل السلاحقة 


إِههم لم يعدوا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة» ولكن قالوا: إن أمرها قريب؛ وأما 
غير القريب» والبعيد كل البعد فهو أن تطبق عليهم الحدود!. 

فإذا كان كل قاتل يقتل» وكل سارق يقطع؛ وكل زان يجلد أو يرجحمء فيا 
لكثرة من سيقتل منهم وسيقطع وسيجلد أو يرجم!. 

لذلك رفضوا قبول الفقيه الحزولي بينهم.. وإذا كان لنا أن نستنتج تفشي تلك 
الآثام بينهمء فإننا نستنتج كذلك أن إِثما كبيرا لا أثر له بينهم» هو: شرب الخمر. 

عمل الجوهر والفقيه بالنصيحة فقررا الرحيل إلى مكان آخر. 

وكان بين المستمعين لكلام الفقيه شيخ أثقلته السنون وحنكته التجارب» 
فاستشف من بيان الفقيه وعزمه واستفاضته في الحديث» قدرة على الإقناع وما بعد 
الإقنا ع من بحاح. 

فعندما رأي الفقيه على جمله راحلا في الصحراء قال: 

لا بد أن يكون لهذا الحمل في هذه الصحراء شأن يذكر في العاله!. 

وصحت نبوءة هذا الشيخ الصحراوي وصدقت فراستهء فكان للجمل 
وصاحبه في تلك الصحراء وما وراء الصحراء شأن أي شأن!. 

ترك الرحلان قبيلة لمتونة ومضيا إلى قبيلة (جدالة)) وهي قبيلة الجوهرء فدعا 
عبد الله بن ياسين هذه القبيلة والقبائل المجاورة لها إلى مثل ما دعا إليه قبيلة لمتونة. 

وهنا اخختلف الأمر عما كان عليه ف لمتونة؛ قفي لمتونة كان إجماع على رفض 
عبد الله بن ياسين ودعوته؛ وف جدالة وما جاورها وحد من يستحيب ووجد من 
يرفض. 

عند هذا المفترق انقلب ذاك الشيخ الزاهد العابد المتقشف العازف عن الدنيا 
انقلب إلى متنمر مقاتل مخطط عازم على سفك الدماء في سبيل إنجحاح أمره!. 

فصارح المستجيبين إليه بوحوب إعلان الحرب على الرافضين» مخاطبا إياهم 
يمذا القول: قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الذين خالفوا الحق وأنكروا شرائع 
الإسلام واستعدوا لقتالكمء فأقيموا لكم راية وقدموا عليكم أميرا. 


التمهيد 06.00 

فقال الجوهر: أنت الأمير. 

وهنا تبدًا دهاء الفقيه وحنكته السياسية وتخطيطه المحكمء فقال: لاء إنما أنا 
حامل أمانة الشريعة. ثم التفت إلى الجوهر قائلا: 

ولكن أنت الأمير وكان الجوهر حكيما مخلصا حين رفض الإمارة قائلا: 

لو فعلت هذا لتسلط قبيلي على الناس» وكان وزر ذلك علي. 

فقال ابن ياسين: الرأي أن نولي ذلك أبا بكر بن عمرء رأس لمتونة وكبيرهاء 
وهو رجحل سيد مشكور الطريقة مطاع في قومه فهو يستجيب لنا لحب الرئاسة 
وتتبعه قبيلته فنتقوى بهم. 

فعادا إلى لمتونة الي خرجا منها وعرضا الأمر على أبي بكر بن عمر. 

عندما حجاءا أول الأمر إلى لمتونة ودعيا بدعوتّماء لم يذكرا أمره ورئاسته 
لذلك لقيا إعراضًا وتحهماء أما اليوم» وقد حاءا يقدمان مع الدعوة ما يقدمان من 
الإمرة والرئاسة فقد أسرع أبو بكر بن عمر إلى تلبيتهماء فعقدا له البيعة. 

ولكن المشكل كان في اللقب الذي يضفي على الأمير الجديد» فالدعوة دينية 
وليست سياسية. وبالرغم من أنها اعتمدت السيف في طلب انتشارهاء وبالرغم من 
نما عازمة على التسلط على الناس؛ فلا بد لأميرها من لقب بميزها عن غيره من 
المعتمدين على السيف العازمين على التسلط. 

ولم يكن ذلك ليعجز الفقيه الداهية البارع في التخطيط, فكما كان حكيما في 
اختيار رئيس للتونة للامارة» كان حكيما في اختيار لقبه» إذ لقبه بأمير المسلمين. فإذا 
كان هناك من يلقب (أمير المؤمنين)» فهنا من يلقب: (أمير المسلمين). 

ولما كانوا قد ضمنوا ولاء لمتونة باحتيار رئيسها للقيادة» فقد ذهبوا جميعًا إلى 
جحدالة الي فيها أنصار لهم» فضموا أولئك الأنصار إلى رحال لمتونة» فتآلف لهم من 
ذلك نواة حيش يمكن الاعتماد عليها في القتال. فقام ابن ياسين بحرض على الجهاد, 
وأطلق على الجماعة اسم (المرابطون). 





١‏ أصل السلاحقة 


أما مخالفوهم فقّد أقلقهم هذا التجمع»؛ فتكتلوا لمقاومته» ولكن ابن ياسين منع 
المرابطين من الاصطدام يهم أملا بإصلاح من يمكن إصلاحه منهم وإضعافهم. فوفق 
في ذلك ولم يبق على عداء المرابطين سوى ألفي رحل» فعمل ابن ياسين على 
حصارهم فخندق عليهم؛ ثم صار المرابطون يخرحوهم جماعة بعد جماعة فيقتلوهم. 

هكذا بدأ ابن ياسين يعاونه أبو بكر بن عمر دعوته الدينية .بمذبحة رائعة لا 
شفقة فيها ولا رحمة» وهكذا مشى إلى هدفه الديئ دائسًا على الحثث حائضًا في 
الدماء!.. 

وإن دعوة - مهما سمت أهدافها - تفتتح بذبح ألفي رجحل لمي دعوة حبارة 
تأباها الإنسانية» ويأباها الدين!, 

وأي ضلال يكون فيه الناسء هو أهون من هدي يقود إلى ذبح الأسارى 
وتضريج الأرض بدم ألفي رحل ف غير قتال.. 

ونحن لا ندري إذا كان (الجوهر الجدالي) - وهو الثالث ف القيادة المرابطية - 
قد كان من الأمرين يذه المذبحة أم كان من الناهين عنها أو من المحايدين فيهاء ولا 
نعلم مقدار ما يتحمل من المسئولية في تنفيذهاء ولكن الذي نعلمه أن الذبح قد وصل 
إليه. 

لقد كان هو الأصل ف قيام هذا الكيان (المرابطي)» وكان هو الذي حمل 
الفقيه القيرواني على إرسال عبد الله بن ياسين» وكان هو الذي أحد بزمام جمل ابن 
ياسين وقاده بنفسه تواضعا للدين وتعظيمًا للداعي إليه. 

ويبدو أن (الجوهر) لم يكن يحسب أن الأمر سيصل إلى قيام مذبحة» بل كان 
في حسبانه أن ابن ياسين سيعمل بمنطوق الآية القرآنية الكريمة: لآااذْعٌ إلى سَبيل 
رَبك بالحكمة وَالْمَوْعظة الْحَسَئّة) [النحل: ٠؟١].‏ 

وقد رأيناه فض القيادة حين عرضها عليه ابن ياسين حوفا من تسلط قومه 
على الناس. لذلك فإنه يخيل إلى أنه عارض المذبحة واستنكرها فاستحق العقاب. 


التمهيد .6ك 


يقول ابن الأثير: (ولما استبد ابن ياسين بالأمر هو وأبو بكر بن عمر عن 
الجوهر الجدالي وبقي لا حكم له تداحله الحسد» وشرع سرا في إفساد الأمر فعلم 
بذلك منه وعقد له بجلس وثبت عليه ما نقل عنهء فحكم عليه بالقتل لأنه نكث 
البيعة وشق العصا وأراد محاربة أهل الحق» فقتل بعد أن صلى ركعتين» وأظهر 
السرور بالقتل طلبا للقاء الله تعالى!.). 

وفي هذا الكلام ما يعن عن أي تعليق» سوى القول بأن إظهاره السرور بالقتل 
كان حقيقيًا لأنه رأي ف هذا القتل تكفيرا عن تسبيبه ما سبب... 

حرى كل ذلكء وابن ياسين مشتغل بالعلم» وقد صار عنده جماعة يتفقهون! 
- كما يقول ابن الأثير- . 

اشتغل بالعلم وترك الذبح لأبي بكر بن عمر» وتفقه عليه جماعة» وذبح على 
يدي ابن عمر جماعات. وبالعلم الذي اشتغل به صدرت فتاواه بالقتل الجماعي . 

هكذا تقاسما الأدوار» ولما ل يبق للجوهر الحدالي دور سوى الاعتراض كان 
يحب أن يذبح» فذبح بفقه ابن ياسين وسيف أبن عمر.. 

يعلق ابن الأثير على نتائج المذبحة قائلا: (فحينئذ دانت لهم قبائل الصحراء 
وهابوهم فقويت شوكة المرابطين), ثم يقول معقبا على قتل الجوهر: (فاجتمعت 
القبائلل على طاعتهم؛ ومن خحالفهم قتلوه). 

وهكذا ظلت المذبحة مستمرة: ابن ياسين يشتغل بالعلم ليستنبط الفتاوى 
بالذبح» وابن عمر ينفذ الفتاوى! ولم يكن استنباط الفتاوى يحتاج إلى كثير من العلم 
فابن الأثير يحدد الجرعة بقوله (فمن حالفهم قتلوه). 

وإذا كان الحكم بقتل الجوهر قد احتاج إلى (حيئيات) وتعليلات» لمكانة 
الجوهر: فالحكم على غيره بالقتل لا يحتاج إلى (حيثيات)؛ بل إلى تطبيق مادة وحيدة 
ذكرها ابن الأثير: من سحالف اقتلوه.. 

ظل المرابطون في نطاق صحراوي بحت فلم يتمددوا في مناطق أخري» وفي 
سئة 6ه أي بعد سنتين من بدء دعوكم قحطت بلادهم» فقرر ابن ياس أن 


د22 أصل السلاحقة 





يطلق المحتاحين إلى مناطق أخرى» فأمر تسعمائة شخص بالذهاب إلى (السوس) 
والتسلط على الناس هناك بطلب الزكاة» فجاءوا إلى (سلجماسة) وطالبوا بالزكاة. 
ويبدو أن أنباء المذابح كانت وصلت في حينها إلى السجلماسيين فأسرعوا بجمع 
مقدار كان من المال عاد به المرابطون إلى مقرهم... 

ونحاحهم في جمع المال من سلجماسة فتح عيوفقم على ما وراء الصحراء. 
فصمموا على الوصول إلى الأندلس. 

يقول ابن الأثير: (إن الصحراء ضاقت عليهم؛ وأرادوا إظهار كلمة الحق 
والعبور إلى الأندلس ليجاهدوا الكفار..). 

وابن الأثبر هنا يقع ف التناقض: أنه يجعل في أول القول سبب تطلعهم إلى ما 
وراء الصحراء هو أن الصحراء ضاقت ههم.. ثم يعود فيجحعل سبب ذلك إرادتم 
إظهار كلمة الحق ومجاهدة الكفار... 

أما إن الصحراء ضاقت هم فصحيح؛ فابن ياسين وابن عمر اللذان استطابا 
السلطة؛ وجدا أن السلطة حين لا تتجاوز الصحراءء هي سلطة محدودة المكان 
محدودة السكان, والمهم جذا أهها محدودة المال» وقد رأيا أنما قابلة للقحط فٍ كل 
وقت» وحين تقحط يعوزهما حن ضمان العيش للمحتاحين» وقد كانت بحربة 
إرسال التسعمائة رحل إلى سلجماسة كافية لأن تحعلهما يصممان على الخروج من 
نطاق الصحراءء؛ إلى حيث الري والخصب والمال الوفير. 

وأما حهاد الكفار فمسألة فيها نظر كما يقولون إذ كان لا بد من مبرر 
للانطلاق من الصحراء! لقد جاهدا هما فيه الكفاية» جاهدا فيمن خالفهم من 
المسلمين فأكثرا فيهم الذبح!.. 

جاهدا حى في ذبح المؤمن المخلص الذي ساق إليهما ما هما فيه من سلطان 
وعنفوان» جاهدا في ذبح الجوهرا.. 


١1١ التمهيد‎ 


قاد أبو بكر بن عمر وعبدالله بن ياسين جماعة المرابطين في المخروج من 
الصحراء والنية في الوصول إلى الأندلس» ومشوا إلى السوس الأقصى, فرفضهم أهله 
وتصدوا لحم وقاتلوهم فائهزم المرابطون وقتل عبدالله بن ياسين في المعركة. 

على أن ابن عمر لم ييأس فعاد وجمع حيشا سار به إلى السوس» واصطدم 
بالسوسيين وزلاقة فتغلب عليهم وهزمهم؛ ثم تقدم إلى سلجماسة فسار إليه صاحبها 
فهزمه ابن عمر واستولى على سلحماسة (سنة 1401ه). 

وهكذا صار ف يد ابن عمر ملك فيه مدينة مثل سلجماسة؛ فبادر إلى تعيين 





أحد بن عمه الأقربين يوسف بن تاشفين واليا عليها. 

وبعد أن بدرت بوادر الملك» وبدا أن هذا الملك قابل للاتساع هنا في شمال 
أفريقياء نسي ابن عمر الحدف الذي أعلن أنه يبغي ف تحركه تحقيقه وهو الوصول 
إلى الأندلس ومجاهدة الكفار!.. وانصرف همه إلى التخطيط لبلوغ الهدف البديل وهو 
الوصول إلى ما يمكن الوصول إليه ما حوله من بلاد ومجاهدة المسلمين فيها..! فعهد 
بولاية سلجماسة إلى ابن أيه أبي بكر بن إبراهيم بن عمر وحهز جيشا إلى السوس 
مع يو سف بن تاشفين فاستولى عليه. 

وف سئة 471ه توثيٍ أبو بكر بن عمرء فاجتمعت طوائف المرابطين على ٠‏ 
يوسف بن تاشفين وملكوه عليهم وتلقب بلقب أمير المسلمين» وتوسع ف ملكه حبق 
استولى على المغرب حصنا حصناء وبلدا بلدا. ثم اختط مدينة مراكش واتخذها 
عاصمة لملكه. واستولى على سبتة وطنجة وسلا وغيرهاء وصار له جيش كبير. 

تساقط بلاد الاندئلس 

في سنة 451/8ه», كانت مدينة طليطلة تسقط بيد الإسبان» و كان المعتمد بن 
عباد صاحب قرطبة وإشبيلية وغيرها يؤدي لهم الجزية» وقد نبه سقوط طليطلة عقلاء 
المسلمين إلى الخطر الذي ينتظر الحواضر الإسلامية الأخرى في الأندلس. 

ويصف ابن الأثير الموقف بمذه الكلمات: 


00 أصل السلاحقة 


(وسمع مشايخ قرطبة ,ما جرى ورأوا قوة الإفرنج وضعف المسلمين واستعانة 
بعض ملوكهم بالإفرنج على بعض) إلى أن يصل ابن الأثير إلى القول بأن المعتمد 
التقى بالممتمعين» فتقرر إرسال رسول استنجاد بزعيم المرابطين يوسف بن تاشفين. 
ولى ابن تاشفين الاستنجاد وعبر البحر بعسكره إلى الأندلس» وواق المعتمد 
وعسكره وعسكر قرطبة والمتطوعة الأندلسيين» والتقوا بالأذفونش وحيشه في 
(الزلاقة) فكان النصر الكبير للمسلمين» وذلك في العشر الأول من شهر رمضان سنة 
8ه 

وعاد يوسف بن تاشفين .مرابطيه إلى مراكش. وفي العام الثاني عاد إلى 
الأندلس والتقى المعتمد بن عباد وعبد الله بن بلكين الصنهاحي صاحب غرناطة, 
وساروا جميعًا إلى حصار (ليط) وهو حصن منيع للإسبان» فعجزوا عن فتحه ورحلوا 
ععنة. 

وعاد ابن عباد إلى إشبيلية؛ واجتاز ابن تاشفين في طريق عودته بغرناطة ومعه 
ابن بلكين. فأعلن ابن تاشفين استيلاءه على غرناطة غادرًا بابن بلكين الذي اضطر 
لعبور البحر إلى أفريقياء وعاد يوسف بن تاشفين إلى مراكش تاركا ف غرناطة من 
يحكمها نيابة عنه. 

وامتد حكمه في أفريقيا إلى ما لم يكن قد امتد إليه حين الآن مثل: بلاد 
السوسء وورغة» وقلعة مهدى. 

وي سنة 484ه كان يوسف بن تاشفين يرسل حملة عسكرية إلى القسم 
الإسلامي من الأندلس فتستولي على مرسية؛ وشاطبة: ودانية» وبلنسية. ثم تتجه إلى 
إشبيلية عاصمة المعتمد بن عباد فتحتلها بعد معارك عنيفة. 

ويصف ابن الأثير ما فعلته حملة المرابطين في إشبيلية قائلا: (واشتد الأمر على 
أهل البلد ودحله المرابطون من واديه» وثبوا جميع ما فيه ولم يبقوا على سبد ولا 
لبد وسلبوا الناس ثيايهم؛ فخرجوا من مساكنهم يسترون عوراتم بأيديهم وأبيحت 


التمهيد طق 

المحدرات وانتهكت الحرمات» فأنحذ المعتمد أسيرا ومعه أولاده الذكور والإاناث» 
بعد أن استأصلوا جميع ما هم» فلم يصحبهم من ملكهم بلغة زاد. 

وسير ابن عباد وأهله إلى مدينة أغمات» فحبسوا فيهاء وفعل أمير المسلمين 
(يوسف بن تاشفين) بم أفعالا لم يسلكها أحد ممن قبله ولا يفعلها أحد ممن يأني 
بعده إلا من رضي لنفسه هذه الرذيلة» وذلك أنه سجنهم فلم يحر عليهم ما يقوم يم 
حى كانت بنات المعتمد يغزلن للناس بأحرة ينفقوفها على أنفسهمء فأبان أمير 
المسلمين (يوسف. بن تاشفين) بهذا الفعل عن صغر نفس ولوم قدره) (انتهى). 

وقد ظل المعتمد بن عباد مسجونا حى توق في السجن» وكان وهو في 
السجن مقيد الرحلين وفي ذلك يقول من أبيات: 

تعطف في ساقي تعطف أرقم2 يساورها عضا بأنياب ضيغم 

ويقول ابن الأثير أيضًا: (ولما أحذ المعتمد وأهله قئل ولداه بين يديه صبرا). 

ثم سار المرابطون من إشبيلية إلى المرية وبطليوس» وكان عمر بن الأفطس 
صاحب بطليوس ممن أعان المرابطين على المعتمد» فساروا إليه واستولوا على بلده 
وأحذوه أسيرا هو وولده الفضل فقتلوهماء فقال عمر حين أرادوا قتله: قدموا ولدي 
قبلي للقتل ليكون في صحيفيء فقتل ولده قبله. ولم يتركوا من ملوك الأندلس سوى 
بن هود لأنهم كانوا أقوياء ولاعتبارات أخرى. 

ويقول ابن الأثير: (ولما استقصى عسكر أمير المسلمين (يوسف بن تاشفين) 
ملوك الأندلس» وأحذ بلادهم جمع ملوكهم وسيرهم إلى بلاد المغرب وفرقهم فيها). 

وما يلفت النظر هنا أن ابن الأثير الذي بدا في كل ما كتبه عن المرابطين 
متعاطفا معهم بدا هنا منكرا لفعلة يوسف بن تاشفين » حاملا عليه. 

ورما كان لصفة الغدر الي يمكن أن يوصف بما ما ارتكبه ابن تاشفين في 
الأندلس؛ أثر في غضب ابن الأثير وهجومه على ابن تاشفين ونعته .ما نعته به من 
(صغر نفس ولوم قدره). 





1 امل المناد عقة 


وف سئة .٠.ه‏ ه توق يوسف بن تاشفين. وهنا تعود إلى ابن الأئير رقته 
فيتناسى ما وصف به ابن تاشفين من صغر نفس ولوم قدرهء ويقول في رثائه: (توق 
أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ملك المغرب والأندلس وكان حسن السيرة يرا 
عادلاء يميل إلى أهل الدين والعلم ويكرمهم ويصدر عن رأيهم!). 

ثم يقول: (كان حليما كربماء وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب 
العظام!). 

ونحن نسأل ابن الأثير من وراء قبره: هل من حسن السيرة أن يفعل ما فعل 
بالمعتمد بن عباد؟! وهل من العدل أن يقتل ولديه صبرا أمام عينيه؟ وهل من الميل إلى 
العلم والدين أن ينتهي أمر بنات المعتمد إلى ما انتهى إليه؟. 

وهل أدماه سجن المعتمد حى الموت ووضع القيد في رحليه وقتل ولديه بلا 
ذنب» هل كل ذلك صادر عن رأي أهل العلم والدين؟!. 

وهل ما حرى - هما ذكره ابن الأثير نفسه - يدل على أن ابن تاشفين كان 
يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام؟ وتولى بعد يوسف ابنه على بن يوسف» 
ويقول المراكشي (المعحب )541١‏ عن عهده: (واستولى النساء على الأحوال 
وأسندت إليهن الأمور وصارت كل امرأة من أكابر لمتونة ومسوفة مشتملة على كل 
مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب حمر وماخورء وأمير المسلمين في ذلك كله 
يتزيد تغافله ويقوى ضعفه؛ وقنم باسم إمرة المسلمين وبما يدفع إليه من الخراج 
وعكف على العبادة والتبتل وأهمل أمور الرعية غاية الإهمال). 

على أن ابن الخنطيب (تاريخ المغرب العربي *0؟) يقول عن عهده: (كان 
ملكا كبيرا فاضلا معتدلا عظم ف أيامه الملك» واتسق العز وملك جميع بلاد المغرب 
إلى بحاية» إلى الأرض الأندلسية والحزر الحوفية وبلاد القبلة بأسرها). 

وإننا نقول: إن انساع الرقعة الى يحكمهاء والصفات الى ذكرها له لا تتنافي 
مع ما ذكره عنه المراكشي في المعجبء ولا ندري أي كبر وفضل واعتدال يقصد 
ابن الحخطيب؟.. 


التمهيد ه١١‏ 





وق زمن علي بن يوسف هذا سنة .هه أي بعد توليه الملك بخمس سنين 
زحف الأذفونش صاحب طليطلة لمهاجمة المناطق الإسلامية؛ فزحف علي لمقابلته 
والتقى الفريقان في معركة شديّدةَ هزم فيها الأذفونش وعاد عائبًا. 

ويعزو ابن الأثير هجوم الأذفونش إلى تصوره ضعف البلاد بعد وفاة ابن 
تاشفين: ويعلق على نتيجة المعركة قائلا: (وذل أذفونش حينئذ وعلم أن للبلاد حاميا 
لما وذابا عنها). 

ثورة قرطبة 

وي سنة 1١4‏ هه في عهد علي بن يوسف ثارت مدينة قرطبة على المرابطين. 
ويعزو ابن الأثير سبب الثورة إلى أن عبدا من عبيد الوالي مد يده خلال الاحتفالات 
بعيد الأضحى إلى امرأة فأمسكها فاستغاثت فوقعت الفتنة (العظيمة) - كما يصفها 
ابن الأثير- بين العبيد وأهل البلد ودامت جميع النهار, والحرب قائمة على ساق 
وأدركهم الليل فتفرقوا. 

فوصل الخبر إلى الوالي أبي بكر يحى بن رواد فاحتمع إليه الفقهاء والأعيان؛ 
فقالوا: المصلحة أن تقتل واحدا من العبيد الذين أثاروا الفتنة فأنكر ذلك وغضب 
منه» وأصبح من الغد وقد حشد مسلحية لقتال أهل البلد» فقاتلوه فهزموه؛ و تحصن 
بالقصر فحصروه وتسلقوا إليه فهرب منهم بعد مشقة وتعب فنهبوا القصرء وأحرقوا 
جميع دور المرابطين وفهبوا أموالهم وأخحرجوهم من البلد على أقبح صوره. 

واتصل الخبر بأمير المسلمين (علي بن يوسف) فاستعظم الأمرء وجمع العساكر 
من صنهاجة وزناتة والبربر وغيرهم فاحتمع له منهم جمع عظيم؛ فزحف بم واجتاز 
البحر إلى الأندلس وحصر مدينة قرطبة فقاتله أهلها قئال من يريد أن يحمي دمه 
وحريمه وماله. 

فلما رأى أمير المسلمين شدة قتاههم دخل السفراء بينهم وسعوا ف الصلح, 
فأجايمم إلى ذلك. 


5 أصل السلاحقة 


هذه النصوص الى أوردها ابن الأثير عن ثورة قرطبة على المرابطين ذات 
دلالات كبيرة عن هؤلاء المرابطين الذين قامت دعوتهم في الأساس على وعظ الناس 
ودعوتهم إلى التمسك بالدين؛ فإذا بهم يفتتحون الدعوة بذبح ألفي رحل» وصار 
الشعار من يخالف يقتل. 

ثم جرى ما جرى على المعتمد بن عباد على يدي يوسف بن تاشفين» ثم كان 
الأمر في عهد ولده علي: أن استولى النساء على الأحوال» وصارت كل امرأة 
مشتملة على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب حمر وماخور... 

ثم هذه هي الثورة عليهم في قرطبة من أحل محاولة اعتداء عبد من عبيدهم 
على امرأة... 

ونستنتج من ثورة قرطبة ما يلي: 

١‏ - لم يستطع المرابطون الاندماج في الشعب ولم تتغلغل دعوقهم في المجماهير: 
بل ظلوا عضوا منفرزا عن الشعبء ينظر إليهم الناس على أنهم غرباء عنه. 

؟ - من أجل أن يستمر القتال طول النهار بين أهل قرطبة وبين العبيد. يجب 
أن يكون عدد هؤلاء العبيد كبيرًا جدا. وهذا يتناق مع أبسط قواعد الإسلام الذي 
حض على تحرير العبيد لا على الإكثار منهم» وهذا يدل - كما تدل أحداث 
يوسف بن تاشفين من قبل - على أن الحركة المرابطية كانت منذ تأسيسها على يد 
مؤسسها (التنفيذي) أبي بكر بن عمر» بعيدة عما تظاهرت بأنها تدعو إليه من 
التمسك بأهداب الدين. 

ولا نشك أبدا بإحلاص عبد الله بن ياسين المؤسس (النظري) للحركة؛ ولكن 
الذي نشك به هو مقدار تفهمه وهر الإسلام والدعوة الإسلامية» فالذي يأمر - أو 
على الأقل يرضى - بذبح ألفي مسلم صبرا من أجل أنهم لم يستحيبوا لتعاليمه» 
ويكون شعار دعوته: من لم يكن معنا قتلناه» هو إما مغفل استغله أبو بكر بن عمرء 
أو إنسان لا صلة له بروح الإسلام وجوهره وأسلوبه في الدعوة إلى الحق. 





التمهيد 1 





* - إذا كان ما أجمع عليه الفقهاء والأعيان من أخذ أحد العبيد وقتله» يرضي 
أهل قرطبة» فهو لا يرضي لا الإسلام ولا العدالة ولا الحق» فكبيف يصح ف الشريعة 
أن تأخذ رحلا لم يثبت عليه أنه ارتكب ما يوجب قتله فتقتله؟! وإذا كان الأعيان قد 
أجمعوا على ذلك؛ فكيف يصح ذلك للفقهاء؟!. 

- هذه الجموع الى جمعها (أمير المسلمين) علي بن يوسف ليته كان جمعها 
لهدف أمسعى من تأديب أهل قرطبة. 

ه - وصف ابن الأثير لثبات أهل قرطبة وقتالهم بأنه: قتال من يريد أن يحمي 
دمه وحربعمه وماله. هذا الوصف يدلنا على ما كان يتوقعه أهل قرطبة من (المرابطين) 
أصحاب الدعوة الإسلامية!! أن يرتكبوه بنسائهم ودمائهم وأموالهم. 

مات علي بن يوسف بعد أن قامت حركه إسلامية أخرى في المغرب الأفريقي 
عرفت باسم (الموحدون) بقيادة ابن تومرت وقاتلت جيوش المرابطين» ودام القتال في 
عهد الخليفة علي حى انتصر الموحدون وانتهى أمر المرابطين سنة 47 5ه بعد أن 
ختموا عهدهم أسوأ خائمه إذ استنجدوا بالإفرنج على قتال الموحدين. 

يقول ابن الأثير: عن فتح الموحدين لمراكش عاصمة المرابطين: (وكان .كراكش 
حيش من الإفرنج كان المرابطون قد استنجدوا يمم فجاءوا إليهم بحدة). 

وكان قتل آحر ملوكهم إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين - وهو صبي 
- سنة 7غ هه»؛ وبه انقرضت دولتهم بعد أن دامت سبعين سنة» وولى منهم 
أربعة: يوسف وعلي وتاشفين وإسحاق. 

وابن الأثير الذي رأيناه أول الأمر يهاجم يوسف بن تاشفين ويحمل عليه؛ ثم 
ين عليه عند موته» يعود هنا بعد أن أصاب المرابطين ما أصايهم فيقول عن يوسف 
بن تاشفين: (ولقد أساء يوسف بن تاشفين في فعله بالمعتمد بن عبادء وارتكب 
بسجنه على الحالة المذكورة أقبح مركبء فلا حرم سلط الله عليه في عقابه من أربى 
في الأحذ عليه وزاد). 


10 أصل السلاجحقة 





ونقول: ابتدأوا أمرهم بذبح ألفي مسلم صبراء وانتهوا بالاستنجاد بالإفرنج!. 


كان لا بد من هذا الحديث غير القصير عن المرابطين (الملثمين) لإيضاح ما 
ذكره ابن الأثير عن (الملثم) الذي جاء إلى بغداد خلال الحروب الصليبية» وأشار 
ابن الأثير إلى سبب قدومه إلى بغداد. 

يقول ابن الأثير عن سبب قدومه - كما تقدم - إنه ممن قاتلوا الصليبيين مع 
الأفضل بن بدر الحمالي وأبلى بلاء حسنا. 

أما لماذا جاء إلى بغداد ول يعد إلى بلاده المحكومة من جماعته (المرابطين)» فلأن 
هؤلاء المرابطين الذين افتتحوا دعوقم بذبح ألفي مسلم صبراء وحتموها بالاستنجاد 
بالإفرنج واستقدموا جحيشا منهم إلى عاصمتهم مراكش - إن هؤلاء المرابطين 
يعتقدون بالعلوين أصحاب مصر الاعتقاد القبيح - كما يقول ابن الأثير-. 
والمقصود بالعلويين هنا: الفاطميون؛ الذين اصطلح ابن الأثير في كل ما كتبه عنهم 
في كتابه (الكامل) على تسميتهم بالعلويين لا بالفاطميين» فهو ينسبهم إلى علي (ع) 
لا إلى فاطمة (ع). 

أما لماذا يعتقدون فيه الاعتقاد القبيح فلأنهم على غير مذهبهم!.. وقد قاطعوهم 
بحيث أنهم إذا أرادوا الحج لا يمرون ف مصبر. 

ويؤكد ابن الأثير أن بدرا الحمالي الذي كان قد سيطر على الخلافة الفاطمية 
وأصبح هو الحاكم الفعلي لمصر- أن بدرا هذا حاول إصلاحهم بمعين التقرب إليهم 
وإزالة ما قْ نفوسهم, فلم بميلوا إليه ولا قاربوه. 

ولا أعياه أمرهم قرر معاملتهم بالشدة, فكان يقتل من ظفر به منهم؛ ومن 
أجل أن يفعل بدر ذلك فلا ريب أنه كان يخشى إفسادهم الناس عليه. 

وعندما خلف الأفضل والده بدرا عاد يستصلحهم ويحسن إليهم؛ ولقد كان 
في حرب متصلة مع الصليسيين» ويريد الاستعانة بكل من يمكنه الاستعانة به في هذه 


التمهيد 18 
الحرب» فاستطاع استمالة فريق منهم فانضموا إليه في جهاد الصليبيين» وكان ممن 
انضم إليه: الملثم الذي تحدث عنه ابن الأثير. 

وبالرغم من أن اتصال هذا الملثم ببدر الجمالي كان اتصالا حهاديا أبلى فيه ف 
قتال الصلييبين بلاء حسناء فإنه كان يخشى العودة إلى بلاده» خحوفا من أن يقتله 
قومه المرابطون, الذين يرون الاستنجاد بالإفرنج حلالاء أما التعامل مع المسلمين 
الذين هم على غير مذهبهم» ولو كان تعاملا ججهاديا فهو حرام يستحق فاعله القتل. 
لذلك آثر الذهاب إلى بغداد لفترة» ثم عاد إلى مصر. 

وكما رأينا فيما قال ابن الأثير: لم يكن للمصريين حرب مع الإفرنج إلا 
وشهدهاء فقتل في بعضها شهيدا... وهذا القول يدلنا فيما يدل على أن الأفضل قد 
ظل مواصلا الحرب على الصليبيين دون انقطاع. 

مع السلاجقة 

سنئة ٠.٠65ه.‏ أقطع السلطان محمد جاولي سقاوو الموصل وديار بكر والجزيرة 
كلهاء مقابل أن يسير إلى الإفرنج ويأنحذ البلاد منهم. ولنعرف من هو جاولي هذا 
ننقل وصف ابن الأثير له: 

كان جاولي قبل هذا قد استولى على البلاد الي بين حوزستان وفارس وأقام 
يما سنين» وعمر قلاعها وحصنهاء وأساء السيرة في أهلها وقطع أيديهم وجدع 
أنوفهم وسمل أعينهم.. 

هذه هي سيرة الوالي الذي اختاره السلطان محمد ليحكم تلك الأرض 
الواسعة. 

والسلطان محمد الذي يعرف ما يجري في الغرب الإسلامي» ويعرف استيلاء 
الصليبيين على الديار المقدسة» ويعرف عيث الصليبيين بالمسلمين وإذلالهم لهم 
لى يكن من همه أن يهب بنفسه إلى إنحاد الإسلام ودفع الضيم عنه» بل عهد يمذه 
المهمة إلى من يعلم هو قبل غيره أنه ليس من رجاها. 





1 أصل السلاحقة 





عهد يذه المهمة إلى (جاولي سقاوو)!.. الرحل الذي قطع أيدي المسلمين في 
بلادهم وجدع أنوفهم وسمل أعينهم.. 

الرجل الذي استحل ف المسلمين كل ذلك.. يطلب إليه السلطان محمد أن 
يسير إلى الإفرنج ليأخحل البلاد منهم!.. 

في موازاة قطع أيدي الرعايا وحدع أنوفهم وسمل عيونهمء عمر القلاع 
وحصنهاء عمرها وحصنها جما خترب من البيوت ونقض من الديار!.. 

عمرها وحصنها حذرا من أن يثور عليه الذين خرب دورهم وهدم منازهم 
فيحتمي بما منهم.. هذا هو الرجل الذي طلب إليه سلطان السلاجحقة قتال 
الصليبيين واسترجاع ما أحذوه من بلاد. 

فماذا فعل؟ ماذا فعل حاولي سقاوو المنتدب لإنقاد المسلمين؟.. 

ذهب من بغداد إلى الموصل وجعل طريقه على البوازيج فملكهاء وفبها أربعة 
أيام» بعد أن أمن أهلها وحلف هم أنه يحميهم. هذا الذي أرسل لإنقاذ المسلمين من 
النهب والذل» حول مهمته إلى نمب المسلمين وإذلالهم» هذا الذي أرسل ليحمي 
شرائع الإسلام استباح شرائع الإسلام فنكث بالأمان» وحنث بالأيمان.. 

ومضى بعد البوازيج إلى إربل» وق الطريق لقيه (جكرمش) يحنوده ليحول بينه 
وبين الوصول إلى الموصل؛ لأن حكمها كان له فاقتتلا وانتصر حاولي سقاوو. 

ووصل خخبر المزيمة إلى جماعة حكرمش في الموصل فتحصنوا بما لقتال جاولي 
سقاووء وبدا الطمع بالموصل وأرادها قلج أرسلان فصارت له. 

واستنجد الملك رضوان بن تتش يجاولي ليقدم إلى الشام لقتال الصليييين 
قائلا له: إن الإفرنئج قد عجز من بالشام عن منعهمء فسار جاولي إلى الرحبة 
وحاصرهاء فاشتد الحصار على أهلها وضاقت عليهم الأمورء واستطاع جاولي 
دخوها فأول شيء فعله هو نُبها. 

ثم التقى حيشه بحيش قلج أرسلان فهزم قلج ودحل جاولي الموصل في أحداث 
وخطوب جمة. 


١5١ التمهيد‎ 


أما المهمة الي انتدب لما حاولي» وهي الذهاب لقتال الإفرنج فقد نسيها 
حاولي في غمار النهب والسلب؛ واستعاض عن استرداد أرض الشام من الإفرنج 
باسترداد الموصل من المسلمين. 

وفي سنة 07٠0ه‏ كانت فاية حكم جاولي للموصل» فالسلطان محمد كان 
قد جعل إليه ولاية كل بلد يفتحه فاستولى على كثير من البلاد والأموال وما دام 
النهب يرافق استيلاءه على البلاد» فمن الطبيعي أن تكثر لديه الأموال لكثرة ما 
استولى عليه من البلاد. 

والسلطان السلجوقي محمد الذي أطلق يده في الفتح والنهب كان ينتظر أن 
يشركه حاولي بالمنهوبات؛ ولكن جاولي استأثر يما فقرر السلطان استبداله بغيره من 
الولاة الذين يتقاسمون مع سلاطينهم ما ينهبونه من الشعبء» فاتفق مع جماعة من 
الأمراء والولاة أن يتوحهوا إلى الموصل وبقية البلاد الي يحكمها جاولي ويأخذوها 
منهء فتوجهوا إلى الموصل. 

فقرر جاولي ترك الموصل بعد أن أحكم أمر الدفاع عنهاء وأوكل إلى زوجته 
إدارة الدفاع بعد أن مهد لها الأمور بأن حبس أعيان الموصلء وأخرج من أحداثها ما 
يزيد على عشرين ألفاء وأعلن أنه مى اجتمع عاميان على الحديث في هذا الأمر 

أصبحت الموصل في يد زوجة جاولي في شر حال من الذل والرعب وتوقع 
البلاء. 

الأعيان في السجونء والشبان في قبضة جاولي» وعامة الشعب ف فوضي لا 
قيادة فيهاء فإذا حطر لاثنين أن يلتقيا فيتشاكيا قتلا في الحال.. 

أما هو فقد ترك الموصلء. يقول ابن الأثير: حرج عن البلد» وب السواد.. 

نب الشعب... هذا هو شعار العصر السلحوقي ومنهجه وعمله. 

أهل السواد الوادعين الآمنين المطمثنين» يفاحئهم القائد المنتدب لإنقاذ القدس 
بالنهب والترويع.. 





ف أصل السلاجقة 





أما زوجته القائمة مقامه في الموصل فقد رأت أن زوجها قد اكتفى باضطهاد 
الرحال» فرأت هي أن تساوي في الاضطهاد بين الرجال والنساء» وأن تبرهن بأن 
المرأة ليست أقل كفاءة من الرحل... يقول ابن الأثير: (وصادرت زوجته من بقى 
بالبلد وعسفت نساء الخارجين عنه..). 

لقد عمدت إلى أمرين: استولت على أموال من بقي في البلد من الرجال؛ 
وعسفت النساء اللواي لم ينضو رجالهن تحت إمرة جاوي. 

يقول ابن الأثير واصفا حالة الموصل: (فتمادى الحصار بأهلها من الخارج؛ 
والظلم من الداخل)» هذه الشدة الى كانت فيها الموصل ووصفها ابن الأثير بهذا 
الوصف أدت إلى ثورة داخل الموصل يمكن أن نسميها ثورة الصاصينء ولم يكن 
من الممكن أن تقوم ثورة أوسع منهاء ومع أن الحصاصين محدودو العدد فقد 
استطاعوا إحكام أمرهم فنجحوا. 

لم يكن بالإمكان قيام ثورة عامة فقادة الشعب في السجونء وأحدائه 
مصادرون» ونساؤه مضطهدون. ولكن نفرًا من المصاصين يصفهم ابن الأثير بهذا 
الوصف: فلما طال الأمر على الئاس اتفق نفر من الخصاصين؛ ومقدمهم حصاص 
يعرف بسعدي على تسليم البلد. 

والنفر ف اللغة: من هم دون العشرة» أي: أن الذين صمموا ونححوا كانوا أقل 
من عشرة»؛ وهكذا بتدبير هؤلاء النفر دل عسكر السلطان البلد. 

أما زوحة ججاولي فتحصنت بالقلعة» ثم راسلت الأمير مودود قائد الحملة 
السلطانية في أن يفرج لها عن طريقها. 

ويبدو أن الأمير مودود أنف من أن يتصدى لامرأة ويقاتلهاء فأفرج لها 
وخخرجحت من الموصل. 

ويقول ابن الأثير: إها حرجت بأموالها وما استولت عليه. ويهذا أصبح مودود 
حاكما على الموصل وما ينضاف إليها. 


١> التمهيد‎ 


أما جاولي الذي ذكرنا أنه ترك الموصل ومضى ينهب السواد؛ فقد أخذ معه 
(القمص بردويل) صاحب الرها وسروج وغيرهاء وهو الذي كان قد أسره سقمان 
وأذه منه حكرمشء وبقي في الموصل مسجونا حمس سنين» وبذل الأموال الكثيرة 
فلم يطلق. 

وحاول جاولي أن يتحالف على السلطان مع بعض الأمراء السلاحقة فلم 
يوفق إلى ذلك. وهنا ابحه إلى القمص بردويل فأطلقه وخلع عليه» وقرر عليه أن 
يفدي نفسه مال وأن يطلق أسرى المسلمين الذين في سجنه؛ وأن ينصره م أراد 
ذلك منه بنفسهة وعسكره وماله. 

إن الشرط الأخير هو المهدف من إطلاق القمصء والشرطان الأولان شرطان 
ثانويان. الهدف من إطلاق القمص هو أن يذهب إلى بملكته ويجمع جيوشها ويجعلها 
على استعداد تلبيه لنداء جاولي حين يناديها لنصرته على قومه؛ وأن يكون القمص 
نفسه على رأسها فلا يقودها غيره. 

وهكذا فإن القائد السلحوقي الذي انتدب لإنحاد المسلمين على الإفرنج؛ 
يستنجد بالإفرنج على المسلمين!.. 

وتتشابك الأمور بعد ذلك وينتهى الأمر إلى أن يغري الملك رضوان بن تتش 
صاحب حلب - يغري (طنكري) الصليبييي صاحب إنطاكية يحاولي فيتحالفا 
عليه» ويتحالف جاولي مع القمص وجوسلين وتقع حرب من أعجب الحروب: 
تحالف إسلامي صليبي على تحالف إسلامي صليبيء وتنتهى الحرب بمزيمه جاولي 
وحلفائه. ويقول ابن الأثير: وقتل من المسلمين خلق كثير ونمب صاحب إنطاكية 
أمولهم وأثقالحم وعظم البلاء عليهم من الإفرنج» وحدنت ف هذه السنة معركة 
جانبية بين طفتكين والفرنج أدت إلى هزعة الإفرنج أولاً ثم عقد هدنة بين الفريقين» 
تخللتها معركة» يقول ابن الأثير عن نتيحتها: بأن عسكر طفتكين انفزموا وخخلوا 
ثقلهم ورحاهم ودواهم للإفرنج ووصل المسلمون على أقبح حال من التقطع. 


5 أصل السلاحقة 


الخال في غرب العالم الإسلامي 

رأينا ما يحري ف شرق العالم الإسلامي وصولا إلى أطراف غريه. وسنرى هنا 
ما كان يجري في الوقت نفسه في غرب هذا العالم. 

لقد ذكرنا من قبل أنه بينما كان السلاحقة يتناحرون في الشرق كان 
الصليبيون يستولون في الغرب على يافاء وأرسوفء وقيسارية وحيفاء وطيرية؛ 
واللاذقية» وإنطاكية بعد أن كانوا استولوا على القدس والرهاء وسروج. وكانوا 
يخاصرون طرابلس. 

أما الآن في سنة #.٠هه‏ فإن الصليببين كانوا يشددون الحصار على 
طرابلس ويرسلون من أوروبا أسطولاً كبيرا لإحكام حصارهاء كما وقووا قواهم 
البرية التحاصرة. 

وكان فخخر الملك أبو على بن عمار لما رأى قبل ذلك اشتداد الخال على بلده 
طرابلس وضاقت عليه الأقوات وقلت واشتد الأمر عليه وعلى أهل البلد» وعلم أن 
الأمور قد استتبت للسلطان محمد كما مر في الأبحاث السابقة عزم على الذهاب إلى 
بغداد للاستنجاد بالسلطان محمد, بعد أن رتب في طرابلس الأجناد برا وبجراء وجعل 
كل موضع إلى من يقوم بحفظه» ودفع للأجناد راتب ستة أشهر مقدما. 

ثم مضي إلى بغداد فاستقبل فيها بحفاوة بالغة سواء من الخليفة أو من السلطان 
السلجوقي محمد. ويقول ابن الأثير: إن السلطان سأله عن حاله وما يعانيه ف محاهدة 
الكفار ويقاسيه من ركوب الخطوب في قتالهم» فذكر حالة وقوة عدوه وطول 
حصره؛ وطلب النجدة؛ وضمن أنه إذا سيرت العساكر معه أوصل إليهم جميع ما 
يلتمسونه. فوعده السلطان بذلك. وحضر دار الخلافة» وذكر أيضًا نحوًا ما ذكره 
عند السلطان. 

فكان من أمر السلطان أن طلب من الأمير حسين بن أتابك قتل تكين ليسير 
معه العساكر الي سيرها إلى الموصل مع الأمير مودود لقتال جاولي سقاوو ليمضوا 
معه. ثم ترك السلطان بغداد قاصدا أصفهان. 


١” التمهيد‎ 





يقول ابن الأثير: فلم يجد ذلك نفعا.. 

أما العساكر الذي تظاهر السلطان بأنه طلب إرسالها مع ابن عمار بقيادة 
الأمير مودودء فقد كانت ها مهمة أخرى لاستنقاذ طرابلس من الصليبيين» بل 
استنقاذ الملوصل من جاولي. 

يقول ابن الأثير: في هذه السنة استولى مودود والعسكر الذي أرسله معه 
السلطان على مدينة الموصل وأخذوها من أصحاب حاولي سقاوو. 

في الوقت الذي كانت عساكر السلطان السلجوقي هب بقيادة الأمير مودود 
لاستنقاذ ا موصل من حاولي. وفي الوقت الذي كان الأمير مودود ينجح في الاستيلاء 
على الموصل. 

في هذا الوقت بالذات كان أسطول صليبي كبير مشحون بالرجال والسلاح 
والمياه يهب من أوروبا بقيادة ريموند بن صنجيل لاستنقاذ طرابلس من المسلمين. 

وف الوقت الذي كان القائد السلجوقي مودود يستولي على الموصل كان 
الملك الصليبيي بغدوين ملك القدس ومعه ركوند بن صنجيل وغيره من القادة 
الصليبيين يستولي على طرابلس. 

يقول ابن الأثير واصفا الحال: 

(ومد الإفرنج القتال عليها (طرابلس) من الأبراج والزحف؛ فهجموا على 
البلد وملكوه عنوه وقهرًا وتمبوا ما فيه وأسروا الرجال وسبوا النساء والأطفال ومبوا 
الأموال. وغنموا من أهلها من الأموال والأمتعة وكتب دور العلم الموقوفة ما لا يعد 
ولا بحصىء فإن أهلها كانوا من أكثر أهل البلاد أموالا وجحارة. 

وعاقب الإفرنج أهلها بأنواع العقوبات» وأحذت دفائنهم وذخائرهم من 
مكامنهم). 

وأغرى سقوط طرابلس الإفرنج فساروا إلى بانياس ففتحوهاء وإلى جبيل 
ففتحوها أيضًا. ثم واصلوا زحوفهم فامتدوا إلى صيدا فضايقوها برا وبحرا فاضطرت 


3 اصل السلاخقة 


لطلب الأمان فدخلوها وهجرها قسم من أهلها وبقي آخرون ففرضوا عليهم الأموال 
حى أفقروهم واستغرقوا أموالهم فأخذوا يهاحرون من مدينتهم. : 

وامتد الصليبسيون من الحانب الآخر فملكوا حصن (الأثارب) بالقرب من 
مدينة حلب وقتلوا من أهله ألفي رجحل وسبوا وأسروا الباقين. ومنه مضوا إلى حصن 
(زردنا) ففتحوه وفعلوا بأهله مثل الأثارب. 

فلما مع أهل منبج بذلك فارقوها حوفا منهم وكذلك أهل بالس. وقصد 
الإفرنج البلدين فرأوهما وليس همما أنيس فعادوا عنهما. ودب الذعر في بلاد الشام 
كلها. 

يقول ابن الأثير: 

(فعظم حوف المسلمين منهم وبلغت القلوب الحناجر» وأيقنوا باستيلاء 
الإفرنج على سائر الشام لعدم الحامي له والمانع عنه» فشر ع أصحاب البلاد الإسلامية 
بالشام في الهدنة معهم فامتنع الإفرنج من الإحابة إلا على قطيعة يأخذوها إلى مدة 
نهر 

فصالحهم الملك رضوان صاحب حلب على اثنين وثلاثين ألف دينار وغيرها 
من الخيول والثياب؛ وصالحهم صاحب صور على سبعة آلاف دينار؛ وصالحهم علي 
الكردي صاحب حماة على ألفي دينار). 

فلما بلغ الأمر إلى هذا الحد لم يعد الشعب يحتمل ما صار إليه من الحوان ومن 
توقع الشر الأكبر. فقرر جماعة من أهل حلب وهي المدينة الي وصل الإفرئيج إلى 
حصن الأثارب الذي لا يبعد عنها إلا ثلاثة فراسخ قرر جماعة من أهمل حلب 
الذهاب إلى بغداد حيث السلطان السلحوقي والخليفة لإثارة القضية والاستنجاد 
بالمصدر الأساسي للقوة؛ فلما وصلوا كان أول من تعاطف معهم خلق كثير من 
الفقهاء؛ وغيرهم من طبقات الشعب, فكان أن سارت يوم الجمعة مظاهرة كبرى 
إلى حامع السلطان واستغاثوا ومنعوا من الصلاة وكسروا المتبر. 


التمهيد 00 

لقد كانوا في تصرفهم هذا يقصدون إلى أن الدين ليس صلاة فط ولا خطبة 
الجمعة وحدهاء وماذا تفيد صلواتكم وخحطبكم إذا كان الإسلام يياد ويهان في 
الجاتب الآخر وإذا كنتم لا تنفرون لإنفاذ الركن الأهم من الإسلام وهو الجهاد.. 

وأمام هذه المظاهرة الصاءحبة اضطر السلطان السلجوقي لأن يعدهم بإنفاذ 
العساكر للجهاد. 

وف يوم الجمعة الثاى جدد الحلبيون مظاهرهم فمشوا ومشى معهم أهل بغداد 
إلى جامع القصر بدار الخلافة» فلما وصلوه منعهم حاجب الباب من الدخول 
فأزاحوه من طريقهم ودخلوا الجامع وكسروا شباك المقصورة وهجموا على النبر 
فكسروه. وبطلت الجمعة أيضا. 

فلما رأى الخليفة تفاقم الأمور وليس ف يده شيء يستطيعه أرسل إلى السلطان 
السلجوقي وهو صاحب الحل والعقد يطلب إليه الاهتمام بالموضوع وتصريف أمر 
هذا الفتق ورتقه, على حد تعبير ابن الأثير. 

فالخليفة هنا يرى أن الأمر عاد .نقمة شعبية عارمة على الدولة كلها وهو فتق 
انفتق عليها لا بد من رتقه وف تماديه واتساعه» فهو بذلك ينصح السلطان بالتلافي 
قبل اتساع الخطر. 

وهنا قرر السلطان أن يفعل شيئاء فجمع من في بغداد من الأمراء وطلب إليهم 
العودة إلى بلادهم والتجهز للجهاد. وزاد على ذلك فضم ولده مسعود إليهم وأرسله 
مع الأمير مودود صاحب الموصل ليلتحق يما الأمراء ويسيروا بحتمعين لقتال 
الإفرنج. 

وهنا حدث حادث فريد مهل الآن تفاصيله؛ فيبدو جليا أن الصراع بين 
البيزنطيين والصليبيين قد بلغ أقصى مداه بحيث أدي ذلك إلى أن يرسل إمبراطور 
القسطنطينية رسولا إلى السلطان السلحوقي ف بغداد يستنفره على الصليبيين 
ويحئه على قتالهم ودفعهم عن البلاد. وكان وصول هذا الرسول إلى بغداد قبل 
وصول الحلبيين إليهاء فعلموا وهم ف بغداد بمهمة الرسول البيرنطي: فكانوا يقولون 


4 أصل السلاحقة 
للسلطان: أما تتقي الله تعالى أن يكون ملك الروم أكثر حمية منك للإسلام» حي قد 
أرسل إليك في جهادهم!. 

وإذا كان الأمر على غير ما تصور الحلبيون من أن استنفار الملك البيزنطي 
للسلطان السلجوقي هو حمية منه للإسلام؛ وإنما هو مصلحة مشتركة بين الاثنين 
تقضي بالقضاء على الصليبيين الذين باتوا ينازعون ملك القسطنطينية ملكه, 
ويهددونه في بلاده. 

فإنه كان يمكن للسلاحقة أن يغتنموا هذا الغضب البيزنطي فيتحالفوا مع 
صاحبه للتخلص من الصليبسيين. ولكن السلاحقة كانوا في هم آخر غير هَمْ تخلص 
الأرض الإسلامية من الصليبيين» هو تخلص بعضهم من بعض. 

وفي خلال هذا التجهم الإسلامي الذي أصبح يعم العالم الإسلامي تزف ابنة 
السلطان ملكشاه إلى الخليفة» فلا يكتفي بأدى حد من الابتهاج احترامًا لأحزان 
المسلمين العالمية» بل زينت بغداد وغلقت؛ وكان بما فرحة عظيمة لم يشاهد الناس 
مثلها كما يقول عنها ابن الأثير. 

التقى أمراء السلاحقة في الموصل إنفاذا لما تقرر في بغداد نتيجة للمظاهرات 
الحلبية الى استجاب لحا البغداديون فضغطوا على الخليفة والسلطان» فدعا السلطان 
إلى الجهاد. 

والأمراء الذين التقوا هم: الأأمير مودود صاحب الموصلء الأمير سكمان 
القطبي صاحب تبريز وبعض ديار بكر والأميران الأخوان إيلبككي وزنكي ابنا برسق 
ولهما همذان وما جاورهاء والأمير أحمديل صاحب مراغة. 

وكوتب الأمير أبو الميجاء صاحب إربل؛ والأمير إيلغازي صاحب ماردين؛ 
والأمراء البكجية باللحاق بالأمير مودود. 

لقد كان ملتقى عسكريًا ضخحما يمكن ربط الأمل الكبير به. ولا أخال إلا أن 
الناس كانوا وهم يتسامعون بهذا الحشد الكبير من الأمراء والمقاتلين أيقنوا بالخلاص.. 
ونحن لا ندري أين كان الوفد الحلبي في هذه الأثناء» هل كان قد عاد إلى حلب 





التمهيد ١‏ 
حاملا البشرى لا إلى حلب وحدهاء بل إلى بلاد الشام كلها بنجاح مساعيه؛ 
واستجابة أولي الأمر إلى صوت الاستغاثة المتبعث من أعماق القلوب.. أم أن الوفد 
قد ظل في بغداد يراقب وينتظر؟ أغلب الظن أنه كان قد عاد إلى حلب بعد أن لمس 
اليد أن ما يشبه النفير العام قد أعلن بين الأمراء. 
والذي يلفت النظر هو اتساع الرقعة الي يسيطر عليها هؤلاء الأمراء وما يمكن 
أن يحشد منها من مقاتلين فمن تبريز إلى ديار بكر من جحانب» ومن مراغة إلى همذان 
وما جاورها من حانب آخخر» ومن إربل إلى الموصل إلى ماردين... 
هذه الأرض الواسعة إذا أهيب با بنداء: الله أكبر» نداء منبعث من قلوب 





مخلصة؛ وضمائر حية» وحناحر متحمسة إذا أهيب با ستتدفق منها الجماهير تدفق 
أمواج البحر الحائج صارححة: الله أكبرء فتكتسح كل شيء.. 

ولكن لا القلوب كانت مخلصه؛ ولا الضمائر كانت حية؛ ولا الحناجر كانت 
متحمسة!.. 

مشت جموع الأمراء إلى سنجار؛ ففتحت عدة حصون للإفرنج» حى انتهت 
إلى حصار مدينئة (الرها)» ولكن الحصار لم يلبث أن فك عن الرهاء وعاد عنها 
الأمراء دون أن يفتحوها. 

فقد قابل هذا التجمع الإسلامي تجمع صليبي استعد لمقابلته» على أن لم يتعد 
مناوشات ومناورات وتبادل أمكنة استطاع معها الإفرنج إحكام أمر الرهاء 
فاستعاض الأمراء عن حصارها بحصار قلعة تل باشر فلم ينجحوا في فتحها فرحلوا 
عنها. 

وتخلوا فهائيا عن قضيه الجهاد» وعادوا إلى التآمر بعضهم على بعضء وعوضًا 
عن أن يتوجهوا إلى الأرض امحتلة» توحهوا إلى حلب فاستراب يمم صاحبها الملك 
رضوان فحال بينهم وبين دحوطا و لم يجتمع بمم. 

ومرض أحدهم الأمير سكمان القطبي» ومات في بالسء فجعله أصحابه في 
تابوت» وحملوه عائدين إلى بلاده. فاغتنم هذه الفرصة رفيق سكمان في الجهاد!! 


0 أصل السلاحقة 


إيلغازي»: واستضعف جماعته بعد موته» فقصدهم ليأحذهم ويغنم ما معهم» فحزمرا 
أمرهم وجعلوا تابوت أميرهم ف القلب وقاتلوا بين يديه؛ فانهزم إيلغازي وغتموا ما 
معهء ومضوا إلى بلادهم!.. 

هكذا عاد مصير حملة الجهادء وإنقاذ المسلمين ف بلاد الشام! ول ينته الأمر, 
فإن الجيش السلطاني كما يسميه ابن الأثير بعد أن حيل بينه وبين دخول حلب» 
ورفض صاحبها رضوان لقاءهم تركوا حلب ومضوا إلى معرة النعمان» واحتمع بمم 
طفتكين صاحب دمشق فاطلع منهم على نيات فاسدة في حق رفيقهم الأمير مودود. 
فنزل عليه وأطلعه على أمرهم. 

ولما رأي طغتكين ما رأى وعلم من نيام الفاسدة ما علم خاف أن يقصدوه 
إلى دمشق فيأحذوهًا منه فاتصل سرا بالإفرنج وأحكم أمره معهم وهادهم. 

ثم تفرقت العساكر وعاد كل أمير إلى حيث جاء!!. 

النهاية الي صار إليها حملة الجهاد السلطاني حرأت الإفرنج على الانتشار في 
بلاد المسلمين واستصفائها بلدا بعد بلدء فكان أن بدأوا يمدينة صورء وسار إليها 
بغدوين صاحب القدس يقود حشودا صليبية الخحصارهاء فلما وصلها تفن في الحصار 
فأعد ثلاثة أبراج حشب علو البرج سبعون ذراعا وي كل برج ألف رجل» ونصبوا 
عليها المحانيق» وألصقوا أحدها إلى سور البلد وأخلوه من الرحال. 

فأحضر الوالي أهل البلد واستشارهم في حيلة يدفعون بما شر الأبراج عنهم 
فقام شيخ من أهل طرابلس» يبدو أنه يمن كان لحأ إلى صور بعد احتلال طرابلس» 
وضمن على نفسه إحراقهاء وأحذ معه ألف رجحل بالسلاح التام» ومع كل رجحل 
منهم حزمة حطبء فقّاتلوا الإفرنج إلى أن وصلوا إلى البرج الملتصق بالمدينة» فألمى 
الحطب من جهاته؛ وألقى فيه النار» ثم خاف أن يشتغل الإفرنج الذين في البرج 
بإطفاء النار ويتخلصواء فرماهم يحرب كان قد أعدها مملوءة من العذرة» فلما 
سقطت عليهم اشتغلوا يما وما ناللهم من سوء الرائحة والتلويث فتمكنت النار من 
البرج» فهلك كل من فيه إلا القليل., وأحذ منه المسلمون ما قدروا عليه بالكلاليب؛ 


التمهيد ١‏ 
ثم أخذ سلال العنب الكبار» وترك فيها الحطب بعد أن سقاه بالنفط والزفت والكتان 
والكبريت» ورماهم بسبعين سلة» وأحرق البرجين الاخحرين. 
الكبيرة فاستنجدوا بطغتكين صاحب دمشق,» ووعدوه بأن يسلموا البلد إليه. 
ا كان 0 هذا قد 5 علاقات 3 الإفرتج وساللهم فا كما 
اك عمس الطلق 0 5 ل لو ا ل ا 
حمله على ذلك,؛ بل إن النخحوة الإسلامية هي ال دفعته؛ ورا السببان معا... 
وسار حين بلغ بانياس» وسير إلى صور بحدة مث فارسء. فدخلوا البلد. 
فاشتدت عزائم من فيه» واستبسلوا قُُ قتال الإفرنج. وقابل الإفرنج استبسالهم .كثله, 
خوفا من تتابع النحدات. 
صورء فقطع المياه عن الإفرنج» فاستقدموها بحرا. 
وهو مع ذلك يواصل أهل صور بالكتب يأمرهم بالصبر. 
0 لماذا 0 على إعادهم وقد 
كان أهل صور يقاتلون 0 من أيس من الشياق كما يصفهم ابن الأثير» 
وذلك 5 0 المصير الفط اك سيصيرون إليه إذا انتصر ا ودخلوا 
هذا 0 الو و 5 /باثه 
هه في شهر انحرم منها كان بغدوين ملك القدس يواصل غاراته على دمشق نفسها 
وينهب ويخرب؛ حى إن دمشق أصبحت في شبه حصار اقتصادي انقطعت فيه المواد 
عنها فعم الغلاء وقلت الأقوات» فرأى حاكمها طغتكين أن يستعين بصديقه الأمير 





18 أصل السلاحقة 


مودود صاحب الموصلء» فأرسل إليه يصف له ما هو فيه من الضيق» والعجز عن دفع 
شر الإفرنج» ويطلب إليه إنحاده بقوات بأسر ع ما يستطيع من الوقت. 

فاستجاب الأمير مودود للاستنجاد وسار بعساكره من الموصل عابرا يم 
الفرات» فمضى طغتكين للاقاته فالتقيا في مدينة سلمية وقررا مهاجمة طغتكين, 
فاصطدما به عند مدينة طبريا ف معركة انمزم فيها بغدوين ووقع أسيراء ولكن آسريه 
لم يعرفوه» وكل ما فعلوه أن أحذوا سلاحه وتركوه. 

وكان لمذه المعركة ذيول كانت كلها في صالح المسلمين فساروا إلى بيسان 
ونمبوا البلاد الحتلة بين عكا إلى القدس وحربوها. 

وبعد هذا النصر صرف الأمير مودود عساكره فعادوا إلى بلادهم على أمل 
العودة في الربيع لمعاودة الغزوه وبقى هو في حواصه بضيافة طغتكين في دمشق 
منتظرين الربيع. على أن الأقدار لم تمهله إلى الربيع فقد اغتيل في يوم جمعة في المسجد 
تعد أذاء الصلاة برفقة طفتكين. . 

وهنا تتشعب الآراء في تحديد القاتل» فالذين يعرفون دخخائل هؤلاء الأمراء وما 
تنطوي عليه نفوسهم من الغدر بعضهم ببعض طمعًا من كل واحد منهم با في يد 
الآخرء يوججهون التهمة إلى طغتكين» ويقولون: إنه دبر له من اغتاله بعد أن رآبه منه 
بقاؤه في دمشق. ويؤكدون اتهامهم بأن القاتل قتل في الحال» واحتز رأسه. وأحفى ثم 
أحرق لثلا تكشف حقيقته.وطغتكين وجماعته يوجهون التهمة إلى من سمرهم 
الباطنية» ويبدو أن اتام طغتكين كان هو السائد بين الناس على اختلاف مواقعهم, 
حين إن السلطان كان يوجه إليه التهمة علانية» كما سترى. 

وهكذا فإن ذاك الاستنفار انتهى إلى لا شيء سوى النهب والتخخريب واغتيال 
من لبى الاستنفار!. 

وطغتكين هذا الذي يضح اليوم من الإفرنج ويستنصر المسلمين عليهم؛ أم 
يسبق له بالأمس أن استنصر بهم على المسلمين؟! وهل ترجو ممن لا يرى بالاستنصار 
على المسلمين بالإفرنج ا أن يخلص في قتال الإفرنج؟! وأن يتورع عن اغتيال ضيفه 


١ التمهيد‎ 





ومنجده إذا رآبه أمره ولو في الخيال؟1 وتوالت الأيام حي سنة 08٠هه‏ فعاد 
السلطان محمد يتذكر الإفرنج» وكان حين علم يمقتل مودود أرسل واليا على الموصل 
وأعمالها: الأمير آق سنقر البرسقي» وسير معه ولده الملك مسعود في جيش ليذهب 
بهذا الجيش لقتال الصليبيين» وكذلك أرسل إلى جميع الأمراء في تلك المناطق 
لينضموا إلى آق سنقر ويسيروا جميعا للجهاد. 

وسنرى أن ذلك كله كان عملا استعراضيا بحتا لم يحقق أي نتيجه!. 

فإن البرسقي سار إلى جزيرة ابن عمر فسلمها إليه نائب مودود بماء ومنها 
سار إلى ماردين؛ فلما تمرد عليه صاحبها إيلغازي نازله فأذعن له وسير معه عسكرا 
مع ولده آيازء فاتجه إلى الرها على رأس خمسة عشر ألف فارس فنازيها على غير 
حدوىء فابحه منها إلى ميساط وسروج» فلم يكن منه سوى التخريب فيهاء ثم هب 
سواد ماردين. 

ونسي المهاد فقبض على رفيقه آياز بن إيلغازي» لأن أباه لم يحضر بنفسه» بل 
أرسل ولده آياز مكانه. وبلغ إيلغازي تحبر القبض على ولده؛ فسار إلى حصن كيفاء 
وصاحبها الأمير ركن الدولة ابن أخيه سقمان فاستنجده» فسار معه ف عسكره 
وجمع جمعا من التركمان. ومضيا لاستنقاذ أياز من البرسقي. 

والتقى الجمعان في معركة ضارية؛ اننهت بانهزام البرسقي, وتخليص آياز بن 
إيلغازي. 

هذا هو الجهاد الذي نادى به السلطان السلحوقي محمد.. وهذه معارك قائده 
ومبعوئه لقتال الصليبيين: آق سنقر البرسقي! على أن الأمر م يتم فصولا بعد 
فسنرى ما هو أدهى وأمر... 

السلطان محمد هذا لم يغضبه على قائده أن حول جهاده للتخريب والنهب ثم 
لقتال المسلمين» بل أغضبه أن إيلغازي هزم آق سنقرء فأرسل إليه يتهدده؛ فرأى 
إيلغازي أن يلجأ إلى حمية طغتكين صاحب دمشق. 


1 أصل السلاجقة 

وكان طغتكين هذا متهما عند السلطان بأنه غدر بالأمير مودود وقتله» فاتفق 
رأي الاثنين: إيلغازي وطغتكين على الاستنصار بالصليبيين» فراسلاا صاحب 
إنطاكية وحالفاه؛ ثم رأوا جميعًا أن يمتنوا الحلف بينهم, فالتقى الثلائة على بحيرة قدس 
عند حمص, فأحكموا أمر التحالف» ووضعوا خطط تنفيذه. 

وعاد صاحب إنطاكية إلى بلده» وعاد طغتكين إلى دمشق. أما إيلغازي فاتحه 
إلى ديار بكر مارا بالرستن فنزل هما ليستريح؛ فعلم به قرجان بن قراجحة صاحب 
حمصء وقد تفرق عن إيلغازي أصحابه» فقبض عليه قرحان ومعه جماعة من 
خواصه. وأرسل إلى السلطان محمد يعرفه ذلك ويطلب إليه الإسراع بإرسال بحدة 
يقاوم بما طغتكين إذا حاول إنقاذ إيلغازي. 

ولما عرف طفغتكين يما ججرى على إيلغازي عاد إلى مص وأرسل يطلب من 
قرجان إطلاق إيلغازي» فرفض قرجان ذلك وهدد بقتل إيلغازي إن لم يرحع 
طفتكين إلى دمشق. وعلم إيلغازي بذلك فأرسل يلح على طغتكين بالعودة إلى 
دمشق. 

وهنا تشابكت المصالح» فلم تصل لقرجان حدة من السلطانء فخاف أن 
يستضعفه أصحابه فيسلموا حمص لطفغتكين؛ فقرر مصالحة إيلغازي فيطلقه ويأخذ 
ابنه آياز رهينة ويصاهره» ويحول بينه وبين طغتكين وغير طغتكين» فوافق إيلغازي 
على ذلك فأطلقه قرجان وترك عنده ابنه آيازء ثم عقدا حلفا بينهما. 

وسار إيلغازي من حمص إلى حلبء؛ وجمع التركمان؛ وعاد إلى حمص مطالبا 
بولده آيازء وضايق قرجحان وحصره. 

واتصل الخبر بالسلطان فأرسل عسكرًا كثيرًا وأمرهم أن يقاتلوا إيلغازي 
وطغتكين أولا فإذا فرغوا منهما مضوا إلى قتال الإفرنج» فكانت نتيجة ذلك أن 
إيلغازي وطغتكين ذهبا إلى إنطاكية واستنجدا بصاحبها الصليبيي (روجيل). 





١5 التمهيد‎ 

وبعد أحداث تفرقت عساكر السلطان» وعادت إلى بلادها الحملة الجهادية 
السلحوقية الي أرسلها السلطان محمد لمكافحة الصليبيين انتهى أمرها إلى تقاتل 
المسلمين» والتتحالف مع الصليبيين. 

والنيوش الى قال السلطان أفها موجهة إلى حرب الإفرنج رأينا إلى من عادت 
توجه في حين كان الصليبيون يتمددون في البلاد ويتحكمون بالعباد.. 

وف سنة ١١هه‏ توفي السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلات» هذا 
الذي رأينا من جهاده ما رأينا!.. وتولى بعده ابنه حمود. 

وظل السلاجحقة على تشاحنهمء فإن مسعود بن السلطان» أراد الاستيلاء على 
بغداد والعراق وحقق ذلك. فمشى عماد الدين منكيرس ليخرجه منهاء فمشى 
مسعود للقائه. فكان من نتيجة ذلك أن الفريقين نبا السواد با فاحشاء على حد 
تعبير ابن الأثير. 

وانتهت المفاوضات بين الفريقين إلى أن صار منكبرس صاحب (شحتكية) 
بغداد» وهي مديرية الشرطة العامة. 

ويقول ابن الأثير عن عهد منكبرس ف بغداد: وأقام منكيرس ببغداد يظلم 
ويعسف الرعية ويصادرهم؛ فاختفى أرباب الأموال» وبطلت معايش الناس» وأكثر 
أصحابه الفساد,» حىّ إن بعض أهل بغداد زفت إليه امرأة تزوجهاء فعلم بعض 
أصحاب منكبرس» فأتاه وكسر الباب» وجرح الزوج عدة حراحات» وابتق 
بزوجته» واستغاث الناس هذه الحال» وأغلقوا الأسواق» فأحذ الجندي إلى دار الخلافة 
فاعتقل أياما ثم أطلق. 

وقد ظل الصليبيون في تماديهم وامتدادهم, فإذا بإيلغازي صاحب حلب 
وماردين» الذي ذكرنا من قبل استنجاده هو وصاحبه طغتكين بالصليبيينء إذا 
بإيلغازي هذا يعود فيرسل رسولا إلى بغداد يستنفر على الصليبيين» ويذكر ما 
فعلوا بالمسلمين بالديار الجزرية» وأنهم ملكوا قلعة الرهاء وقتلوا أميرها. 


هر عدا لاس 


ومن يأمن لمن استنجد بالصليبيين أن لا يعود فيغدر بالمسلمين وينضم إلى 
الصليبيين» وهل يمكن أن يؤتمن من خحان المسلمين» وهل يمكن أن يخلص ف الجهاد 
من نككث بالمجاهدين؟! وكل ما كان من الأثر لاستنتحاد إيلغازي أن أرسلت الكتب 
بذلك إلى السلطان محمودا.. 

أما السلطان محمود فقد كان مشغولا عن ذلك بالشقاق بينه وبين أخحيه 





طغرل» وبالحرب بينه وبين عمه سنجرء عمه أخخي أبيه وهو ال الوقت نفسه أبو 
زوحتهء فقد التقى الاثنان في معركة كان فيها مع سنجر عشرون ألف مقاتل ومع 
محمود ثلاثون ألفا. 

حمسون ألف مقائل كان يمكن أن يسير بمم محمود وعمه سنجر السلحوقيان 
لإنقاذ الديار الجزرية من الصليبيينء ولكنهما بدلا من ذلك تقاتلا بما وسفكا 
دماءها بأيديها!.. 

لقد اتتصر سنجر.. ولكن على ابن أحيه لا على الصليبيين!. 

وظل الإفرنج يستضعفون المسلمين فامتدوا حي بلغوا نواحي حلب فملكوا 
براعة وغيرهاء وخربوا ما قدروا على تخريبه من حلب ونازلوهاء وقاسموا أهلها على 
أملاكهم الى بباب حلب. 

فأرسل أهل حلب إلى بغداد يستغيثون» ويطلبون النجدةء فلم يغاثوا. 
وإيلغازي الذي حالف الصليبيين في وقت من الأوقات هو اليوم صاحب حلب» 
يتلقى بلده الضربات من حلفائه السابقين» فمضى إلى ماردين يجمع العساكر 
والمتطوعة؛ فاجتمع له نحو عشرين ألف مقائل قاتل يمم هذه المرة الإفرنج وانتصر 
عليهم. 

وف سنة 15١ه‏ ه قام الصراع بين السلطان محمود وأنحيه مسعود؛ وقامت 
المعارك الدامية بينهماء ثم انتهت كزيمة مسعود. 


التمهيد بام ١‏ 


ولكي تعرف رأي الشعب ببحكامه, نشيو إلى أنه قُ هذه السنئة تسل قُُُ 
العراق جميعه من البصرة إلى تكريت ثلج كثير وبقي مغطيًا الأرض حمسة عشر يوما 





فال بعص الشعراء: 
يا صدور الزمان ليس بوفر ما رأيناه في نواحي العراق 
إنما عم ظلمكم سائر الخلق فشابت ذوائب الآفاق 


وكان من تقدم الصليبيين هذه السنة أن أكثروا من الإغارة على حلب 
وأعمالحاء وأعملوا هناك التخريب والتحريق ح أدى الأمر إلى أن سلمهم صاحب 
حلب حصن الأثارب القريب من حلب. 

وعوضا عن أن يثير هذا التسليم الحمية في نفوس المتسلطين» أثار أطماعهم فْ 
صاحب حلبء فإن بلك بن يرام بن أرتق صاحب حران اعتقد ضعف صاحب 
حلب فلم يندب نفسه لتقويته والتقدم معه لاسترجاع حصن الأثارب» بل تقدم 
لأحذ حلب منه. فنازنها وضايقها ومنع الميرة عنها وأحرق زروعهاء فاستسلمت 
ليله 

وطفتكين صاحب دمشق الذي رأيناه فيما مضي يستنحد بالصلييين .نراه 
اليوم يهاحم مدينة حمص وينهبها ويحرق كثيرا منهاء ثم يهاحم مدينة حماة ويستولي 
عليها. 

كان كل ذلك يجري بين حكام السلاجقة غير معنيين يأمر الصليبيين 
وتمددهم ف البلاد. وكان الصليبيون يعدون العدة لاستصفاء بلاد الشام وكيريات. 
مدهاء فقرروا الاستيلاء على مدينة صور. 

فاستنجدت بطغتكين بعد أن أشرف أهلها على الحلاك, فسار طفغتكين حي 
نزل بانياس ليقرب من صور لعل الصليبيين إذا رأوا ذلك يرحلون عن صورء 
ولكنهم لم يفعلواء وانتهى الأمر باستيلاء الصليببين على صور وخخروج أهلها منها 
وتفرقوا في البلاد. 


ا أصل السلاحقة 

يقول ابن الأثير: (كان فتح صور وهنا عظيمًا على المسلمين فإِهًا من أحصن 
البلاد وأمنعها..) ونقول: إن سقوط صور بقدر ما أوهن المسلمين قوى الصليبيين 
وشدد عزمهم قِِ الاستيلاء على بللاد الشام» فكان أن قرروا التقدم إلى حلب» 





وكانت حلب ف ذلك الوقت شيعية؛ وهنا تبرز نحيانة من نوع آخرء فإن دبيس بن 
ضشقةة وكان كرا شينيا بحكم منطقة الحلة في العراق» فأغرته المطامع فاتصل 
بالصليبيين وأطمعهم 95 وقال هم: إن أهلها شيعة» وهم يميلون إلي من أجل 
المذهبء فم رأون سلموا البلد إلي» وإنت أكون هنا نائبا عنكم ومطيعا لكم.. 

لقد طمع هذا النذل بتوسيع حكمه بخيانة أمته» والتعاون مع أعدائهاء فسار مع 
الصليبيين لفتح حلبء ولكن شيعة حلب نبذوه واحتقروه» وقرروا الاستماتة قي 
الدفاع عن مدينتهم؛ وطال القتال: واشتد الحصارء وقلت الأقوات» فقرر الخلبيون 
الاستنجاد بآق سنقر البرسقي صاحب الموصلء فأرسلوا إليه يسألونه لبجيء إليهم 
ليسلموا إليه البلد. فاستجاب لذلك وقدم بقواته» فرأى الإفرنج أنهم سيقعون بين 
القوات الحلبية والقوات الموصلية فرحلوا عن حلب. 

بين السلاجقة والخوارزميين 
مؤسس الدولة الخوارزمية 

محمد بن أنوشتكين هو الذي نعتبره مؤسس الدولة الخوارزمية» أما أنوشتكين 
أبوه فقد كان مملوك أمير من أمراء السلاجقة اسمه (بلكباك) اشتراه من بائع من 
إغرشستان) فقيل له: أنوشتكين غر شحه. 

وكأمثاله من المماليك في كل مكان وزمان لا تحول صفته المملوكية دون بروز 
مواهبه إن كانت له مواهب برزت مواهبه وكان لها من التقدير ما تستحقه.» حق 
لقد وصفه ابن الأثير: 

بقوله: فكبر وعلا أمره» وكان حسن الطريقة» كامل الأوصاف؛ وكان مقدما 
مرجوعا إليه. 


١8 التمهيد‎ 

لأنوشتكين هذا الموصوف كذه الصفات ولد سماه محمداء ومحمد هذا هو الذي 
قلنا: إنه يعتبر مؤسس الدولة الخوارزمية» وقد عى أنوشتكين بابنه هذاء فعلمه 
واتخرججحه وأحسن تأديبه. ويضيف ابن الأثير على ذلك في حديثه عن محمد بن 
أنوشتكين: وتقدم بنفسه وبالعناية الأزلية. وقد صدق ابن الأثير هذا القول, 
فالصفات الشخصية وحدها لا تكفي للنجاح والتقدم إذا لم ترافقها العناية الأزلية. 
والمر كما قال الوزير المغربي: والفضل ليس بنافع أربابه إلا .بمسعفة من الأقدار» كان 
السلطان السلحوقي بركيارق قد ولي سنة.49ه على خوارزم من اسمه (أكنحي) 
ولقبه خوارزم شاه فجمع عساكره ليلحق السلطان إلى مروء ولكن أميرين آخحرين 
تآمرا عليه وقتلاه» وسارا إلى خوارزم؛ وأظهرا أن السلطان قد ولاهما فسيطرا عليها. 

وبلغ ذلك إلى السلطان وكان في طريقه إلى العراق لإحماد تمرد عليه فأرسل 
أمير ذاد حبشي في جيش للقضاء عليهماء فانتهى أمرهما في تفاصيل لا شأن لنا يما في 
موضوعنا هذاء ثم ولي السلطان على خعراسان (أمير ذاد حبشي)؛ فكان أن وني على 
خوارزم محمد بن أنوشتكين ولقبه حوارزم شاه. 

وسار محمد هذا في ولايته سيرة حسئة فساد فيها العدل» وقرب أهل العلم 
والدين» واشتهر أمره بكل خير. وظل محمد في منصبه بتولي السلطان سنحر 
خراسان» وبرزت كفايته» فقدره سنجر أحسن تقدير» وحاول بعض ملوك الأتراك 
مهاجمة خجوارزم ومحمد غائب عنها عند السلطان سنحرء فأسرع محمد إلى خوارزم 
وأرسل إلى سنجر يستمده وكان بنيسابور فسار لإنحاده بحيشه, ولكن محمدا كان قد 
استطاع إحماد الفتنة قبل وصول سنحر. 

ولما توفي محمد خحوارزم شاه تولى بعده ابنه أتسز الذي كان قد تدرب على 
يدي أبيه فقاد الجيوش وباشر الحروب,؛ فسار سيرة أبيه. 

فقربه السلطان سنجرء ورفع من شأنه. وجعله من أركان حكمه معتمدا عليه 
واستصحبه معه سلما وحرباء فبرزت كفاءته وازداد عند سنجر تقدما ومنرلة. 


6 أصل السلاحقة 





وإذا كنا قد قلنا من قبل بأننا نعتبر محمد بن أنوشتكين مؤسس الدولة 
الخوارزمية» فلأنه هو أول من حمل لقب (خوارزم شاه) وأول من تولى سلطة فعلية؛ 
وإن كان توليه هذا لى يعد كونه واليا تابعا لغيره. 

ونقول هنا: إن أتسز في الحقيقة هو الذي ابتدئ به قيام ملك بيته 
الخوارزمشاهي مستقلا مقاتلا عن هذا الاستقلال؛ مناهضا للسلطان سنجر نفسه. 

فساد ما بين سنجر وأتسز 

أتسز الذي تقدم عند السلطان سنجر لكفاءته) والذي أصبح من قواعد ملك 
سنجر الي يعتمد عليها في مسار هذا الملك؛ أتسز هذاء وجد أنه في مواهبه ما يدفعه 
إلى تسنم أعلى المناصب؛ وما يجعله في منزلة لا تقل؛ لا عن سنجرء ولا غير سنجر 

وإذا كان أتسز لم يفصح عما ف نفسه من الطموح, ولم يتصرف تصرفا 
انفصاليا عملياء فإن كوامن نفسه لم تكن لتخفي على سنجرء وربما تسرب إليه شيء 
من هذه الكوامن, مما يفيض به في خحلواته لخاصته من إشارات وتعابير» تنم عما في 
نفسهء فأبلغها بعض المخلصين لسنجر محذرين له عما قد يفاحؤه به أتسز من وثوب 

لذلك رأينا سنحر لا يترك كلأيام أن تفعل فعلهاء بل رأي أن يستبق هو الأيام 
فيفعل فعله قبلهاء ففي سنة +7هه سار السلطان سنجر بحملة عسكرية قاصدًا 
خوارزم لاتتراعها من أتسز والقضاء عليه.. 

فلما قرب من خوارزم وعلم به أتسر حرج .ما لديه من قواتٌ لقتاله» وصده 
عن نخوارزم. ول تكن القوتان متكافقتين» ول يكن أتسز قد أعد للثورة» بل فوجحىئ 
بزحف سنجر بجيوشه عليه» لذلك لم يلبث أتسز أن انهزم وقتل العدد الكثير من 
رحاله وبينهم ابنه الذي حزن عليه حزنا عظيما. 


١:١ التمهيد‎ 


واستولى سنحر على خخوارزم» وملكها لابن أخنيه غياث الدين سليمان شاه بن 
محمد» ونظم له حكومته من تعيين أتابك» ووزير وحاحب وما إلى ذلك من مقومات 
السلطة؛ وعاد إلى مرو. 

والكراهية المتاصلة قي نفوس الشعوب المحكومة من السلاجقة» كانت متأصلة 
في الشعب اللخوارزمي؛ وكان أتسز يعرف ذلكء فلهذا لم يكد سنحر يغادر خوارزم 
حي أسرع أتسز إلى العودة إلى خوارزم؛ فأعانه شعبها على التخلص من سليمان 
شاه الذي ترك خوارزم عائدا إلى عمه السلطان سنجر. 

وهكذا حل العداء بين الاثنين بعد ذاك الولاء» وكانت فجيعة أتسز بابنه 
فجيعة ملأت قلبه حقدا على السلطان سنحر. 





بين الخطا وسنجر 

قبل أن ندخل في التفاصيل لا بد لنا من أن نعرف من هم النط: 

يقول ابن خلدون عن الخطا: (هم أعظم الترك فيما وراء النهر) وأنهم: (أمة 
بادية يسكنون الخيام وهم على دين الحوسية) وأنهم: (كانوا موطنين بنواحي 
أوزكنده وبلاد ساغون وكاشفر). 

وهم كذلك أتراك في رأي ابن الأثير إذ يعبر عنهم: (بالأتراك الخطا) ولكنه 
وهو يصف وقعة لهم يقول: (و كانوا قد خرجوا قبله من الصين وهم في نحدمة الخانية 
أصحاب ت ركستان). 

وعندما يسترسل ف الحديث يقول: (وعنده حنود الترك والصين» والخطا). 
ويقول أيضا: (واستقرت دولة الخطا والترك الكفار هما وراء النهر). 

والخطا فيما يقول الدكتور حسين مؤنس: (إن العرب موا التتار: الخطاء وهي 
تسمية خاطئة؛ لأن الخطا أو الخطاى في الحق هم أهل الصين). 

يتهم حوارزم شاه أتسز بأنه بعد أن اله ما ناله من هزيعته أمام السلطان سنجر 
وقتل ابنهد» حرض الخطا على غزو سنجرء وأرسل إليهم يطعمهم في بلاده» ويحثهم 
على قصده في عقر داره. 


117 أصل السلاجمغة 





هذه رواية» وفي رواية أخحرى أسباب غير هذا السبب هي ال دفعت الخطا 
على غزو مملكة السلطان سنحر. ومهما يكن من أمرء فإن الذي وقع هو أن الخطا 
تقدموا مهاجمين بلاد سنجر بحيش يقدر ابن الأثير عدده بثلاث مئة ألف فارس» 
فالتقوا يحيش سنحر فيما وراء النهر؛ واقتتلوا أشد قتال» فحاقت الزعة بجيش سنجر 
وقتل منه على تقدير ابن الأثير مئة ألف قتيل. ويقول ابن الأثير: أن بين القتلى أحد 
عشر ألفا كلهم صاحب عمامة ولم اهتد لما يقصده ابن الأثير بقوله: صاحب عمامة. 
ومن هم الذين كانوا يتميزون يومذاك بأفم أصحاب عمائم؟.. 

إذا أردنا أن نطبق الوصف على ما هو متعارف عليه في هذا العصرء فإن 
أصحاب العمائم تعين الفقهاء» فهل كان الفقهاء في ذلك العصر يتميزون باعتمار 
العمائم؟ الذي نعرفه أن العمائم لم تكن ميزة الفقهاء» بل كانت لباس الرأس للناس 
كلهم ابتداء من أفقر فقير حى رأس الدولة: السلطان. 

وإن التخلىي عن العمائم لباسا للرأس ابتدأ في عصر السلطان محمود الثاني 
العثماني في أواسط القرن التاسع عشرء فقد حلعها السلطان فمن دونه إلى أن غدت 
عمرة للرأس للفقهاء بشكل غير شكلها الأول. 

فهل كانت العمامة ميزة الفقهاء وحدهم في عهد السلاحقة» قبل أن تكون 
كذلك ف البلاد العثمانية ومنها الوطن العربي؟.. 

ثم هل كان الحيش السلجوقي يضم هذا العدد الكبير من الفقهاء ليكون من 
قتل منهم فقط أحد عشر ألفا؟ وإذا كان هذا عدد القتلى فكم كان عدد مجموعهم 
في الجيش؟ الواقع أن هذا الذي ذكره ابن الأثير عن أصحاب العمائم القتلى يثير 
الكثير من التساؤلات الي أعترف بأنى لا أجد جوابا لها.. 

ثم يقول ابن الأثير: إن بين القتلى أربعة آلاف امرأة. وهذا أيضًا موضع الغرابة 
والتساؤل» فهل كانت نساء السلاحقة تقاتل ليكون بين القتلى هذا العدد منهن؟! 
وإذا لم يكن يقاتلن فلماذا هذا القتل فيهن» في حين أنمن إذا لم يقتلن يسبين» وف هذا 
كل المصلحة للمنتصرين؟! ثم لماذا هذا العدد الكبير منهن مع الجيش بحيث يبلغ عدد 


1١5 التمهيد‎ 





قتلاهن أربعة آلاف امرأة!! وقد كانت زوجة السلطان سنجر نفسه مع الجيش» فلما 
انمزم الجيش أسرت... على أن الخطا أطلقرها. ويقول ابن الأثير: ولم يكن في 
الإسلام وقعة أعظم من هذه. ولا أكثر من قتل فيها. ثم يقول: واستقرت دولة الخطا 
والترك الكفار جما وراء النهر. 
توسع ملك خوارزم شاه 

أما حوارزم شاه أتسز فقد أحذ يوسع ملكه فسار إلى خراسان فاحتل 
سرحسء وابحه منها إلى مرو الشاهجان, فلقيه الإمام أحمد الباحرزي» وشفع في أهل 
مروء وسأل أن لا يتعرض هم الجنود فأجابه إلى ذلك. ولم يدخل البلد بل ظل في 
ظاهرهاء واستدعى إليه أعيانما وأحد فقهائها. 

ولكن أهل مرو ثاروا وقتلوا بعض أهل خحوارزم شاه وأخرجوا أصحابه من 
مروء وأغلقوا أبوايهاء واستعدوا لمواجهة خوارزم شاه؛ فعند ذلك هاجمهم؛ ودخل 
مرو فاتحاء وقتل كثيرا من أهلها وفيهم فقهاء وعلماء» وقتل من الأعيان كثيرون. ثم 
غادرها مستصحبا معه عددا من علمائها. 

وبعد مرو اتحه إلى نيسابور» وححمشي من في نيسابور أن يجري عليها ما جرى 
على مروء فتوجه إلى نخوارزم شاه جماعة من فقهائها وعلمائها وزهادها طالبين إليه 
أن لا ينفذ في نيسابور ما نفذه في مرو من الإباحة للدماء» فوعدهم خيرا. 

وتتبع أموال أصحاب السلطان فصادرهاء ثم أمر بقطع خطبة السلطان سنحرء 
وأن يخطب باسمه هوء فلما نفذ ذلك ول يذكر الخطيب اسم سنجر وذكر بدلا منه 
اسم حوارزم شاه صاح الناس وثارواء وكاد الأمر أن يؤدي إلى تمرد عام» ولكن 
تدارك الأمر ذوو الرأي والعقل حوفا مما ير ذلك من البلاء على الناس. 

ثم سير خوارزم شاه جيشا إلى أعمال بيهق؛ ولكن أهلها صمدوا للحيش 
يقاتلونه حمسة أيام فعاد عنها. يقول ابن الأثير: (ثم سار عنها ذلك الجيش ينهبون 
البلاد» وعملوا بخراسان أعمالا عظيمة). 


١‏ أصل السلاحقة 





ثم يقول ابن الأثير: (ومنع السلطان سنحر من مقاتلة أتسز خخوارزم شاه خحوفا 
من قوة الخطا جما وراء النهر؛ وبجاورتهم خحوارزم وغيرها من بلاد خراسات). 

هذه الوقائع الي عرضنا أحدائها موححزة لا مكن أن غمر بها محرد مرور دول 

لماذا يثور أهل مرو على سحوارزم شاه فيمغن فيهم وفي علمائهم قتلا؟! ولماذا 
يرفض أهل نيسابور قطع الخطبة للسلطان سنجر وإبدالها بالخطية لخوارزم شاه» 
ويثورون من أحل ذلك؟! لم يكن في حكم السلاجقة للشعوب الي حكموها ما 
يجعل تلك الشعوب تأسف على زوال حكمهم وتنقم على من يحل محلهم؛ فما الذي 
حدث فجعل أهل مرو وأهل نيسابور يقفون هذا الموقف الغاضب لسنجر الناقم على 
حوارزم شاه؟! ليس ف النصوص الي يقدمها لنا مؤرحو تلك الأحداث ما يوضح لنا 
العوامل الي أدت إلى هذا التحول من النقمة على حكم السلاحقة إلى النقمة على 
من جاء يحل محلهم فبقي علينا نحن أن نستخلص الأسباب مما لدينا من وقائع. 

الذي يخيل إلي أن النقمة على خوارزم شاه سببها ما اشتهر عنه من أنه هو 
الذي حث الخطا على غزو البلاد الإاسلامية وما حره هذا الغزو من سفك دماء 
عشرات الألوف من المسلمين هما فيهم النساءء وما ألحقه بالمسلمين من الذل 
والفجائع. 

فلم يغفر الناس لخوارزم شاه هذه الخيانة» وظلت تملا نفوسهم حمّدا علي 
فكان من مظاهر هذا الحقد رفض حكمه لهم والثورة على هذا الحكم.. 
فرفضوا أن يكونوا عليه مع الخطا فيلغوا اسمه من الخطبة ويحلوا مجله اسم الخائن 
محرض الأعداء على احثتلال الوطن.. 

والذي يثير الاهتمام هو قول ابن الأثير: ومنع السلطان سنجر من مقاتلة أتسز 
حوارزم شاه خحوفا من قوة الخطا كما وراء النهرء ومجاورتهم خحوارزم وغيرها من بلاد 
تحراسات. 


١ - التمهيد‎ 


ليس المقصود بمذه الحملة واضحا كل الوضوح» وليس المراد يما صريحا كل 
الصراحة. ولكن لحا عندي تفسيرا واحدا أعتقد أنه الصواب: 

أن ستجر بعد أن رأى القوة العسكرية الكبرى الى يستند إليها الخطاء وأنهم 
بذلك يهددون البلاد الإسلامية ال أمامهم: أغضى عما جناه عليه خوارزم شاه ولم 
يعد يهمه إلا مصير الوطن الإسلامي؛ ورأى أن في تقاتل المسلمين زيادة في إضعافهم 
وتقوية للخطأ عليهم» لذلك منع من مقاومة خحوارزم شاه فيما يسعى لاحتلاله من 
بلاد. لأن الخطا إذا سالموا حوارزم شاه اليوم فسينقضون عليه في الغد عندما يصبح 
في مواجهتهم. لذلك منع سنجر من مقاتلة خوارزم شاه إبقاء على القوى الإاسلامية 

وكما ذكر ابن الأثير: فإن وجود الخطا فيما وراء النهر يجعلهم على حدود 
حوارزم نفسها وحراسان كلها. 

وإن وأنا الذي لم أرحم السلاجقة في تاريخهم حين لا يستحقون الرحمة 
وإن وأنا الذي أدنت مساوئ السلاحقة فيما دونت من قبل لأنها تقتضي الإدانة) 
إن هنا أنح إحلالا لهذا السلجوقي الكريم, وأبعث إليه من وراء العصور بأسئ 
التحية» وأكبره أسمى الإكبار... 

ويبدو أن سئجر ظل يخشى فساد خوارزم شاه ويخشى معاودة اتصاله بالخطاء 
ورأى أن الأفضل القضاء عليه فجمع قوة مضى ها لقتاله فتحصن خوارزم شاه في 
المدينة وم مخر ج للقعال» وبالرغم من فشل الاستيلاء على المدينة » فإن خوارزم شاه 
أرسل رسلا إلى سنحر (يبذل المال والطاعة والخدمة ويعود إلى ما كان عليه من 
الانقياد). 





فرأى سنجر أن من الحكمة أن يقبل منه ذلك» وسار سنحر إلى مرو وأقام 
كان ذلك لا يرتبط ما نحن فيه من الحديث عن الخوارزميين: 


5-5 أصل السملاحقة 


كان من إجراءات الخطا أن طردوا الأتراك الغز من منازلهم فيما وراء النهر 
فقصدوا حراسان وكانوا خخلقا كثيرا فأقاموا بنواحي بلخ يرعون في مراعيهاء فأراد 
أميرها إبعادهم فجمعوا جموعهم وانضم إليهم غيرهم من الأتراك فقاتلوا أمير بلخ 
فهزموه وانتهى في هزعته إلى مرو حيث السلطان سنجر؛ فراسلهم سنجر مهددا لهم 
فلم يستمعوا إليه» فهاجمهم بحيشه فهزموا الجيش ووقع سنجر ل أسرهم؛ واستولى 
الغز على البلادء مكثرين في قتل الناس مسترقين النساء والأطفال موغلين في النهب 
جاعلين من بعض المدن قاعا صفصفا. 

ويقول ابن الأثير: (ويتعذر وصف ما جرى منهم على تلك البلاد جميعها) في 
تفاصيل لا محال لذكرها هنا. 

ويقول أيضا: (وكان السلطان سنجر له اسم السلطنة؛ وهو معتقل لا يلتفت 
إليه» حي إنه أراد كثيرا من الأيام أن يركبء فلم يكن له من يحمل سلاحه؛ فشده 
على وسطه وركب. وكان إذا قدم إليه طعام يدحر منه ما يأكله وقتا آخخر» خوفا 
من انقطاعه عنه, لتقصيرهم في واجبه, ولأنهم ليس هذا بما يعرفونه). 

ثم استطاع أن يهرب من الأسر ويسير إلى قلعة ترمذ» وأن يصل بعد أحداث 
إلى قاعدته (مرو) قويا بعد أسر امتد من سادس جماد الأول سنة 144 5ه إلى 





رمضان سنة ١56هه‏ وف شهر ربيع الأول سئة 5ه هل توفي. 

وتلخص حياته با يلي: 

هو سنحر بن ملك شاه بن ألب أرسلان؛ أبو الحارث. ولد في سنجار» من 
ديار الجزيرة سنة 41/9+ه؛ وسكن خراسان» واستوطن مدينة مروء ودخل بغداد 
مع أيه السلطان محمد» فعهد الخليفة المستظهر بالله بالسلطنة إلى أخبيه وجعل سنجر 
ولي عهده. فلما مات محمد خوطب سنجر بالسلطان واستقام أمرهء وأطاعه 
السلاطين؛ وخطب له على أكثر منابر الإسلام بالسلطنة نحو أربعين سنة» وظل رفيع 
المكانة حي أسره الأتراك الغزء وبعد أن تخلص منهم وبدأ يستجمع أمره حي ليكاد 
يعود إلى شأنه جاءه قضاء الله. 


١27 التمهيد‎ 


العودة إلى اخوارزميين 

ف سنة ١ههه‏ توق خوارزم شاه أتسز بن محمد بن أنوشتكين» فتولى بعده 
ولده أرسلان وافتتح ملكه بقتل أعمامه؛ وسمل أخيه؛ فمات أحوه المسمول بعد ثلاثة 
أيام» وقيل: إنه قتل نفسه بعد أن أصابه ما أصابه. 

وكان ذلك بعد خلاص السلطان سنحر من أسر الغزء فأرسل إليه أرسلان 
يذكر طاعته له وانقياده لسلطته. فكتب له سنجر منشورا بولاية خوارزم مصحوبا 
بخلع. فبقى أرسلان ساكنًا مطمعنا. 

ويرئي ابن الأثير أنسز قائلا: كان حسن السيرة» كافا عن أموال رعيته» منصفا 
لهم محبوبًا إليهم» مؤئرًا للإحسان والخير إليهم؛ وكانت الرعية معه بين أمن غامر 
وعدل شامل. 

ولا ندرى كيف نوفق بين هذه الصفات الى يغدقها ابن الأثير على أتسز وبين 
ما ذكره هو نفسه عن محازره ف مروء وعن فظاعة النهب في بلاد بيهق وعظم 
الأهوال في خراسان؟!.. 





الخطا والخوارزميون 

قلنا فيما تقدم: إن سنجر بعد هزيمته أمام الخطاء وأخحذ خوارزم شاه في 
الانتشار» منع من قتال نحوارزم شاه؛ وقلنا: إنه يرى أن الخطا إذا سالموا خوارزم شاه 
اليوم فسينقضون عليه قي الغد. 

وقد حاء الغد الذي ينقضون فيه على خوارزم. 

ففي سنة /1هه عبر الخطا مر حيحون يريدون خوارزمء وكان يحكمها 
يومذاك أرسلان بن أتسزء فجمع عساكرهء وسار لصد هجومهم» فمرض في 
الطريق؛ فتابع اليش سيره بقيادة أمير اختاره أرسلان» فلما تقابل الجيشان انهزم 
الخوارزميون؛ وأسر قائدهم. فاقتاده الخطا معهم إلى ما وراء النهر دون أن يتابع سيره 
إلى خوارزم» وعاد أرسلان إلى حوارزم مريضا. 


بم ١‏ اصل السلاجمقة 


وف سنة 74هه توفي خوارزم شاه أرسلان وملك بعده سلطان شاه محمود؛ 
ودبرت والدته أمور الملك. وكان ولده الأكبر علاء الدين تكش مقيما في الجند قد 
أقطعه إياها أبوه فلما علم بتولي أخيه الأصغر رفض ذلك وراح يستنجد ملك الخطا 
على أخيه. ونسي علاء الدين أن الخطا هم الأعداء الذين يستنجد عليهم لا يمم. 

وقد لبى ملك الخطا استنجاده فسير معه حيشا كثيفا فساروا حين قاربوا 
خوارزمء فسار إليهم سلطان شاه؛ فلما تراءى الجمعان انتصر علاء الدين من معه, 
وفر سلطان شاه إلى دهستان فسار إليه علاء الدين تكشء واقتحم المديئنة فهرب 
سلطان شاه وقبض على أمه فقتلها تكش وعاد إلى خوارزم يثبت قدمه فيها.. 

وملك الخطا الذي أنحده عاد يطالب بالثمن؛ فتوالت رسله؛ فحاول التحكم 
وتبدي المطالب فنفر من ذلك وأنف. وحاءه أحد أقارب الملك مع جماعة موفدين 
من الملك مطالبين بالمال» فئارت به الحمية فقتل هو قريب الملك؛ وأمر أعيان خوارزم 
أن يقتل كل واحد منهم رجلا من الخطاء فقتلوا جميعا. 

فلما بلغ هذا الأمر إلى سلطان شاه هب بدوره يستفز ملك الخطا ويستنجده 
على أيه علاء الدين تكش زاعما له أن أهل خوارزم يؤيدونه. 

فاستجاب له ملك الخطاء وبعث مغه جيشًا كثير العدد» فوصل به إلى خخوارزم 
وحاصرهاء فاستطاع علاء الدين تكش أن يحول عليهم مياه نمر جحيحون حي كاد 
يغرقهم: فاضطروا لفك الحصار والرحيل عن خوارزم. 

وتروى روايات أخر عن هذه الوقائع» ومهما كان الأمر فالذي يهمنا معرفته؛ 
هو أن سلطان شاه قد توفي خلال هذا الصراع؛ وأن حوارزم شاه تكش لما بلغه خخبر 
وفاة أنحيه عاد إلى خوارزم؛ وكان قد حرج منها لقتاله» ثم قام صراع بينه وبين المؤيد 
صاحب نيسابور؛ لأنه حاول التعرض لطوس الى هي للمؤيد» بعد أن سيطر على 
مرو؛ وسرخحسء ونساوبور وغيرها فانتهى الأمرء بأسر المويد ثم قتله» واستيلاء 
خوارزم شاه على نيسابورء وكل ما كان للمؤيد ولولده الذي خلفه ظعان 
شاه.وبذلك فقوي أمر حوارزم شاه علاء الدين.تكش» وعظم شأنه؛ باستيلائه على 


١+8 التمهيد‎ 





تملكة المؤيد» ومملكة أخحيه سلطان شاه وخزائنه.واستدعى ابنه علاء محمدء وكان 
بخوارزم فولاه نيسابور؛ وولى ابنه الأكبر ملك شاه (مرو). 
الصدام الأول: خوارزمياء سلجوقياء عباسيا 

سنة 4 هه سار السلطان السلجوقي طغرل بن ألب أرسلان بن طغرل بن محمد 
بن ملك شاه بن ألب أرسلان فملك همذان؛ وغيرهاء وانهزم صاحبها قتلغ أينانج بن 
البهلوان وتحصن بالري» فأرسل قتلغ إلى خخوارزم شاه علاء الدين تكش يستنجده 
فأنحده, ولكن عاد فندم على هذا الاستنجاد, وخاف على نفسه, فمضى متباعدا عن 
خوارزم شاه وتحصن ف قلعة له؛ ووصل خوارزم شاه إلى الري؛ وملكها وملك 
قلعة طبرك. 

وق سئة .هه أغار السلطان طغرل؛ على من بالري من أصحاب خخوارزم 
شاه وفر قتلغ أينانج بن البهلوان؛ فيمن فر من طغرل؛ وأرسل إلى خوارزم شاه 
يعتذر» ويسأل إنحاده مرة ثانية. 

وكان الخليفة العباسي الناصر لدين اللّهء قد بدا بالإعداد للتخلص من 
السلاحقة؛ وكانت قد سبقت لحنده وقعة مع طغرل سئة 584هه؛, حين أرسل 
الجند بقيادة وزيره حلال الدين عبيد الله بن يونسء لمساعدة أحد المتمردين على 
طغرلء فالتقوا بالقرب من همذان؛ وانمرم عسكر الخليفة. 

أما اليوم فقد وصل رسول الخليفة إلى خوارزم شاه يشكو من طغرل» ويطلب 
منه مهاجمة بلاده» ومعه منشور بإقطاعه البلاد. فسار خخحوارزم شاه من نيسابور إلى 
الري» فتلقاه قتلغ أينانج» وانضم إليه وسارا معا. فالتقوا بطغرل بالقرب من الري 
فدارت الدائرة على طغرل وقتل في المعركة, فأرسل خحوارزم شاه رأسه إلى بغداد. 

وسار خوارزم شاه إلى *مذان وضم تلك المناطق إلى مملكته» وسلمها إلى قتلغ 
أينانج» وأقطع كثيرا منها لمماليكه وعاد إلى خوارزم. 


16 أصل السلاحقة 
صدام المتحالفين 

وإذا كانت قد تمت سيطرة الخوارزميين على ما سيطروا عليه وانتهى أمر 
السلاحقة» واستراح الخليفة العباسي الناصر منهم .معونة الخوارزميين» فلم يكن 
لتخفي عليه تطلعات هؤلاء إلى الحلول محل السلاجقة في بغداد, والعودة بالخلافة إلى 
الختضوع للمسيطرين لذلك كان حذرا من الخوارزميين كل الحذر. 

فعندما أرسل إلى خوارزم شاه يشكو من طغرل ويطلب منه قصد بلاده 
وأقطعه البلاد وانتهى الأمر بقتل طغرل بك كما مر. كان الناصر قد أرسل نحدة 
لخوارزم شاه تعينه في مقاتلة طغرل» وبعث إليه بالخلع مع وزيره مؤيد الدين بن 
القصاب» فنزل الوزير على فرسخ من همذان. 

ورأى الوزير نفسه ممثل الخليفة وأن خحوارزم شاه مهما كان شأنه يظل تابعًا 
من أتباع الخليفة. لذلك رفض طلب خحوارزم شاه بأن يحضر إليه» وأحابه: ينبغي أن 
تحضر أنت وتلبس الخلعة في خيمي. 

وترددت الرسل بينهما في ذلك» واستراب كل واحد منهما بالآخر. 

لذلك صمم حوارزم شاه على قصد الوزير مؤيد الدين ليعتقله وسار إليه» 
ولكن الوزير أسرع ف الابتعاد عنه واللجوء إلى الحبال والاحتماء يماء فرجع خخوارزم 
شاه إلى همذان. 

وهكذا فإن الصدام بين الخوارزميين والناصر قد وقع منذ اليوم الأول الذي 
التصرا به معا على السلاحقة. ثم أذ الناصر سنة ١4هه‏ يتوسع في سيطرته 
فأرسل نائب الوزارة مؤيد الدين محمد بن علي المعروف بابن القصاب إلى خخوزستان 
فملك مدينة تستر وغيرها من البلاد» وسيطر على القلاع والحصون. ثم ابمه من 
تستر إلى ميسان. 

وهنا برز من حجديد قتلغ أينانج بن البهلوان هذا الذي كان لا يستقر على 
ولاء؛ بل يتقلب حسب الأهواء» ومرت بنا أحواله من قبل» ونراه هنا مقبلا على 
الوزير ابن القصاب فأكرمه الوزير» وكان سبب قدومه أنه كان قد انقلب على 





١٠6١ التمهيد‎ 





خوارزم شاه وجرت بين حيشيهما معركة عند زنحان انهرم فيها قتلغ أينائج 
وعسكره. فالتجأ هذا إلى وزير الخليفة فأعطاه الوزير الخيل والخيام وكل ما يحتاج 
إليه واتحها إلى كر منشاه. 

م تركاها إلى همذان2» وكان فيها أولاد خموارزم شاه مع عساكرهم. فلما دنا 
عسكر الخليفة منها جلا عنها الخوارزميون وتوجهوا إلى الري. 

وبعد استيلاء الوزير على هممذان رحل عنها وخحلفه فيها قتلغ أينانج» فاستولى 
الوزير على كل ما مر به من بلاد منها: خحرقان ومزدغان وساوه وآوه» ومضى إلى 
الريّ» فحلا عنها الخوارزميون إلى (خوار الري) فسير الوزير تخلفهم عسكرا 
يطاردهم» فتركوها إلى دامغان وبسطام وجرحانء فعاد عسكر الخليفة إلى الري ‏ 
وأقاموا يما. 

وعاد قتلغ أينانج إلى طبيعته» فلما رأى رحيل الخوارزميين طمع بالتغلب على 
الوزير فدخل الريّ محاربّاء ولكن الوزير سارع وحصره فيها فاضطر قتلغ أينانج إلى 
مفارقتها فدحلها فكانت عرضة للنهب. 

ومضى قتلغ أينانج ومن معه من الأمراء إلى مدينة آوه فحال بينهم وبينها 
عامل الوزير فتركوها والوزير يطاردهم نحو #مذان؛ ثم التقوا واقتتلوا قتالا شديدا 
فانمزم قتلغ أينانج وبحا بنفسهء وتقدم الوزير إلى *مذان ونزل بظاهرها فأقام نحو 
ثلاثة أشهر. فوصله رسول -خحوارزم شاه منكرا أحذه البلاد ويطلب أعادماء فأعرض 
الوزير عن ذلكء؛ فسار سخوارزم شاه مجذا إلى همذان. 

وكان الوزير قد توقء فالتقى حوارزم شاه بعسكر الخليفة فانُزم عسكر 
الخليفة وملك نخحوارزم شاه #مذان, فكان أول ما فعله أن نبش قبر الوزير وقطع رأسه 
وأرسله إلى خخوارزم وأظهر أنه قتله في المعركة. ثم عاد إلى محراسان. 

وأرسل الخليفة الناصر جيشًا إلى أصفهان؛ وكان فيها عسكر لخوارزم شاه مع 
ولده.؛ وكان أهل أصفهان يكرهوفم؛ فنزل عسكر الخليفة بظاهر البلدء فترك 
الخوارزميون البلد عائدين إلى نخراسان» فدخخله عسكر الخليفة. 


م١‏ أصل السلاحقة 
عود إلى الخطا 

سئة 914 هه جاهر خوارزم شاه تكش بالحلول محل السلاحمة ف بغداد بأن 
يكون سلطانا يخطب باسمه على منابرهاء وذلك بعد أن سيطر على الري وههمذان 
وأصفهان وما بينها من بلاد ثم عاد إلى خوارزم» فطلب الخليفة الناصر إلى غياث 
الدين ملك الغور وغزنة (أفغانستان اليوم) أن يهاحم حوارزم شاه في بلاده لإشغاله 
عن التوجه إلى بغداد» فبادر غياث الدين إلى مراسلة حوارزم شاه مؤتبًا متوعدا 
مهددا بغزوه في عقر داره والاستيلاء على بلاده. 

فالتجأ حوارزم شاه إلى الخطا منذرا لهم بأن غياث الدين إذا انتصر عليه 
فسيستولي بعد ذلك على بلخ ويتجه إليهم في بلادهم فلا يستطيعون مدافعته ورده 
عن بلاد ما وراء النهر. 

فاقتنع ملك الخطا بهذا القرل وأرسل حيشًا كيفا عبر غمر حيحون مفاجمًا 
غياث الدين الذي كان مريضًا بالنقرس» وكان أخوه شهاب الدين قد سار بالعساكر 
الغورية إلى الهند فلم يكن لغياث الدين المريض من القوة العسكرية ما يعتد به 
وواصل الخطا زحفهم في بلاد الغور فاستولوا على مناطق فيها وقتلوا وأسروا وفبوا 
وسبوا كثيرا لا يتخصى. 

فالتجأ الناس إلى غياث الدين مستنجدين فلم يكن لديه من الحند ما يمكن أن 
يقاتل به» واشتد الحال على المسلمين» فتحرك أحد الأمراء الغوريين الأمير حروش 
وكاتب غيره من الأمراء فاحتمعوا جميعا واتحهوا إلى الخطا فبيتوهم ليلا مفاجئين لهم 
وأكثروا القتل فيهم ولم يكن لهم سبيل إلى الفرار» فالغوريون وراءهم ونمر جيحون 
أمامهم فعظم القتل فيهم. 

ولكنهم عادوا قي الصباح فتجمعوا أو ثبتوا وثبت المسلمون فدارت الدائرة 
على الخطا فمن ثبت منهم قتل ومن ألقى نفسه في الماء غرق. 





١6+ التمهيد‎ 

كانت الصدمة مروعة لملك الخطا واعتبر خوارزم شاه مسئولاً عما جحرى 
لحنده فأرسل إليه يطالبه عن كل قتيل بعشرة آلاف دينار» وكان عدد القتلى اثئي 
عشر ألف قتيل. 

فعاد سخوارزم شاه إلى غياث الدين يستعطفه, فرد عليه غياث الدين بلزوم 
طاعة الخليفة. ومن حهة ثانية فقد رد على ملك الخطا بأنك في الحقيقة لم ترسل 
جحيشك مناصرة لي وإنما أرسلته للفتح ودخول بلخ؛ ولست أنا الذي أمرت اليش 
بعبور النهر لأكون مسئولا عن هزكته. وأنا الآن قْ صلح وحسن حال مع الغوريين 
وطاعة لهم. 

فأغضب هذا الحواب ملك الخطا وصمم على قتال نخوارزم شاه وأرسل جيشًا 
للاستيلاء على حوارزم فحصرها الجيش فكانت تدور مناوشات بينه وبين من 
يخرحهم خوارزم شاه لقتاله» وتطوع كثير من المسلمين لنصرة حوارزم شاه فاستطاع 
رد حيش الخطا عن حوارزم» ولم يكتف بذلك؛ بل سار وراءهم إلى بخارى 
فحصرها فقاتله أهلها المسلمون مع الخطا وامتنعوا عليه؛ ولكنه تغلب على بخارى 
فلم يسئ معاملة أهلها وتحاوز عما فعلوه في قتاله. 

ون سنة 45هه توفي خحوارزم شاه تكش بن ألب أرسلان في بلده 
(شهرستانة) بين نيسابور وخوارزم وكان في طريقه من خوارزم إلى خراسان, فتولى 
بعده ابنه قطب الدين محمد الذي لم يليث أن ترك لقبه (قطب الدين) واتخذ لقب أبيه 
(علاء الدين). 

وبعد صراعات طويلة مع الغوريين والخطا وغيرهم استقر ملكه واتسع. وكان 
الخطا قد تمكنوا من تركستان وما وراء النهر وطالت أيامهم بها وثقلت وطأهم على 
أهلها ما حمل سلطان بخارى وسمرقند سنة 4 ٠ه‏ على مراسلة سحوارزم شاه في 
وحوب التحالف للتخلص من الخطا وشدتهم على المسلمين» ووعده يأن يذكر اسمه 
في الخطبة وعلى النقود؛ وأن يحمل إليه ما يحمل إليهم. 


غ6١‏ أصل السسلاجقة 


فلم يطمئن خوارزم شاه إلى الوفاء بوعود السلطانث. فسير إليه السلطان وفدا 
من البخاريين والسمرقنديين يطمئنه؛ فعزم على المسير إلى الخطا بعد أن دبر أمور 
بلاده وأوكلها إلى من يحفظها. ومضى بحيشه عابرا فهر جيحون والتقى بسلطان 

فحشد له الخطا جحيشا كبيرا سنة 7ه فالتقى اليشان في حروب طاحنة 
انتهت بمزعة الخطا هزيمة منكره قتل فيها منهم وأسر العدد الكثير. ومضى خوارزم 
شاه متوغلا في بلاد ها وراء النهر يفتحها مدينة مدينة ومنطقة منطقة» وعين فيها 
نوابًا له وعاد إلى خوارزم ومعه سلطان سمرقند, فزوحجه حوارزم شاه ابنته ورده إلى 
ل ل لت 6 الا ل 

وظل الأمر هادئا قارا حوالي سنة» ويبدو جليًا أن الخوارزميين خلال هذه 
السنة قد أساءوا السيرة في حمرقند وتصرفوا تصرف السادة الحاكمين: وعاملوا 
السمرقنديين معاملة أغضبت صاحب سمرقند ما عبر عنه ابن الأثير بقوله: (رأى من 
سوء سيرة الخوارزميين وقبح معاملتهم ما ندم معه على مفارقة الخطا) ا.هف. ولا 
شك أنه قد ناله هو نفسه الشيء الكثير من سوء السيرة وقبح المعاملة» ويتراءى لنا 
أن (الشحنة) الذي أرسله حوارزم شاه إلى سمرقند ممثلا سلطته فيها قد صرف 
صرف السيد المطلق متجاورًا صاحب مسمرقند الذي يعتبر نفسه صاحب الكلمة العليا 
فيها ثما أحنق السيد السمرقندي رب السلطة الشرعية الحاكمة. 

لذلك رأينا ابن الأثير يفول (إنه على مفارقة الخطا. ..). 

وندمه هذا لم يبق بحرد ندم نفسي مكتوم» بل تحول إلى فعل عنيف بلغ الغاية 
في نقمته وشراسته وفظاعته! فأول ما فعله أنه أرسل إلى ملك الخطا يدعوه إلى 
سمرقند ليسلمها إليه ويعود إلى طاعته فهو هذا يتنازل عن استقلال بلاده ويسلمها 
إلى الأحنبي!.. 

ونحن ندرك أنه من أحل أن يصل الأمر بصاحب سمرقند إلى هذا الحد» يجب 
أن تكون أفعال الخوارزميين في سمرقند قد وصلت إلى شرحد!. 


١٠٠١ التمهيد‎ 

ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نستسيغ تسليم سمرقند إلى الخطا. 

لقد كان الداعي لصاحب م#مرقند إلى طلب تدخل خوارزم شاه هو النقمة 
على ما أصاب المسلمين فيما وراء النهر وغيره من طغيان الخطاء والغيرة على 
المسلمين هي الي دفعت صاحب م#مرقند إلى الاستنجاد بخوارزم شاه على الخطا. 

وابن الأثير يصف الوضع بمذه الجمل: (... فاتفق أن سلطان سمرقند وبخارى. 
ويلقب بخان انان يعني سلطان السلاطين» وهو من أولاد الخانية» عريق النسب في 
الإسلام والملك: أنف وضحر من تحكم الكفار على المسلمين» فأرسل إلى خخوارزم 
شاه يقول له: إن الله عز وجل قد أوجب عليك يما أعطاك من سعة الملك؛ وكثرة 
الجنود أن تستنقذ المسلمين وبلادهم من أيدي الكفار» وتخلصهم مما يجري عليهم من 
التحكم في الأموال والأبشار» ونحن نتفق معك على تحاربة الخطا ونحمل إليك ما 
نحمله إليهم. ونذكر اسمك في المخطبة وعلى السكة). 

ونحن لنا أن نستنتج من هذا القول: 

-١‏ أن صاحب سمعرقند مسلم عريق في الإسلام» سليل مسلمين عريقين 
كذلك في الإسلام. 

؟- بالرغم من قول ابن الأثير من أنه أنف وضحر من تحكم الكفار على 
المسلمين؛ فإننا نستنتج مما جاء في آخر كلام ابن الأثير أن هذا الضحر كان من تحكم 
هؤلاء به هو نفسه؛ إذ كان حخاضعًا لسيطرتهم. وهذا لا يمنع من أنفه وضحره من 
تحكم المخطا بعموم المسلمين. 

-'٠‏ كان يحسب أن إرضاء حوارزم يكفي فيه أن يحمل إليه المال وأن يخطب 
باسمه في بلاده ويذكره على السكة: وبذلك يتخلص من نفوذ الخطا المتحكم به 
وبأمواله ويعود مستقلا كامل الاستقلال. ولكن آماله -حابت فبعد أن كانت سيطرة 
الخطا على بلاده سيطرة غير مباشرة عادت سيطرة الخوارزميين سيطرة مباشرة. 
ولكي يستدعي هذا (الخان حانان) المسلم العريق في الإسلام سليل المسلمين العريقين 
في الإسلام من أجل أن يستدعي الخطا الكفار لتسلم بلاده الإسلامية» يجب أن 


م أصل السلاحقة 


تكون سيرة الخوارزميين في بلاده قد بلغت الغاية في الظلم والتعسف والقهر 
والإذلال. 

ولم يكتف صاحب سمرقند باستدعاء الخطا لتسليمهم البلاد» بل عمد إلى 
الانتقام من الخوارزميين الموحودين في مرقند انتقاما بلغ أقصى الوحشية. 

وكان قد سكن م#مرقند الكثيرون بعد التحالف الخوارزمي السمرقندي» كما 
كان يسكنها غيرهم من قبلء فأمر صاحب سمرقند بقتل الجميع قتلا عاماء أما من 
كانوا منهم منتسبين شخصيًا إلى خوارزم شاه فكان يقطع الواحد منهم قطعتين 
ويعلقهم في الأسواق (كما يعلق القصاب اللحم). 

وبلغ حقده حى إلى زوجته الخوارزمية ابنة خوارزم شاهء فمضى إليها ليقتلهاء 
فأغلقت الأبواب» ووقفت بحواريها تمنعه» وأرسلت إليه تقول له: أنا امرأة وقتل مثلي 
قبيح» ول يكن مين إليك ما أستوجب به هذا منك؛ ولعل تركي أحمد عاقبة» فاتق 
الله قي.. 

فتركها ووكل يما من يمنعها من التحرك بحرية. 

ووصلت أخبار ما جرى إلى خحوارزم شاه فأقامته ولم تقعده وكان رد فعله 
يكاد يكون أفظع من فعل صاحب سمرقند, فإذا كان هذا قد قتل الخوارزميين 
وحدهم. فإن خخوارزم شاه صمم على قتل كل من في خوارزم من الغرباء!.. ولكن 
أمه حالت بينه وبين ذلكء وقالت له: إن هذا البلد قد أتاه الناس من أقطار الأرض» 
ولم يرض كلهم ما كان من هذا الرحل. فأمر بقل أهل سعرقند فنهته أمه فانتهى. 

وانصرف إلى إعداد جيش لإرساله إلى ما وراء النهر» فكلما أعد جماعة سيرها 
فعبرت جيحون, وتتابع التسيير حئ عبرت جموع غفيرة» ثم عبر هو وراءهم زاحفا 
مم إلى سمرقند, فلما وصلها بعث إلى صاحبها قائلا: قد فعلت ما لم يفعله مسلمء 
واستحللت من دماء المسلمين ما لا يفعله عاقل لا مسلم ولا كافر. وقد عفا الله عما 
سلف فاخرج من البلاد وامض حيث شئت..ولكن صاحب ممرقند رفض ذلك 
وبعث إليه: لا أرج وافعل ما بدا لك. 


التمهيد /اه ١‏ 





ويبدو لي أن رفضه هذا مع علمه بكثافة القوى الى يقودها حوارزم شاه كان 
اعتمادا على قوى الخطا الي كان يأمل أن تأ لإنحاده يعد أن استنهض ملكها لهذه 
المهمة» وأنه كان يحسب أنه يستطيع بقواه الذاتية مصاولة خوارزم شاه إلى أن تصل 
قوى الخطا. 

ولكن خوارزم شاه عاجل سمرقند وأمر بالزحف إليها. وهنا بدرت من بعض 
أصحابه بادرة إنسانية كريعة استجاب لما حوارزم شاه. فقد كان التجار الغرباء 
يسكنون دريًا خاصا بمم؛ فطلب إليه صاحبه أن يأمر بعض الأمراء إذا فتحوا البلد أن 
يقصدوا الدرب الذي يقيم فيه هؤلاء التحار فيمنع من هبه والإساءة إليهم, فإنهم 
غرباء وكلهم كارهون لهذا الفعل؛» فأمر بعض الأمراء بذلك. 

ونادى بالحجوم العام فكان أن نصبت السلالم على السور وصعد عليها 
المقاتلون وبادروا سمرقند من كل ناحية» فلم يكن أسرع من أن اقتحموهاء فأبيحت 
ثلاثة أيام تحبا وقتلا» ويقول ابن الأثير: إنه يقال إنهم قتلوا مئى ألف إنسان.وسلم 
ذلك الدرب بأهله وأموالهم. 

وهنا نتساءل عن شيئين اثنين: عن صاحب سمرقند أين هو في هذا المعمعان 
الدموي؛ ثم عن الخطا الذين كان اعتماد صاحب سمرقند عليهم؟.. أما صاحب 
سمرقند الذي هو وحده المسئول عن كل ما حرىء منذ استدعائه خوارزم شاه إلى 
رفضه طلب خحوارزم شاه الرحيل عن البلاد. 

أما صاحب سمرقند وصاحب هذه المسئولية الكبرى فإننا نفتش عليه في قيادة 
معركة الدفاع عن عاصمته تعرقند فلا بحده» ونفتش عليه في كل ما جرى بعد 
رفضه الرحيل» ورفضه أن يكون ثمن رحيله سلامة التاس والبلاد» ورده على خوارزم 
شاه: لا أخر ج وافعل ما بدا لك!.. 

ومن يرد هذا الرد ويقول هذا القول كنا سنجده حيث نفتش عليه على رأس 
قيادة الجموع المدافهة عن سمرقند؛ لأن خوارزم شاه قد فعل ما بدا له وهو الهحجوم 
على سمرقند» في مقابل رفضه هو الخروج وترك البلاد!. 


5 أصل السلاحقة 


لم يكن صاحب هذا الرد الاستفزازي العنيف لا على اص القيادة» ولا حىّ 


على ذيلها!.. 
إن اسمه يختفي نمائيا. .. لم يكن في القيادة» ولم يكن في القتلى ولا الجرحى ولا 


يروى ابن الأثير قائلا في متابعة الأحداث: ثم أمر (خوارزم شاه) بالكف عن 
النهب والقتلء ثم زحف إلى القلعة فرأى صاحبها ما ملا قلبه هيبة وخوفا فأرسل 
بطلب الأمان: فقال: لا أمان لك عندي, فرحفوا عليها فملكوها وأسروا صاحبها 
وأحضروه عند خوارزم شاه؛ فقبل الأرض وطلب العفو, فلم يعف عنه وأمر بقتله 
فقتل صبراء وقتل معه جماعة من أقاربهء ول يترك أحدا ممن ينسب إلى الخانية. 

ورتب فيها وفي سائر البلاد نوابه؛ ول يبق لأحد معه في البلاد حكم. 

من يقصد ابن الأثير بصاحب القلعة؟ إنه لم يشر إليه من قبل أبداء مع أن 
ذكره هنا بالشكل الذي ذكره يوهم بأنه معروف من القارئ؛ وما من أحد معروف 
من القارئ في هذه الأحداث إلا صاحب مسمرقندء فهل يقصد ابن الأثير بصاحب 
القلعة صاحب مسمعرقند» وسماه هنا صاحب القلعة لالتجائه إلى القلعة بعد سقوط 
المدينة ؟. 

قد يكون هذا مستبعدا... على أنه قد يقربه قول ابن الأثير في آخر الكلام: 
وقتل معه جماعة من أقاربه» ولم يترك أحدا ينسب إلى الخانية. 

فالمفروض أن من ينسبون إلى الخانية هم أقرباء (خمان خانات) صاحب 
سمرقند.. 

إن كلام ابن الأثير المنشابك الموحز تركنا نجهل حقيقة مصير هذه الحرب 
الفظيعة هما +جحرى فيها. هذا عن صاحب سمرقند فماذا عن الخطا الذين استنجد يهم 
صاحب سمرقند وكان اعتماده عليهم في رده الحاسم على عرض خوارزم شاه؟ لا 
يذكر عنهم ابن الأثير خلال حديثه عن المعركة شيئاء ولكنه يعود فيقول وهو 


١6 التمهيد‎ 


يتحدث عما بعد المعركة (لما فعل خوارزم شاه بالخطا ما ذكرناه مضى من سلم 
منهم إلى ملكهم فإنه لم يحضر الحرب فاجتمعوا عنده). 

في حين أنه لم يذكر شيئا عما فعله خوارزم شاه بالخطاء ولم يشر أدنى إشارة 
إلى جماعة الخطا ف الدفاع عن سمرقند, وما ذكره عن المذابح فيهاء كانت عبارته 
صريحة بأن هذه المذابح نالت السمرقنديين وحدهم, فهو يقول عن خوارزم شاه: 
(وأذن لعسكره بالنهب وقتل من يجدونه من أهل سمرقند» فنهب البلد وقتل أهله 
ثلاثة أيام فيقال إنهم قتلوا منهم مئى ألف إنسان). 

الذي يلوح لنا أن ملك الخطا اكتفى بأن أرسل إلى سمرقند بحدة ساهمت 
بالدفاع القصير الأمد عن سمرقند فأصيبت ,ا أصيب به أهل سم رقند. 

التتر والمغول 

مورخو العرب القدامى يعتبرون التتر والمغول امين لمسمى واحد, فهم يعبرون 
مثلا عن حنكيز ححان وقومه بالمغول تارة وبالتتر تارة أخرى. 

وابن الأثير يقول عن أحداث خوارزم شاه والخطا والتتر والمغول: إن التتر 
بقيادة ملكهم كشلي كانوا أعداء الخطا. ثم لا يلبث أن يقول ما نصه: (ثم اتفق 
روج التئر الآخخر الذين نخحربوا الدنيا وملكهم جنكيز ان النهرحي على كشلي 
حان التتري الأول). 

فهم كلهم عنده تترء وللتمييز بينهم يصنفهم: بالأول والآخر. 

وفيما نرى: أن التتر في الأصل فرع من المغول خرحوا منهم؛ ثم انفصلوا عنهم 
مع الزمن انفصالا تاما جعلهم شعبا مستقلا لا تربطه بالمغول إلا رابطة الأصل الواحد 
البعيد» وإن ظل يجمعه به تشابه الملامح وتقارب بعض المنصائص. وبذلك يكون 
كشلي ملك التتر. ولا حاجة لابن الأثير: لأن يعبر عنه بقوله: (التتر الأول)» ويعبر 
عن قوم حنكيز -حان: (بالتتر الآخر). فكما أن كشلي ملك التترء فإن جنكيز نحان 
ملك المغول. 


ا أصل السلاحقّة 


التعر يتحر كون 

التتر الذين كان قد نزح فريق كبير منهم إلى تركستان واستقروا فيها كان 
بينهم وبين الخطا عداء متأصل وحروب متتابعة» فانتهزوا فرصة التقاتل بين خوارزم 
شاه والخطاء والهزعة الي مين بما الخطا في سمرقند» فمشى ملكهم كشلي للانقضاض 
على الخطا في حالة ضعف. 

وعرف ملك. الخطا عجزه عن صد التتر المتدفقين عليه كالسيول» فأغض عما 
بينه وبين مخوارزم شاه من الشحناء» وعما أنزله خوارزم شاه بجيشه؛ فأرسل إليه 
يعرض التحالف معه على التتر الذين يشكلون حطرًا عليهما معاء قائلا: (أما ما كان 
منك من أحذ بلادنا وقتل رجالنا فعفونا عنه. وقد أتى من هذا العدو من لا قبل لنا 
به» وإنهم إن انتصروا علينا وملكوناء فلا دافع لحم عنك. والمصلحة أن تسير إلينا 
بعساكرك وتنصرنا على قتالهم» ونحن نحلف لك إذا ظفرنا بمم لا نتعرض إلى ما 
أحذت من بلاد ونقنع هما قِِ أيدينا). 

وإذا كان ملك الخطا قد رأي نفسه بحاجة إلى خوارزم شاه في الخطر المحدق به 
مما أدى به إلى أن يطلب نصرته في حال هي في حقيقتها توسل» فإن كشلي ملك 
التتر الم يكن بغافل عما يمكن أن يتأثر به موقف أحد الفريقين في حالة انضمام 
خوارزم شاه إلى الفريق الآخر؛ لذلك سارع هو الآخخر إلى مطب ود خوارزم شاه 
طالبًا إليه التحالف معه على الخطا قائلا: (إن هؤلاء الخطا أعداؤك وأعداء آبائك 
وأعداؤناء فساعدنا عليهم؛ ونحلف لك إذا انتصرنا عليهم لا نقرب بلادك» وتقنع 
بالمواضع الى ينزلوفا). 

هكذا وجد خوارزم شاه نفسه موضع تحاذب عدوين شرسين» يسعى كل 
منهما إلى كسب زضاه واستعطاقه. فرأى أن يرضيهما وعنيهما معاء فأجحاب كلا 
منهما: إنن معك ومعاضدك على خصمك!.. 

ومضى يجيشه فنزل قريبا من مكان تواجحههماء بحيث يظن كل فريق أنه جاء 
لمناصرته» ووقعت المعركة فكانت هزعة المخطا هزيمة كاسحة, فأسرع خوارزم شاه 


15١ التمهيد‎ 


عند ذلك إليهم وحعل يقتل فيهم ويأسر وينهبء؛ قاطعًا عليهم بحيشه الكبير طريق 
امروب فأوقع فيهم مذبحة مروعة بحيث لم يكد ينجو منهم أحد إلا عدد قليل مضوا 
مع ملكهم إلى بعض الخبال المنيعة؛ كما انضم إلى جيش خوارزم شاه منهم جماعة... 

وراح خوارزم شاه يمنن على كشلي هما فعل؛ قائلا: إنه قدم لمساعدته ولولاه 
لما انتصر على الخطاء فلم ينكر كشلي عليه ذلك واعترف به. ولكن خوارزم شاه 
عاد بعد حين يطلب تمن ما فعل: وكان ثمنًا باهظاء إذ طلب من كشلي أن يتقاسما 
بلاد الخنطا. 

فرد كشلي عليه ردًا عنيفا قائلا: ليس لك عندي إلا السيف» وأنت وقومك 
لستم أمنع من الخطاء فإن سكتء وإلا كان مصي ركم مصيرهم. 

واتبع قوله بالعمل وتقدم بحيشه حى كان قريبًا منهم» فراغ منه خموارزم شاه 
لأنه كان يعلم أنه لا يستطيع لقاءه بحيشه وجها لوحه. فراح يحاريه حرب 
العصابات» وكذلك أرغم أهل الشاش وفرغانة وغيرها من مثيلاتما وما جاورها أن 
ينزحوا عنها ويلتحقوا بالبلاد الإسلامية الأخرى» وكانت بلادًا زاهرة زاهية فراح 
يخرها ثلا يستولي عليها التتر»ء حي عمها الخراب. 

وشاءت الأقدار أن تكون في صف خوارزم شاهء فإذا بالمغول يتجهون إلى 
غزو بلاد التتره فأصبح النصر على الخوارزميين لا يعن لكشلي شيئاء فاتحه بقوته 
جحايمة المغول» وعاد خحوارزم شاه إلى الاستقرار. 

ثم يحضي حوالي سبع سنوات لا يبرز لنا فيها شيء من أخبار خوارزم شاه حي 
تكون سنة ١١1ه‏ فإذا بأخباره تتابع ممتدًا سلطانه امتدادا واسعاء مسيرًا حيشه 
لفتح كرمان ثم مكران واصلا سلطانه إلى السند من حدود كابل. 

وخطب له قي هرمز وقلهات وبعض عمان. 

وف سنة 717ه يكون قد استولى على خخراسان كلها وملك باميان. وفي 
سنة 5١71ه‏ ملك بلاد الجبل» ويصف ابن الأثير جيشه في تلك الفترة قائلا: (فسار 
بحذا في عساكر تطبق الأرض)» وبعد ما ملكه: ساوهء وقزوين» وزبحان» وأبمرء 





| اسل اللا جف 
وهمذان, وأصفهان, وقمء وقاشان. ويقول: واستوعب ملك جميع البلاد» واستقرت 
القاعدة بينه وبين أوزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وأران بأن يخطب له أوزبك 
في بلاده ويدحل في طاعته. 

هذه السطوة الى بلغها حوارزم شاهء وهذا الملك العريض الذي صار إليه؛ 
أطمعه بأن يسيطر على الخلافة في بغداد وأن يحل فيها محل السلاجقة ومن قبلهم 
البويهيين» وأن يخطب له فيها ويلقب بالسلطان. ولكن نحلافة بغداد كانت معرضة 
عنه محاذرة منه لا تريد لأحد أن يعود فيحد من سلطتها ويجعلها رهينة قصرها. 
وكما يقول ابن الأثير: (كان لا يجد من ديوان الخلافة قبولاء وكان سبيله إذا ورد 
إلى بغداد أن يقدم غيره عليه» ولعل في عسكره معئة مثل الذي يقدم سبيله عليه 
فكان إذا سمع ذلك يغضبه). 

وإذا كان قد استطاع حت الآن أن يكبت غضبه ف نفسه وأن لا يجاهد 
الخلافة بالعداء» فقد رأى الآن أن يضع لصبره حدًا وأن يفرض نفسه على الخليفة 
الناصر بحد السيف. 

فأعد حيشًا ليسير به إلى بغداد فاتحاء وقدم طليعة لهذا الجيش مؤلفة من خمسة 
عشر ألف فارس يقودها أحد كبار أمرائه فمضى با الأمير متجها صوب العراق حي 
بلغ حلوان على حدود العراق» ثم أتبعها بقطعة أخرى من اليش واصلة سيرها حى 
همذان؛ فلما تحاوزتها فاجأتا العواصف الثلجية الى يقل مثيلهاء فهلك الكثير من 
الجنود والكثير من الدواب» وقضى على من سلم بنو برجم الأتراك وبنو هكار 
الأكراد ولم يصل إلى حوارزم منهم إلا أقل من القليل. 

كانت العباية شديدة على خوارزم شاه فهدت عزركته) وصمم على الرجوع 
إلى خراسان خحوفا من التترء فقد كان يحسب أنه يستطيع إفماء أمر السيطرة على 
بغداد بسرعة؛ ثم يتفرغ لاتتر فلما حل يحيشه ما حل يكس وقرر إلغاء مشروع 
احتلال بغداد» وعاد إلى خراسان» ومن مرو توحه إلى ما وراء النهرء فلما وصل إلى 


التمهيد نس 
نيسابور في يوم جمعة جلس عند المنبر وأمر الخطيب بأن لا يخطب للخليفة الناصر. 
وكذلك فعل ببلخ وبخارى وسرخس. 

ومن سنة 4ه ححى سنة 1ه تختفي أخمار خحوارزم شاه حي كانت 
هذه السنة» وهي السنة الى زحف ها المغول بقيادة حنكيزخان على العالم الإسلامي 
قاصدين أول ما قصدوا خوارزم شاه الذي كان من أمره معهم ما ليس هنا مكان 
تفصيله. وقد كنا فصلناه في كتابنا: (المغول بين الوئنية والنصرانية والإسلام) وطوى 
أمر خخوارزم شاه.. 

دولة بني عمار في طرابلس 

بنو عمار أسرة تعود أصوها إلى قبيلة كتامة المغربية الأفريقية. وعند قيام الدولة 
الفاطمية كان شيوخ هذه القبيلة ممن لهم الصدارة في مؤسسانها الإدارية والعسكرية 
نذكر منهم الحسن بن عمار الذي كان من أبرز رجال الخليفة الفاطمي العزيز بالله. 

ثم كان بنو عمار قضاة طرابلسء ثم أصبحوا أمراءها فمنهم أمين الدولة أبو 
طالب الحسن بن عمارء المتوثي سنة 4514ه. ثم جلال الملك أبو الحسن على بن 
عمار المتوقٍ سنة 497 هه ثم فخخر الملك عمار بن محمد بن عمار المتوق حوالي 
سنة ©1١14‏ هلء وأبو المناقب شمس الملوك أبو الفرج محمد بن عمار المتوق سنة أمه 
ب . 

كان استقلال بن عمار بطرابلس سنة 14557ه (١7١٠١م).‏ وكانت إمارتهم 
تمتد حى تخوم ببروت من جهة وح أرباض إنطاكية من حهة ثانية. وتمتد من 
نواحي جبلة ف سوريا إلى قلعة صافيتا وحصن الأكراد والبقيعة. وفي لبنان حم 
الفرمل والضنية وحبة بشرى وبلاد العاقورة شرقي بلاد جبيل. 

وكانت جونية من أعمال طرابلس في عصر الخطيب البغدادي» المتوق سنة 
47 هه والذي زار طرابلس سنة 57اهم. 


١‏ أصل السلاجقة 





تأسيس الدولة وازدهارها 

وقد نمت إمارتهم نموا عظيما حي أصبحت طرابلس» في القرن الحادي عشرء 
أعظم مدينة على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط» وكانت أساطيلها تنتقل في 
أنحاء هذا البحرء فهي المنفذ البحري الرئيسي لبلاد الشامء عن طريقه يتم التصدير 
والاستيراد» وتنقل منتجات الشام والمشرق إلى أوروباء وإليه تفد من الخارج لتحمل 
منه إلى سائر بلاد الشام. وكان بنو عمار» وهم مثقلون برد المحهجمات الصليبية 
عليهم من البر والبحر يسيرون أسطولهم التجاري إلى ثغور البحر المتوسط. وظلت 
طرابلس» ومعها دمشق» تمونان أوروبا حى أواخخر العصور الوسطى بالسكر بجميع 
أشكاله المعروفة آنذاك وكان التاجر الأوروي القادم من البندقية أو حنوى يعود إلى 
بلاده وهو يحمل سلال السكر وأكياسه من طرابلس. وجمع بنو عمار زراعة قصب 
السكر الذي كان ينمو بغزارة على ضفاف فر (أبو على) وف بساتين طرابلس. 
وأقاموا المصانع داخحل المدينة لعصره وبحفيفه وتصنيعه» بشكل رقائق أو ناعم أو 
بشكل حلوى؛ وكان من حسن سياسة بن عمار وصلاح حكمهم أن أثرت المدينة 
وكانت على أحسن حال اقتصادي حن خلال الحصار الصليبي لما برا وبحراء إذ 
ظلت صامدة تقاتلهم عشر سنين مستعينة بثروتًا الداخلية وحسن إدارة اقتصادها. 

وعندما أوفد القائد الصليبي ريبموند خلال الحصارء وفدا لمفاوضة فخر 
الملك؛ ومر الوفد بأسواق طرابلس أدهشه ما رأى من تنوع البضائع ورواج التجارة 
وعظيم الثروة والرخاء الذي تنعم به المدينة. وقد دفع فخر الملك أثناء الحصار 
الصليبي إلى جميع المدافعين عن المدينة من الأحناد برا وبحرا رواتب ستة أشهر 
مقدماء كما كان أثرياء المدينة يشاركون بأمواللهم في مقاومة الحصار الاقتصادي 
الذي فرضه الصليبيون على المديئة . 

وكان فخخر الملك عمار بن عمار يلقب تملك الساحل. 

وإذا كنا نعلم أن الحسن بن عمار هو الذي أرسل؛ في عهد العزيز بالله, أبا 
تميم سليمان بن جعفر بن فلاح الكتامي إلى دمشق» وأن أبا تميم هذا أرسل أخاه 


١" التمهيد‎ 


علي بن جحعفر بن فلاح واليا على طرابلس سنة 745/هم» إذا كنا نعلم ذلك فإننا 
لا نعلم شيئا عن عوامل وصول بن عمار إلى طرابلس: قضاة ثم حكاماء فليس في 
المصادر التاريخية اليّ في أيدينا ما يدل على بدء قيامهم فيها. فبعد وفاة جد الأسرة 
الحسن بن عمار سنة +74هء لا نرى أمامنا شيئا من أخبارهاء ويمتد ذلك حوالي 
ثلائة أرباع القرن ححى يبرز لنا اسم أي الكتائب عمار صاحب أبي الفتح 
الكراجكيء المتوقي سنة 49 4ه. والذي ألف له الكراجكي كتاب (عدة البصير في 
حج يوم الغدير). 

أما أول من استقل بطرابلس من بين عمار فهو أبو طالب الحسن بن عمار 
المشهور بأمين الدولة» وقد ظل يعد نفسه تابعا للدولة الفاطمية حب سنة 1457هم 
(1070م)), حيث استقل بطرابلس فقامت بذلك إمارة بئ عمار. 

ومات أمين الدولة سنة 14514ه. (77١٠١م).‏ فتولى بعده ابن أخخيه علي بن 
محمد بن عمار المعروف بجلال الدولة الذي استمر حكمه حي سئة 4957ه. وتولى 
بعده أخوه عمار بن محمد بن عمار ذو السعدين المعروف بفخر الملك وبقي حب 
سئة ١.٠هه»‏ حيث ذهب إلى بغداد مستنجدا بالسلاجقة على الصليبيين. وف 
سنة 0017 هم (9١١١م).‏ احتل الصليبيون طرابلس بعد نضال طويل. 

منقبة مؤسس الإمارة: أمين الدولة الحسن بن عمار 

كان أمين الدولة كبير العقل تفارك الرأي» عالماء فقيهاء كاتبا محيداء ألف 
كثيرا من الكتب النفيسة. أما منقبته الكبرى فهي تأسيسه (دار العلم) الي جمع فيها 
أول الأمر أكثر من مئة ألف كتاب. وكان يبعث, في التفتيش عن الكتبء إلى جميع 
الأقطار ويبذل في شرائها باهظ الأثمان» ويجلب الما الكتب النادرة. 

واستمر الأمر بعده في عهد خلفائه» هذا فضلا عن عنايته بالعلم وطلابه فيها 
وتشجيعهم على الوصول إلى طرابلس لمتابعة الدراسة. 

وإلى جانب دار العلم قامت (دار الحكمة) الي قدم إليها العدد الكثير من 
طلاب العلم» حى لقد أصبحت طرابلس كعبة علم ومركزا من أعظم المراكز العلمية 


١‏ اضل السلاجنة 


في العصر الوسيط يفد إليها طلاب العلوم والفنون من فقه وحديث ولغة وأدب 
وفلسفة وهندسة وطب. 

وعدا طلاب العلم فقد كان يفد إليها العلماء لمراجعة المؤلفات لأشهر المؤلفين 
في العلوم والمعارف. كما كانت تعقد حلقات علمية لكبار العلماء ينضم إليها 
العلماء الوافدون إلى طرابلس للاستزادة من العلم. وقد جدد (دار العلم) الى أنشأها 
أمين الدولة ابن أخحيه وخخليفته جلال الدولة سنة ؟/ا+هم (87١٠مم)»‏ إذ كانت 
الظروف مواتية لحلال الدولة أكثر مما كانت مواتية لعمه وسلفه أمين الدولة. 

ففي عهد الأول كانت الإمارة في دور التأسيس» كما أن عمر حكمه كان 
قصيرا. أما حلال الدولة فقد استمر في الحكم زهاء ثمانية وعشرين عاما اتسعت فيها 
أطراف الإمارة وعظم شأهها ونشطت تحارتًا. 

دار العلم في طرابلس 

وقد عين حلال الدولة بدار العلم عناية فائقة» وجعل لطلاب العلم فيها 
رواتب» وفرق على أهلها ذهياء وجعل لا نظارا يتولون القيام بذلك. 

وكان شعراء الشام يفدون لمدح أمراء بن عمار ونيل جوائزهم فيلقون 
الترحيب والتكريم. وكثرت حلقات التدريس وازدحمت المدينة بأشهر الأعلام» من 
أدباء وفقهاء وشعراء ولغويين» من الذين يفدون إليها من كل مكان؛ وقصدها الناس 
على احتلاف أحناسهم وأديافهم ومذاهبهم كما كان يفد إليها التجار والرحالة 
وطلبة العلم والعلماء من كل البلاد. 

كما ازدهرت فيها ترجمة العلوم والآداب عن اللاتينية والفارسية وغيرهما إلى 
اللغة العربية» ومنها إلى اللغات الأخرىء ولدينا شهادة بذلك من المستشرق (دي 
لاسي أوليري)» في كتابه: (علوم اليونان وسبل انتقالها إلى العرب)؛ وساوت في ذلك 
كبريات الحواضر العربية» فكثر فيها المترجمون والنساحون والكتاب والخطاطون. 

ويقول (ستيفن نسيمان) في كتاب (تاريخ الحروب الصليبسية) عن المكتبة: 
نا أصبحت أروع مكتبة في العالم. 


١ التمهيد‎ 





وعندما سقطت طليطلة؛ في الأندلس»؛ ف أيدي القشتاليين» سنة 418ه 
(85١١م.)‏ يبدو أنه هاحر فريق من علمائها إلى طرابلس» وكان منهم: أحمد بن 
محمد أبو عبد الله الطليطلي» فاحتضنه بنو عمار وجعلوه متوليًا لدار العلم. إذ كانوا 
يختارون للنظر في أمورها كبار رجال العلم؛ من أمثال: الحسين بن بشر بن علي بن 
بشر وأسعد بن أبي روح ...0.6.6.6 . وغيرهما من أمثاهما. 

وكان ف المكتبة مئة وثمانون ناسخنًا عملهم الوحيد نسخ الكتب غير الموحود 
منها نسخ ف المكتبة وإضافتها إلى الكتب الموجودة فيها. ولم يقتصر الأمر على 
الكتب العربية؛ بل ضمت المكتبة الكثير من كتب اليونان والرومان والفرسء وبين 
الكتب العربية عدد كبير منها بخطوط مؤلفيها. ومكتبة كهذه تحتاج إلى الإنفاق 
الكثير عليها لما تضمه من عاملين فيها ومشرفين عليها ونساحين وخخطاطين ومترجمين 
ومحلدين ووراقين وباعة يحملون إليها نوادر الكتب مهما غلا ثمنها.أما عدد الكتب 
الي احتوتا مكتبة بن عمار فقد تعددت الأقوال في شأنه: 

فابن أبي طي يقول: إن العدد كان ثلاثة ملايين كتاب؛. ويؤيد ذلك ابن 
الفرات. وعلى هذا القول كثيرون من المورخحين العرب والمستشرقين منهم: أرنولد 
وغروهمان وغيبون وشوشتري الذي يقول» فقي كتابه (مختصر تاريخ الثقافة 
الإسلامية): إن مكتبة طرابلس كانت تحتوي أكبر عدد من الكتب عرف أن مكتبة 
ما حوته حين ذلك الزمن» ألا وهو ثلاثة ملايين كتاب. والمستشرق الفرنسي 
كاترمير لم يخالجه شك ف تقدير العدد بثلاثة ملايين كتاب. 

ويبدو أن المكتبة بدأت» في عهد منشئها الأولء أمين الدولة .مئة ألف كتاب» 
وأن العدد ارتفع في عهد حليفته جلال الملك إلى المليون» ثم ارتفع في عهد فخر الملك 
إلى ئلانة ملايين. 

وكان في المكتبة؛ قاعة خاصة للنساخ والخطاطين مزودة بكل ما يحتاحونه من 
الأوراق والمحابر والأقلام» كما كان فيها قاعات للمطالعين الذين يفدون إليها. 
وهؤلاء الوافدون لم يكونوا من أبناء طرابلس فقط» فد كان العلماء وطلاب العلم 


١8‏ أصل السلاحقة 
يفدون إليها من كل مكان للإفادة مما تحويه ف كل فن من فنون العلم. فاكنظت 
طرابلس بالعلماء والأدباء والشعراء والمحدثين والفقهاء وبالطلاب الآحذين عنهم. 
حي صارت مدينة طرابلس تسمى دار العلم» قد وردت هذه التسمية في عدة مصادر 
تاريخية. وفي ذلك يقول الشاعر شهاب الدين محمود: (وهي أيضا بدار علم تسمى). 

وأسهم عدم بعد طرابلس عن دمشق ف ازدهار الثقافة في طرابلس» إذ كان 
ينتقل إليهاء في كل عام زائرون من دمشق ليشار كوها الحياة العلمية ثم يعودوا إلى 
بلدهم. 

وعندما حاصر (أتسز الخوارزمي) دمشق سنة 145/4هم. واعتقل عددا من 
رجاها وغلت الأسعار وضاق أمر الناس» قامت هجرة جماعية لوجوه دمشق إلى 
طرابلس» وممن هاجر الشاعر ابن الخياط صاحب الديوان المطبوع في دمشق» سنة 
54 . 

ومن المقررء عند جميع من كتبوا عن تاريخ الحضارة الإسلامية ووصوا إلى 
أوروباء أن من عوامل هذا الوصول كان عامل الاتصالات التجارية بقوافلها المتنقلة 
بين الشرق والغرب. 

وقد كان لطرابلس بن عمار الأثر الفعال في ذلك» فإليها كانت تفد القوافل 
التجارية البرية من بلاد الشام؛ ثم ينقلها إلى مرافئ أوروبا أسطول بن عمار التجاري 
الذي أعدوه أحسن إعداد» ناقلا معها جذور الحضارة الإسلامية العربية. 

وليس كالعلائق التجارية بين الأمم ما يداني ف التقدم الحضاري. 

وقال ناصر نحسرو (القرن الخامس المجحري -الحادي عشر الميلادي) عن 
طرابلس: (وللسلطان بها سفن تسافر إلى بلاد الروم وصقلية والمغرب للتجارة). 

وقد ذكر المورخ (الإسلامي)», ف كتابه» إن مدينة طرابلس كانت مملوءة 
بالعلماء حين دهمها الصليبيون؛ وإن من يتصفح كتب التاريخ والتراحم ليقف على 
هذه الحقيقة» وسيجد أن طلاب العلم ورجالاته جاءوا إلى طرايلس من الأندلس 
وبلاد المغرب ومصر والحجاز والعراق وبلاد فارس وأنحاء بلاد الشام وآسيا الصغرى 


١43 التمهيد‎ 





وغيرها. ونذكر هنا تماذج من أسماء الوافدين إليهاء فمنهم الشاعر الشهير (ابن 
حيوس) وسديد الملك بن منقذ الأمير الشاعر؛ وابن السراج العالم المولف المقرئ؛ 
وابن النقار القاضي الذي درس بطرابلس وتولى الخطابة بحبلة» ثم تولى كتابة الديوان:. 
بدمشق» وله ديوان شعر» وشاعر الشام ابن القيسراني» إلى عشرات من أمثال هؤلاء. 

ومن أشهر الوافدين على طرابلس للإفادة من (دار العلم) أبو العلاء المعري. 
وقد شكك المورخ ابن العدعم بذلك وتابعه آخرون. قال ابن العديم: (... وقد ذكر 
بعض المصنفين أن أبا العلاء المعري رحل إلى دار العلم بطرابلس للنظر في كتبهاء 
واشتبه عليه ذلك بدار العلم ببغداد. ولم يكن بطرابلس دار علم في أيام أبي العلاء, 
وإنما حدد دار العلم بما القاضي جلال الملك أبو الحسن علي بن أحمد بن عمار في 
اثنتين وأربعمائة. 

وكان أبو العلاء قد مات قبل حلال الملك سئة تسع وأربعين وأربعمائة). 

على أن الدكتور مصطفى جواد قد فد هذا القول قائلا: 

ومن الحق أن في النفس ما فيها من قول ابن العدم: (وإنما ججدد دار العلم يما 
القاضي حلال الملك) فالتجديد عند أهل العربية: إعادة شيء عتيق إلى حالة حسنة 
مستأنفة فليس هو بتأسيس ولا بناء. ولو كان هذا العالم الكبير متثبنًا في قوله لقال: 
(وإنما أنشأ دار العلم) أو (إنما أسس دار العلم) فهو محجوج مفلوج على دعواه 
بذكره التجديد دون التأسيس والإنشاء» وبذلك تسقط دعوى من أنكر دراسة أبي 
العلاء المعري بدار علم طرابلسء؛ لأن التجديد يدل على أن دار العلم كانت منشأة. 
قبل ذلك فأصابها تلف أو حريق استوجب تجديدها. 

ثم يذكر الدكتور مصطفى جواد إنشاء أمين الدولة الحسن بن عمار؛ المعاصر 
أبي العلاء المعري» لدار العلم؛ ولا يتعارض هو وقول ابن العددم من تحديد جلال 
الملك لها. 

وممن نبغ» من الطرابلسيين» في عهد بن عمارء نذكر أمثال: 


-3 أصل السسلاجقة 


ابن حرسان الأديب الشاعر المتوق سنة /1491ه.., وابن زريق المهندس العالم 
الفلكي المتوق سنة ١1ههء‏ نذكرها مثالين لنشير إلى تنو ع الثقافات الي ١‏ 

ومن الحلقات العلمية» في عهد بن عمار في طرابلس» حلقة أبي عبد الله 
١‏ لطليطا الذي مر ذكرة وكانت حلقته تخرج الأدباء والشعراء واللغويين 

وعدا الحلقات العلمية فقد كانت هناك لقاءات شعبية تقوم أحيانا في حوانيت 
صغار الباعة وكبارهم» ومنها لقاءات العطار أبي المفضل ولقاءات المنتزهات 
والأسواق وينابيع المياه مارج طرابلس» حيث يتطارح الملتقون الأشعارء ونذكر مثالا 
على ذلك أن أحمد بن محمد؛ أبا عبد الله المعروف بابن الخياط الشاعر الدمشقي؛ 
رج مع بعض خخلانه إلى ضفاف غدير في ظاهر طرابلس فال ابن الخياط: 
؛؛ أوما ترى هذا الغدير كأنه ا سيدو تبك ميته حلي مناطق بر 

فإذا نظرت إليه راعك لمعه #/_وعللت طرفك من سراب صادقوع ني 
فقال أحد رفاقه: (]) 
عك قد كنت آمل أن أجيء مصليًا م حت رأيتك سابقا للسابق كر 
في حماية الأدب والأدباء وتشجيعهم)» فهد حرج هذا الشاعر من دمشق» في الحقبة 
الممتدة ما بين سئة 457 و1419ه-هء إذ كانت دمشق تعاني ملالا فتره عصيبة من 
الفعن والدوع والفاقة» وهو لا يزال في صباهء فقصد حماة واتصل هناك بالأمير أي 

لى يبق عندي ما يباع بدرهم | وكفاك مني منظر عن مخبر 

إلا صبابة ماء وجه صنتها عن أن تباع وأينء أين المشترى؟ 








التمهيد ١/ا١‏ 


فقال ابن حيوس: لو قلت: (وأنت نعم المشتري). لكان أحسنء» ثم قال: 
كرمت عندي ونعيت إلى نفسيء» فإن الشام لا يخلو من شاعر بحيد؛ فأنت وارثي» 
فاقصد بن عمار بطرابلس» فإهم يحبون هذا الفن. وبحدود سنة 41/5ه. جاء ابن 
الخياط طرابلس وهو ابن 57 سنة. وكان صاحب طرابلس يومها جلال الملك أبو 
الحسن علي بن محمد بن عمار فاتصل به ومدحه» كما مدح فخر الملك وغيره من 
ب عمار. كما كان يتردد على دار العلم ويحضر الدروس فيهاء وتدفع له اترايات 
الى كان بنو عمار يصرفوها للطلبة في الدار. 

وتقدر المدة الى عاشها في طرابلس بعشر سنوات. 

وفي قصور بئ عمار كانت تقام حلقات المناظرة بين الفقهاء والشعراء» وكان 
بنو عمار يقيمون مسابقات للشعراء يتبارى فيها هولاء بنظم القصائد. 

أمراء الدولة علماء مؤلفون 

ومن الكتب الي صدرت, يومذاك؛ نذكر هذه النماذج. شرح الإيضاحء 
وشرح ديوان الحماسة لزيد بن علي الفارسي المتوق سنة 1551 ه. 

وكتاب (حراب الدولة) لأبي طالب أمين الدولة الحسن بن عمار. وقد وقع 
بعض المولفين في خحطأ كبير» حين قالوا إن اسم الكتاب هو: (ترويح الأرواح 
ومفتاح السرور والأفراح المنعرت بحراب الدولة)» ونسبوه إلى أمين الدولة الحسن بن 
عمار. 

وقد علق الدكتور مصطفى جواد على هذه النسبة الى أخطأ فيها (ابن 
الفرات)»: وتابعه غيره من المؤلفين على هذا الخطأ. 

علق الدكتور مصطفى جواد ما تأحذه هنا لأهميته في التاريخ الفكري الثقاقي 
لتلك الحقية: 

لقد وحدنا من الغريب قول المؤلف المصري؛ ناصر الدين بن الفرات» قي ذكر 
أمين الدولة أبى طالب الحسن بن عمار: (وهو الذي صنف كتاب ترويح الأرواح 
ومفتاح السرور والأفراح المنعرت بجراب الدولة). 





١‏ الل لخاد ده 

أما أولا: فلآن كتاب (ترويح الأرواح) من كتب الفكاهة والهزل والباطل؛ 
وهذا قاض وأمير ذو ديانة متينة. 

وأما ثانيًا: فلآن (جراب الدولة)» عند المطلعين على التاريخ الإسلامي» جاء 
في حالتين: أولاهما كونه لقبًا للإنسان الذي ألف (ترويح الأرواح) والأخرى كونه 
سما لكتاب ألفه ابن عمار المذكور ف اقتصاديات الدولة الإسلامية وشكوفها الأخرى. 
وقد أخحذ ابن الفرات المصري اسم الكتاب الحزلي ولقب مؤلفه فجعلهما امما لكتاب 
ابن عمار» وهذا من أشنع الغلط وأفظعه؛ وجل من لا يسهر ولا يغلط. 

قال ياقوت الحموي ثي ترجمة الهازل الملقب (حراب الدولة): 

(أحمد بن محمد حراب الدولة: هو أحمد بن محمد بن علوية من أهل سجستان 
ويك أبا العباس؛ وكان طنبورياء أحد الظرفاء والطياب. كان ف أيام المقتدر وأدرك 
دولة بن بويه فلذلك سمى نفسه بحراب الدولة, لأنهم كانوا يفتخرون بالتسمية في 
الدولة وكان يلقب بالريح وله أيضا كتاب (ترويح الأرواح ومفتاح السرور 
والأفراح) لم يصتف في فنه مثله اشتمالا على فنون الحزل والمضاحاك). 

أما (حراب الدولة) الذي ألفه أبو طالب الحسن بن عمار فهو من أحل الكتب 
وأجزلها فوائد وأشرفها موضعًاء قال القاضي ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون في 
فصل: (إن آثار الدولة كلها على نسبة قوتًا في أصلها). (وكذلك وجد بخط أحمد 
محمد بن عبد الحميد عمل يما يحمل إلى بيت المال ببغداد أيام المأمون من جميع 
النواحي» نقلته من جراب الدولة: غلات السواد... كسكر.. كورد حله... 
حلوان... الأهواز... فارس). وذكر الارتفاع أي: الواردات لمملكة المأمون بأسرها. 

فأين موضوع هذا الكتاب من موضوع الكتاب الباطل العاطل؟ (انتهى). 

وهكذا نرى أمراء بن عمار كانوا قي الوقت نفسه علماء مؤلفين» يؤلفون في 
ها يسمى اليوم بالاقتصاد السياسي. ومن المولفات الي صدرت في ظل حكم ب 
عمازة مؤلفات أسعد بن أحمد بن أبي روح الي مر ذكر بعضها. 





التمهيد 





١و7‎ 


وديوان ابن خرسان المتوق سئة /451ه.»؛ وديوان أحمد بن مئير المتوق سنة 
هه وروظضة النفس لابن البراج المتوق سنة ١4همه,‏ وديوان ابن النقار المتوق 
سنة 51هدهص»ء وديوان ابن هبة الله العلوي الحسين المتوق بعد سنة 6٠١دهء‏ 
والتصريح في شرح قصيدة كثير» وابن ذريح للراشدي بن بركات المتوق سنة ٠ه‏ 


هع وغير ذلك. 


حركة شعرية ناشطة 


مدحوهم: ابن الخياط» وابن النقارء وأبو المواهب المعري» وابن العلاني المعري» وأبو 


الفتيان بن حيوس. 


فمن مدائح أبي المواهب المعري قوله» ف ذي السعدين» فخر الملك عمار بن 


أأحبابسنا جرتم مع البين فاعدلوا 
ورب فلاة جبتها وهو مؤنسي 
وظظلت أخطسيها البلاد ودوفا 
ورجحت ما بين الملوك فمابي 
مليك به الآمال ألقت عصا النوى 
وعرض لي غيث على الشيم مرعد 
مى الثغر هن رشف المواضي فقد كفى 
لكم آل عمار على الجود مسحة 
وفيك أطاعتني القوانفي كاففا 
وقد كسدت هذي البضاعة برهة 


وجزتم مدى هجرانكم فترفقرا 
وخصيفانه تجري مرارا وتعسنق 
طسرابلس حيث الأمان وجلق 
رجاء بذي السعد بن أوفي وأوفق 
فقرت وفي أوصافه الماح يصدق 
من الشام نجاح السحائب مغدق 
هوالبدر إلا أنه ليس بمحق 
تأشب مايحميه سور وخندق 
سحاب الندي فيها من التبر مغدق 
للدحك قوى أو لنظمي تعشق 
وى تك إلا في زمانك تنفق 


١‏ أصل السلاجحقة 





ويقول فيه من قصيدة أخرى: 
عرزت طرابلس فيا لك بلدة طالت بالكها على البلدان 
موج بظاهرها وموج باطن سبخن محرزها من الطوفان 
يفديك قوم ضاع شعري فيهم ‏ وغدوت جارهم فضاع زمان 
آنست طيرابلس بماأوليت للمملوك طيب معرة النعمان 
وفي أحد المجالس الشعرية الى كان يلتقي فيها الشعراء بفخخر الملك اقترح 
عليهم أن يعارضوا قصيدة محمد بن هائيء الأندلسي الرائية الشهيرة الى مطلعها: 
فتهت لكم ريح الجلاد بعنبر وأمدكم فللسق الصباح المسفر 
بأن ينظم كل واحد منهم قصيدة على وزفا وقافيتها» فسبقهم في ذلك أبو 
الحسن علي بن إبراهيم؛ المعروف بابن العلاني» بقصيدة أعجبت فخر الملك فأحازه 
عليها واستغئ بها عن قصائد بقية الشعراء. 
وكان فخر الملك يقودء يومذاك, الكفاح الإسلامي على الصليبيين؛ 
ويتحمل حصارهم لمدينته ويدافعهم عن وطنه؛ وإلى ذلك يشير الشاعر في بعض 
أبيات القصيدة» كما أشار أبو المواهب المعري ف قصيدته المتقدمة بقوله: 
حمى الثغر من رشف المواضي فد كفى تأشب ها يحميه سور وخندق 
قال ابن العلاني في بعض ما قال: 
تمى الثغر من رشف المواضي فقد ‏ عفى تأشب ها يحميه سور وخددق 
ولرواج سوق الشعرء يومذاك؛ أولع متداولوه باستكتاب الخطاطين للقصائد 
بخطوطهم الحميلة» فيدفع أحدهم للخطاط أكثر من سبعة دنانير لكتابة القصيدة 
الواحدة. ولقد قبض الشاعر أحمد بن حمزة المعروف بابن الخيشي الحلبي» نحو مئيّ 
دينار في شهر رمضان لكتابته سبعا وعشرين قصيدة لجماعة من الطرابلسيين. 


101127555595999 11 
بنو عمار من الكتاب إلى السيف 

عندما وصل القائد الصلييي (صنجيل) (ركوند دي سان جيل) ل مشارف 
الشام كان أول من أدرك الخطر الصليسي فخر الملك بن عمارء فصمم على الإعداد 
لهذا الخطر قبل أن يتغلغل في البلاد الشامية» وذلك بالدعوة إلى حلف إسلامي يقف 
في وجهه. فراسل الأمير (ياخز) في حمص والملك (دقاق بن تتش) ف دمشق يقول 
لما على ما يروي ابن الأثير: من الصواب أن يعاحل صنجيل إذ هو في هذه العدة 
القريبة. 

فاستجابا له. فخرج الأمير (ياخز) بنفسه وسير (دقاق) ألفي مقاتل» وخرحت 
الإمدادات الطرابلسية فاجتمعوا على باب طرابلس وصادفوا (صنجيل) هناك. 

يقول ابن الأثير: فأما عسكر حمص فإهم انكسروا عند المشاهدة وولوا 
منهزمين» وتبعهم عسكر دمشق» وحمل (صنجيل) يمن معه فكسروا أهل طرابلس 
وقتلوا منهم سبعة آلاف رحلء ونازل (صنجيل) طرابلس وحصرها. 

إلى هناء والأمر طبيعي» فالحروب سجال: ينتصر هذا الفريق وينهزم ذاك 
الفريق... ولكن غير الطبيعي والذي يجعلنا نكثر من التساؤل والاستغراب هو المقدمة 
الى قدم بها ابن الأثير لهذه الحرب وهزائمهاء فهو يقول عن أحداث سنة 1496ه», 
بعد أن يتحدث عن هزعة (صنجيل) أمام (قلج أرسلان): ومضى (صنجيل) مهزوما 
في ثلاث مئة فوصل إلى الشام فأرسل فخر الملك بن عمار إلى الأمير يار وإلى الملك 
دقاق... إلى آخر القول الذي تقدم... ثم يقول: فأخرج (صنجيل) مئة من عسكره 
إلى أهل طرابلس ومئة إلى عسكر دمشق وحمسين إلى عسكر حمصء وبقي هو في 
حمسين. فأما عسكر حمص فإفم انكسروا عند المشاهدة وولوا منهزمين وتبعهم 
عسحر دمشق. 

وأما أهل طرابلس فإنهم قاتلوا المئة الذين قاتلوهم؛ فلما شاهد ذلك (صنحيل) 
حمل في المثتين الباقيتين» فكسروا أهل طرابلس وقتلوا منهم سبعة آلاف رجلء ونازل 
(صنجيل) طرابلس وحصرها. 


5ظ أصل السلاحقة 





يستطيع الإنسان أن يقول: إن ف كلام ابن الأثبر هذا تخليطًا لا نعرف 
عوامله!... 

والذي يهمنا الآن هو أن حصار الصليبيين لطرابلس برا وبحرا قد بدا وأنه 
سيستمر عشر سنوات أصبح خلاها شعار بن عمار: 

السيفء؛ بعد أن كان شعارهم الكتاب» وإن ظل للكتاب عندهم مكانه الرفيع 
ومنزلته الكبرى. 

يقول المورحون: اجتمع على منازلة طرابلس كل من (برتران) الابن الأكبر 
لريموند الصنحيلي» ودوليم غوردان» ابن أحت ريموند المذكورء و(تانكريد) أمير 
إنطاكية واللاذقية»؛ و (بلدوين) ملك بيت المقدس» و(بلدوين) كونت الرها و 
(غوسلين) أمير قلعة تل باشر. 

وكانت القوي المهاجمة للمدينة تتألف من 40٠٠‏ فارس بروفنسي قدموا مع 
برتران» وعدد كبير من الحنوية جاعوا بعشرين سفينة» إلى جانب سفن برثران 
وعددها أربعون» و..ه فارس أتى كحم بلدوين ملك القدس إلى جانب عدد كبير 
من الرجالة و١٠٠7‏ فارس من خيرة فرسان تانكريد» بالإضافة إلى بلدوين كونت 
الرهاء وجوسلين وحرسيهماء ثم جموع المردة ومن أتى من جبل لبنان. 

كان هذا الجمع قد تجمع على طرابلس بعد أن كلت قواها بعد عشر سنوات 
من الحصار المضروب والقتال الدائم» وكان هو الذي دخل طرايلس. 

يقول ابن الأثير» في أحداث سنة 097ه وكان صنجيل يحاصر مدينة 
طرابلس الشامء والمواد تأتيهاء ويما فخر الملك بن عمار» وكان يرسل أصحابه في 
المراكب يغيرون على البلاد الي بيد الإفرنج ويقتلون من وجدوا. ويقصد بذلك أن 
يخلو السواد ثمن يزرع لتقل المواد من الإفرنج فيرحلوا عنه. 

سنة كاملة مرت على الحصار كانت مهمة فخر الملك فيها مزدوحة ذات 
شقين: شق دفاعي وشق هجوميء فهو يقف في وجه اقتحام الصليبيين لمدينته 


التمهيد ١‏ 
فيقاتلهم دفاعا عنهاء ثم هو ينفذ مراكبه من بين سفن الصليبيين المحاصرة له 
فيهاجحم الصليبيين في ما يحتلونه من بقاع. 

كان فخر الملك هنا بطل الدفاع والهجوم معاء وكان (العماريون) أهله 
يشدون من أزره» وشعبه الطرابلسي بصبر ويصابر معه. وتأق سنة /891هه فيقول 
ابن الأثير: في هذه السنة وصلت مراكب من بلاد الإفرنج إلى مدينة اللاذقية فيها 
التجار والأجناد والحجاج وغير ذلك» واستعان يمم صنجيل الإفرنجي على حصار 
طرابلس: فحصروها معه برا وبحرا وضايقوها وقاتلوها أياماء فلم يروا فيها مطمعا 
فرحلوا عنها إلى مدينة جحبيل... 

سنتان مرتا وفخعر الملك محصور في مدينته» وهو صامد يدافع عنها دفاع 
الأبطال» ويستعين الأعداء بقوى حديدة فلا ينالون من صموده منالا... 

وف سنة 54949ه يقول ابن الأثير: كان صنجيل قد ملك مدينة حبلة» وأقام 
على طرابلس يحصرها حيث لم يقدر أن بملكهاء بن بالقرب منها حصنا وب تحته 
ربضاء وأقام مراصدا لها ومنتظرا وحود فرصة فيهاء فخرج فخر الملك أبو على بن 
عمار صاحب طرابلس» فأحرق ربضة ووقف صنجيل على بعض سقوفه امحترقة 
ومعه جماعة من القمامصة والفرسان فا نخسف بُم» فمرض صنجيل من ذلك عشرة 
أيام ومات؛ وحمل إلى القدس فدفن فيها. 

ثم إن ملك الروم أمر أصحابه باللاذقية ليحملوا الميرة إلى هؤلاء الإفرنج الذين 
على طرابلس فحملوها في البحر فأخخرج إليها فخر الملك بن عمار أسطولا فجحرى 
بينهم وبين الروم قتال شديد فظفر المسلمون بقطعة من الروم فأخذوها وأسروا من 
كان بما وعادوا. 

ويتابع ابن الأثير كلامه: 

ولم تزل الحرب بين أهل طرابلس والإفرنج خمس سنين إلى هذا الوقت» 
فعدمت الأقوات به. وحاف أهله على نفوسهم وأولادهم وحرمهمء فحلا الفقراى 
وافتقر الأغنياء» وظهر من ابن عمار صبر عظيم؛ وشجاعة؛ ورأي سديد.(انتهى). 





1 أصل السلاحقة 





هذا الكلام الذي نأحذه بنصه عن ابن الأثير يغ عن كل تعليق. 

ويواصل ابن الأثير قائلا: 

وأحرى ابن عمار الجحرايات على الجند والضعفىء فلما قلت الأموال عنده 
شرع يقسط على الناس ما يخرجه في باب الجهاد» فأخذ من رجلين من الأغنياء مالا 
مع غيرهماء فخرج الرجلان إلى الإفرنج وقالا: إن صاحبنا صادرنا فخرجنا إليكم 
لنكون معكمء وذكرا لهم أنه تأتيه الميرة من (عرقة) والحبل. 

فجعل الإفرنج جمعا على ذلك الجانب يحفظه من دحول شيء إلى البلد. 

فأرسل ابن عمار وبذل للإفرنج مالا كثيرا ليسلموا الرحلين إليه فلم يفعلوا. 
فوضع عليهما من قتلهما غيلة. لم يكن ابن عمارا بطلا شجاعا فقط» بل كان إلى 
ذلك حازما بعيد النظر محكم التدبير جلدا أمام الأهوال.. في كل شعوب الأرض 
يوجد ضعاف النفوس نخحوارو العزائم» ويوجد حريصون على المال لا يبالون في هذا 
الحرص أن يخونوا أوطافهم. 

فلا يضير الشعب الطرابلسي أن يوجد في صفوفه مثل هذين الخائنين الذين لا 
نشك ف أهما جمعا مهما من الحرام ومن كل مصدر غير شريف؛ لأن من يقدم 
على ما أقدما عليه يكون قد أقدم على. كل رذيلة في جمع المال!. 

كان ابن عمار كما قلنا حازمًا بعيد النظر محكم التدبير جلدًا أمام الأهوال, 
فلم يشغله ما هو فيه عن التفكير في أمر هذين الخائنين. إن تركهما سليمين يشجع 
أمثلهما على الخيانة فأحكم تدبير أمر اغتيالهماء واستطاع احتراق صفوف أعدائه 
والوصول إلى اغتياههماء وفي هذا ما فيه من قوة العزم وسداد الرأي وإحكام الأمر.. 

ابن عمار والسلاجقة 

وف أحداث سنة ١0٠هه.‏ يقول ابن الأثير: ورد فخر الملك أبو علي بن 
عمار إلى بغداد قاصدا باب السلطان محمد (السلجوقي)؛ مستنفرا على الإفرنج, 
طالبا تسيير العساكر لإزاحتهم» والذي خثه على ذلك أنه لما طال حصر الإفرنج 
لمدينة طرابلس» ضاقت عليه الأقوات وقلت» واشتد الأمر عليه وعلى أهل البلد. 


التمهيد حك هلا 
ويتابع القول: فلما بلغ فخر الملك انتظام الأمور للسلطان محمد وزوال كل 
مخالف رأى لنفسه وللمسلمين قصده والانتصار به ا.ه. 
لقد استقبل فخر الملك قِِ بغداد من السلطان ومن الخليفة حفاوة بالغة 
فطالب بالنجدة وتعهد أنه إذا أحيب استنجاده وأرسلت معه العساكر يوصل إليهم 
جميع ما يلتمسونه. قال ذلك للخليفة وللسلطان» فلم ينل غير الوعودء فعاد إلى 
دمشق نحائبًا! .. 





وقد حدئت ف غيابه مؤامرات عليه ساهم فيها نائبه؛ ما أخرج الأمر من يده 
وحيل بينه وبين العودة إلى طرابلس. وفي سنة ٠.07‏ ه٠ه..‏ كان الصليبيون يدحلون 
طرابلس. ويوجز ابن الأثير ذلك يهذه الجمل: 

ومد الإفرنج القتال عليها من الأبراج والزحف» فهجموا على البلد وملكوه 
عنوة وقهرا ونهبوا ما فيها وأسروا الرحال وسبوا النساء والأطفال» وتبوا الأموال 
وغنموا من أهلها من الأموال والأمتعة وكتب دور العلم الموقوفة ما لا يعد ولا 
يحصىء فإن أهلها كانوا من أكثر بلاد الله أموالا وتحارة. وعاقب الإفرنج أهلها 
بأنواع العقوبات وأحذت دفائنهم وذخائرهم ف مكامنهم. 

وكانت المكتبة الكبرى من ضحاياهم إذ أحرقوها بكل ما فيها. 

بنو عمار والعمران 

لم يغفل بنو عمار النواحي العمرانية في إمارتم» فمن أهم ما عنوا به المشاريع 
المائية» فأمنوا لطرابلس ريًا منظمًا من النهر الذي عرف بعد ذلك باسم تمر (أبو 
علي)؛ ولا يزال ح اليوم يعرف هذا الاسمء فقد كان هر قاديشًا يفيض فيحدث 
أضرارا ولا ينتفع منه» فوضع فخر الملك أبو علي ابن عمار خخطة إنمائية تنظم أمور 
النهر وتمنع فيضانه؛ وبحريه في أقنية للري» فعاد على المدينة ومنطقتها بالخير العميم؛ 
ونمت المزروعات والبساتين والحدائق» وتشكل من ذلك ثروة زراعية ساعدت على 
رقي المجتمع؛ وازدهرت الحقول والأرضين المحيطة بالمدينة بوفرة مزروعاتها وتنوعها 


77 أصل السلا حقة 


وفاضت عن حاحافا فاحتفظت بأموالها واستدرت أموالا من الخارج ما كان 
عاملا في هوض الحركة الصناعية والاقتصادية والثقافية. 

وعرفت طرابلس» في كتب المورحين والرحالين» بكثرة ما تنتجه من 
الفواكه والتمارء حىّ لقد قالوا: (إن فيها ما لا يوحد في سائر الأقاليم أصلاء إذ 
لا يكاد يوحد دار بغير شجر لكثرة تخرق أرضها بلمياه» فهي تجمع بين ثمار الشام 
ومصر). والفرنج عرفوا قصب السكرء لأول مرة» ف بساتين طرابلس» فنقلوا 
غروسه إلى حزيرة صقلية وحنوب إيطاليا. 

ومن إبحازات بن عمار إنشاء مصانع للورق» فقد كان الورق السمرقندى 
هو المشهور ف العالم الإسلامي يجودته» فإذا بالورق الطرابلسي يفوقه حودة. 

وقد كان لوجود مصانع الورق أثر كبير في رواج العلم والتدوين والتأليف 
في طرابلس وساعد على هضتها الثقافية العلمية الأدبية» فكثر الوراقون» ونشأت 
للتجليد صناعة فنية على الطريقة الصينية من زخرقة وتوشيح بالمخطوط الملونة. 
ومن الصناعات الى هضت ف طرابلس صناعة الحرير الى امتدت مصائعها على 
ضفاف النهر» ما فيها من ألوف الأنوال والمغازل ما أدهش الفرنج وأثار عجبهم. 

وقد عي بنو عمار بالملاحة البحرية فأنشاوا أساطيل تحارية كانت تحوب 
البحر حاملة من طرابلس أو ناقلة إليها حاجات الناس هنا وهناك ما أشرنا إلى 
بعضه فيما تقدم من القول» هذا عدا عن أسطوهم الحربي الذي تولى قتال أساطيل 


الصليبيين طوال عشر سنوات. 
ومن طرابلس عرف الأوروبيون (البوصلة) وكيفية استعمالهاء عرفوا ذلك 


من المنامع الكبير في مدينة حلب» كما يثبت .ذلك المؤرخ ابن الشحنة الحلبي ف 


التمهيد اا 
كتابه (الدر المنتتخب ف تاريخ مملكة حلب). كما كانوا يبعثون القضاة والخطباء 
إلى المدن الشامية» ومن ذلك ما ذكره (ابن تغري بردي) في كتابه (النجوم 
الزاهرة) عن ابن قلتمش أنه عندما فتح حصن أنطرطوس من الروم سنة 6176 
ه., بعث إلى صاحب طرابلس حلال الملك يطلب منه قاضيًا وخطيبًا ليقيما ها. 


تاريخ دولة آل سلجحوق ااا 


ميقئزمهة 


بسم الله الرحمن الرحيم 

أما بعد حَمد الله على نعّمه اللنسامء ومننه العظام؛ والصلاة والسلام على خير 
الأنام» سيدنا نبيه عند ل ل البررة الكرام. فإني لما فرغت من انتخاب الكتاب 
الموسوم بالبرق الشامي من إنشاء الإمام السعيد عماد الدين محمد بن محمد بن حامد 
الأصفهان الكاتب» -رحمه الله-» طالعت كتابه الموسوم (( بُنْصرة الفعرة وعْصرة 
الفطرة . في أخبار الوزراء السلجقية )) فصادفته قد سلك فيه منهجه المعروف في 
إطلاق أعنة أقلامه في مضمار بيانه» وإسباغ أزيال القرائن المترادفة من وشائع ما يحبّره 
راقم بنانه؛ بحيث صار المقصود مغموراً في تضاعيف ضمائر الأسجاع. ورا كان.لا 
يرفع للاصغاء إلى بدائعها حجاب بعض الأسماع. فانتخبت منه هذا المحتصر الذي هو 
بعد اشتماله على جميع مقاصد الكتاب بحتو على عيون قرائنه البديعة» وزواهر ألفاظه 
الفصيحة: خدمة لملك احتمع فيه من الفضائل ما تفرّق في جميع سلاطين الأمم) وصار 
نظاما لمحاسن يتزين بأفرادها سائر ملوك العرب والعجم .. مولانا السلطان الملك 
المعظم أبي الفتح عيسى ابن السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب» لا زالت معارج 
دولته راقية في مدارج الإقبال» وعتبات محده مطمحا لعيون الإعظام والإجلال» 
ومصابيح علومه متوقدة يهتدي بما الشاردون فيخرجون من ظلم الريغ والضلال 
وينابيع أياديه متفحرة يكر ع فيها الحائمون فينقعون غلل الآمال. 

وقد افتتحت به في شهر ربيع الأول سنة 75717ه مستعينا بالله تعالى ومستمدا 
من حوله وقوته ومبتهلا إليه» وسائلا إياه أن يوفقئ في ذلك وفي جميع أموري بفضله 
ورحمته» وهو حسبي وكفى. 


1100010115005195905555555059559992059 به د دنا سس 
ذكر نبذة من بداية حال السلجقية 

قال حر حمه الله (0) كانت السلجقية ذوي عدَّد وعدد. وأيد ويد. لا يدينون 
لأحد ولا يدنون من بلدء وميكائيل بن سلحق عبطي 5 وعظيمهم 
المفضل. وقد سكنوا من أعمال بخارى موضعا يقال له نور بخارى» وما زالوا 
في أنصر شيعة؛ وأنضر عيشة. وهم في الرعي يكلئون الكلاء وف الريع يعلأون 
الملأ. لا يذعرهم ذاعرء ولا يردعهم داعر. والسلاطين يرعونمم للملمات ولا 
يروعوفهمء ويدعوفهم للمهمات ولا يدعوهم. حنىّ عبر السلطان ين الدولة محمود بن 
سبكتكين إلى بخارى لمساعدة قدر نان فرأى مكيال فرغب ف استرغابه وانحذب إلى 
اجتذابه» وأراد أن يعبر إلى خراسان به وبأهله. ويكنف أكنافها الذي الحفظ والحفيظة 
بتبله وثبله. وامتنع ميكائيل عليه» ومال عنه ول يمل إليه» فغاظ السلطان تمنعه؛ فقبضه 
واعتقله» وعبر به وبأصحابه إلى حراسان ونقله. وقال له أرسلان الحاحب إني أرى في 
أعين هؤلاء عين الحول؛ وإنهم لمعروفون بالحراءة والقوة والحول. والرأي عندي أن 
تقطع إهام كل من تعبره منهم ليؤمن ضره. ولا يخاف شره. فما قبل خطابه ف هذا 
الخطبء وقال له إنك لقاسي القلب. 

فلما أقاموا بخراسان» تقربوا إلى عميدها أبي سهل أحمد بن الحسن الحمدون» 
وأهدوا إليه ثلاثة أفراس ختلية؛ وسبعة أجمال بختية» وثلانمائة رأس غنم تركية. وهداه 
إقبانهم إلى قبول الحدية. وكانوا سألوه أن يمرحهم في المروج» ويسد بمواشيهم مخارم 
تلك الفروج. فعين لهم مروج دندانقان ففروا يما وبما قاريماء وتحاماها عن عداهم 
وحانبها. 

وتوق محمود بن سبكتكين وهو كاره لأمرهم» مشفق من وميض جمرهمء 
مستشف ستر القضاء فق قضية شرهم. وعد أبو سهل الصعب فيهم سهلاء واتخذهم 
لارتفاقه كحم صحبا وأهلا. ونفذ مسعود بن محمود بن سبكتكين عسكرا من غزنة إلى 
خراسان فواقعهم وقتل منهم عدة. وأسر منهم جماعة» حملهم إلى غزنة» منهم بيغو 
أرسلان؛ فاستعطفوه فلم يعطف, واستعفوه فلم يعف. ولما غلق رهنهم وتوئق 
)١1(‏ المقصود عماد الدين الكاتب. 


تاريخ دولة أل سلحوق ١‏ 
سجنهم. شربوا كأس اليأس» وأبدلوا إيناس الناس بإيحاش الحاشية. ومشى شحنة طوس 
لاستياق ما لهم من الماشية؛ واستلان حشونتهم؛ واستسهل صعوبتهم, ولما ظن أنه آب 
بالغنم والغنيمة؛ وباء بعز العزيمة» ركبوا إليه صهوات الحتق» وصرفوا نحوه أعنة الخبب 
والعنق. حى لقوه فتركوه لقى» وتبعوا المنهزمين ودخلوا إلى طوس فملكوهاء وجاسوا 
خلال ديارها وسلكوهاء وتشاوروا فيما بينهم وقالوا: هذا بحر خضناه؛ وفتح 
ابتكرناه» وطوس مدينتنا الي تؤويناء وحصننا الذي يحميناء فلا نفرج عنهاء ولا نخرج 
منها. 

وشرع أبو سهل الحمدوني ف استدراك ما فرط. واستمساك ما اختبط. وكادوا 
يحيبونه بالجمل ويحملون في الحواب» وعيلون مممالأته إلى صوب الصواب. فتسرع 
شحنة نيسابور وتعسّر» وجنّد وعسكر. وشن على سرحهم غارة على غرة. وفض 
لمنفعة نمضت مضرة. فركبت السلجقية إليه وإلى جماعته أرسالاء ونشبوا معهم وشبوا 
قتالاء وهزموهم وكسروهم وقتلوهم وأسروهم. وامتدوا إلى نيسابور فدخلوهاء 
ووحدوا في خحلوها فرصة فاهتبلوها. وذلك في شهر رمضان سنة 9؟145ه. وعزموا 
على مد اليدء وهب البلد. فمنعهم طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجق وهو أميرهم 
وكبيرهم؛ وقال لهم نحن في شهر حرام فتك حرمته؛ ولا فتك عصمته؛ ولا يحصل من 
النهب أربء وإنما تسوء به السمعة ويشيع الشنعة. فنفرت جماعته من مقاله وسخخفوا 
رأيه في تبين حرام الفعل وحلاله. فما زال بمم طغرلبك يقول لهم: أمهلوا بقية هذا 
الشهرء واعملوا ما شكتم بعد الفطر. وفي أثناء ذلك وصل إليهم كتاب القائم بأمر الله 
أمير المومنين» يخوفهم ويذكرهم بالله» ويحملهم على رعاية عباده وعمارة بلاده 
فخلعوا على الرسول المعروف بأبي بكر الطوسي ثلاث عشرة خلعة. وتباهوا برسالة 
الخليفة وازدادوا يما قوة ورفعة. 

ولما كان يوم العيد اجتمعوا من القريب والبعيد وهموا بالنهب» فركب طغرلبك 
لنعهم» وحد ف ردعهم. وقال؛ الآن وقد حاء كتاب الخليفة المفترض الطاعة على 
الخليقة. وقد حصنا من توليته إيانا بالحق والحقيقة. فلح عليه أخوه جغري بك داود 
وأخرج سكينه وقال: إن تركتئ وإلا قتلت نفسي بيدي. فرق له وسكنه؛ وأراه أنه 
مكنه, وأرضاه .بلغ أربعين ألف دينار قسطه؛ ووزن أهل البلد معظمه؛ وأدى هو من 


١5‏ تاريخ دولة آل سلجوق 
ماله الباقي وغرمه. وجلس على سرير الملك الذي كان محمود بن سبكتكين في 
نيسابورء وفهى وأمرء وأعطى وأخذ» وأبرم ونقضء وأحكم وقوض. وجلس يومي 
الأحد والأربعاء لكشف المظالم. وبسط المعدئة وبث المكارم. وسير أخاه داود إلى 
سرحس فملكهاء وج له طريقة ف العدل فسلكهاءوسيرٌ إلى دار الخلافة المعظمة 
رسولا يعرف بأبي إسحاق الفقاعي؛ صبيح البهجة؛ فصيح اللهجة» بكتاب مضمونه 
نهم لما وحدوا ابن يمين الدولة مائلا عن الخير والسموء مشتغلا بالشر والعتو» غاروا 
للمسلمين والبلاد. وهم عبيد أمير المؤمنين في حفظ البلاد والعياد. وقد سوا سنة 
العدل؛ وأسنوا سنا الفضل. وبطلوا مراسم العسفء وعطلوا مواسم الحيف. 

ومضى رسوههم؛ وقضى سؤهم. وتواصلت مع مسعود بن محمود بن سبكتكين 
حرويهم؛ وهزموه ب سنة 147٠‏ ه. واشتدت منعتهم» وقويت شوكتهم واستولوا على 
خراسان وتحاوزوها إلى العراق. وطرأوا على ملك الديلم» ورموه بالصيّلهم0"©. 
وغلبوا الأملاك؛ وبلغوا الأفلاك؛ واقتسموا البلاد» وطرفوا طرافها والتلاد. 

قال: وللسلطان طغرليك محمد بن ميكائيل بن سلجقء» ولأخيه حغري بك أبي 
سليمان داود بن ميكائيل بن سلجق» من فر حيحون إلى نيسابور» ولأخيه من أمه 
وهو ابن عمه؛ إبراهيم بن ينال بن سلحق» قهستان وجرجان؛ ولابن عمه أبي علي 
الحسن بن موسى بن سلجقء هراة وبوشنج وسجستان وبلاد الغور. 

وقال: وامتد طغرلبك إلى الري»: وقد كانوا حعلوا له جميع ما يفتحه من هذا 
الصوب. فحمد الرأي بالري» وبمرت عدة جحدته بعد اللىّ. ووحد في دور الديلم 
دفائن وخزائن» سفرت بما أيامه عن أيامن. فتأثل وتأثث» وورى زند سعده بما ورّث. 
وقدم قدامه إبراهيم بن ينال فقر بقرميسين وانتزعها من الأمير أبي الشوك فارس بن 
محمد بن عتاز» وحل بحلوان. وتوق أبو الشوك في شهر رمضانء» وذلك سنة 47197 
ه. وفي هذه السنة وزّر رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن بن مسلمة للقائم 
بأمر الله وهي أول سنة ورد فيها الأتراك إلى العراق» وانتشروا منها في الآفاق. 

قال: وكان عند طغرلبك رسول الخليفة» وهو أبر محمد هبة الله بن محمد ابن 





)١(‏ الصيلم: السيف. 


تاريخ دولة آل سلجوق ما 
الحسن بن المأمون مقيما يدعوه إلى بغداد ولا يدعه يقيم» ويروم منه صدق القصد ولا 
برم. وطال بالحضرة حضوره. حّ حرك عزمه؛ فعزم على الحركة واندقفع كالسيلء 
وكسا العلق عجاج فيلقه صبغة الليل؛ ولم يترك الترك وردا إلا شفهوه؛ ولا حسنا إلا 
شوهوهء ولا نارا إلا أرشوهاء ولا دارا إلا شعقوهاء ولا عصمة إلا رفعوهاء ولا وصمة 
إلا وضعوهاء وأحفل الملرك من الخوف أقدامهم؛ وتنحوا من طريق ضرامهم. فما 
حاءوا إلى بلدة إلا ملكوا مالكهاء وملأوا مسالكهاء وأرعبوا ساكنيها وأسكنوها 
الرعب» وغلبوا ولاتما وولوها الغلب. وأزورًوا إلى الزوراء» وأشاعوا مد اليد بالغارة 
الشعواء. 
ذكر دخول السلطان ركن الدولة طفرلبك أبي 
شجاع محمد بن ميكائيل بن سلجق 
إلى بغداد في 4" من رمضان سنة /ا4 4ه 
ومعه الوزير عميد الملك أبو نصر محمد 
ابن منصور الكنذري وهو أول وزراء السلجقية 

قال: كان حصيفا فصيحا رجيحا بحيحاء متسلطا .مكانه» متمكنا من سلطانه, 
يرحى ويخشي» ويفصد ويغشي. والسّلطان» بأذنه وناظره يسمع ويبصرء وبإذنه ونظره 
يرفعم ويضع. وله البهجة المهيبة» واللهجة المصيبة. وكان مع السلطان طغرلبك يوم 
وصوله إلى بغداد» وقد نرج رئيس الرؤساء وزير الإمام القائم لاستقبال السلطان» 
ومعه أرباب المناصب وأصحاب المراتب. وقاضي القضاة والشهودء والجنود والبنود. 
فلما وصل إلى نهر بين» لقيه صاحب للسلطان من المقربين. وقدم للوزير فرسًا وقال: 
هذا مركوب السلطان وقربهء» فنزل عن بغلته وركبه. وجاءه بعد ذلك عميد الملك 
أبو نصر الكندري في موكب ضحمء وفخر فخم. وقد وقف يتوقع مطلعه. فلما بصر 
به قصد عميد الملك أبو نصر أن يترجل فمنعه. وتعانقا راكبين وخلطا الموكبين. 

ووصل السلطان إلى بغداد ونزل على دجلة؛ عند مسناة عز الدولة رائع الحيبة» 
رائق الهيئة» قد ضاقت الأرض بحنوده؛» وضاقت السماء عذيّات بنوده. فقبض على 


1 تاريخ دولة آل سلجوق 
الملك الرحيم أبي نصر الديلمي من نسل عضد الدولة؛ وسيره إلى الري فقطع عليه 
الأحل الطريق في طريقهاء وآذنت جموع مالك الديلم بتفريقها. وقبض عميد الملك أبو 
نصر الكندري الوزير الأعز أبا سعد وزير الملك الرحيم؛ ثم استدام صحته حين ألفاه 
في الكفاية صحيح الأدم, وأطلقه وأطلق يده في الحل والعقد والحبس والإطلاق. 
وعول عليه وفرض إليه النظر في العراق. 

قال: وتوق هذه السنة قاضي القضاة الحسين بن على بن ماكولةء فخاطب 
عميد الملك ف توليه قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن الدمغان» فتسنت قاعدته في 
ذي القعدة من السئة. وأحسن العناية به لمعانيه الحسنة. قال: هو قدوتنا بخراسان 
الموصوف بمجميع الألسنة. وحضر عميد الملك الكندري في بيت النوبة الشريفة» وخعص 
من دار الخلافة بالمزلة اللطيفة. وانفذت معه برسم السلطان لع سنية»؛ وتشريفات 
سرية. 

قال: وتقدم طغرلبك ببناء مدينة على دجلة؛ وهي الى جامعها اليوم باق» 
وكانت حينئذ ذات أسوار وأسواق. 

قال: ودحلت سنة م44+هه, وفي المحرم منها عقد الخليفة على ابنة أخخي 
طغرلبك أرسلان خحاتون محديجة بنت داود بن ميكائيل» وقصد بذلك تعظيمه 
والتبجيل: ولئلا يجد الأعداء بهذه الوصلة إلى قطع سبيل المودة بينهما. 

ذكر الحال في ذلك 

قال: في المحرم جلس الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين. وأحضر عميد الملك 
الكندري وقدمه على المقدمين وتقدم إليه بإاحضار من يجرز إحضارهء ويقع عليه 
إيثاره. فشد وسطه وأخل دبوسا في يدهء وحرى في حفظ آداب الخدمة على بجحدده, 
واستدعى أماثل دولة السلطان فخدموا الخليفة» وشاهدوا السدة الشريفة. ثم شرع 
رئيس الرؤساء في خخحطبة النكاح؛ وجاء بما على وفق الاقتراح: واستوعب شرائط 
الإيجاب بالذكرء من تسمية المخطوبة والمهر. ثم قال: إن رأى سيدنا ومولانا أن ينعم 
بالقبول. فقال الخليفة: قد قبلنا هذا العقد يبمذا الصداق. فامتزجت الدولتان 
بالاستحقاق واستمرت البركة» واستقرت المملكة, 


تاريخ :دولة آل سلجوق ١8‏ 

قال: وف هذه السنة كانت ولادة المقتدي سحرة الأربعاء» ثامن حماد الأول» 
وسمي: عبد الله وكين: أبا القاسم وأمه جارية لذخيرة الدين أبي العباس بن القائم بأمر 
الله. وكانت وفاة الذحيرة في ذي القعدة سنة لا4 4ه وعمره 4 إسئة. وبوفاته قامت 
قيامة القائم» فإنه كان ولي عهده ولمى يكن له ولد سواهم» فلما ولدت جاريته ابن 
استجدٌ به حدًا ويهاء ويمناً وأمناً. وجلس رئيس الرؤساء ثلاثة أيام للهناء. وحضر 
عميد الملك وجماعة الأمراء. 

قال: وتوف في هذه السنة عميد الرؤساء أبو طالب بن أيوب عن 7٠١‏ سنة» وقد 
كتب للخليفة ١5‏ سنة» وكانت حسساته سائرة) وسيرته حسنة. 

ذكر عوارض عرضت وحوادث حدثت 

قال: كان ابن عم طغرلبك بالموصل وديار بكرء وهو قتلمش بن إسرائيل بن 
سلجق» متسق الأمر» متسع الصدر. فاحتمع البساسيري؛ وهو أبو الحارث أرسلان؛ 
وقريش بن بدران العقيلي» ونور الدولة دبيس بن على بن مزيد الأسدي على حربه. 
وأوقعوا به وبمحزبه. وكانت الوقعة بسنجار. ومضى قتلمش إلى همذان موليا. فانتحى 
طغرلبك من ذلك وتوحه إلى الموصل» فأجفل البساسيري إلى الرحبة. فأذعنت 
لطغرئبك البلاد؛ وواتاه الأدب» ووافاه العرب؛ وأطاعه الأميران دبيس وقريش. واتصل 
به أخوه ياقرتٍ بن داودء فزادت قوته» وأرعبت بالناس صولته. وكان على أهل 
سنجار حاقداء فإهم مثلوا بقتلى قتلمش»؛ وتركوهم بالعراء. وأظهروا الرءوس على 
القصب, وأحذوا النفوس بالوصب. فسار طغرلبك إلى سنجار واجتاحها واستباحهاء 
وسلب أرواحها وأشباحهاء إلى أن شفع فيهم إبراهيم بن ينال فعفا بعد أن عفى. 
وكف بعد ما اكتفى. 

قال: وفي هذه السنة مات أبو العلاء المعري. 

ذكر عودة السلطان إلى بغداد وحضوره بين يدي الخليفة 

قال: وعاد إلى بغداد ظافر اليد وافر الأيادي: وجلس له الخليفة يوم السبت 50 
من ذي القعدة» فركب دجلة بحريًا تياره في تيارهاء حىّ وصل إلى باب الرقة من 
السدة الشريفة ودارها. وقدم له فرس فركبها ودخل راكبا إلى دهليز صحن السلام, 


١‏ تاريخ دولة ال سلحوق 
وحصن الإسلام. ثم نزل ومشىء والأمراء بين يديه بغير سلاح يمشون.؛ إلى حيث 
الخلالة مقيمة» والدلالة بالقائم قائمة؛ والرسالة ملائمة؛ والإمامة دائمة» والنبوة 
مستمرة الإرث؛ والمروة مستقرة البعث. وستارة البهاء مسدولة على البهو؛ وطهارة 
الانتماء بحبولة بالزهو. والقائم بأمر الله حالس من وراء الستره على سدة مشرفة 
مُشرقة؛ ل إيوان منه للحلال إيواء» ودار أرضها للإقبال سماء. وعلى كتفه وبيده 
البردة والقضيب النبويان» وهما بماء الطهر المحمدي رويان. 

ولما قرب طغرلبك من المقر الأشرف, والمرقى المسجفء ورفعت ستارة البهوء 
وأنار وجه الخليفة» كالقمر في سدفة السدة الشريفة» أدّى الفرضء وقبل الأرض. ثم 
مثل قائما للقالم؛ ووقف لترقب ما يقف عليه من المراسم. وصعد رئيس الرؤساء إلى 
سرير لطيف فقال له الخليفة: أصعد ركن الدولة إليك ومعه محمد بن المنصور الكندري 
مفسرًا ومترجماء ومعربا عنه ما كان معجما. ثم وضع لطغرلبك كرسي جلس عليه. 
وفسر عميد الملك له تفويض الخليفة إليه. ثم قام طغرلبك إلى مقام الرفعة» ومكان 
الخلعة؛ واحتيى بعز الاحتباءء واحتاب خلع الاجتباء. وتُوّج وطوق وسورء وأفيضت 
عليه سبع خلم سود في زيق واحدء واتخذت له مملكة الأقاليم السبعة» وشرّف بعمامة 
سمكية مذهبة: فجمع له بين تاجي العرب والعجم. وسما يمما وتسمى بالمتوج والمعمم؛ 
وقلد سيفا محلى بالذهب. فخرج ف أحلى الحلي وأهيب الأهب. وعاد وجلس على 
الكرسي» ورام تقبيل الأرض» ول يتمكن لموضع التاج الخسروي. وسأل مصافحة 
الخليفة فأعطاه يده دفعتين, فقليها ووضعها على العين. وقلده سيفا آخر كان بين 
يديه. فتم له بتقليد السيفين تقلد ولاية الدولتين. فخاطبه تملك المشرق والمغرب» 
وأحضر عهده وقال: هذا عهدنا يقرأه عليك؛ محمد بن منصور بن محمدء صاحبنا 
ووديعتنا عندك» فاحفظه واحرسه؛ فإنه الثقة المأمون» وانهض في دعة الله محفرظاء 


وبعين الكلاة ملحوظا. 
قال: ولأبي الفضل صردر في عميد الملك من قصيدة: 
ملك إذا ما العزمٌ حث جياده مرحت بأزهر شامخ الغْرنين 


بأغنٌ ما أبصرت نور جبينه إلا اقتضاي بالسجوده جبيني 


تاريخ دولة آل سلحوق ١91١‏ 
عمّت فواضلهُ البرية فالتقى شكرٌ الغني ودعوة المسكين 
لو كان في الزمن القديم تظلمّت منه الكنورُ إلى يدي قارون 
قال: وفي سئة ٠ه‏ انتقض على طغرلبك أمر الموصلء فقد كان استخلف 
هما الأميرين آدم وباتكين. فقصدحما البساسيري وقريش بن بدران وحاصراهما أربعة 
أشهرء واخرجاهما بأمان» فعاود طغرلبك الخروج إلى الموصل لطلب الداء المعضل, 
ونصب ينصيبين مضاربه؛ فخالفه إبراهيم بن ينال خبالعا للطاعة,» ومضى إلى همذان 
ناويًا للمناوأة. فسار السلطان ورأوه من نصيبين إلى همذان في سبعة أيام, ونفذ وزيره 
عميد الملك وزوحته نحاتون إلى مدينة السلام. ثم كتب إليهما يستدعيهماء؛ فتمسك 
كما الخليفة» وتواترت الأراحيف المخيفة» فتارة بوصول البساسيري» وتارة بافزام 
السلطان من أنخيه. 
قال: وشرع عميد الملك الكندري في أذ العهد بالمملكة لأنوشروان ابن 
حاتون» وأنفق من ماله الظاهر والمخرون. فما وفقا ولا استوثقا. وأرادت خاتون 
القبض عليهما فهربا. فأما عميد الملك فإنه انحدر إلى الأهوازء وأمن عند هزار سب بن 
بنكير بن عياض من الإعواز. وسارت خاتون تطلب السلطان؛ ولحق بما ولدها 
أنوشروان», وذلك في سنة ١ه4‏ ه. وفي هذه الفترة تمت فتنة البساسيري» ودخحل إلى 
بغداد سادس ذي القعدة سئة ٠هغ‏ ه وخرج سادس عشر ذي القعدة سنة 2,48١‏ 
وكانت سنة سيئة كادت تكون لنور الله مطفئة. فإنه دعى إلى الدعي .مصر مصراء وم 
ييحد الخليفة.كقره من دار الإمامة مقرا. وحصل من تلك الحادئة بالحديئة؛ وتوالت منه 
إلى طغرلبك إمداد كتبه ورسله المستصرخة المستغيثئة. وهو مشغول بحرب أخيه 
مهموم مما هو فيه, مغلوب الجند مسلوب الحد. 
قال: وصلب البساسيري رئيس الرؤساء وأبا محمد بن المأمون رسول الخليفة في 
استدعاء السلطان طغرلبك وقتل أصحاب قريش بن بدران عبد الرزاق أبا نصر أحمد 
ابن علي واختل نظام الإسلام؛ واعتلت دار السلام» وطالت غربة الإمام» وهالت كربة 
الأنام. إلى أن استنججد السلطان أولاد أعحيه ألب أرسلان وياقوقٍ وقاورد بن داود وهو 


بالري» فأنحدوه وأسعفوه وأسعدوى فخرج بمم إلى إبراهيم بن ينال بمفتان بولان 


0 تاريخ دولة آل سلحوق 
فكسره. ثم وجده وقد وقف به فرسه فأسره. وخنقه بوتر لوتره» وحنقه. واستراح من 
حث زميله إليه عميد الملك وجهز هزارسب حهاز مثله. وأفضل عليه لفضله. و لم يبق 
لطغرلبك بعدها سوى رد الخليفة إلى داره؛ وإظهار قمره من سراره. ورحل نحو بغداد 
فأحس البساسيري بريحه» وأيقن بتياره ووقع في تباريحه. ولما قربت العساكر السلجقية 
من بغداد بُعد. وقامت قيامته وما قعد. وكان الخليفة بحديئة عانة فطلبه قريش بن بدران 
من ابن عمه مهارش بن يحلي فحماه؛ وما أباح حماه. 

قال: وخرج مهارش بالخليفة إلى تلعفر, فقصد بدر بن مهلهل ومعه الفقيه ابن 
فورك وقد تيمن به وتبرك؛ وهناك فاز من وحّدء وهلك من أشرك. ولما وصل السلطان 
إلى بغداد سير إلى الخليفة عظماء مملكته» وصدر وزارته عميد الملك وأنوشروان ابن 
حاتون ومعهم المهد والسرادق. والخيل السوابق. ولما مثلوا بالحضرة الشريفة» وشاهدوا 
أحوال الخليفة» أراد عميد الملك أن يكتب إلى السلطان كتابا بشرح الحال» وبوصف ما 
احتلاه من المهابة والجلال. ولم يكن بين يدي الخليفة دواة» ولا أداة للكتابة مسواة. 
فأحضر من خيمته دواة عليها من الذهب ألف وسبعمائة مثقال وأضاف إليها سينا ذا 
فرند وصقال» وقال: هذه خدمة محمد بن منصور أصغر الخدم» وقد جمع ف هذه الدولة 
بين السيف والقلم. وأحسن الخليفة قبوله وععطابه» وتوج بخطه الشريف كتابه. 

ولما وصل الخليفة إلى النهروان» وصل إليه السلطان؛ وتباشرت بقدومه الأوطار 
والأوطان» واستأذنه عميد الملك في حضور السلطانء فأذن ودخلء وقبل الأرض سبع 
مرات» وأتى من أدب الخدمة الممكن.وقدم له الخليفة مخدة من دسته وقال: احلس. 
فقبلها وحلسء وآنسه فأنس. وحعل عميد الملك يفسر لهما ويترحم؛ ويعرب ويعجم. 
والسلطان يعتذر عن تأخحره وتراحيه» ما شغله من وتر أخيه. فمهد عذره؛ وهمد ذعرف 
وقلده الخليفة سيفا تبرك به. وكان قد حرج معه من الدار وذلك يوم الأحد الرابع 
والعشرين من ذي القعدة. واستقر أن يدخل إلى الدار غدّاء ويعيد بعودة عيش الإسلام 
رغدا. فلما أصبح السلطان تقدم إلى باب النوبي وجلس مكان الحاجب. فلما قرب 
الخليفة» قام وأحذ بلجام بغلته» ومشى في خدمته إلى باب حجرتهء وذلك يوم الإثنين 
الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 401١‏ ه ., فعادت الأنوار إلى الطلوع, 


تاريخ دولة ال سلحوق ١‏ 

والأنوار 2 إلى الهموع؛ وحل الشرف ف موطنه؛ وقاض الكرم من معدنه. 

قال: وهرب البساسيري إلى حلة دييس بن على بن مزيدء وقد ولت سعادته 
فهر مطلق في زي مقيد. فسير السلطان وراءه عسكراء مقدموه: سرهنك ساوتكين 
وأنوشروان وحمارتكين الطغرائي وأردم» وأنفذ معهم ابن منيع النفاجي» فواقعوا 
البساسيري وأوقعوه» ووقع في فرسه سهم رميت به فرمته» وحام حوله حماته فما 
حمته. وصادفت وجهه ضربة أدمته. وكمش كمشتكين العميدي فأسره؛ ثم احتز 
رأسه. وحمل إلى بغداد» وعلق قبالة باب النوي» وزالت بزواله نوبة النبوة الحالة بانمخل 
النبوي؛ واستقام الأمرء وأرّجٍ النشرء وتولت الغماء» وتوالت النعماء. وكان طغرلبك 
بواسط فقدم بغداد في صفر سنة 455 هء فعمل له الخليفة في روشن التاج سماطاء 
وأحضر عليه من أكابر دولته رؤساء وأوساطا. ثم عمل للسلطان في ثاني ربيع الأول 
سماطا آخخرء فاضل به من قبله من الملوك وفاخر. وتوجه في خخامس الشهر إلى الجبل. 
ودخخل عميد الملك إلى الخليفة فأقامه في موضع الاصطفاء؛ ولقبه سيد الوزراء. 

قال: وفي سنة 15١‏ ه احترقت ببغداد دار الكتب الي وقفها الوزير شابور 
ابن أردشين بين السورينء وأخحذ عميد الملك ما سلم من النار وكان أحد الحريقين. 
وتوفيت في ذي القعدة سنة ؟"ه48 ه خاتون زوجة السلطان بزمخان. 

قال: ولما رحل السلطان استصحب معه أرسلان حاتون ابنة أيه زوجة الخليفة. 
فلما استقر الرأي» عزم على نشر ما كان من رغبته في الطي. وسير قاضي الري أبا 
ساعد صاعدا إلى دار الخلافة رسولاء وضمن رسالته في خطبة السيدة ابنة القائم سؤالا 
وسؤلاء وذلك في سنة +#ه4 ه. فندب الخليفة للجواب أبا محمد بن التميمي 
للاستعفاء, وأنه لم تحر يبهذا سنة الخلفاء. ثم قيل له: إن عدمت في الاستعفاء الوسائطء 
فاطلب صداق ثلثمائة ألف دينار وأعمال واسط. فلما وصل ابن التميمي» أعلم عميد 
الملك بالحال: فقال: أما الاستعفاء فلا يحسن مع رغبة السلطان وضراعته ف السؤال, 
وأما طلب المال والأعمال» فيقبح لأنه يفعل أكثر ما يدور في خواطر الآمال» والصمت 
)١(‏ هكذا في الأصل ولعله تصحيف من الناسخ وهو يريد أن يقول: "والأمطار إلى هموع" أي: إلى 

التزول. 


ل تاريخ دولة آل سلجوق 
أولى من هذا المقال. فخلئ أخل سرك من هذا السرء ودعينٍ أتول هذا الأمر. فقال ابن 
التميمي: الأمر إليك» والاعتماد عليك؛ والصواب ما تدبره. والتدبير ما تستصيبه. 
وأنت أعرف يما تخاطب به صاحبك وما تحيبه. فقال عميد الملك للسلطان: إن القضية 
قد تسهلت» وإن العقدة قد تحللت» وإن المنية قد أمكنت», وإن البغية قد تمكنت. 

فأشاع السلطان حطبته» وأذاع رغبته. وتقدم إلى عميد الملك بالمسير مع 
أرسلان تحاتون بنت أيه زوجة الخليفة إلى دار الخلافة» واستصحب ما جاوز حد 
الكثرة من الدنائير المبدرة والجواهر المثمنة» وسيّر معها عدة من الأكابر وذوي العلىء 
ومن عظماء الديلم: فرامرز بن كاكويه وسرحاب بن كامروا. وكان قد وزر للخليفة 
في تلك السئة مجد الوزراء أبو الفتح منصور بن أحمد بن دارستء. فخرج لتلقي 
الواصلين إلى قرب النهروان» والتقى هو وعميد الملك وهثما راكبان؛ ودخل عميد الملك 
بغداد وجحلس على باب النوبي. فلما وصلت خاتون. سار في خدمتها إلى دارهاء ثم 
حضر بيت النوبة وأخذ دواة الوزير ابن دارست. وأهى حضوره وحضور الأمراء 
الذين معه؛ وأدى من الرسالة ما أودعه. فنفر الخليفة وغضبء, وغاض ماء بشره 
ونضبء؛ وقصد الامتناع ومنع المقصود وسد الباب وم يفتح الباب المسدود. فشرع 
عميد الملك يتكلم بكل فنء ويقعقع بكل شنء ويقول: ما بالكم افترحتم. ثم امتنعتم؟ 
وفيم ذهبتم إلى أبعد غاية في الطلب ثم رجعتم؟ وقد خخاطرتم عند السلطان بدميء 
وأزلتم .مما قدمتم من التقدم قدمي. فأخرج إلى النهروان مضاربه» ولع الأهبة السوداء 
ولبس البياض» فاستوقفه ابن يوسف وقاضي القضاة ليستنزلوه من المضارة إلى 
المراضاة. وما زالا يتلطفان به» حيّ حضر بعد ذلك عند الخليفة دفعتين) ومعه جماعة 
من الأمراء والحجاب والقضاة والشهود وبلغ في الخطاب وبذل المجهود. وذلك 
في حماد الآخر سنة ه45 هص. 
وقال الخليفة: ‏ نحن بنو العباس», خير الناس. فينا الإمامة والزعامة: إلى .يوم 
القيامة. من تمسك بنا رشد وهدى. ومن ناوأنا ضل وغوى ». 

وكان الخليفة قد كتب إلى عميد الملك: أسأل مولانا أمير المؤمنين التطول 
بذكر ما شرف به الخادم الناصح شاهنشاه ركن الدين فيما رغب فيه) وسمت نفسه 


تاريخ دولة آل سلحوق ١56‏ 
إليه. وأراد أن يقول الخليفة ما يلزمه من الإحابة» ففطن لذلك وغالطه وقال: قد سطر 
في الجواب ما فيه كفاية. فانصرف عاتباء وذهب مغاضبا. وراح راحلا ورد المال إلى 
همذان, وأحبر بالحال السلطان. 

وكان الخليفة قد كتب إلى جمارتكين الطغرائي يشكو من عميد الملك وإلحاحه. 
فكتب في جوابه يشير بالرفق والتطلف؛ وينص على التثبيت والتوقف. فنسب عميد 
الملك قطع الحديث في الوصلة إلى مخامرة حمارتكين فتغير» السلطان عليه فرهب وهرب» 
وتسرع وتسرب. وكتب السلطان إلى قاضي القضاة والشيخ أبي منصور يوسف بالعتب 
الممض؛ والخطب المقضء وقال: هذا حزائي من الإمام القائم وقد قتلت أخحي في طاعته 
(رعنت عمري لساعته» وأنفقت أموالي في خدمته. وطلبت فقري لثروته! فما ياله ما 
بالي برذ قولي» وقال بردي» وصد قصدي. وقصد صدي! وكتب إلى عميد الملك بأن 
يقبض الإقطاعات ولا يترك للخليفة إلا ما كان باسم الإمام القادر قديماء وأن يكون 
لمعارضة أسبابه مستديا. فحضر العبيد رئيس العراقيين بيت النوبة وعرض الكتبء وأعاد 
العتب. فخخترج جواب الخليفة: ما رحونا من ركن الدين ما صنع؛ وما توقعنا ما وقع؛ 
وبين يديك الإقطاعات فاقطعهاء وقد ارتفعت الموانع فامنعها. 

قال: وحرحت السْنّة» والوحشة القائمية قائمة» وعين التأنيس عن إزالة أسبابما 
نائمة. فلما دخحلت سنة +151 ه أجاب الخليفة في المحرم منها إلى الوصلة» وكتب 
وكالة باسم عميد الملك شهد فيها قاضي القضاة وابن يوسف .ما سمعاه من تلفظه 
بالإحابة» وضبطت الشهادات بالكتابة. وسير أبو الغنائم بن المحلبان في الرسالةء 
واستصحب كتابة الوكالة: فسر السلطان واحتفل» ووفي له القدر بما كفل. وعقد 
العقد في ظاهر تبريز بالمحيم. وكان رئيس العراقيين بالمعسكر فأعيد إلى بغداد في 
صحبة ابن المحلبان» وسيرت على يده افداياء وأصحبه برسم الخليفة ثلاثين غلاما 
وحارية أتراكاء على ثلاثين فرسا وخادمين» وفرسا يبمركب ذهب وسرج مرصع 
بالجواهر الثمينة») وعشرة آلاف دينارء» وبرسم السيدة عشرة آلاف دينار» وتوقيعا 
بيعقويا وها كان نكاتون:المتوقاة بالعزاق» بوعقدا قم ددرن شيف كل الولوة متفال: 
وبرسم عدة الدين حخمسة آلاف دينارء وبرسم السيدة والدة المخطوبة ثلاثة آللاف 
دينار» وذلك في شوال من السنة. فلما قرب رئيس العراقيين من بغداد؛ تلقاه الئاس 


1131011 .» اربج الس 
واستبشروا بانتظام الألفة بين الإمامة والسلطة» فلما وصل إلى باب النوبي نزل وقبل 
الأرض» ثم وصل إلى باب أرسلان حاتون زوجة الخليفة» وأدى من خدمتها الفرض» 
وأوصل إليها ما حمله. فتولت تسليمه؛ وباشرت عرضه بالمقام النبوي وتقدعه. ش 
ذكر سبب تولي ابن دارست وزارة الخليفة إلى حين انصرافه 

قال: كانت وزارته في سنة ه14 ه وسبب ذلك أن الخليفة لما عاد إلى الدار 
عدم الوزير» وفقد من يتولى التدبير. فحدث رأيه بأنه يستخدم رحلا خدمه بالحديئة 
وهو أبو تراب الأثيري» وقد وجده أثير الأثر فلقيه حاجب الحجاب عر الأمة. 
واستخدمه في الإنهاء وحضور المواكب وتنفيذ الأوامر المهمة. 

قال: وكانت بين ابن يوسف وبين الأثيري وحشة, حملت ابن يوسف على أن 
ذكر ابن دارست وقرّظه. وقال: إنه مع أمانته يخدم بغير إقطاع ويؤدي مالا. فمضت 
الكتب إليه وهو في شيراز باستدعائه, فقدم الجواب باستعفائه. فخرج إليه ابن رضوان 
ومعه ظفر الخادم لاستقدامه. وقوي عزمه أبو القاسم صهر ابن يوسفء فورد بقوة 
اعتزامه. و كتب عميد الملك عن السلطان إلى الخليفة بأنه كاره لاستقدامه واستخدامه, 
لا ملاقة مع ثروة المال من الكفاية وإعدامه. فأجاب الخليفة: أنه مع وصوله إلى واسط 
ومفارقته وطنهء لا يجوز ردهء ولا يخلف وعده. وقدم بغداد ثامن ربيع الأول سنة 
*45ه, ووصل إلى الخليفة ثْ منتصف شهر ربيع الآخخره وأفيضت لع الوزراة 
عليه»وأفضت مع الوزارة الأمور إليه. وبقى في المنصب منتصبا إلى رابع ذي الحجة سنة 
4ه؛ه ء فإنه صرف من ثلك المرائتب بل ترك الخدمة مستعفياء» ولرقة بحاهه 
مستحفيا. قال: وكانت وفاته بالأهواز حادي عشر شعبان سنة 451 ه. 

ذكر حوادث ف هذه السنين 

قال: في سنة 4٠٠‏ ه توق القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر 
الطبري ببغداد» عن مائة سنة وسنتين. وكان صحيح السمع والبصرء سليم الأعضاء 
يناظر ويفي؛ ويستدرك على الفقهاء. وحضر عميد الملك الكندري جنازته» ودفن 
بالجانب الغربي عند قبر الإمام أحمد بن حنبل. 

قال: وفي آحر هذه السنة توف أقضى القضاة أبو الحسن على بن محمد ابن 


تاريخ دولة آل سلحوق ١0‏ 

حبيب الماوردي؛ وقد كان في العلم بحرا زاخراء وفي الشرع بدرًا زاهرا. 

قال: (( بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة (يعني الحاوي) واختصرته: في 
أربعين )) (يعين الإقناع)» فياللهما من بحرين نضباء وبدرين غرباء وطودين وقعاء 
وجودين أقلعا. 

قال: وفي سنة “5غ ه توف قريش بن بدران» وتولى ولده مسلم إمارة بي 
عقيل. وتوق في شُواها نصر الدولة أبو نصر بن مروان .ميافارقين» عن نيف وممانين 
سنة. وف يوم عرفة من سنة 4014 ه وزر فخخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن 
حهير للخليفة. وسبب ذلك أنه كان مقيما مميافارقين عند ابن مروان في جاه وعزء آمرٌ 
ناه فسمت همته وعلت سعادته. وكتب إلي الخليفة يرغب ف زيارته لوزارته؛ وأنه 
يبذل بذلاء ويحمل حمولا. فندب إليه من دار الخلافة نقيب النقباء الكامل أبو الفوارس 
طراد بن محمد الزيبي» وقرر ما أراد تقريره ودبر ما شاء تدبيره. فخرج من ميافارقين 
عند الفصال نقيب النقباء ليودعه؛ وسار معه؛ وفات ابن مروان ولم يلحقه لما تبعه. 
وخرج الناس عند وصوله إلى بغداد لاستقباله» ونزل بالحرتم الطاهري؛ ومكث ثمانية 
أيام حى جاوز الكسوف, ونشق لشر العز المشوف. وتيمن بيوم عرفة فحضر بيت 
النوبة وقد أسعدته السعادة: واجتمع هناك من طبقات الناس من جرت به العادة. 
واحتفل له الخليفة باالجلوسء وطلع نور اليمن من أفقه؛ وقرأ أمين الدولة أبو سعيد بن 
الموصلايا توقيعا حرج في حقه. 

ذكر وصول السلطان طغرلبك إلى بغداد 

قال -رحمه الله-: في محرم سئة 4080 ه توجه السلطان إلى بغداد من أرمية بعزم 
الدحول على الزوجة»؛ وغعرج فخر الدولة بن جهير وتلقاه بالقفص ف الموكب الأعظم 
والأيمة الباهرة والأهبة الزاهرة. ونزل عسكره بالجانب الغربي فزادت به الأزية 7, 
وارتاعت الرعية» ووصل عميد الملك إلى السدة الشريفة مطالبا بالشريفة السيدة 
فوقعت الإجابة ف نقل الجهة إلى دار المملكة» ونزلت منها في الحجرة الشرقية باليمن 
والبركة. وزفت في ليلة النصف من صفر وجلس على سرير ملبس بالذهب؛ يخطف 


)١(‏ كذا في الأصل ولعله يريد "الأذية" أي الضرر. 


م5١‏ تاريخ دولة آل سلجحوق 
التواظر منه أشعة الذهب. ودخخل إليها وقبل الأرض وخدمهاء وجلس بإزائها على 
سرير ملبس بالفضة» وقد كان أنفذ لها مع بنت أيه زوجة الخليفة» عقدين نفيسين 
وصارت نفسه لها موكلة بالحب» وظهر منه يما سرورء وسره منها لشرفه ظهور. وبقى 
مدة أسبوع يهب ويخلع, ويمنح ولا يمنع؛ وخلع على عبيد الملك وعلى الأمراء» وأفاض 
التشريفات على الأكابر والعظماء. فقد كان ورد معه إلى بغداد أبو علي ابن الملك أبي 
كاليجار. وهزارسب. وفرامرز بن كاكويه؛ وسرحاب بن بدر بن مهلهل. فما منهم 
إلا من أفضيت عليه الخلع الرائقة» وأضيفت له العطايا اللائقة. 

قال: وحضر عميد الملك 52 تاسع شهر ربيع الأول بيت النوبة, واستاذن 
للسلطان ف الأوبة» وأن يستصحب السيدة والخاتوذ)» وذكر أهم بعد مضيهم عن 
قريب آتونء فأذن في ذلك الخليفة. وكانت أرسلان حاتون قد حملت من أطراح 
الخليفة لهاغما. وأما السيدة فقد كره الخليفة مسيرها. فلما مضت أمضت بألم فراقها؛ 
وومضت لأمل رفاقها. ولما انفصل السلطان عن بغداد أذن لهرارسب ف المضي إلى 
الأهوازء مرعيا بالإعزاز. فإنه مكث على بابه ثلاث سنين لا يؤذن له في الانفصال» 
ولا يؤذن إربه المفارق بالوصال. وعقد ضمان بغداد على أي سعد القايئ بثمانية 
وحمسين ألف دينار» فأعاد كل ما أبطله رئيس العراقيين من ضر الضرائب» وشر 
النوائب. وقد كان هذا يتولى مطبخ عميد الملك؛ وهو أستاذ داره» فجرى المقدور 
برفع مقداره. 

ذكر وفاة السلطان طفرلبك بالري 

قال: وفي يوم الجمعة امن شهر رمضان سنئة 5٠ه1؛1‏ ه توفي طفغرلبك بالري 
فاضطرب يلكه الملك. وبلغ عميد الملك نعيه وهو على سبعين فرسخا من الري فقطعها 
في يومين إشفاقا من تشويش يتم؛ وتشوير (© ينم. فوصل وهو بحاله لم يدفن ولم يقبرء 
فتولى دفنه» وتوحى سكون الخلق وأمنه. ومنع الغلمان من شق الثياب؛: وأخرج جميع ما 
كان يملكه على العسكر حىّ الدواب. وأجلس سليمان بن داود ابن أخي السلطان. 


)١(‏ التشوير: المتنة. 


تاريخ دولة آل سلحوق لط 
وكانت أمه عنده» ونص عليه» وقرر الأمر له وفوضه إليه. فسكنت الممالك» وأمنت 
المسالك. 
ذكر سيرة طغرلبك -رحمه الله- 

قال: كان كربما حليما محافظا على الطاعة. وصلاة الجماعة» وصوم الائنين 
والخميس.. وكان يلبس الواذاري والبياض» وأشبهت أيامه بمحاسن سيرة الرياض. 
وكان لا يرى القتل ولا يسفك دماء ولا يهتك محرمًا. وكان شديد الاحتمال» سديد 
الأفعال. حكى عنه أقضى القضاة الماوردي أنه توجه في رسالة القائم إليه في سنة 477 
ها ء فكتب فيه كتابا (( ضمنته الطعن عليه والقدح فيه وغمط محاسنه وبسط 
مساويه. ووقع الكتاب من غلامي فحل إليه فوقف عليه ثم حتمه وكتمه: ولم يتغير 
عن عادة إكرامي وشيمة احترامي ») قال: وكذلك ذكر أن بعض خواصه كتب 
ملطفات إلى أبي كاليجارء يطلعه فيها على بعض الأسرار. فوقعت في يده فأخفاهاء 
وداوى هفوته بحلمه وشفاها. وكان كثير الصدقات حريصا على بناء المساحد» متعبذا 
متهجدًا. ويقرل: أستحي من الله أن أب دارًا ولا ابئ يحنبها مسحدا. 

قال: وحكى عميد الملك: أنه لما مرض قال: إنما مثلي في مرضي مثل شاة تشد 
قوائمها لحز الصوف. فتظن أفا تذبح فتضطرب» حى إذ أطلقت تفرح؛ ثم تشد 
قوائمها للذبح» فتظن أنها لحر الصوف. وتسكن فتذبح. وهذا المرض شد القوائم 
للذبح» وكان كما قال. قال: وتوقٍ وعمره سبعون. قال: وحكى عميد الملك أن 
طغرلبك قال له: رأيت منامي ف مبتدأ أمري بخراسان كأني رفعت إلى السماءء وقيل 
لي: سل حاحتك تُقَضَ» فقلت: ما شيغ أحب إلى من طول العمر. فقيل: عمرك 
سبعون. قال: قال عميد الملك: وكنت سألته عن السنة الي ولد فيهاء فقال: السنة الي 
حرج فيها الخان الفلاني بما وراء النهر. فلماء توي حسبت المدة فكالت سبعين سنة 
كاملة. ولما وصل حبر وفاته إلى بغداد جلس الوزير فخحر الدولة ابن جهير للعزاء به قي 
صحن السلام في السادس والعشرين من شهر رمضان. 

ذكر جلوس السلطان عضد الدولة ألب أرسلان 


أبي شجاع محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجق 
قال: توي أبوه داود ببلخ سنة ٠.‏ 6)56 وقام مقامه. ولما حطب لأخيه سليمان 


6.؟ تاريخ دولة أل سلحوق 
بالري بعد وفاة طغرلبك» مضى أرسعن وأردم إلى قزوين» وحطب لألب أرسلان. 
وبلغ عميد الملك ذلكء؛ فأقام الخطبة بالري لألب أرسلان؛ وبعده لسليمان. وأقبل 
إقبال الضيغم الضاري. وأقدم إقدام الخضم الجاري. وكان ابن عم أبيه قتلمش بن 
إسرائيل ني كردكوه؛ وقد طمع في الملك» ولم يعلم أن ذلك يورطه ف الهلك. فعارضه 
في جموعه فتقابلا وتقاتئلا, وانحلت المعركة عن قتل قتلمش وكانت منيته قي عثور 
الفرس به. وقتل ألب أرسلان من التركمان عدة وافرة» وحاز من أموالهم غنيمة 
ظاهرة. وساق حى وصل إلى خحوار الري ظافر الجندء ظاهر الجد ومعه وزيره 
نظام الملك أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي. فتلقاه عميد الملك في 
حشمه وتخدمهة وكوسه وعلمه وعربه وعجمه, وأجلسه على السرير» وحرف 
على عادته معه ثِي التدبير. فغار نظام الملك من استقلاله, واحتال مده في قبضه 
واعتقاله. فلما كان في محرم سنة 9ه ه زار عميد الملك نظام الملك زيارة إيناس 
واعتذاره وترك بين يديه منديلا فيه حمسمائة دينار. فلما انصرف من حضرته. سار 
أكثر العسكر ف خدمته. فتخوف السلطان من عاقبة ذلك ومغبته» فأمر بقبضه وأنفذه 
إلى مرو الروز ومكث سنة في الاعتقال بما. ثم سير إليه غلامين فدخلا عليه وهو 
محموم, وأخيراه بأن قتله أمر محتوم. وأنظراه حي اغتسل وتوضاأ وتاب». ودخل لوداع 
أهله ورج إلى مسجد فصلى ر كعتين» واستسلم للقضاء المقدر بالحين, ووججد الغلظة 
فإنها لفت في حرقة كانت لفافة البردة النبوية كان استهداها من الخليفة» وق قميص 
دبيقي من ملابس القائم الشريفة. وقبر في قبر أبيه بكندر. 

وكانت مده وزارته تماني سين وشهورا. ولم يزل موسم جحاهه فيها مشهودا 
مشهورا. وكان عمره نيفا وأربعين سنة. وكانت محاسنه مفضلة. وفضائله محسنة. لكنه 
لكنْه تقوره وقوينه» وغاية غيّه في سوء التدبير وتوهينه» قصرت يده الطولى عن 
استمالة القلوب الحافية» واستلانة الخطوب الآبية. قال: وكان يرجع إلى حسب ونبل 
وأدب وفضل. وهر الذي يقول: 

الموت هر ولكني إذا ظمئت نفسي إلى المجد مستحل لمشربه 
رئاسة باض في رأسي وساومها تدور فيه وأخشى أن تدور به 


تاريخ دولة آل سلحوق 6.١‏ 
قال: وكان خصيًا. وسبب ذلك أن طغرلبك أنفذه في ابتداء حاله؛ وريعان 
إقباله» ليخطب امرأة فزوحها لنفسه وعصاه. ولما ظفر به أقره على خدمته بعد أن 
حصاه. وكان حنفي المذهب كثير التعصب لذهبه: والذهاب مع عصبته. ثم فارق 
التعصب وجمع بن العصابتين» وحسن رأي احتهاده في الإصابتين. وكان سبب معرفته 
بطغرلبك؛ أنه لما ورد نيسابور افتقر إلى كاتب يجمع في العربية والفارسية بين 
الفصاحتين» فدله عليه الموفق والد أبي سهلء فظفر منه بشاب في رأي كهل. 
ذكر نظام الملك 
قال: ولما صرف عميد الملك وعزلء ونقل إلى حيث اعتقل. استوى أمر نظام 
الملك وبزغت بالسناء خمسه. وبلغت المئ نفسه؛ وعلا علمه. وجرى قلمه. وترفعت 
وسادته» وتفرعت سيادته. ومضت مضاربه ومضت سحائيه. 


0# 8# 8# 


ذكر ما جرى لألب أرسلان بعد ملكه 


قال -رحمه الله-: كان قاورد بن داود أخوه قد استولى على كرمان في زمان 
عمه طغرلبك في سنة !514 ه ء وملك شيراز في سنة 156٠‏ ه ., وقتل كل ديلمي 
يما وسفك وهتك؛ وبطش وأوحش. وحالف أحاه ألب أرسلان»: واعتصم منه مدينة 
بردشير بكرمان. فسار إليه ألب أرسلان وآمنهء وأحذ قلعة اصطخرء وأتاه مستحفظها 
بتحف فيروزج؛ وكأس زمرد لم ير مثلها. وشمل بلاد فارس إحسان الدولة وعدها. 

قال: ووصل إليه شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن قريش في سنة 461 هبه 
فأكرم وفادتهء وأكثر إفادتهء وأجرى في إقطاعه هيت والأنبار وحربي والسن 
والبوازيج. ووصل شرف الدولة هذا إلى بغداد في شهر ربيع الآخر سنة لاه4 هاء 
فتلقاه الوزير» فخحر الدولة ابن جهير: وألفى من إقباله عليه نخير ظهير. قال: وأوغل 
السلطان في بلاد الخرر من طريق تخجوان» وكثر لإعانة الإيمان ونصره الأنصار 
والأعوان. 


20 ْ تاريخ دولة آل سلجوق 

وألحا ملك الأبخاز بقراط بن كيوركي إلى طلب هدنته» وعرض ابنته. فتزوج بها 
وهادنهء وقبل بذله وأمنه. ثم طلق الملكة الكرجية وزوجها لنظام الملك وزيره» وسار 
وفتح بلد آني» وعنت له البلاد» وأذعتت العباد» وسرى البأس وسر الناس. 

ذكر وصول شرف الملك أبي سعد محمد ابن 
منصور بن محمد مستوفي المملكة إلى بغداد 

قال: وكان وصوله إلى بغداد في صفر سنئة 55 ه »ء وقد كان جليل النسب» 
حلي الحسب. وما تولى للسلجقية مثله كرمًا وخيرّاء وفضلا كثيّراء وغنئ وغَناء؛ وسنا 
وستاء. قال عماد الدين -رحمه الله-: وكان جدي لأمي أمين الدين على المستوثي 
-رحمه الله- كاتبا له في ريعان عمرهء وعنفوان أمره. إلى أن صار بعد كاتبا لخزانة 
السلطان محمد بن ملكشاه. وكان بحدئئ ف صغري وهو شيخ كبير عن شرف الملك 
بكل ما يدل على سيادة نفسه؛ ونفاسة سودده. وذكر أنه كان مع فضله ذا تفضل؛ 
ومع إجماله ذا تجمل. 

وحكى أنه كانت له ثلثمائة وستون كسوة مكملة. مفضلة معزلة على عدد أيام 
السئة» من الملابس الفاخرة» فيلبس كل يوم ما يناسبه من أيام الفصول الأربعة. فإذا 
لع منها أو وهب, أعاد نخازنه إلى الخزانة عرض ما ذهب. 

فلما وصل إلى بغداد؛ حضر بيت النوبة قي ثاني عشر صفرء فبشر بإقباله سفيرا 
وجه القبول»: وسفر ونخحدم المخليفة .عمصحف حليل» وقطعة بلحخش ف منديل. وأوصل 
كتاب السلطان في خريطة سوداء وسر الأوداء؛ وساء الأعداء. 

قال: ووحد نواب نظام الملك الوزير قد شرعوا في بناء المدرسة» فاغتنم إقداره 
على الاقتداء؛ وبئى على ضريح أبي حنيفة -رحمه الله- بباب الطاق مشهدًا ومدرسة 
لأصحابه؛ وأعلم ممعلمها ثوب ثوابه. قال: وكتب الشريف أبو حعفر البياضي على 
القبة: 

ألم تر هذا العلم كان مشتنا فجمعه هذا العُيِبْ في اللحد 

كذلك كانت هذه الأرض ميتة فأنشرها فضل العميد أبىي سعد 


تاريخ دولة آل سلحوق م" 
قال: ووصلت أرسلان سحاتون زوجة الخليفة إلى بغداد في مستهل جماد الأول 
سئة 4595 ه ء واستقبلها الوزير فخر الدولة على فراسخ. وجلا فجر فخره السافر 
وطود وقاره الراسخ» ووقفت موكبها له عند القرب من الالتقاء» وخدمها على ظهر 
فرسه بالدعاء. وأقبلت وقبلت». ودحل وحلت وعادت إلى عادة السعادة» ووافت 
للزيادة» للإيفاء على الزيادة. 
ذكر حوادث طوارئ وطوارق واتفاقات وموافقات 
قال: في شهر رمضان سنة 8ه؛: ه توق محمد بن الحسين بن الفراء شيخ 
الحنابلة» وناهج طريقهم السابلة. وف هذه السنة استتم بناء المدرسة النظامية ببغداد, 
وانلتظمت أحواهاء وسكنها من حملة الشريعة رجاها. ودرس فيها الشيخ أبو إسحاق 
الشيرازي؛ -رحمه الله-, فأحيا من العلم ما درس» وكشف من الحق ما التبس. وشرح 
الأصول وفرعهاء وأوضح الأدلة ونوعها. وف سنة 47٠8‏ ه توف الشيخ عبد الله أبو 
منصور بن يوسفء وكان من أمائل بغداد وأعيانهاء والمرجوع إليه في نوائب الليالي 
وحدثانما. وكان قد أجمع الناس على صلاحه: واستحادة رأيه واسترجاحه. ومن جملة 
خيراته, أنه تسلم البيمارستان العضدي وقد استولى عليه الخراب» وناب أوقافه 
بالنوائب النوّاب. فعمره وطبقه وأحسن في أحواله ترتيباء وأقام فيه ثلاثة خخران وثمانية 
وعشرين طبيبا. قال: ورثاه أبو الفضل صردر بقصيدته الي أوها: 
لا قبلئا في ذا المصاب عزاء أحسن الدهر بعده أم أساء 
قال: وفي هذه السنة توق أبو الجوائر الواسطي, وكان شاعر زمانه؛ وفارس 
ميدانه. وفي هذه السنة توق أيضا أبو جعفر الطوسي ممشهد أمير المؤمنين علي ه 
وكان إمام الشيعة؛ وهو الذي صنف التفسيره ويسر من أمورهم العسيرء وثي جماد 
الأول من هذه السنة كانت زلزلة بأرض فلسطين أهلكت الديار وأتلفتهاء وخربت 
مبانيها ونسفتها. وفيه توفي صاحب ديوان الزمام أبو نصر محمد بن أحمد المعروف بابن 
جميلة» ورثاه أبو الفضل بقصيدة منها: 
إن يكن للحياء ماء فما كان له غير ذلك- الوجه مزنا 
فف نفسي على حسام صقيلٍ كيف صارت له الجنادل جفنا 
ولفيس من الذخائر الم يؤومن عليه فاستودع الأرض حزنا 


004 تاريخ دولة آل سلجوق 

قال: فرتب في ديوان الزمام أبو القاسم بن فخحر الدولة بن جهيرء ولقب عميد 
الو ساءء واجتاب خلعة الاجتباء. ومدحه أبو الفضل بقصيدته الي أوها: 

صبحها الدمع ومساها الأرق كم بين هذين بقاء للحدق 

وف ثاني عشر رحب ورد إلى بغداد أبو العباس الخوافي عميداء وقدم بخوافي 
حاهه وقوادمه حميدا. قال: وعزل الوزير فخر الدولة بن حهير ليلة المهرحان في ذي 
القعدة بالتوقيع الإمامي .بمحضر من قاضي المضاة أبي عبد الله الدامغاني» فسار إلى نور 
الدولة دبيس وهو بالفلوجة فآواه وأكرم مثواه. وقد كانت الوزارة تقررت لأبي يعلى 
والد الوزير أبي شجاع؛ وهو كاتب "هزارسب" بن بنكير فكوتب للزيارة» وخحوطب 
بالوزارة فورد الخبرمرضه يوم صرف ابن جهيرء وبوفاته يوم وصوله إلى الفلوحة كما 
جرى به قلم التقدير. 

وف سنة 47١‏ ه عول الخليفة في الوزارة على أبي الحسن بن عبد الرحيمء 
فثار العوام وقالوا: لا طاقة لنا من ظلمة بورود الجحيمء فهو الذي أتى بالبساسيري 
وأعلن أحداث الليالي» وقالت خاتون: هو الذي نهب مالي. فصرف قبل التصريف» 
ونكر قبل التعريف. ولم يزل الخليفة فيمن يستوزره يفكرء حي كاتب نور الدولة 
الخليفة في مععئى ابن حهير» وذكر أنه حير وزير وظهير. فأاحاب إلى إعادته إلى عادته. 
ووصل ل ثاني عشر صفر وجلس له في التاج. ووحد أمله بالنحح مفتوح الرتاج. 
وقال له: (( الحمد لله حامع الشمل بعد شتاته وواصل الحبل بعد بتاته )). وف تلك 
النوبة مدحه صردر أبو الفضل بقصيدته الي مطلعها: 

قد رجع الحق إلى نصابه وأنت من دون الورى أولى به 

وركب هو وولداه في موكب, واحتاز في جميع محال الجانب الغربي ونثر عليه 
أهل الكرخ أكياس الدراهم والدنانير» وخرج إليه توقيع من إنشاء ابن الموصلاياء 
وتسدت له المراتب السسنايا. 

قال: وفي النصف من شعيان هذه السئة احترق حامع دمشق» ففجع الإسلام 
ممصابه» وصلت النيران في محرابه واشتعل رأس القبة شيبا كما شبت» وأكلت أم الليالي 
منها. ما ربت. وطار النسر يحناح الضرامء وكاد يحترق عليه قلب بيت الله الحرام. 


تاريخ دولة آل لجرت كر 

وكأن الجحيم استجارت به فتمسكت بذيله؛ أو كأن النهار ذكر ثأرا عنده فعطف 
على ليله .. فواهًا له من مسجد أحرقته نفحات أنفاس الساحدين» وعلقت فيه 
لفحات قلوب الواجدين. وقيل: أصابت حسنها العيون» واتحم بذلك الولاة المصريون. 
ثم تدا ركه الله بالألطاف والإطفاءء وأتاه بالشفاء بعد الإشفاء. وقال: حسبه اصطلاء 
واصطلاماء وحقق فيه قوله:( قُلْنا يا ارُ كوني بَرْدًا وسّلامًا). 

قال: وفي سنة “47 ه أقبل كلب الروم في جموعه, وأخحين على من ,نبج 
واجتاحهاء واستى حاميتها واستباحها. وعاد إلى قسطنطينيته وقد ساءوت آثاره, 
والدين قد ثار ثاره. وفي هذه السنة زوج نظام الملك بنته لعميد الدولة أبي منصور 
محمد بن فر الدولة الوزير بن جهيره وصارت له مصاهرته خير ظهير. وكان عميد 
الدولة قد توجه إلى السلطان بالري قْ رسالة» فتلقى بكرامة وحلالة. واستتمت له 
هذه المصاهرة» واستتبت المظاهرة. ووصل في رحبء ولي صحبته رسل محمد بن أبي 
هاشم وقد كان بعثهم إلى السلطان؛ وضمن م إقامة الخطبة له ممكة) حرسها الله 
تعالى. وخلع الخليفة على عميد الدولة في بيت النوبة؛ فرفل في ملابس الاصطناع: 
وجعل إليه الإناء والمطالعة ومراعاة الإقطاع. وقرئ له توقيع من إنشاء ابن الموصلايا 
تمكن به من افتراع عذرة الارتفاع» وتصدر ف الوسادة» وتصدى للسيادة. 

وفي هذه السئة توفي تاج الملوك هزار سب بن بنكير بن عياض منصرفا من باب 
السلطان ألب أرسلان وهو حارج من أصفهان على قصد خحوزستان. وكان قد علا 
أمره وعرض جاههء وتزوج بأعت السلطان؛ واستظهر منه بالمكانة والإمكان. وتزوج 
بعده مسلم بن قريش بأءحت السلطان زوحته؛ وتدرج إلى درحته. وفي هذه السنة ورد 
أمير الحرمين محمد بن أبي هاشم الحسين إلى بغداد على قصد الوفادة إلى السلطان؛ 
فكتب الخليفة معه بعد أن فترقه اورفعة» وعاد افق رع سنة +12 4 هم من المعسكر 
السلطانى على باب آمد, وقد استفاد الفوائد» وأفاد المحامد. 

ذكر أحوال ألب أرسلان بديار بكر والشام 

قال -رحمه الله-: ولما توحه ألب أرسلان إلى ديار بكرء حرج إليه نصر ابن 

مروان وتلقآه. وحمل له مائة ألف دينارء فقيل إحسانه وأحسن قبوله.» وسأل عن 


6 تاريخ دولة آل سلحوق 
قضاياه وقضى سوله. وقيل: إنه قيل له إن هذا المال قد قسطه على البلاد فأمر برده. 
وعف عنه وعاف وبيل وردهء وانتهى إلى أمد آمد من قصده. فوحد ثغرها ممتنعاء 
وسورها مرتفعًا. فمسح السلطان للتبرك به يده على سورها وأمرها على صدره. ثم 
توجه منها إلى الشام وعبر بالرهاء وتعذر عليه أمرها. فحل بحلب وشرع في حصارهاء 
وأحاط بأسوارهاء وصاحبها حينئذ محمود بن صالح بن مرداس وكان قد حطب ف 
تلك السنة لبي العباس. وقد وحد لتشريف الخليفة خلف سروره حافلا» وأصبح في 
ملابس الحلال وخلع الحمال رافلا؛ وعنده من جانب الخليفة نقيب النقباء الكامل أبو 
الفوارس طراد بن محمد الزيبي: فضايقه ألب أرسلان وأخذ ممخنقه, ووقف على 
طرقه. ورج نقيب النقباء وسأل أن ظل الإكرام عنه لا يقلص» وأن ورد الأنعام عليه 
لا ينغص. فأبى الرضي عن محمود إلا بدوس بساطه حامدا راضياء ولعفوه عافياء ولحق 
طاعته وضراعته متقاضيا. فلم يخرج إليه؛ فاحتد القتال» واحتدم النزال. وطال 
الحصار؛ وطارت الأحجار. ووقع في فرس السلطان حجر استشاط من وقعهء فخرج 
ليلا إلى السلطان ومعه والدته منيعة بنت وثاب النميري يخضعان ويضرعان» وقالت 
للسلطان: (( هذا ولدي قد جئتك به فافعل ما تحب. وقد اعترفنا وعرفنا أن سلامتنا 
إلا بسلمك لا تستتب )). قال: فعفا السلطان وصفح, وأعاد محمودا إلى مكانه محمود 
المكانة» وقد ارتفع بالتواضع وتسامى بالاستكانة» وأمنت الشهباء؛ وسكنت الدهماء. 
ذكر خروج ملك الروم وكسره وقسره وأسره 

قال: وبلغ السلطان خحروج أرمانوس ملك الروم في جمع لا يخصى عدده. ولا 
بحصر مدده. فلما سمع هذا الخبر أغذ السير إلى أذربيجان» إذ سمع أن متملك الروم 
أخذ على سمت خخلاط ('؟. وكان السلطان في خواص حنده.؛ فلم ير أن يعود إلى بلاده 
ليجمع عساكره»؛ ويستدعي من الجهات للحهاد قبائل الدين وعشائره. فسير نظام 
الملك وزيره وخحاتون زوجته إلى تبريز مع أثقاله» وبقي في حمسة عشر ألف فارس من 
نخب رجالهء ومع كل واحد فرس يركبه وآخخر يجنبه. والروم في ثلثمائة ألف 
ويزيدون؛ ما بين رومي وروسي وغزي وقفحاقي وكرحي وأبخاني وخزري وفرنحي 


)١(‏ سمت: طريق» وخلاط: اسم المقاطعة. 


تاريخ دولة ال ملخوف .م 
وأرمئ. ورأى السلطان أنه إن تمهل لحشد الجموع ذهب الوقت وعظم بلاء البلادء 
وثقلت أعباء العباد. فركب في نخبته وتوجه في عصبته وقال: (( أنا أحتسب عن الله 
نفسي» وإن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخنضر من حواصل النسور الغبر 
رمسيء وإن نصرت فما أسعدن وأنا أمسي» ويومي نخير من أمسي )). 

تم توكل على الله وسار يمذه العزيمة الماضية القوية» والصريمة الصارمة الرؤية. 
وكان متملك الروم قد قدم رؤساء مقدمين من الروس في عشرين ألف فرس؛ ومعهم 
عظيمهم الأصلب» وصليبهم الأعظم, وخالطوا بلاد خلاط بالبلاء والسلب والسباء. 
فخرج إليهم عسكر خلاط ومقدمهم صنداق التركي فصب صبح البيض على ليل 
النقع المظلم» وخاض إلى العز مشمرا نار الحريق المتضرم» وقتل منهم خلقا كثيراء وقاد 
قائدهم في القيد أسيفا أسيرا. فأمر السلطان بججدع أنفه» وإرحاء حتفهء وذلك يوم 
الثلاثاء رابع ذي القعدة سلة 179 همس. وعحل الصليب السليب إلى نظام الملك 
ليجعل إنقاذه إلى دار السلام: مبشرا بسلامة الإسلام. وتلاحق عسكر الروم ونزل 
على خلاط محاصراء وأهلها واثقون بالله الذي لم يزل لدينه ناصرا. ونسزل متملك 
الروم على منازكرد في أنصار نصرانيته» وعمداء معموديته. فانزعج سكافا 
وتزعزعت أركانهاء وعلموا أنه ليست هم ما نزل بحم طاقةء وأن دماءهم لا شك 
بسيوف الكفر مهراقة» فخرحوا بأمان: وسلموا البلد؛ فبيتهم تلك الليلة عند بلاطه 
تحت احتياطه, 

فلما بكر يوم الأربعاء» سبرهم بأسرهم في أسرء وأردفهم يبعسكر محر» وخخرج 
ليشيعهم بنفسهء وهو في جماعة حماته وحمسه. ووافق ذلك وصول أوائل العسكر 
السلطاني ووقعت العين في لين واحجتمعت على المجالدة أجادل الجمعين. وحرى 
الخيلء وجرف السيل؛ وابحر من الأرض على السماء الذيل. وصحت على الروم 
كسرة أردقم» وصدفتهم عن مقصدهم وصدقم. فانعكسوا إلى بحلمهم في مخيمهم, 
وانكشفوا .ما تم من عرس الإسلام مأتمهم. وشرعت المنازكردية يتسللون؛ فقتل الروم 
منهم من أدركه أجله وبْحا الباقون» وعرف الروم أفهم للموت ملاقون» وعاد متملكهم 
إلى مضاربه وبات تلك الليلة والكوسان تصرخء والبوقات تنفخ. 

ولما أصبحوا بكرة يوم الخميس وصل السلطان ألب أرسلان ونزل على النهرء 


ومعه من المقاتلة الأتراك حمسة عشر ألف فارس لا يعرفون سوى القتل والقهر. وكلب 
الروم نازل بين خلاط ومنازكرد في موضع يعرف بالزهرة؛ وهو في مائيّ ألف فارس 
من ذوي القلوب المدلحمة» والوحوه المكفهرة؛ وبين العسكريين فرسخ. وبين بحرى 
التوحيد والتثليث برزخ. فأرسل ألب أرسلان رسولاء وحمله سؤالا وسؤلا. ومقصوده 
أن يكشف سرهم., ويتعرف أمرهمء ويقول للملك: إن كنت ترغب في هدنة أتممناهاء 
وإن كنت تزهد فيها توكلنا على الله في العزيمة وصممناها. فظن أنه إنما راسله عن 
حور فأبى واستكبر ونبا وتعسرء وأجاب بأني سوف أجيب عن هذا الرأي بالري. 
وانتهى عن النهي إلى غاية الغي. فاغتاظ السلطان وارتفعت بينهما المخاطبة» وانقطعت 
المواصلة. ولبث يوم الخميس الخميسان 27 يعبيان» ولداعي المنون يلبيان. والشمس 
تشكو حر ما تصاعد إليها من زفرات الأحقاد, وكأنما شعاعها دم أراقته على الآفاق 
وخزانات تلك الصعاد. والطلائع على المطالع؛ والمنايا على الثنايا. والعزم السلطاني إلى 
اللقاء مشرئب؛ وللمضاء مستتبء فقال له فقيهه وإمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك 
البخاري الحنفي: (( إنك تقاتل عن دين الله الذي وعد بإظهاره» فألقهم يوم الجمعة 
بعد الزوال» والناس يدعون لك على المتابر )). 

فلما أصبحوا يوم الجمعة ارتحت الأرض بالضجاجء واربتحت السماء بالعحاجء 
وقد لقحت الحرب العوان بالمهندة الذكورء والمسومة الفحولء والكماة الحماة يحمون 
حمي الحمام ويحومون حول اعرد ووقعت الطوالع في الطوالع» وقرعت القواطع 
بالقواطع. وغنت الظبى ورقصت المران» ومال القنا وجالت الفرسان» ودارت الكؤووس 
وطارت الرؤوس. وما فتفت الفتيان جور ”؟ وتحول؛ والخرصان تصوب وتصول. إلى 
أن دنا وقت الزوال» ودان لمقت الدين مقت النزال» وصدحت أعواد المنابر 
بالخطباء» وصدقت نيات أهل الجمعة للمجاهدين في إخلاص الدعاء» فنزل ألب 
أرسلان عن فرسه وشد للحزم حزامه. وأحكم سرجه ولجامه» ثم ركب جواده» وثبت 
فواده» وقوى قلبه» وسوى قلبه. وفرق أصحابه أربع فرق كل فرقة منهم في كمينء 
)١(‏ الخميسان: الجيشان. 
)١(‏ تحور: تصرع. 


تاريخ دولة آل سلحوق 32 

وراح وله من الروح الأمين بير أمين. 

ولما علم أن الكمين مكين؛ وأن الضمير شاهد .ما يشهده من النصر ضمين, 
تلقى بوحه الحرٌ حر الحرب: واستحلى طعم الطعن وضرب الضرب. وحمل متملك 
الروم بجمعهء وأحذ ببصر الدهر وسمعه. وأقبل كالسيل يطلب القرارء والليل يسلب 
النهار. وثبت لهم خيل الإسلام ثم وثبت» وحالت وما وجلتء واستجرت الروم إلى 
أن صار الكمين من ورائهاء ووقفت المنون بإزائها. ثم حرج من خلفها وذوو الأقدام 
من قدامهاء ووقعت نار البيض فق حلفاء هامهاء فآذنت بانهزامها وانكسرت كسرة لا 
تقبل حبراء فطائفة لم تثبت للقتال ولح تصبرء وطائفة ثبتث فقتلت صبراء فما نحت من 
أولئك الألوف آحاد» وما سلمت من أعداء الإسلام أعداد. وملك الملك وقيد وقيد 
وقيذًا '؟, وأسر ولح يجد له معينا ولا معيدا'. وركب المسلمون أكتافهم, وقتل الآحاد 
آلافهم وطهرت الأرض من خحبثهم2 وفرشت بجللهم. وصارت الوهاد بأشلاء القتلى 
أكماء والمرُوت (') من قصد القنا أجما. 

.قال: وكانت مع الروم ثلاثة آلاف عصل تنقل الأحمال» وتحمل الأثقال» ومن 
المنحنيقات اليّ تحملها منحنيق هو أعظمها وأثقلهاء له ثمانية أسهم. ويمد فيها ألف 
ومائتا رجلء. ويحمله ماثة عجل. يرمي حجرا وزنه بالرطل الكبير الخلاطي قنطارء 
وكأنه حبل له في الجو مطار. 

قال: وشملهم بأسرهم القتل والأسر. وبقيت أمواهم منبوذة بالعراء لا ترام 
ومعروضة لا تسام. وسقطت قيم الدواب والكراع» والسلاح ولمتاع. حى بيعت 
بسدس ديئار اثنتا عشرة حوذة» وبدينار ثلاث دراع 7). 

ومن عجيب ما حكي 1 أسر الملك, أنه كان لسعد الدولة كوهرائين, مملوك 
أهداه لنظام الملك فرده عليه؛ ولم ينظر إليهء» فرغبه فيه كثيرا. فقال نظام الملك: وما 
يراد منه. عسى أن تأتينا ملك الروم أسيرا! وذكر ذلك استهزاء به واستصغارا لقدره 
)١(‏ الوفيذ: المشرف على الموت. 
)١(‏ المروت: المفازة بلا نبات. 
(9) جمع درع. 


000 تاريخ دولة ال سلحوق 
واحتقارا لأمره. فاتفق وقوع متملك الروم يوم المصاف في أسر ذلك الغلام» ووافق 
تصديق قول النظام. ولع السلطان عليه وقال: (( اقترح من العطاء ما أعطيك )) 
فطلب بشارة غزنة. 

قال: ودحل السلطان إلى أذربيجان يملكه وأيده”'؟: والملك ف قيده وصيده. 
وهو أسيف جهده؛ وأسير جهله؛ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. فإنه خرج وف نيته 
فتح الدنيا وحتف الدين؛ وقهر السلاطين» ونصر الشياطين. ثم ذل بعد العر وهانء 
وتعرض للابتذال كل ما صان. ثم تعطف عليه السلطان وأحضره بين يديه وقال: 
(( أخخبرني بصدقك ف قصدك؛ وما الذي قدرت لو قدرت )). فقال: (( كنت 
أحسب أني أحبس من أسرته منكم مع الكلاب» وأحعله في السبايا والأسلاب» وإن 
أذتك مأسوراء اتخذت لك وقد ساء حوري ساحجورام) (). فال السلطان: 
((قد عثرت على سر شركء؛ فماذا بك الآن نصنع. ونحن مننك هما تويته فينا لا تقنع )). 
فقال: (( انظر عاقبة فساد نيي» والعقوبة الى حرا إلي حريرت )). فرق له قلب ألب 
أرسلان وأرسله. وفك قيده ووصله؛ وأفرج عنه معجلاء وسرحه مبجلا. ولما انصرف 
الملك أرمانوس مأنوسا رمى ناسه اسمه, ومحوا من الملك رحسممه. وقالوا هذا من عداد 
الملوك ساقط وزعموا أن المسيح عليه ساخط. 

ذكر أحداث حدثت ف هذه السنين 

قال: في آخر سنة 47 ه توفي أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المْحدّث 
الخطيب مؤلف تاريخ بغدادء وكان علامة دهره وعالم عصره. ول سنة 414 هم 
كان السلطان رتب لبغداد شحنة يقال له آيتكين السليماني» ووردها في شهر ربيع 
الأول» فلم يرض الخليفة بتوليته» وذلك لأن ابنه قتل أحد الغلمان الدارية فصرفه 
السلطان بسعد الدولة كوهرائين» ووصل إلى بغداد في شهر ربيع الآخرء في جمع 
كالبحر الزاخرء ووقع بإقباله الاحتفال» ورتب لحفلة الاستقبال. وخرج الناس على 
طبقاتهم لتلقيه» وحرى القدر بترقيه. وجلس له الخليفة في دار أرسلان خاتون, وتمذب 
)١(‏ الأيد: القوة. 
)١(‏ الساجور: خشبة تعلق في عنق الكلب. 


تاريخ دولة آل سلحوق 00 51١‏ 
البلد بسياسته» وثمت الحماية بحميته. وورد في آخخر شهر ربيع الأول الوزير أبو العلاء 
محمد بن الحسين» وعليه خلع سلطانية» وكان قد نبه السلطان إلى حدمة الخليفة لتقوية 
ما توهمه من الأسباب الضعيفة. وخصه بالحب والحباءء ولقبه بوزير الوزراء» وأقطعه 
النصف من إقطاع الوزير فخعر الدولة ابن جهير. 

فلما وصل تقدم الخليفة بأن لا يستقبل؛ ولا يحتفل به إذا أقبل ولا يقبل؛ فلما 
انتهى إلى باب النوبي» نزل وقبل الأرض وانصرف. ولم يرض للقبول وما تصرف. 
وأقام ببغداد أياما ثم رحل» وحل بالحلة المزيدية مستزيدّاء وصرف أخوه أبو المعاني عن 
الحجية؛ فعاد بعد أن كان حاحبا قريبا محجوبا بعيدا. وفي صفر من هذه السئة توجه 
عميد الدولة أبو منصور ابن الوزير بخلع أمامية إلى ألب أرسلان بنيسابورء ووكل في 
تزويج المقتدي ببنت ألب أرسلان المنعوتة بخاتون السفرية. فسفر وجه وحاهته يمذه 
السفرة الصفرية. فلما وصل تلقى بالعظماء واستقبل وتقدم بإنزاله في المرتبة الكبيرة, 
وترتيب الأنزال الكثيرة» وعقد العقد للمقتدي على بنت السلطان في أسعد ساعة؛ 
وأحسن عادة. وكان يوما مشهودا أزهرء قد نثر فيه الملوك الجوهر. ولما عاد عميد 
الدولة حجعل على أصفهان العبور» فلقى من ملكشاه ولد السلطان الب والحباء 
والحبور. وأفاض عليه الخلع الإمامية فلبسهاء وأحكم عنده قواعد الأمور في العواقب 
وأسسها. وكان ملكشاه قد عاد من شيراز وهو سائر إلى والده» وورد المملكة منه 
ظمآن إلى وارده. وعاد عميد الدولة إلى بغداد في ثامن عشر ذي الحجة» بادي الحجة 
هادي المحجة. 

ذكر وفاة ألب أرسلان في سنة حمس وستين وأربعمائة 

قال: في أول هذه السنة توحه السلطان ألب أرسلان لقصد بلاد الترك» وقد 
كملت له أسباب الملكء في أكثر من مائي ألف فارسء ومد على حيحون ؟) جسراء 
كما خط الكاتب على الطرس سطراء وكانت مدة عبور العسكر عليه شهرا. وكان 
قد قصده همس الملك تكين بن طفقاج: والإقبال قد بلغ الكمال وأوضح المنهاج. وأنه 
في سادس شهر ربيع الأول» بكر وهو في الصدر الأرحب والباع الأطول والكمال 


)١(‏ حيحون: اسم فهر. 


17 تاريخ دولة آل سلحوق 
الأكى والبهاء الأكمل. وهو جالس على سير سسرورة» لابس حبير خبورة. وممطا 
سماطيه الممدودين من فرائد مفرديه منظومانء, والبأس والتائل لأوليائه وأعدائه 
مقسومان. والعظماء واقفون والموقف عظيمء والكرماء قائمون والمقام كريمء واطيبة 





مالكة. فحمل إليه أصحابه ممُستحفظ قلعة يقال له يوسف الخوارزمي» وهووايرسف ف 
قيده» ولح يدر أنه يسرف في كيده- وحمل إلى قرب سريره وهو مع غلامين؛ وقد شدا 
بيده اليدين. 


فتقدم بأن يضرب له أربعة أوتاد لتشد إليها أطرافه» ويعجل على تلك اليئة 
إتلافه. فقال: (( مثلي يقتل هذه القتلة ويلقى هذه المثلة )). فحمى السلطان واحتد 
وأخذ قوسه وسهمه. وترك رأيه وحزمه. وأمر بحل رباطه؛ وأن يخلي عن احتياطه. 
وقال للغلامين حلياه» ورما فأخطأه. وكان على تخت» فوثب ونزلء فوقع على 
وحهه في عثرة» فجاءه يوسف انه وفاحأه يسكين ف خاصرته. وكان سعد الدولة 
كوهرائين واقفاء فجرحه يوسف جراحات وفض السلطان إلى خيمة أخرى مجحروحا. 
فأما يوسف الخوارزمي فإنه ضربه فراش أرمين بمرزية '؟ على أم رأسه؛ فوفت الضربة 
بقطع أنفاسه. وأما ألب أرسلان فإنه أحضر وزيره نظام الملك فأوصى به واليه» وعول 
في كفاية المهمات وكف الملمات عليهء وجعل ولده ملكشاه ولي عهده؛ وفوض إليه 
الملك من بعده. وحص ابنه آياز .ما كان لأبيه داود ببلخ وعين له حمسمائة ألف دينار» 
وقال له: اقصد نصرة أحيك. وجعل القلعة يما لملكشاه. وقال له: إن لم يرض فضيق 
عليه واستعن على قتاله؛ ما عين له من ماله. ووصى لأخخحيه قاورد يك بن داود بأعمال 
فارس وكرمان. وأجحرى له بتعيين شيء من المال والإحسان. وانتقل إلى حوار ربه 
فائزا بالشهادة؛ حائزا للسعادة. وكان مولده في سنئة 1714 ه ., واستشهد وقد بلغ 
من العمر أربعين سنة» وملك تسع سنين وشهورا. 

وقال: وحكى أنه قال -حين حينه؛ وقد عاين الموت بعينه: ما كنت قط في وجه 
قصدته, ولا عدو أردته إلا توكلت على الله في أمري؛ وطلبت منه نصريء وأما ف 
هذه النوبة» فإ أشرفت من تل عال؛ فرأيت عسكري في أجمل حال. فقلت أين من 


)١(‏ المرزية: عصا من حديد أو هي المطرقة. 


تاريخ دولة آل سلحوق 0" 
له قدر مصارعينء وقدرة معارضيّء وإني أصل هذا العسكر إلى أقصى الصينء 
فخرجحت على مني من الكمين. 

قال: وكان ألب أرسلان بالبرية باراء ولم يزل إحسانه عليهم من داره دارا. 
وكان يطبخ كل يوم خمسين رأسا من الغنم في مطبخه للققراء» وذلك سوى الراتب 
المعين للسماط برسم العسكر والأمراء. وكان إذا أمر ببناء» أوعز بأن يكون أسمى بنيان 
وأسعقه؛ وأشرف مكان وأشرقه ويقول: ((آثارنا هذه تدل على علوهمتنا ووفور نعمتنا)) ولف 
عدة من البنين» وهم ملكشاه وتكشء وآياز؛ وتئش» وأرسلان أرغون» وبوري برس. 

ذكر جلوس السلطان جلال الدولة أبي الفتح 
ملكشاه بن ألب أرسلان على سرير الملك 

قال: ولما دفن ألب أرسلان عند قبر أبيه .مروء وأقام ابنه آياز ببلخ» وعاد 
ملكشاه بالعساكرء ومع قاورد بوفاة أيه ألب أرسلان فسار للمري طالباء وفي الملك 
راغبًا. فسيقه إليها ملكشاه» وأمن ما كان يخشاه. وصار منها قاصدا للقاء قاورد 
وردّهء وفل حذه. فالتقوا بقرب همذان؛ رابع شعبان. وكان عسكر ملكشاه إلى عمه 
مائلا وبقوله قائلا. فلما تلاطم البحران؛ والتقى الجمعان.» حمل قاورد على ميمنة 
ملكشاه وجعلها دكاء وأوسعها فتكا. وحمل شرف الدولة مسلم بن قريش وقاء 
الدولة منصور بن دبيس ومن معهما من العرب والأكراد على ميمنة قاورد فدكوها 
وخرقوها. وغاظ أصحاب ملكشاه ما صح من كسر عمه وقالوا: ما عرتنا هذه 
الأكدار إلا من الأعراب والأكراد. وصدونا بقصدهم عن مراد المراد. فمضى 
المنهزمون من أصحاب ملكشاه إلى حلل العرب وفبوهاء وشنوا عليها الغارة وسلبوها. 
وحاء رجل من أهل القرى إلى ملكشاه وأخيره بأن عمه في قرية بقربه؛ وقد انفرد عن 
حزبه. فسار إليه وأحذهء وأمضى فيه حكم بأسه وأنفذه. وتقدم إلى كوهرائين بخنقه 
وهو يتضرع ويتضورء فخنقه غلام أرمٍ أعور. 

قال: وملك ملكشاه. وجاءه الجاه. وحمل أمر أمرائه بحلمه. وحكم برضاهم 
وأرضاهم بحكمه. وخلع على نظام الملك؛ ورد به الملك إلى النظام. وعول عليه ف 
تولي وزارته ومناصبه العظام. وأعطى سرهنك ساونكين أعمال قاورد عمه. ولقبه 


”1١‏ تاريخ دولة أل سلحوق 
بلقبه عماد الدولة» وولاه ولاياته وخخصه مناجيقه وكوساته. وأحزل لأمراء العرب 
والأكراد نصيب الاصطفاء والاصطناع؛ ووفر حظه من التشريف والإطلاق والإقطاع. 

ودحلت سنة 455 ه وورد ف صفر منها سعد الدولة كوهرائين إلى بغداد 
وحلس له الخليفة القائم بأمر الله في ثاي صفر. وقام عدة الدين المقتدى على رأسه 
وهو ابن ثماني عشرة سنةء وسلم الخليفة إلى كوهرائين عهد الخلافة بعد أن قرأ أوله 
ومتضمته أنه جعل عليه قي الملك معوله. وكان إذنا عاما للخاصة والعامة في الوصول», 
ول يمنع في ذلك اليوم أحد من الدحول. وورد الخبر بوفاة آياز أي السلطان وكفى 
أمره كما كفى أمر عمه؛ قَلّْبه من شغله واستراح من همه. , 

قال: وف هذه السنة غرقت بغداد ولم يسلم سوى دار الخليفة» وما ل حوار 
سدقها الشريفة. وغرق مشهد باب التبن وانهدم سورهء ورب معموره. فأطلق له 
شرف الدولة مسلم بن قريش ألف دينار» وأعيدت عمارته؛ وأمكنت زيارته. وورد 
مويد الملك أبو بكر عبيد الله بن نظام الملك والماء طام» وغارب دحلة ذو سنام سام. 
وقد انسدت أفواه الطرق» فترك استقباله للضرورة العائقة» ودحل على غير الصورة 
اللائقة. فإنه ركب في سفيئة والحدر إلى باب المراتب» ولما حاذى التاج قام أداء 
للمواحب ولما قر في منرله: ظن أن الخليفة ما نبأ باستقباله» إلا وقد نبا عن تقبله. 
ومضى إليه النقيبان وقاضي القضاة ولم يوصلهم بل ردهم؛ وصدفهم وصدهم. وقال: 
(( جرى بي هاون وعلى تعاون )). ظ 

فأنفذ الخليفة إليه من أوضح له العذر» واستخلص منه بإنفاذ الخلع إليه الحمد 
والشكر. واستأذن الخليفة في الركوب بباب المراتب فأذن له. وأملى له ف كل مح 
أمله. قال: وورد عميد الدولة أبو منصور بن الوزير فخخر الدولة من الري مشمولا من 
حلال الدولة ملكشاه بالإحلال» وترك استقباله لما اتفق قي حق مؤيد الملك من ترك 
الاستقبال. وف آخر هذه السنة؛ توف زعيم الملك أبو الحسن بن عبد الرحيم قي الحلة 
المزيدية» وكان مرشحا للمناصب السامية السنية. 

ذكر وفاة القائم بأمر الله » وتولي المقتدي بأمر الله 
قال: وكانت وفاته ليلة المنميس ثالث عشر شعبان سنة 1451 ه »ء وقد.ءكان 


تاريخ دولة آل سلحوق ١‏ 
زرع عمره استحصد فما اقتصدء وفي ألم ألم وافتصد. ونام منفردا فانفجر قصاده» ل 
غلبه رقاده. وخرج منه حم كثير أقوت منه قواه» وانتبه والضعف قد تضاعفء. 
والحمام قد شارف. فطلب ثقاته واستحضر عدة الدين وأودعه وصايا يكون بما عن 
القائم القائه''2. وأحضر النقيبين وقاضي القضاة والقاضي أبا الحسن بن البيضاوي 
والقاضي أبا محمد بن طلحة الدامغاتي» والوزير قائم, والقائم مستند ف شباك؛ وهو فق 
سكون يشعر .ما ليس بعده من حراك. وقال لحم: (( اشهدوا على ما تضمنته هذه 
الرقعة كتبت فيها سطرين بخطي )) ثم قضى نحبه. وتولى أمير المومنين المقتدي بأمر الله 
أبو القاسم عبد الله بن الذخيرة أبي العباس محمد بن القائمء وبويع يوم وفاة حده, 
وجلس ف دار الشجرة على كرسي؛ بقميص أبيضء وعمامة بيضاء لطيفة» وفوقها 
طراحة قصب دري. ودحمل الوزير فخر. الدولة أبو نصرء وولده عميد الدولة أبو 
منصورء واستدعى مؤيد الملك بن نظام الملك والنقيبان وقاضي القضاة وحضر أعيان 
الدولة من ذوي المراتب والكفاءة» وهناك نور الدولة دبيس بن علي المزيدي وولده 
يماء الدولة وأبو عبد الله محمد بن حماد الأسدي وبايعوه» وعاقدوه على الطاعة 
وشايعوه. وصلى بناس في صحن السلام وأئتموا به وصلى على القائم وأغلقت 
الأبواب ببغداد ثلاثة أيام لعقد المأتم» وجلس فخر الدولة الوزير وابئه عميد الدولة 
للعزاء ثلاثة أيام» ومضى عميد الدولة إلى السلطان ملكشاه لأخذ البيعة عليه وحمل 
عهده إليه. وعاد إلى بغداد في سنة 458 ه وأوصله الخليفة إلى بجلسه الأشرف» 
وخمصه بإكرامه الألطف. وكان قد سير من الديوان القاضي أبو عبد الله محمد بن محمد 
البيضاوي في صحبة مؤيد الملك إلى والده نظام الملك ليسير منه إلى غزنة؛ ويأحذ البيعة 
على صاحبهاء فعاد مصحوبا بالجدة قد أترب وفرع الرتب. ولما سكن إلى الثراء سكن 
إلى الثرى. وتوف في شهر ربيع الأول من سنة 1٠١‏ ه وكان فاضلا على مذهب 
الشافعي ذكيا. 

قال: وق سنة 474 ه جد الجدب وحل المحل؛ وحط للقحط الرحل. 
)١(‏ القائم القائم: القائم الأولى تعود إلى القائم بأمر الله؛ وتعيِ الثانية أن يكون قيما على تتفيذ 
الوصايا. 


5 ؟ تاريخ دولة آل سلحوق 
وأقوت 0( القوة وعدم القوت» ح كفى الله الغمة وكشف الملمة. قال: وي هذه 
السنة تسلم نصر بن محمود صاحب حلب قلعة منبج من الروم؛ وخلصها من أيديهم؛ 
وأنقذها من تعديهم. وفي سنة 4114 ه تزوج على بن أبي منصور فرامرز بن علاء 
الدولة ابن جعفر بن كاكويه بأرسلان حاتون بنت داودء الي كانت زوجة القائم 
وكانت فارقت بغداد حين عرفت بوفاة أخيها ألب أرسلان» ورج عنهاء وتوقي بعد 
ذلك القائم عنهاء اا وعن الإمام أميًا. وي هذه السنة ورد 
إلى بغداد الشيخ الإمام أبو نصر ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري -رحمه الله- حاجاء 
وأوضح بعلمه منهاجا. ل للوعظ في النظامية؛ وق رباط الصوفية) وأبدى شعار 
الأشعرية. يزعم أنه يحقق أدلة الموحدة المنزهة. ويبطل شبه المجسمة. فثارت الفتنة من 
العامة وقصدت الجنابلة سوق المدرسة وقتلوا جماعة» وأظهروا شناعة. وكان قد ورد 
مؤيد الملك بن نظام الملك من المعسكر فلم يطق دفعاء لم يستطع منعا. فنسب نظام 
الملك إلى بن جهير الجهر بتلك الفتنة.وحنا أحناءه ('2 لهم على الإحنة '' 

واتفق وفاه ابنة نظام الملك زوحة عميد الدولة في شعبان سنة 4 ه ودفنت 
بدار الخلافة إكراماً لأبيهاء ولم تحر العادة بالدفن فيها. وانقطع ما بين النظام وبينهم 
من النظام» وآذنت عرى النسب بالانفصام. ووصل ف المحرم سنة 41/١‏ هس بشحنكية 
بغداد سعد الدولة كوهرائين وضرب على بابه ف أوقات الصلاة الثلاث الطبل» وكان 
قد منع من ذلك وقيل لم بحر به عادة من قبل. وأعقب ذلك عزل الوزير ابن جهير» 
وذلك أن كوهرائثين أوصل عند وصوله كتابا من السلطان إلى الخليفة يتضمن عزل 
الوزيرء فقيل ف حوابه إنه ليس بوزيره» وإنما الوزير ولده عميد الدولة» وقد قصد 
نحوكم بالمعسكر, ووالده ينوب عنه إلى أن يحضر. وكان عميد الدولة بعد وفاة 
زوجته حرج إلى المعسكر وعرف أن كوهرائين إن صادفه في الطريق صدقه وصرفه. 
فعرج بالجبال» وأتبع بع الترحال بالترحال. وحاء كوهرائين في النصف من صفر إلى باب 


)0 أقوت: ضعفت. 


(؟) الأحناء: جمع حنوء وهو كل ما فيه اعوجاج من البدن كالضلع. 
(7) الاحنة: الحقد. 


تاريخ دولة آل سلحوق 100" 
الفردوس» وهو على حالة من السكرء فغلق دونه الباب. وربط هناك خيله» وأقام 
هناك يومه وليله. وقال: (( لابد لي من الوزير. ولا مهلة في التأخير )). 

فلما عرف فخر الدولة الحال» قدم السؤال وطلب الاعتزال. فأذن له أن يعتزل» 
ويلزم الملزل. وخمرج إلى كوهرائين توقيع فيه لما عرف محمد بن محمد بن جهير ما 
عليه جلال الدولة ونظام الملك من المطالبة بصرفه» سأل الإذن في ملازمة داره» إلى أن 
يكاتبا في أمره؛ ولم يزل عميد الدولة يستعطف نظام الملك حي عطف», ويتألف قلبه 
حى انقلب إلى ما ألف. وألزمه تقلد منه؛ وزوج بنته بابنه. وكتب إلى كوهرائين 
بإعادته إلى الخدمة» وزيادته في الحرمة. وسأل الخليفة الإغضاء عن ذلته. ولما وصل إلى 
بغداد عزله الخليفة عن خدمته» ونقله إلى منزله عن منزلته. ورتب الوزير أبا 
شجاع محمد بن الحسين نائبا في الديوان وجلس بغير مخدة» ثم توزر عميد الدولة ابن 
جهير للخليفة المقتدي في سنة 417 ه وأفضيت عليه خلع آذنت بتبجيله» وتولى 
أمين الدولة وابن الموصلايا قراءة توقيع حرج في حقه بتجميله. 

قال الإمام عماد الدين محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصفهاني - رحمه الله- 
: ولما كان الكتاب الذي صنفه أنوشروان الوزير عربته وهذبته» وقد انتهيت ف هذا 
الموضع إلى مفتتحهء وصلت هذه الجملة الي ذكرتا به وجعلتها طريقا إلى دخول بابه 
لكي عند انقضاء أيام كل سلطان؛ أوردت حوادث تحددت في عصرف وأحل 
أنوشروان بنشر حديثها وذكره. ومن هاهنا يقع مما بدأ به البداية» وتكمل بتعريبه 
والاعراب عنه العناية. 

أيام السلطان جلال الدنيا والدين أبي الفتح 
ملكشاه ابن ألب أرسلان يمين أمير المؤمنين 

قال: عقد لواء سلطنته في أيام أمير المؤمنين القائم بأمر الله -رضى الله عنه- 

وعصر خلافته قد قارب انتهاءه. وشارف انقضاءه. ولهج عند وفاته يمذين البيتين: 
سلا أمّْ عمرو كيف بات أسيرها تفك الأساري حوله وهو موثق 
فإن كان مقتولا ففي القعل راحة وإن كان ممنونا عليه فمطلق 


14 تاريخ دولة آل سلجوق 

وتولى بعده الخلافة أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله -أنار الله برهانه- وبايعه هذا 
السلطان. قال: وكان ملكشاه ملكا سيرته العدل» وسريرته الإنصاف والفضل. 
شجاعا مقداما صائب الرأي والتدبير. حقيقا بالتاج والخاتم والسرير. أيامه ْ أيام آل 
سلجوق كالواسطة في العقدء قد تناسبت في الحسن بدايته وفايته. وتناسقت ف 
الإقبال فاتحته وخاتمته. ولم يتوحه إلى إقليم قسطنطينية؛ وقرر ألف دينار أحمر يحمل إلى 
حزانته من تلك الولاية» ووضع ني النواحي الي فتحها من الروم خمسين منبرا إسلامياء 
وعاد إلى الري؛ وقصد فتح سمرقند. ولم تزد مدة هذه الأعمال على شهرين. 

ولا وصل سمرقند نزل عليها وحاصرها فظفر بخانها وهو في موضع سلطافاء 
وجرت له حروب عظيمة هزمه فيها وكسره. وظفر به وأسره. فحمل غاشية السلطان 
على كتفه وسار في ركابه من موضع سرير أفراسياب» الذي كان ملك ملوك التركء 
إلى موضع سرير ملكه. وحمله أسيرا إلى العراق تحت الوثاق» ثم من عليه بالإطلاق. 
وأنعم عليه بإعادته إلى ملكه. وإعادة نظمها إلى سلكه. وتوحه السلطان في السنة 
الأرى إلى أوزكند» وصل حمل إنطاكية إليهاء وانقاد له ملك الترك» ووصل به إلى 
أصفهان, ثم أكرمه وشرفه. وأعاده إلى مقره من بلاد الترك» وهذه السعادة كلها إنما 
تيسرت بسعادة الوزير الكبير» خواجه بزرك قوام الدين نظام الملك أبي علي الحسن ابن 
على بن إسحاق رضى أمير المومنين» الوارف الظل الوافر الفضل. وكانت وزارته 
للدولة حلية» وبمحته للمملكة زينة. كأنما حلقه الله للملك والجلالة مصورا. وكان 
الإقبال له معلماء والظفر مسخرا. قد مشى ف ركابه سلطان العرب مسلم بن قريش 
وقبل حافر مر كوبه؛ وكانت ملوك الروم وغزنة وما وراء النهر ف ظل حمايته» وكنف 
رعايته. وكانت ملوك الأطراف يقبلون كتفه إجلالا وتشريفاء ويتشرفون بلبس خلعه. 
وكانوا أنحادا له على أعدائه وحر الجحافل الثقيلة» والعساكر الكثيفة. وبقي في صدر 
الوزارة ثلانين مملة. 

قال: كنت في مبتدأ أمري في خدمة الأمير بيجير أسفهسلار نخراسان» 
فأشخصي إليه من موضع كنت متوليا له تحت التوكيل»: وأنا متوجه نحوه خخائب 
الأملء منكسر القلب» على فرس حرون هزيل» يتعبي سيره وأنا في ضر شديد من 
ركوبه. فبينا أنا سائر» إذ ظهر من صدر البرية تركماني على فرس يجري حجري الماء 


تاريخ دولة ال سلحوق 50 
رهوان» فتمنيت مما كنت فيه من ألم القلب أن أكون راكبا مثل ذلك الفرسء» فتقرب 
التركمانيٍ مين واختلط بالموكلين بي وكلمهم ثم التفت إلى وقال: هل لك أن تقايض 
فرسك بفرسي؟ فحسبت أنه يهزأ بي» وقلت له يجوز مما أنا فيه من هذه امحنة أن لا 
تستهزئ بي» فنزل في الحال عن فرسه وأعطانيه وأحذ فرسي. واليوم منذ ثلاثين سنة 
أتمى لقاء ذلك التركمان وأسأل عنه ولا أحده. 

قال: وكانت علامة نظام الملك (( الحمد لله على نعمه )). وكان مؤيدا موفقا 
من جملة البشرء مخصوصا من الله بالنصر والفتح والظفر. والدهماء ساكنة في أيامه, 
وأهل الدين والعلم والفضائل راتعون ف أنعامه. 

قال: وفي أيامه نشأ للناس أولاد محباءء وتوفر على تمذيب الأبناء الآباء» 
ليحضروهم في بجلسه ويحظوا بتقريبه»: فإنه» كان يرشح كل أحد لمنصب يصلح له 
ممقدار ما يرى فيه من الرشد والفضلء؛ ومن وجد في بلدة قد تميز وتبحر في العلم» بى 
له مدرسة ووقف عليها وقفاء وجعل فيها دار كتب. قال: وكأنما عناه أبو الضياء 


الخمصي بقوله: 
وما خلقت كفاك إلا الأربع وما في عباد الله مكلك ثاب 
لعجريد هندي وإسداء نائل وتقبيل أفواه وأخدذ غنات رَ 


قال: وظهر من تدبيره في سياسة الممالك ما قاله سليمان بن عبد الملك: عجبت 
لهؤلاء الأعاحم ملكوا ألف سنة فلم يحتاحوا إلينا ساعة. وملكنا ماثة سنة لم نستغن 
عنهم ساعة. قال: وفي عصره نشأ طبقات الكتاب الجياد. وفرعوا المناصبء وولوا 
المراتب. ولم يزل بابه مجمع الفضلاءء وملجأاً العلماء» وكان نافذا بصيراء ينقب عن 
أحوال كل منهمء ويسأل عن تصرفاته وخبرته ومعرفته» فمن تفرس فيه صلاحية 
الولاية ولاه. ومن رآه مستحقا لرفع قدره رفعه وأعلاه. ومن رأى الانتفاع بعلمه 
أغناه» ورتب له ما يكفيه من حدواه؛ حي ينقطع إلى إفادة العلم ونشره» وتدريس 
الفضل وذكره وربما سيره إلى إقليم خال من العلم ليحلي به عاطله؛ ويحيي به حقه 
ويعميت باطله. 

تولى الوزارة» والملك قد اختل نظامه» والدين قد تبدلت أحكامه؛ في أواخر 


؟ تاريخ دولة آل سلجوق 
دولة الديلم» وأوائل دولة الترك؛ وقد خحربت الممالك بين إقبال هذه وإدبار تلكء وقد 
أقفرت البلاد وأقوت؛ واستولت الأيدي العادية عليها وتقوت. وقامت النوائح على 
النواحي؛ والنوادب على النوادي. تأعاد الملك إلى النظام» والدين إلى القوام. وعمر 
الولايات؛ وولى العمارات. وكانت العادة جارية يحباية الأموال من البلاد؛ وصرفها إلى 
الأحناد» ولم يكن لأحد من قبل إقطاعء فرأى نظام الملك أن الأموال لا تحصل من 
البلاد لاختلالهاء ولا يصح منها ارتفاع لاعتلالها. ففرقها على الأجناد إقطاعاء وجعلها 
هم حاصلا وارتفاعا. فتوفرت دواعيهم على عمارقًا وعادت في أقصر مدة إلى أحسن 
كال يون ايفو 

وكان للسلطان نسباء يدلون بنسبه» ويدلون بسيبهء ويستطيلون بأنهم ذو قرابته 
فقصر أيديهمء ومنع تعديهم. وساس جمهورهم بتدبيره» ونظم أمورهم بسياسته. وريما 
قرر لواحد من الجند ألف دينار في السنة» فوحه نصفه على بلد من الروم؛ ونصفه على 
وحه في أقصى خراسان» وصاحب القرار راض» وليقينه بحصول ماله غير متقاض. 
وتوقيعه مأمون التعويق» وتفويقه لسهم السداد مقرون بالتوفيق. فقسم الملك الذي 
حازه السيف بقلمه أحسن تقسيمء وقومه أحسن تقريم. وكان ينظر في الأوقاف 
والمصالح ويرتب عليها الأمناء» ويشدد ف أمرهاء ويخرف من وزرها. ويرغب في 
أحرهاء ويكلها إلى الأمنة» ولا يدعها مأكلة للخونة. 

ووظف على ملوك الأطراف وعلى أقاليم الممالك والأمصار حمولا لخزانة 
السلطان يحملوفاء وخحدما عن عصمة ولايتهم يوصلوفها. وقرر معهم الحضور إلى 
الخدمة وموالات الخدمات للحضرة؛ والوصول بالعساكر الحمة. حي ملاً الخزائن 
بالذخائر؛ والملأ بالعساكر. ونشأ له أولاد كبروا ف دولتهء فأوطأ عقبهم؛ .وأعلى 
رتبهم. ثم إنه لما وفر الأموال على الخزاتة والعسكرء جعل فيها لأرباب العلوم 
وأصحاب الحقوق حقوقا لا تؤخرء ورسوما لا تغير. وصير إحسان السلطان بين أهل 
العلم ميرانا يأحذونه بقدر الفرائض» ويأمنون يما من النوائب والعوارض. فلا جرم 
تذللت له المصاعب» وتيسرت له المطالب» ودانت له المشارق والمغارب. 


تاريخ دولة آل سلجوق أفلشا 
ذكر الأكابر والكتاب في زمانه وهم الكمال 
والشرف وسيد الرؤساء وابن يبممينار وتاج الملك 

قال: كان نظام الملك مؤيدا بقرينين» مؤيدين لدولته أمينين. وهما كمال الدولة 
أبو الرضى فضل الله بن محمد صاحب ديوان الإنشا والطغراء. وشرف الملك أبو سعد 
محمد بن منصور بن محمد صاحب ديوان الزمام والاستيفاء. وكلاهما صاحب الرأي 
والتدبير والحاه والمال والدهاءء ومعدن الفضل والعطاء. وكان طذين الكبيرين نائبان. 
والكمال ولده سيد الرؤساء أبو المحاسن محمدء وكان مقبلا مقبولاء قد اختصه 
السلطان بخدمته, واختاره لندمته؛ واستأمنه على سره. وبلغت مرتبته من اصطفاء 
السلطان إلى غاية لم يبلغها أنيس ولم يصل إلى رتبتها جليس. وقد كتب إليه السلطان 
يستبطنه بخط يده بيتا بالفارسية معناد, أنك لا تتأثر بالغيبة عيئ» فإنك تحد من تأنس 
به غيري. وأنا أتأثر بغيبتك فإنى لا أحد الأنس بغيرك, 

قال: فصار خختنا لنظام الملك وتزوج بابنته» وزاد ذلك في منزلته. وضرب له 
سرادق» وله الكوس والعلمء والخيل والحشم. وأما النائب عن شرف الملك فقد كان 
الأستاذ أبا غالب البراوستاني من أهل قم والنحيب اللمرباذقاني. ثم انصرف أبو غالب» 
وتولى مكانه ف النيابة الأعز الكامل؛ أبو الفضل أسعد بن محمد بن موسى البراوستاني» 
فلم يزل نائبا إلى أن صار أستاذاء ولقب بممحمد الملك. بعد شرف الملكء. ولم يكن 
لأحد من السلاطين مستوف كأبي الفضل في الضبط والتحفظء والذكر والتيقظ. 
وحفظ القوانين» وتدبير الدواوين. 

وكان أيضا ملجا لفضلاء الزمان» وموسعا عليهم بالإحسان. وكان على باب 
السلطان وف ديوانه كتاب فضلاء» وكفاة كبراءء ونواب علماء أذ كياء. 

وكان لمتولي فارس وزير يقال له: ابن يهمنيارء ويلقب بعميد الدولة. وهو رجل 
بصير بالأعمال» ذو همة عالية. فاتصل بخدمة السلطان وعلت مكانته, وسمت منزلته. 
وصار بينه وبين سيد الرؤساء اتحاد» وصداقة ووداد. وجمعت بينهما عاهة عداوة نظام 
الملك وعخالفته وتصادقا على عداوته. وكيف تكون عاقبة حال المدير» وإذا عادى 
المقبل. فلم يزالا حى نكبا وأهيناء وطردا وهجرا بعد ذلك القرب» وأبغضا بعد ذلك 


117 تاريخ دولة آل سلجوق 
الحب. وسجنا واعتقلاء وحبسا وسملا (2. وسقطت منزلة كمال الدولة أيضا 
بسقوط منزلة ولده وأدركته حرفته» ونكبته نكبته. وحدم من ماله الخزانة السلطانية 
بغلاثمائة ألف دينارء وزادت جلالة نظام الملك بعداوة المذكورين. وتولى مؤيد الملك 
ابن نظام الملك مكان كمال الدولة» من ديون الإنشاء والطغراء وأقام مدة. واستئاب 
أبا المختار الزرزق» ثم استعفى فتولى أبو المختار بحكم الأصالة» ونعت بكمال الملك. 
وكان من نواب كمال الدولة أبي الرضي وأتباعه؛ فبلغ إلى منصبه. ثم انتقل إلى جوار 
ربه. وكان الرئيس تاج الملك أبو الغنائم المرزبان بن حسرو فيروز من أولاد الوزير 
بفارس» وقد حدم السرهنك ساوتكين مدة. وهذا الأمير كبير الدولة, والمتحكم فيهاء 
وكان قد أن على تاج الملك عند السلطان وشكرهء وذكر أنه يصلح لخدمته وقال: 
إنه معتمده من خزانته وأمواله» وكان رحلا سريا يمياء فصيح اللهجة, حسن البهجة. 
له همم لا هنتهى لكبارها وثمته الصغرى أجل من الدهر 
له راحة لو أن معشار جودها علا البركان البر أندى من البحر 

فقبله السلطان وأقبل عليه وولاه وزارة أولاده الملوك, وسلم إليه حرانته» وولاه 
النظر في أمور دوره وحرمه, وعول عليه في بعض الولايات: وفوض إليه أمر بعض 
العساكرء وجعل له مع ذلك كله ديوان الطغراء والإنشاء: 

ألبسه الله ثياب العلى فلم تطل عنه ولم تقصر 

فاستناب عنه الكيا حير الدولة أبا الفتح علي بن الحسين الأردستاني» وصار 
كاتب الرسائل: وكان أوحد عصره. ونسيج وحده. وكان رحلا سكيئًاء حسن 
السمت؛ كثير الأدوات» موصوفا بالثبات. فغير تاج الملك -ببهجته المقبولة» وإصغاء 
السلطان إليه- أوضاع المملكة جميعهاء وبدد نظامها النظامي» وبدد إحسافا الحسي. 
وأذهب حلاوة قبول الوزير من قلب السلطان؛ وظهرت عليه آثار الملال. ونطقت 
أساريره بأسراره» كالماء يبوح بأسراره صفاؤه؛ وتلوح في قراره حصباؤه. ومع ذلك؛ 
كلما زاد تقريب السلطان لتاج الملك؛ ازداد تقربه إلى الوزير» بالتوقبر والتوفير. فقد 


)١(‏ ممل: فقت عينه. 


تاريخ دولة آل سلجوق شف 
كانت هذبته نكبة عميد الدولة وسيد الرؤساء. فلم يغتر من السلطان بذلك الإدناء. 
لكنه تحيل عليه؛ ودبت في الباطن عقاربه إليه. وكان يكرم بحد الملك المستوفي ويثئئ 
عليه عند السلطان. وكان سديد الملك أبو المعالي المفضل بن عبد الرزاق بن عمر 
عارض الحند فقربه أيضا تاج الملك. وجعله من حزبهء واستولى يمما على حيازة 
الأموال والأعمال» وأنفقوا على حل نظام الملك ومخالفته» وغيروا رأي السلطان في 
وزازته» وراموا إزالة ذلك الطود العظيمء ونثر ذلك السلك النظيم. وهو شيخ قد طعن 
في سنه. وبلغ بقوته أمد وهنه. وأيس من بحابة أولاده. وطال عمره حي سئمه؛ وأنس 
بالملمات فلن تؤلمه. فلم يكترث هّمء ول يلتفت إليهم ولا تأثر بكيدهم؛ ولم يقيم وزنا 
لعمرهم وزيدهم, فقتل يوما غيلة بسكين ملحدء ودفن بدفنه الجود والفضل والدين في 
ملحد. وذلك ف سنة 14/26هب. 
وتو السلطان بعد قتل الوزير بثلاثة وثلاثين يوما. ولم يعش تاج الملك بعد 
ذلك أكثر من ثلاثة أشهر على الخوف والخطرء ثم قتل قتلا ذريعا. وبضع بالسيوف 
تبضيعا. وسبب ذلكء أن المماليك النظامية اتهموه بقتله» فأجمعوا على عداوته» وفتكوا 
له فعلم الناس أن سلامة تلك الدولة وأربابماء وسلامة سلطافاء كانت بسلامة ذلك 
الشيخ منوطة: وبحياطته محوطة. 
قال: ولما مل السلطان طول مدته؛ واستطالة مكنته. وأنفذ إليه يوما تاج الملك 
برسالة» ووكل على لفظه بعين من أكابر خواصه. حى يبالغ في إبلاغهاء ولا يراقبه في 
أدائها. وكان مضمون الرسالة» أنك استوليت على ملكي وقسمت ممالكي على 
أولادك وأصهارك والمماليك» فكأنك لي في الملك شريك. أتريد أن آمر برفع دواة 
الوزارة من بين يديك» وأخلص الناس من استطالتك؟ فأحاب حواب مثبت رابط 
القلب. حاضر اللب غير مرتاع ولا مرتاب؛ وقال: (( قولوا للسلطان: كأنك اليوم 
عرفت أن في الملك مساهمكء؛ وف الدولة مقاسمك. وأن دواتي مقترئة بتاحجك فمى 
رفعتها رفع» ومين سلبتها سلب )). فلما جمع حواب الرسالة؛ ازداد في غيظه عليه 
واستشاطته» وكأن ما جحرى على نظام الملك من الاغتيال تحويزا من السلطان مضمرا. 
وأمرا مبيتا مدبرا. 
قال: ونظم أبو المعالي النحاس أبياتا بالفارسية يخاطب فيها السلطان فقال ما 


4 تار يخ دولة آل سلحوق 
معناه: كان ملكك من أبي على وأبي سعد وأبي الرضي بالعلو والسعد مرضيا. فلما آل 
إلى أبي الفضل وأبي المعاليى عاد من كسوة جملنها عريًا. عين بالأولين: نظام الملك 
الوزير» وشرف الملك المستوفي» وكمال الدولة المشرف المنشئ؛ وعبي بالآخرين: تاج 
الملك الوزيرء ويحد الملك» وسديد الملك المنشئ مع أنهم كانوا أفضل أهل زمافم. 
وكان تاج الملك يظهر أنه صائم الدهر. قال: ورأيت صلة لتاج الملك حمسة عشر ألف 
ديار في أكياسها. 
قال: ومع خخلالهم الرياضية» والخصال الزكية. لم يخلصوا من أبناء الزمان» ونشبت 
فيهم متخالب الحجاء؛ وعثرت جم ألسنة الشعراء. وقد جمعهم أبو يعلي ابن الحبارية في 
قصيدته الى يقول فيها: 
لو أن لي نفسا هربت ا ١‏ ألقى ولكن ليس لي نفس 
ما لي أقيم لدى زعانفة ١‏ شم القرون أنوفهم فطس 
لي هاأتم من سوء فعلهم وحم بحسن مدالحي عرس 
ولقد غرست المدح عندهم طعما فحنظل ذلك الغرس 
الشيخ ١‏ عينهم | وسيدهم حرف لعمرك بارد جبس”) 
كالجائليق ١‏ على عَصينّه يعدو ودار خلفه القس"") 
والناصح الغندور حتى إلى جنب الوزير كأنه جعس”" 
وأبو الفتوح أنت- تعرفه وسهيل مثل الكلب يندس 
وخليفة الري الخبيث اله بالتيس فرط القرب والأنس 
وأبو الغنائم في تبظرمه يعلو وليس ‏ ليومه أمس 
والزوري 2 فباره ‏ سمج كالموت فيه البرد والييُس 
لو أن نور الشمس في يده هن بخله لم تطلع الشمس 
)١(‏ اللبيس: الحبان أو اللثيم. 


(؟) الجائليق أو الجتليق: كلمة يونانية معناها رئيس الأساقفة. والغصية: تصغير عصا. 
(؟') حعس: غائط» قذر. 


تاريخ دولة آل سلجحوق 0" 


قد صار هال الأرض في يده عفوا وقيمة رأسه فلس 
هذي أمور الملك أجمعها فسعودها من أجلهم نحس 
ولقد هممت بأن أفارقهم وتجد بي عيرانة عدس"(' 
لكن تاي عن فراقهم علمي بأن الناس قد خسوا 
من ذا أروم وأجتديه لقد عم البلاء وأشكل اللبس 
المفتدي المسكين ليس له 202 عقل ولا رأي ولا جس'" 


هذا وكهرائين ‏ شحنته كالكلب خب بارد نمس 


وأبو شجاع في وزارته كالخرس لا بل دونه الخرس 
ابني | جهير أرتجي ‏ وهم بالأمس أقرب سوقة غبس 
أعلى أمورهم إذا نفق الطريخ ١‏ عنهم أو غلا الدبس”" 
والله لو ملكوا السماء لا عرفوا ولا اهتزوا ولا انجسوا 
أم باب إبراهيم أقصده هيهات خاب الظن والحدس 
قد كان محبوسا وكان له جود فزال الجود والحبس 


)١(‏ عيرانة عنس: ناقة قوية. 
2322 جس: معرفة. 
(7١‏ الطريح: حمك صغم ملح ويحفظ. 


5 تاريخ دولة آل سلجوق 
ذكر ظهور الإسماعيلية 

قال: فئابت النوائب. وظهرت العجائلب. وفارق الجمهور من بينناء جماعة 
نشأوا على طباعناء وكالوا بصاعنا, وكانوا معنا في المكتب» وأحذوا حظا وافرا من 
الفقه والأدب. وكان منهم رجحل من أهل الري» وساح في العالم» وكانت صناعته 
الكتابة؛ فخخفى أمرهء حى ظهر وقام؛ فأقام من الفتئة كل قيامة» واستولى ف مدة قريبة 
على حصون وقلاع منيعة. وبدأ من القتل والفتك يأمور شنيعة. وفيت عن التاس 
أحوالهم, ودامت حب استتبت على استتار؛ بسبب أن لم يكن للدولة أصحاب أخبار. 
وكان الرسم في أيام الديلم ومن قبلهم من الملوك؛ إفهم لم يخلو جانبا من صاحب خبر 
وبريد فلم يخف عندهم أخبار الأداني والأقاصي: وحال الطائع والعاصي. حى ولا في 
الدولة السلحقية ألب أرسلان محمد بن داودى ففاوضه نظام الملك ف هذا الأمر 
فأحابه أنه لا حاحة بنا إلى صاحب خبرء فإن الدنيا لا تخلوا كل بلد فيها من أصدقاء 
لنا وأعداء. فإذا نقل إلينا صاحب الخبر» وكان له غرض» أخخرج الصديق ف صورة 
العدوء والعدو في صورة الصديق. فأسقط السلطان هذا الرسم لأحل ما وقع له من 
الوهم؛ فلم يشعر إلا بظهور القوم» وقد استحكمت قواعدهم» واستوئقت معاقدهم, 
وخمافوا السبل» وأجالوا على الأكابر الأحل. وكان الواحد منهم يهجم على كثير 
وهو يعلم أنه يقتل فيقتله غيلة: ول يجد أحد من الملوك في حفظ نفسه منهم حيلة. 
فصار الناس فيهم فريقين» وفمنهم من جاهرهم بالعداوة والمقارعة؛ ومنهم من عاهدهم 
على المسالمة والموادعة. فمن عاداهمء» حاف من فتكهم. ومن سالمهم» نسب إلى 
شركهم في شركهم. 

وكان الناس منهم على خطر عظيم من الجحبهتين. فأول ما بدأوا بقتل نظام 
الملك؛ ثم اتسع الخرق» وتفاقم الفتق. ولما كانوا قد تجمعوا من كل صنفء تطرقت إلى 
جميع أصناف الناس التهم» ودب إلى البري السقم. وتوفرت على التوقي الهمم» وتعين 
على السلطان أن يكاشفهم مدافعاء لثلا ينسبه العوام وأهل الدين إلى الإلحاد وفساد 
الاعتقاد. كما حرى على ملك كرمان, فإن الرعية اتموه بالميل إلى القوم, فبطشوا به 
وقتلوه» وأقاموا ملكا آخر مقامه؛ وسيأق بعض الأحوال في أيام السلاطين الذين ولوًا. 


ناريخ دولة آل سلحوق ا 
وما كان سلطان يلي يثق بخواصه وسعى ذوو الأغراض في ذوي اختصاصه. ولما عرفوا 
حد السلطان في إبادة القوم» سعى بعض الناس ببعض. وأحب وصمه بالإلحاد لسابق 
عداوة وبغض. ووسمه باسم لم يمحه عنه غير السيف» ول يحد محيدا عن التزام الحيف. 
وبقى في هذه الاصطكاكات والاصطدامات خلق كثير وحم غفير. ولم يبق للأكابر 
ف دفع ما عرا رأي ولا تدبير. 

قال: وتوق أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله بعد سئة» وكان فى سنة واحدة موت 
السلطان والوزير وجميع أركان الدولة (( كل شيء هالك إلا وجهه )). 

قال الإمام السعد عماد الدين محمد بن حامد الأصفهان الكاتب. -رحمه الله- 
وقدس روحه. 

ذكر نبذ من حوادث وأخبار في أيام 
ملكشاه أغفلها الوزير أنو شروان 

قال حرحمه الله-: ولد ملكشاه في التاسع عشر من جماد الأول سئة 441هم 
وتوق في السادس عشر من شوال سنة 4ه وعمره 8 سنة وأشهر» وكان يعرف 
بالسلطان العادل. ومن جملة عدله أنه رأي شاكيا باكيا فسأله عن موجحب اشتكائه, 
وسبب بكائه. فقال: اشتريت بطيخا بدريهمات لأعود بربحها على عيالي» وأعيد منها 
رأس مالي. فأحذها م من يده قوي أضعف عن الأخذ علي يده. وتركين التركي وهو 
يضحك من بلييء وأنا أبكي من نكده. فال له السلطان طب نفساء أو استيدل من 
الوحشة أنسا. فهل تعرفه؟ فأنكر معرفته» وكان البطيخ في أول باكورته ولا يكاد يصاب 
منه شيء في البلد. فقال: السلطان لبعض خواصه.؛ قد اشتهيت بطيخا فاحتهد في تحصيله 
ولو واحدة. فما زال يطلبه حى قال له بعض الأمراء: عندي وقد أحضره عبديء فلما 
علم ملكشاه أحضر المتظلم وقال: خذ بيد هذا الأمير فإنه مملوكي وقد وهبته لك ففدى 
نفسه عنه بثلثمائة دينار» وأثرى صاحب البطيخ بعد إقتار. 

وتات عا للسيد, :وقيل: نه كان حصر عدو كل نما اضطاده بيده قبلغتت 
عدته عشرة آلافء فتصدق بعشرة آلاف دينار. وكان بالعمارات ذا اهتمام؛ 
وبالغرامات فيها ذا غرام. فحفر أاراء وأوثق على المدن أسوارا. وأنشأ رباطات في 


لل آذآ تاريخ دولة آل سلحوقم 
المفاوزء وقناطر للجائز. ومن حملة جميل صنعه ف العمارة» عمارة مصائع طريق مكة 
ومنازلهاء وتسهيل ما توعر من مسالك قوافلها. ورج سنة من الكوفة لتوديع 
الحجيج؛ فحاوز العذيب وبلغ السبيعة بقرب الواقصة, وبي هنالك منارة. ترك ف 
أثنائها قرون الظبي وحوافر الحمر الوحشية الي اصطادها ف طريقه. والمنارة باقية إلى 
الآن» تعرف بمنارة القرون. وكان قد حرج إلى الصيد وعاد في ثالث شوالء فابتدأت 
به حمى محرقة من إمعانه في أكل لحم الصيدء فتوثي في سادس عشر الشهر. وعاد الملك 
بظهور وفاته منقصم الظهر. وكانت قد جرت بينه وبين الخليفة في تلك الأيام وحشة 
أساءت الظنون؛ ونسبت إلى عوارضها المنون. ومن أسباب الوحشة اقتراحه على الإمام 
المقتدي انتقاله عن بغداد إلى حيث يختاره من دمشق أو الحجاز. وعدم من جالبه 
الإمام ما يجب من الإاكرام والإعزاز فطلب منه المهلة, ثم كفى أمره ول يخف النقلة. 

قال: وقد كان قرر فتح أقاليم الدنياء فجعل الأمير برسق للروم فضايقها ح 
قرر على قسطنطينية له في كل سنة حمل ثلثمائة ألف دينار للسلطان. وثلاثين ألف 
دينار له جزية يؤديها الرومي بالصغار والحوان. وسير أخاه تاج الدولة تتش إلى الشام: 
وقرر معه فتح ديار مصر وبلاد المغرب» وأمر مملوكيه بزان» صاحب الرهاء وأق ستقر 
صاحب حلب أن يطيعاه على هذا الغرضء ويساعداه على أداء هذا المفترض. وأمر 
سعد الدولة كهرائين بفتح بلاد اليمن» واستخلاص زبيد وعدن. فسير إليها حيشا قدم 
عليه ترشك؛ فمضى إليها واستولى واستعلى» ومات يما وعمره ٠‏ سنة وهو بحدور. 
وتولى مكانه يرنقش صاحب قتلغ أمير الحاج. وحرى ف الاستيلاء على ذلك المنهاج. 
وأوغل ملكشاه في بلاد الترك» حىّ أطاعه صاحب طراز» وكانت حلة الدولة بجلالة 
حلالها ذات طراز. 

وق سنة 1417ه عرض العسكر» وأسقط منه سبعة آلاف رجحل من الأرمن 
لمتشيهة بالترك» فمضوا إلى أخيه تكش بقلعة ونجء فقرى يهم جانبه؛ وشق عصاء 
بالعصيان والشقاق؛ وما زال السلطان ملكشاه يقصده. فتارة يصالحه وتارة يكافحه؛, 
حي ظفر به في سنة /ا/41 هم وقد كان عاهده أن لا يؤذيه. ففوض السلطان أمره إلى 
ولده أحمد فأحذه وسمله. وق سنة ١41ه‏ دعا الإقسيس تاج الدولة تنش بن ألب 
أرسلان إلى دمشق وائقا بى خارجا عن خخلافه» وخرج إليه من دمشق مسلماء 


ناريخ دولة أل سلجوق ره 
ولحكمه مستسلما. فضرب رقبته صيراء وغادره عاريا بالعراء غدرا. ودخل إلى البلد 
مستبداء وأصبح الملك به مستجدا. في هذه السنة» استولى شرف الدولة مسلم بن 
قريش على حلب. وف المحرم من سنة 1417/7 ه عاد السلطان ملكشاه من كرمان إلى 
أصفهان وكان قد ورد إليها عام أول» وخخحرج إليه ابن عمة سلطان شاه بن قاوردء 
وعاهده وعاقده. وأحذ على العهد يده. وفي صفرء تسلم مؤيد الملك من المهرياط 
تكريت وقلعتهاء وأحكمها ووفر عدتها. وثي ليلة الأحد عاشر شوالء؛ تول دبيس بن 
على بن مزيد؛ وكانت إمارته سبعا وستين سنة, وقام بالأمر بعد يماء الدولة منصور 
ومضى إلى السلطان. وعاد في ثاني عشر صفر سنة 14114 ه يمكنة قوية)» وقوة 
متمكنة. وقد تقررت عليه أربعون ألف دينار في كل سنة. 
وني شوال 4ا4ه, خلع المقتدي على الوزير فخخر الدولة ابن جهير وتوجه 
ليخطب للخليفة من السلطان ابنته» وسار بعده أبو شجاع محمد بن الحسين إلى 
المعسكرء فإن نظام الملك كان يكاتب في إبعادى وكان الخليفة راغبا فيه لسداده. 
فكتب بخطه إلى نظام الملك يأمره بالعود إلى المعهود في حق أبي شجاع, وأنفذ معه 
مختصا الخادم, فعاد إلى بغداد في رحب سنة ه٠47ه‏ في حرمة وافرة» وحشمة 
ظاهرة. وأما الوزير فخحر الدولة ابن جهيرء فإنه لما وصل إلى المعسكر يحل وعظمء 
ومضى نظام الملك معه إلى تر كان خحاتون» و خاطباها في معن الوصلة بابنتها. فقالت: 
إن ملك غزنة وملوك الخانية» قد أرسلوا في حطبتهاء وبذل كل منهم عن ولده لا 
أربعمائة ألف دينار. فإن بذها الخليفة فإى أحتار شرفه وهو أشرف مختار. 
فعرفتها أرسلان خحاتون زوجة القائم ما يصير إليها من الجلال واللحمال. وبين ها 
الفقيه المشطب حلية الحق وحقيقة الحال. وقال: هولاء عبيد الخليفة» ومثله لا يقابل 
بطلب المال. فحيئذ أحابت وسددت إلى الغرض وأصابت. وأمحذ فخخحر الدولة يد 
السلطان على العقد» وعاد في صفر سئة ه/ا14ه إلى بغداد. في جماد الأول ورد مؤيد 
الملك من أصفهان إلى بغداد ونزل في دارهء وضربت علي بابه الطبول في أوقات 
الصلوات الثلاث. وعد ذلك من منكرات الأحداث وصل بعطاء رضيهء: وقطع به 
ضرب الطبل. وآذنت الحباء بوضع الحبل. وفي شعبان من السنةء جلس مؤيد الملك 
للعزاء بأحيه جمال الملك وركب إليه فخر الدولة وعميد الدولة؛ وأقامه فخخر الدولة من 


55 تاريخ دولة آل سلحوق 
العزاء في اليوم الثالث ومعه الموكب. 
ذكر جمال الملك أبي منصور بن نظام الملك 

قال: كان كبير أولاد نظام الملك» وفيه دهاء وحرأة: وعزة ونخوة. وخحاطبه أبوه 
في أيام ألب أرسلان أن يوزر لولده ملكشاه. فأظهر امتناع أبي» وقال: (( مثلي لا 
يكون وزيرا لصبي ))» ثم أقام ببلخ متولياء وعلى تلك الممالك مستوليا. فسمع أن 
جحعفرك مسخرة السلطان, تكلم على والده نظام الملك بأصفهان. وقرر الوزارة لابن 
يممنيار» فهاج وتغيظ وثارء وأغذ السير من بلخ» حي وصل إلى الحضرة؛ وأحدذ 
جعفرك من بين يدي سلطانه؛ وتقدم بشق قفاه وإخراج لسان فقضي في مكانه. ثم 
أوقع التدبير في حق بن يبممنيار حى أخذه وسلمه. ثم توحه مع والده في خدمة 
السلطان إلى خراسان وأقاموا بنيسابورء ودبروا الأمور. فلما أراد السلطان أن يرتحل, 
استدعى بعميد خراسان أبي علي وقال: أنا مفض إليك بسر خحفي. فقال: أنا من كل 
ما تأمرني به على أقوم سنن فقال: رأسك أحب إليك أم رأس أبي منصور بن حسنء 
فقال: بل رأسي أحبء وأنا لما تستطبن من دائه أطب. فمّال له: إن لم تقتله قتلتك. 
وصرفتك عن ولاية الحياة وعزلتك. 

فخرج من عنده؛ ولقي حادما بخدمة جمال الملك مختصاء وعرف في عقله نقصا. 
فقال: إن السلطان قد عزم على أحذ صاحبكم وقتله غداء والصواب أن تصونوا 
بابادته حرمتكم أبدا. فظن السخيف العقل» أن ذلك عن أصلء وجهل النظر ونظر عن 
جهل. وحاف على تشتت آل النظام يبهذا الولدء فعمد إلى كوز فقاع فسمهء ولا انتبه 
صاحبه بالليل وطلب الفقاع أتاه بالكوز المسموم» فلما شربه أحس بالموت فاستدعى 
أخته ليوصي إليهاء فقضى نحبه قبل أن تقع عليها عينه. وكان السلطان قد رحلء 
ونظام الملك قد سبقه. فسار مغذا أربع منازل» حى لحقهء ودخل إلى الوزير ولم يعلم 
بوفاة ولده فعزاه وقال: أنا ولدك والخلف عمن ذهبء وأنت أولى من صبر واحتسب. 

قال: وفي سنة 5/ا4+ه سار الشيخ الإمام أبو إسحق رسولا من المقتدي إلى 
السلطان بعد أن أوصله الخليفة إليه؛ وفاوضه شفاهاء وشكا من العميد أبي الفتح بن 
أبي الليث سفاها. فوصل إلى خراسان» وناظر مع الإمام أبي المعالي الجونيي» وكان في 


تاريخ دولة أل سلحوق قرف 
صحبته من أكابر تلامذته الشاشي» وابن قنان» والطبري, وكان معه جمال الدولة 
عفيف الخادم. وعاد الشيخ أبو إسحق إلى بغداد. والقلوب إلى حضرته متعطشة؛ 
والعيون من غيبته مستوحشة. ثم توي قدس الله روحه في ليلة الأحد الحادي والعشرين 
من جماد الآخر سنة 1415ه. ورتب مؤيد الملك أبا سعد المتولي مدرسا فلم يرض 
نظام الملك به. وحعل التدريس للشيخ الإمام أبي نصر الصباغ صاحب الشامل. فاتفق 
خروج مؤيد الملك: وخخرج معه المتولي فعاد متولياء وفي رتب السمو متعليا. وقد لقب 
شرف الأمة وأبو نصر الصباغ مدرس. وتوق يوم الخميس النصف من شعبان وبقي 
المتولي مدرسا إلى أن توثي في شوال سنة +1414ه. 
وعزل عميد الدولة في صفر سنة 4105ه يمكتوب تحرج إليه من الخليفة» 
واحتمع يارق الحاحب والشحنة والعميد وأصحاب مؤيد الملك على باب عمورية حق 
خرج بئو حهير بأهلهم وحواشيهم؛ وكهلهم وناشيهم. وساروا إلى المعسكرء وحصلوا 
على المنصب الأظهر. فإن السلطان عقد على فخر الدولة بن جهير ديار بكرء وخلع 
عليه وأعطاه الكوس والعلم؛ وآذن له في الخطبة لنفسه؛ وفي السكة باسمه. 
ثم أنفذ السلطان في سنة لالائه أرلق بن أكسب صاحب حلوان مع 
التركمان إلى فخخحر الدولة مدداء وتوفي وتقوى بمم عددا وعددا. وكان ابن مروان 
صاحب ديار بكرء قد استنجد شرف الدولة مسلم بن قريش» وأعطاه يده على أن 
يعطيه آمد إذا أمده وأيده. وقصد بن حهرر الصلح وقال: ((أكره أن يحل بالعرب 
مكروه وأنا سببه)) وعلم التركمان ما رآهء فخالفوا هواه. وركبوا ليلاء وأحاطوا 
بالعرب فهربواء ورهبوا وطلبوا في كل واد وناد وسلبوا. ولم يحضر تلك الوقعة بن 
جهير ولا أرتق» وإنما اصطلى نارها الأمير حبق» وحقن دماء العرب واستولى على 
جميع جمالهم؛ وعامت أيدي العامة في أموالهم. وألحئع شرف الدولة مسلم إلى فصيل 
آمد. فعزت الحيلة» وأعوزت الوسيلة. ووصى فخير الدولة بن جهير الأمير أرتق بأن 
يأحذ عليه الطريق» وقال: إذا حصل شرف الدولة ف اليد فتحنا للسلطان البلاد 
وحوينا الطراف والتلاد. فبذل شرف الدولة للأمير أرتق مالا ليفرج عنه فمال إلى 
المال» وأظهر الغضب عن تحكم فخر الدولة» ونفس عن خحناق مسلم فسار إلى الرقة) 
وذلك ل حادي عشر شهر. ربيع الأول» وقصد فخر الدولة ميافارقين ومعه الأمراء 


فرش تاريخ دولة آل سلجوق 
الأكابر سيف الدولة صدقة بن هاء الدولة» وآيازء» وترشكء؛ وحمارتاش» في عسكر 
كهرائين. ولما قصد خلاط. رجحم هؤلاء عنه إلى العراق. 

وفي سنة 141/4 ه خرحت دياربكر عن نظره؛ وسلمها السلطان إلى العميد أبي 
على البلخي. فأما شرف الدولة فإنه لما وصل إلى الرقة, أحمد عاقبة المشقة» وعد ما 
بذله لأرتق من الحقوق المستحقة» فأحر الوعدء وأرسل المال» وصدق المقال. ولم يشك 
السلطان لما نمي إليه الخبرء أن شرف الدولة قد قبضء وأن مبرم أمره قد نقض. فخلع 
على عميد الدولة بن جهير وأنفذه إلى ولايته» وكانت التركمان بطاعته. وأنفذ معه 
الأمير آق سنقر قبل أن يصير صاحب حلب وسار في صحبته. واتصل به الأمير أرتق 
وصار في جملته. ووصل إلى الموصل فأطاعه أهلهاء وتسهل له وعرها وسهلها. وتوجه 
السلطان إلى بلاد مسلم بن قريش في أقوى جأش وأقوى جيش. فلما علم سلامته 
ونحاته, وأنه بالمكر قد فاته» أرسل إليه مؤيد الملك بن نظام الملك ووئقه بالأيمان وآمنه 
بالمواثيق» وقدم به السلطان وهو بالبوازيج. فأحلى له جنا الجناب المريع وأسامه في 
مراد المراد البهيج. وكانت أحواله قد ذهبت» وأمواله قد فهبت. واستقرض ما خدم به 
وقدم خحيله وفيها بشارء وكان فرسا سابقا مذكوراء وهو الذي بحا به يوم آمد. وسبق 
ووثب الخندق» وراهن السلطان شرف الدولة على مسابقته. فأحراه مع الخيل في 
حلبته» فحاء سابقا ولما طلع صبح غرته من ظلام قتامه قام السلطان للإعجاب به 
وأظهر أنه لإكرامه. وني صفر سنة 04 هف جرع شرف الدولة كأس الحمام. فإنه 
فتك به نخادم له في الحمام. 

قال: وكان المظفر أبو الفتح ابن رئيس الرؤساءء قد رتب 'لٍ ديوان الخليفة بعد 
روج ابن جهيرء واستقل بكل ترتيب وتدبيرء إلى أن وزر أبو شجاع محمد ابن 
الحسين في سنة 141794ه لأمير المؤمئين» وخلع عليه خلعة الوزارة» ولقبه ظهير الدين 
مؤيد الدولة سيد الوزراء صفي أمير المومنين. ورج في حقه توقيع من إنشاء أبي سعد 
بن الموصلاياء ووصل عماد الدولة سرهنك ساوتكين إلى واسط ومنها إلى النيل في 
شهر رمضان:؛ وزار المشهدين الشريفين» وأطلق بمما للأشراف مالا جزيلاء وأسقط 
خفارة الحاج. وحفر العلقمي وكان خخرابا من دهر. 

وقدم بغداد وتلقاه الوزير أبو شحاع؛ ووصل إلى حضرة الخليفة ليلة الأربعاء 


تار بخ دولة آل سلحوق أئفرة 
ثامن ذي الحجة؛ وخلع عليهء وأحسن إليه. وكان قد علق به السل؛ فسار لوقته إلى 
أصفهان وتوف بحا في سنة لالا4 ه. وكان قد توجه جمال الدولة عفيف إلى أصفهان 
في إتمام العقد للخليفة على بنت السلطان, فعاد إلى بغداد» فخلع الخليفة على ابن أبي 
شجاع وسنه يومئذ اثنتا عشرة سنة؛ ولقبه ربيب الدولة» وأخرحه إلى استقبال عفيف. 
واستمر أبو شجاع ف وزارته» حريئا ف الشجاعة» شجاعا في الجرأة» أهلا لمحمود 
الذمام؛ ذامًا لأهل الذمة. وألزم أكابرهم بلبس الغيار» وأداء الجزية على وحه الصغار. 
حى أسلم الرئيس أبو غالب بن الأصباغي غيرة من الغيار» ونفضًا لما كان على 
صفحات أحواله موضع النصرانية من الغبار. وأسلم الرئيسان أبو سعد بن العلا ابن 
الحسن بن وهب بن الموصلايا صاحب ديوان الإنشاء؛ وابن أخيه أبو نصر بن صاحب 
الخبر وكان قٍ رتبته في السماءء وذلك في رابع عشر من صفر 4814ه. وثقلت وطأة 
الوزير» على الصغير والكبيره وترك المحاباة في الدين» ووافق ذلك وصول كتاب من 
السلطان في عزله. ووقوع ضحر الخليفة من فعله. فخرج التوقيع بصرفه في تاسع عشر 
صفرء فانصرف وهو ينشد: 
تولاها وليس ‏ له عدو وفارقها وليس له صديق 
قال: وكانت أيامه أنضر الأيام» وأعوامه أحسن الأعوام. فخخرج ثاني يوم عزله 
يوم الجمعة ماشيا إلى الجامع من دارهء في زي شاهد باستبصاره واعتباره. وانثال الناس 
عليه يصافحونه» فأنكر ذلك عليه وألزم داره» وضيق الخليفة أعذاره. ثم سافر في 
الموسم إلى الحج وتوق بالمدينة على ساكنيها السلام» في النصف من شهر جماد الأخخر 
سنة 488 هء فدفن بالبقيع عند قبر إبراهيم عليه السلام؛ وكان مولده بكتكور سنة 41717 هس 
ولما عزل أبو شجاعء تولى أبو سعد بن الموصلايا النظر في الديوان. وكان كبير 
الشأن كثير الإحسان, تولى ديوان الإنشاء بعد سنة ٠1417ه‏ وعاش إلى أن ناب عن 
الوزارة المقتدية والمستظهرية» ثم أعيدت الوزارة إلى عميد الدولة ابن حهير في السابع 
والعشرين من ذي القعدة سنة 1444ه؛ وكان السلطان ببغداد.ء فركب نظام الملك 
وتاج الملك وأكابر الأمراء إلى دار عميد الدولة لإجلاله» والتنويه منصب إقباله. وفي 
سنة 1447ه درس أبو بكر الشاشي في التاحية ثالث عشر المحرم. وف جماد الآخر 


4 تاريخ دولة ال سلجوق 
توق أبو القاسم الشريف الدبوسي مدرس النظامية. وفيٍ محرم سنة 410 هل قدم 
الشيخ أبو عبد الله الطبري ممنشور نظام الملك متوليا للتدريس بالنظامية. ثم وصل بعده 
القاضي أبو محمد عبد الوهاب الشيرازي للتدريس بالنظامية أيضاء وتقرر أن يدرس هو 
يوما والطيري يوما. وفي سنة 144884ه» قدم الشيخ أبو حامد الغزالي إلى بغداد 
للتدريس في المدرسة النظامية» وكان في العلم بحرا زاخراء وبدرا زاهرا. وأشرقت 
غرائبه ف المشرقين والمغربين» وملأت حقائب الملوين» وثقلت غوارب الثقلين. 
ذكر دخول السلطان ملكشاه إلى بغداد 

فأما في النوبة الأولى» فإنه دحل بغداد في رابع ذي الحجة سنة 4/ا41ه, 
والوزير أبو شجاع خرج لاستقباله» وتوفية حق إعظامه وإحلاله. وركب ف اليوم 
النالك إلى الحلبة؛ ولعب بالأكرة»: وأنفذ إليه الخليفة أفراسا وألطافاء وتصافيا ومّادياء 
ومضى نظام الملك إلى المدرسة وإلى دار الكتب هماء وقلبها وتصفحهاء ورم أحواها 
وأصلحها. وعاد إلى دار ولده مؤيد الملك: فأقام بحا ليلتين. وف سابع عشر المحرم سنة 
6ه استدعى الخليفة السلطان إلى حضرته على لسان ظفر الخادم فبشر وجهه 
وسفر ونزل في الطيارة فلما وصل إلى باب الغربة قدم إليه فرس من مراكب الخليفة» 
حى انتهى إلى السدة الشريفة. وأمره الخليفة بالجلوس فامتنع؛ وتواضع حى ارتفع. ثم 
أقسم عليه حىّ حلسء وزاد في إيناسه فأنس. 

ولم يزل نظام الملك يأنَ بأمير أمير إلى تحاه السدة» ويقول للأمير هذا أمير 
المؤمنين» ليعفر بتقبيل الأرض ابحبين. ويقول للخليفة هذا فلان» وعسكره كذا وولايته 
كذا وكانوا فوق الأربعين» وكان فيهم آيتكين حال السلطان. فإنه استقبل القبلة 
وصلى ركعتين ومسح وحهه للتيرك بأركان الدار من الحانبين. وعاد السلطان وعليه 
الخلع السبع والطوق والسوارء وقد ظهرت عليه من آثار الجلالة الأنرار. فمثل بين 
يدي السدة الشريفة» وقبل الأرض مرات وأمر الخليفة مختصًا خادمه فقلده بسيفين؛ 
وقال الوزير أبو شجاع: (( يا جلال الدين سيدنا أمير المومنين الذي اصطفاه الله لعز 
الخلافة» واجتباه لشرف الإمامة» واسترعاه للأمةء واستخلفه للدين والملة» وقد أوقع 
الوديعة عندك موقعهاء واصطفى الصنيعة عندك موضعها. وقلدك سيفين لتكون قويا 


تاريخ دولة آل سلحرق السسجس 

على أعداء الله تحوس بلادهم وتذل رقايهم. ولا تألو في مصلحة الرعية مقاماء ولا 
تدخر عنها اهتماما. فبطاعته, تقبل عليك الخيرات من حوانبهاء وتدر البركات 
بسحائبها. وسأل السلطان في تقبيل يد الخليفة فلم يجب الخليفة إلى تقبيلها. فسأل ف 
تقبيل خائمه لترفيهها وتبحيلها )). 

قال: وفي النصف من صفر خرج من بغداد إلى خراسان. وأما النوبة الثانية من 
دحوله إلى بغداد» فإنه دخل إليها في الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة 1444هم»؛ 
ومعه نظام الملك: وتاج الملك؛ وأكابر مملكته. وأرباب دولته. وبرز أمين الدولة بن 
الموصلايا لاستقباله. وخرج نخروج الوزير في جميع أحواله. وخرج السلطان منها 
ومضى إلى خوزستان في صفر سنة 1440ه, بعد أن سير قسيم الدولة آق ستقر إلى 
حلبء والأمير بوزان إلى الرّها وحران. وأما النوبة الثالثة فإنه دخلها في الرابع 
والعشرين من شهر رمضان سنة 14/865ه بعد قتله نظام الملك» ومعه تاج الملك؛ 
وكانت وفاته يما في شوال. 

ذكر حصططب-ووادث 

قال: في ليلة السبت السادس والعشرين من شهر رحب سنة 4148+ه توق 
قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني» ومولده سنة /94اهء ودخحل 
بغداد سئة 14194ه. وولى القاضي أبو بكر المظفر بن بكران الحموي الشامي قضاء 
بغداد. وتوقي فخر الدولة أبو نصر محمد بن جهير بالموصل في سنة 144.7 ه ومولده 
ما سنة /897/هل. 

قال الإمام عماد الدين -رحمه الله-: عاد الحديث إلى تعريب كتاب 
أنوشروان. 

ذكر حال ولاية السلطان أي المظفر 
بركيارق بن ملكشاه برهان أمير المؤمنين 

قال: كان للسلطان ملكشاه أربعة بنين وهم: بركيارق» ومحمد) وسنجرء 
ومحمود. وكان محمود طفلا فبايعوه على السلطنة؛ لأن أمه تركان سحاتون كانت 
مستولية في أيام ملكشاه. فلما درج؛ بقي بحكمها. ولأن الأمراء والوزراء كانوا من 


أيارة تاريخ دولة آل سلحوق 
صنائعها فاحتاروا ولدهاء ولأن الخاتون المذكورة كانت من أولاد الملوك ففضلوا ابنها. 
على أن بركيارق كانت أمه سلجقية» ولكن لم يكن من بى السلطان بيغداد حاضرا 
إلا ولدها الطفل؛ فبايعوه» وساروا إلى أصفهان وأجلسوه على سرير الملكء وأخرجوا 
تلك الأموال العتيدة, والذخائر الطارفة والتليدة. ففرقوها بأمر حاتون. 

قال: وفي أول العهدء فتك بتاج الملك مماليك نظام الملكء فإنه كان وزيرا 
لخاتون وولدها. ولما مع ثماليك نظام الملك أن خاتون وولدها قد قصدا أصفهان 
حرجوا ببركيارق منها إلى الري؛ وشرعوا في جمع العساكر عليه. وحملهم على ذلك 
دخلهم القدىم الذي في قلويهم من تاج الملك؛ وكانوا ينسبون إليه قتل نظام الملك. وف 
مبادئ هذا الأمرء تولى المستظهر بالله الخلافة» وأحذوا منه بيعة محمود. ثم جاء 
بركيارق إلى أصفهان محاصراء ولى يكن معه أحد من أرباب الدولة حاضرا. فإن 
الأكابر كانوا حصورين» واجتمعت عليه جماعة من أبناء الدهر غير معروفين. ولما 
سمعت والدته بأصفهان -واسمها زبيدة حاتون- أنه على قصدهاء سفر وجهها للسفرء 
وخخفر ما كانت فيه من ذمام الخفر. ومات محمود وماتت والدته؛ ولم تنقض سنة؛ وتم 
الملك لبر كيارق. 

وزارة عز الملك أب عبد الله الحسين بن نظام الملك 

قال: كان شيا تميزاء لا يصيت .رأيا ولا يسن تدييرا: -بغيدًا من الكفاية قريب 
إلى الغواية. خحاليا من المعاني» معروفا بالقصور والعجز والتواني. فلما زاد اختلال الملك. 
بعدم نظام الملك» ظنوا أنه يرجع إلى نظامه بأحد أولاده» فاستوزروه ووقروه وعززوه. 
وكانت علامته: أحمد الله وأشكره. وكان له أخ صغير اسمه عبد الرحيم» فحعلوا إليه 
منصب الطغراء؛ وقالوا إن هذا المنصب لا يحتاج إلى فضلء وليس إلا بحرد ذلك الخط 
القوسي. وكان الأستاذ علي بن أبي علي القمئ وزير كمشتكين الذي كان قديما مربي 
لب ركيارق وأتابكه. فحين ولي السلطنة نفذ أمره» ومضى حكمه؛ حي كأنه في الملك 
شاركه. وتولى الأستاذ علي ديوان الاستيفاءء وجرت بإيالة هؤلاء في الدولة أمور شنيعة 
وأحوال فظيعة؛ ولو تمشي أمر من الأمور فإنما كان بكفاية الأستاذ علي» فإنه كان يرجع 


:اريت دولة آل سلجوق ضف 

إلى نظر لوذعي» ورأي وري"'“. والباقون كالأصنام لا يضرون ولا ينفعون. 
وأم السلطان قد خلعت عذارهاء ووافقت كمشتكين الجاندار على المنكرء 

ومعاقرة المسكرء والسلطان مشغول باللعب والعشرة» مع عدة من الصبيان» والوزير 
أيضا منهمك في الشرب مع الأحدان؛ والمساخر واجان. ووصلوا إلى بغداد واحتاروا 
المقام فيهاء وأتهم مغانيها وغوانيها. وصار الأمر مهملاء والعدل مغفلا. وكان من 
أكابر الأمراء في ثغور مصر والشام أميران كبيران ف الحاه والقدرء كافيان في حفظ 
النغر؛ وهما آق سنقر .وبزان. فتابعا الكتب والرسل إلى السلطان, بخروج عمه الملك 
تتش بن ألب أرسلان, وأنه قد حرج من دمشق, وقد حشد جموع التركمان. فما قرأ 
لهما كتابا حي يئس الأميران» ووقعا في ورطة الشرء وظنا أنهما يقومان تدش في رده 
عن قصده. فوقعا في طريقهء ح حصلا في قبضته وقتلا بسيف سياسته. وتوجه تتش 
نحو الري وهمذان وقم وحرباذقان, وأمراء الدولة البركيارقية» كل متهم في بلده 
مشغول بما هو فيه من القصف والعزف. قال: ومما قاله أبو منصور الآبي أحد فضلاء 
العصر بالفارسية في قتل الأميرين ما معناه:: 

قد غرقنا في الشرب والسكر حتى 2 لم نفكر في سنقر وبزان 

ما ظفرنا بالبيدق الفرد في الدست ولكن قد أسلم الرحان 

قال: والأحناد طلبوا إصلاح حالم وتركوا بركيارق» واتصلوا بعمهء ووقع هو إلى 

أصفهان وكان ها من بقايا الدولة الخاتونية جماعة أقوياء» فحبسوهم وأتعبوهم. فمنهم من 
مات في اعتقاله» ومنهم من فجع دون نفسه يماله. قال: وكانت خراسان أيضا مضطربة؛ 
وكانت بين ولدي ألب أرسلان: بوري برس وأرغوء مقارعات؛ هرب منها مؤيد الملك 
أبو بكر عبيد الله بن نظام الملك إلى أصفهان, فرأوه أهلا للوزارة في ذلك الوقت» فخلعا 
عليه خلعة تامة للوزارة» وعاد به الملك إلى النضارة. وكان مصرفا للسيف والقلمء عارفا 


بلغي العرب والعجم. 


)١(‏ رأي وري: رأي صائب. 


ياي تاريخ دولة آل سلحوق 
له بين العواللي والعالي وما بين المهندة الذكور 
مقامات شرفن فما يبالي أمات على جواد أم سرير 

ولم يكن في أولاد نظام الملك أكفى منه» وكان أوحد العصرء بليغا في النظم 
والنثر. فتقدم ونظم تلك الأمور المنثورة» وطوى تلك السيئات المنشورة. وكانت 
"علامته الحمد لله على النعم". فتوحه إلى مصاف تتشء وقال لحد الملك أبي الفضل 
وهو منزو بأصفهان "قم وصاحبن". فأجابه "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا 
قاعدون". فلما ضرب المصاف» كسر تتش وقتل في المعركة» وتوحد بركيارق بالمملكة 
واستبرك بالوزير. 

قال أنوشروان: كنت معه في المصاف. وذلك في سابع عشر صفر سئنة 6848 
ه عند قرية يقال لها داشلو. على ان عشر فرسخحا من الري فوصل مؤيد الملك إلى 
السلطان في المعركة وهنأه بالفتح» فابتسم سرورا بما آتاه الله من المنح. وقال له: "كل 
هذا ببركتك ويمن نقيبتك" فأمن الناس من أنه معزول» وأنه وزير مقبول. وكانت 
وزارته في ذي الحجة سنة /ا44هم. ولما وصلوا إلى الري يعد الوقعة؛ بادر محمد الملك 
أبو الفضل إلى الري من أصفهان؛ واستمال قلب والدة السلطان في مبدأ الأمرء وتمكن 
من الدولة وقبض على الأستاذ علي المستوي؛ فسّمل وأعمى. وبقي مؤيد الملك وحيدا 
يتوقع البلاء ويتعرضء» ويتمثل "أكلْت يوم | كل الثور الأبيض". وكان أخخوه فخر 
الملك أبو الفتح المظفر أكبر سنا منهء وهو حينئذ بالري متعطش إلى الوزارة: فأطعمه 
بحد الملك في موضع أخيهء وساعده على توليه. واعتقل مؤيد الملك وحبس»؛ ورتب 
فخخر الملك في الدست واخلس: 

ولما كانت والدة السلطان صاحبة العناية عمجد الملك؛ أعانت على مؤيد الملك؛ 
فكتب من الحبس إليها أبياتا بالفارسية يستعطفها ويتضرع إليها. واستقل بحد الملك 
بالاستيفاء؛ وغلب على الوزارة؛ وبقي فخر الملك صورة بلا معيئ. وكان أيضا خاليا 
من الكفاية والفضل والأدب. وعلامًا لكل شيء غير النسب. وهو أسير تصرفات بمحد 
الملك» وتابع رأيه؛ وليس له من رسوم الوزارة إلا علامته وهي: " الحمد لله على 
نعمائه ". وقال مؤيد الملك فيه بيتين بالفارسية عرهما عماد الدين وعما: 


تاريخ دولة آل ملجوق عاش 

ماذا أقول عن امرئئ جمع للمعاير والمعايب 

عادت مناقب والدي من شؤم منصبه مثالب 

قال: وخلص مؤيد الملك من الاعتقال وأقام مدة مديدة في حماية بعض الكبراءء 
تارة في فهاوندء وتارة في مشكان, مظهرًا انقطاعه إلى العبادة» ثم إنه قصد سرير الملك 
الحمدي ف جحنزةةء ورأى أن إقبال محمد على إدبار بركيارق غالب. وأنه لا محالة 
ملك أيه وارث أو ثالب. وكان في نفس محمد طلب السلطنةء فقواها مؤيد الملك؛ 
وحقق رجاءها فيهاء فقبله الملك محمدء واصطفاه واستأمنه لخلواته» واستشاره ف 
عزماته. ثم سلم إليه وزارته وشغف بقربه» وأسكنه صميم قلبه. وقلب مؤيد الملك 
موكل بالانتقام» ورأيه معمل في تسديد مرامي ذلك المرام. ولم يزل يقرب على 
السلطان محمد البعيدء ويلين عنده الشديد. ويجيب إليه الجسد ويبغض إليه اللهب. 
حئ حرك إليه ساكن إرادته. 
وسار من أران به في شرذمة قليلة» وبلغ به في مدة يسيرة إلى دار الملك بأصفهان 

نتبوأ بما سرير سروره؛ واحتاب حبير حبوره. واستمال إليه العساكرء واستفاد إلى يمجته 
ونفحته الأسماع والنواظر. وأللنأ بركيارق من الأوساط إلى الأطراف. ومين بالاغتراب 
والاعتساف. وقبض على الخاتون زبيدة وحبست في قلعة الري» ثم سعى مؤيد الملك في 
حنقها فخلقت» وأحاطت به أوزار قتلها وأحدقت. وأما بحد الملك؛ فإنهم أفسدوا عليه 
قلوب العساكر وأضروها (© بمضرته. وأغروها بطلب غرته (». فبضعوا بين الهمهور 
بسيوفهم أعضائه» ووزعوا أشلائه. وذلك في سنة 1491ه», وله إحدى وخمسون سنة 
وكان رحلا مواظبا على الخيرات والصيام والقيام, وإقامة الصلاة. وإيتاء الزكاة. مديما 
للصلاة والصدقات. لم يسع قط في دم. ولم يخط إلى مضرة أحد بقدم. 


)١(‏ أضروها: أغروها. 
)١١(‏ غرته! غفلته. 


000 تاريخ دولة آل سلحوق 
ذكر خروج السلطان أبي شجاع محمد بن ملكشاه 


قسيم أمير المؤمنين من جنزة وارن إلى الري وأصفهان 

قال: كان هذا السلطان مؤيدا موفعًا. محققا للرجاء فيه مصدقا. ميمون النقيبة. 
محافظا على تقواه مع الشبيبة. يحب الاقتداء بآثار جده ألب أرسلان في سياسة المملكة 
وعلو المهمة. وكان وقورا مهيباء أريبا لبيبا. فلما جلس على سرير ملك أبيه وجده. 
ووجد قواعد الدولة بإيالة ('2 أحيه مختلة» وعقودها منحلة؛ ضم النشر”"» ونظم 
المنتشر. وأحكم القواعد» وأبرم المعاقد. وأعاد مؤيد الملك إلى منصب أبيه في الوزارة. 
وملاً بسناه أفق السيادة. فلابس هذا الصدر الأمور بصدر واسع. ورأى رائع» وتدبير 
أشمل السداد جامع. فاستقلت الدولة باحتهاده عن كبوتًا. وزالت نوبة نبوتها. وبقي 
سنين وقد انتقم من عحصومه بأحذ الثأرء وشفاء غلل الأوتار. وحاز مال محد الملك» 
وسعى ف قتل زبيدة حاتون. فلا جرم عاد مرقنا يحرمه» وعثرت قدمه ف ظلمة ظلمه. 
وأسره عسكر بركيارق في مصاف حرى بين الأخوين على حد همذان, وأحضره 
بركيارق بين يديه وأوثقه كتافاء وعصب للقتل عينيه؛ وهو قد رفع صوته بكلمة 
الشهادة: ولم يظهر منه جزع, ولا حور ولا فزع. فضرب بركيارق بيده عنقه. وكان 
قصد والدة السلطان والسعي في دمها أوبقه. فأعدم مثل ذلك الشخص العديم النظير. 
وأعنق ذلك الوزر في حز عنق ذلك الوزير. وهيهات أن يلد الزمان مثله في دهائه 
وزكائه 2 ورأيه وحيائه ولطفه وظرفه؛ ولينه وعطفه. 

قال: وآلت وزارة بركيارق إلى الأستاذ عبد الجليل الدهستاني» ولم يكن له أثر 
محمودء ولا يوم في الكفاية مشهود. بل تفاقم شره إلى أن رج أملاك الناس في الإقطاع, 
وكان في الظلم مستطيل اليد طويل الباع. ولم تطل أيامه فإنه بقر بطنه باطينّ على باب 
أصفهان. قال: وبقيت حقوق مؤيد الملك عند السلطان محمد محفوظة. وبعين الرعاية 
ملحوظة. فاعتقد أن نصير الملك ولده النحيب وأنه إذا ولاه قضى حق أبيه. فولاه وزارة 
)١(‏ الإيالة: الولاية. 


(1) النشر: القوم المتفرقون. 
(") الزكاء: الطيبة. 


تاريخ دولة آل سلجحوق 4١‏ 
بنيه. وكان يأنف الكلب من لؤمه؛ والبوم :من شؤمه. ومعاييه لا تعد ومخازيه لا تحد. 
وعنّ له أن يشتغل بعلم الأوائل» فبلغ منه إلى حد التعطيل؛ ووقف عند محار الدليل. وقد 
صنف أبو طاهر الخاتوني فيه كتابا سماه تنزير”" الوزير. الزير الخنزير. وبطل بعد مؤيد 
الملك ذلك الترتيب. وظهر على وجوه الأيام التقطيب. واستمرت سنين بين محمد 
وب ركيارق مصافات. وتمت مخافات وآفات. 

قال أنوشروان: وكنت قد فجعت ممصرع مؤيد الملك» وأثر في قلبي مول ملمه (". 
وأزعجئ عن المقام مقيم هه لحن تصلت: بالبضزة .قاقنت ها هدة ثلاث اسنين. 
وصادفت إخوانا صادقين» من جملتهم الشيخ الإمام أبو محمد القاسم بن علي الحريري 
صاحب المقامات » يوافقئ في الحد والحزل طائعء فينظر من عيئ ويسمع من سمعي. 
وفي هذه المدة الى أقمت فيها بالبصرة» درج بركيارق» وكانت وفاته بالسل والبواسير 
ببروحرد ف ربيع الأخر سئة 494ه وبلغ من العمر حمسا وعشرين سنة. ووقع عليه 
اسم السلطنة وله اثنتا عشرة سنة وقاسى من الحروب واختلاف الأمور ما لم يقاسه 
أحدء فتفرد بالسلطنة أخوه محمد» ودان له المشرقان. وتصرف بيده زمام الزمان. 

قال أنوشروان: فجاءن يوما توقيع سلطانني على يد أمير من بعض المخواص 
فاستدعانٍ واستدناني» فوصلت إلى بغداد والسلطان محمد بما في وزارة سعد الملك أبي 
الحاسن سعد بن محمد الآبي» وكان يرا سعيدا حسن الطريقة؛ ذا هدو وهداية, 
ورأي وكفاية. فجمع العساكر على الطاعة السلطانية» وأطفأ ثائرة الفتنة الشيطانية. 
وكان الأمير الأسفهسلار آياز مقدم العسكر البركيارقي, فلما توق بركيارق صار 
أتابك ولده ملكشاه. فقام مقام والده. ورد ملكه به إلى قواعده. فاهتم سعد الملك 
باستمالته» وحلف على سلامته. فلما مكن من نفسه قتلوه. وأحذوا ملكشاه بن 
بركيارق فسملوه. وذلك في سنة 459هه, فزال الشغب وسكنت الدهماء. وكانت 
للوزير سعد الملك في هذه الحيل اليد البيضاء. 

قال: وسرت ف الخدمة لما ساروا إلى أصفهان. وما دام هذا الوزير ف ولاية 


)١(‏ الترير: من تنزر بمعين أنحد القليل التافه. 
(؟) الملم: ما ينزل بالإنسان من مصائب. 


4 ؟ تاريخ دولة ال سلجوق 
السلطان ظهرت له آثار حميدة وآراء سديدة. وكانت علامته: " الحمد لله على نعمه 
". وكانت له فْ الباطنية نكايات» ورفعت له في فتح قلعة شاهدز رايات. وكانت 
قلعة منيعة على جبل أصفهان تناصي السماء ''©» وتناظر الأفلاك. وقد تحصن با أحمد 
ابن الملك بن عطاش طاغية الباطنية في طائفته. وبليت أصفهان وضياعها ببليته. فسما 
ما سعد الملك بالرأي الصائب والعزم الثاقب وتلطف ف افتتاحها. ودبر قي استنسزال 
من فيها على إيثار الملة الإسلامية واقتراحها. فأنزلوه من معقل إلى عقال. وبدلوه 
لجالا من آمال. والمقرا يد عللت الكلعة«التزقيةيبووضة امنا واقها عرض اللق: 

وكذلك افتتح قلعة نحان لنجان؛ وهي أيضا بقرب أصفهان. وكانت قد خحربت 
تلك الولاية ما لأهلها فيها من النكاية. وكانت بأصفهان رئيس يقال له عبد الله 
الخطيبي وهو حاكمها والمستولي علي رئاستهاء وهو رجحل جاهل» من أنواع العلوم 
حال محتال» يبدي تنمسا بإظهار زهد وورع محال على محال. ولم يكن له سوى 
ضخامة جثة وفخامة لحية كثة. وكان لقاؤه الأمي مقبولاء وكلامه السمي معسولا. 
وكان من هذا الوزير خائفاء ممعرفة الوزير بباطن شره عارفا. وطلب من السلطان 
حلوة غر السلطان فيها بتنميسه. وروج لديه سوق تلبيسه. وتم نفاق نفاقه وبرز هلال 
محاله من محاقه. وحرى من مناصيبه على سعد الملك أنه حقق في اعتقاد السلطان أنه 
صديقه الصادق ورفيقه الموافق. إلا أن فيه عيبا واحدا وهو أنه إلى الباطنية مائل 
وبمذهبهم قائل. وإنه محتهد في إزالة هذا الاعتقاد من قلبه» والمبالغة قي نصحه إشفاقا 
على ما أحد من حبه؛ فإنه يعز علي فساد مثله مع فضله ونبله. واعتقد السلطان صدق 
قول الخطيبيء وحسبه نحاليًا من الغرض؛ حاليًا للنصح المفترض. 

ثم أغفل مدة وعاد إليه وآسه من قبوله. وأسف على ما فاته إليه من سوله9". 
وصار يشفع إلى السلطان في تأجيل أمره؛ لأحل ما عنده من مودته وأن لا يعجل في 
عقوبته. وقد وضع من نحواص السلطان صبيانا على الوقوع في الوزير» وأنه باطئي 
الضمير. ولم يزل به حي أوقعه في الحبس. ولما قيد رتب جماعة من الأوغاد شنعوا على 
)١(‏ تناصي السماء: تعلو علوا شامقا. 
(١؟)‏ سوله: سؤله. 


تار يخ دولة آل سلحرق اا 
الوزير في دار السلطان في بجمع من الأمراء والقاضي حاضر. وقال كل منهم هو ملحد 
وكافر. وما زالوا بالسلطان حئ صلب الوزير مع عدة من أكابر ديوانه ببهت () 
عدوه وكتانه. وذكر لما أطلع الوزير على مكيدة خحصمه.ء دبر في مكيدة عليه. فعاد 
على الوزير وبالها وآل إلى إهلاكه مآلمها. وذلك أنه كان عارفا ممكاتبات كانت بين 
النطيبي ورئيس الباطنية أحمد بن عبد الملك بن عطاش في مبادئ أمره. وكان مطلعا 
على سره. فأراد أن يستدعي بعض تلك المكاتبات بخط المخنطيبسي» ويقول للسلطان: 
هذا الرحل رمان يما هو مذهبه وشأنه» وخطه هذا حجة قولي وبرهانه. وأرسل في 
ثقافة في هذا المهم من كتب على يده بخطه توقيعا بالجواز. ولم يوصه بالاحتراز. فظفر 
بالرسول من كان مرتبا لحفظ طريق القلعة. ومنع الميرة عنها والطمعة (©. فوحدوا 
خط الوزير معه بالجوازء فأخذوا الخط» وكان من أعظم أسباب ذلك الخنطب» وذلك 
أن السلطان حفظ حطه إلى أن قبضه. ثم عرضه عليه فصرح له أن كتابه للتلف عرضه. 
فلما أوتى كتابه لم يعد حوابه» وما نيس بكلمة ولا فاه ببنت شفة. ولو قال لما سمع 
ولو اعتذر لدفع عذره ومنع. وكان من أمره ما كان ولقى الرحمن ولد كان رحلا 
خيرا نقي الأدم كر الخيم (©. جامعًا لآلات الوزراة وأسباهاء لائقا بقلم السيادة 
ودواهًا. 

قال: وكان المستوفي في وزارته للسلطان زين الملك أبو سعد بن هندوء ولم يكن 

له أصل ثابت ولا فرع نابت. ولما تولى حرج واستخخرج. وأمر وأمرج. وأحذ الأموال 
جزافا وأسرف فيها إسرافا. ولما انقضى أمر سعد الملك» رفعت عليه رفائع» وأخذ 
وحبس» واستصفيت أمواله ونهبت دورهء وتخبطت أموره؛ وبقي في الحبس ستتين. 
ولقى العذاب المهين. وكان صاحب ديوان الإنشاء في وزارة سعد الملك نصير الملك 
محمد بن مؤيد الملك» وكان مع جهله وعدم فضلهء للديوان به أمة وجلالة وحلية 
وحالة. فزلت به قدمه ول يأخذ أحد بيده. وبقي منشوءا مهجوًا مهجورًا بكمده. 
)١(‏ البهت: الافتراء على الناس بالكذب. 
(؟) الطمعة: رزق الجنود. 
(؟) اللنيم: الطبيعة والسجية. 


1ع * تاريخ دولة آل سلجوق 
وكات وكيل دار السلطان في وزارة سعد الملك أميري القزوينٍ المعروف بالزكي ذو 
كيسة من جملة التحار» وكان قد هرب من أبي مسلم رئيس الريء والتجأ إلى سعد 
الملك. فأراد الوزير أن يكون بينه وبين السلطان من يتردد في المهمات ويأتيه يجواب 
الموامرات والرسالات. والذي يتولى أخص من منزلة الحجاب, ويجب أن يكون يلغيا 
منطقيا. متجرعا في مضايق الكلام الغصص مسيعًا. مسةقلا بإقامة الحجة عند الحاحة 
متجنبا للسماحة بقول ينسب إلى السماحة عارفا بأحلاق السلطان في أوقات رضاه 
وسخطه؛ وقبضه وبسطه. فإذا وحده منقبضا تلطف في تنشيطه ثما ينفق عليه من 
الحديث الرائق» والقول النافق. حي إذا رأى منه سيماء القبول حدثه بمقصوده, وإلا 
حرى في الإامساك على معهوده. فإن السلطان لا يثيت خحلقه على حالة ولابد له من 
ضجر وملالة. 

وكان هذا القزوييئ خاليا من هذه المعاني كلهاء لكنه التمس إلى سعد الملك هذه 
الولاية» فأحابه إلى ملتمسه؛ ووافقه على هوسه لسلامة نفسه. وذهب عنه أنه سوقي 
قفر من الدكان إلى باركاه السلطان؛ فزاحم أركان الدولة بالمكانة والمكان؛ وكان إذا 
خاطب السلطان وشافهه. حدث له عحب فانخرع وانخلع. وخرع عما فيه شرعء 
وجمع بين الأروى والنعام والضباح والبغام. ثم لا يتكلم إلا بكل ما يضر ويسوء ولا 
يسر. واستضر سعد الملك من حانب ذلك العاحز بغير قصد منه في حقه. وأي ضرر 
أقرى وأمكن من كونه قتل في حبل حنقه. وكان عارض الحيش في وزارته أيضا أبو 
المفاجر القمي» وكان قد غلب عليه في اصطلاح الخاصة والعامة نعت طرطنبيل» وما 
عرفوه بغير هذا الاسم الثقيل. وصرف في وزارته وولي عمله عز الملك بن الكافي 
الأصفهان وبقي فيه أشهرًا. فلما أخذ سعد الملك. اقترنت نكبته بنكبته واتفقت صلبته 
مع صلبته. واستدعى مختص الملك أبو النصر القاشي في وزارة سعد الملك» وصرف به 
من ديوان الإنشاء محمد بن مؤيد الملك فقبل هذا وذاك طرد. وأقيم ذلك وهذا أقعد. 

قال: ولا الميدان للخطيبي فصار محكا للإسلام. وهو عند السلطان مقبول 
الكلام. وأصحاب السلطان عنه حاشون وإلى بابه غاشون. وكان إذا سأل السلطان 
عن واحد كيف تعرفه أجاب مرة بلا أدري ومرة بلا أعرفه وتارة أمهلئ فإني أبحث 
عنه وأكشفهء وتارة يشهد عليه مما يهدر دمه. 


تاريخ دولة آل سلحوق ع 
قال: وحدثئئ ابن المطلب» وكان وزير الإمام المستظهرء قال: مازال هذا 
الخطيبي ببغداد يتوصل حى أبصر قهرمانة لدار الخلافة» فقال لا: اليوم أحرى معي 
السلطان حديث هارون أي الإمام المستظهر وسألئ عنهء فدخلت القهرمانة إلى الدار 
وأوصلت إلى هع أخيه ما ححدثها به الخطيبي. فقامت قيامة الخليفة وتمكن 
الاستشعار من نفسه الشريفة؛ فكتب إلى الوزير يأمره بالركوب إلى الخطيبي ويحمله 
على الإضراب عن ذكر أخخيهء ويحمل إليه ستة آلاف دينار أميرية يدفع بها شره 
ويكفيه. 
قال: فاستأذنته في الركوب إليه في الليل فإنه أخفى للويل. فما صير ولا وحد 
القرار» حي ركبت إليه وأرضيته .ما حملته. واستعفيته عن حديث هارون واستنزلته. 
قال: وكذلك لم يترك من نخحواص السلطان أحداً إلا لوئه وشوش عليه رأيه 
وحبئه. ولم يغادر أحدا من الخاصة والعامة إلا طرق إليه ظنه أو قلده بسكوته عنه منة 
وقال له السلطان يوما: كيف كان أصحاب دواوين والذي وحدي في أديافم. وأهم 
كانوا لا قدح ف إمانهمء فكيف اختص هذا اللوث بزماني وبأصحاب ديواني؟ فقال 
أولئك كانوا من أصحاب خخراسان وهم أهل الدين والإحسان. وهؤلاء أهل العراق 
أهل الإلحاد والنفاق. فتخيل السلطان صحة مقاله. واستحكم تقريب الخراسانيين 
وإبعاد العراقيين في خياله. واعتقد أنه ليس في العراق مسلمء وأن أفق الملك بغير 
الشرفيين مظلم. وكان بالعراق جماعة من أهل :حراسان محرومون مهجورون من كل 
جاهل مجهرل. وساقط ذي حمول. ومنزو إلى ناحيةء ومتنح إلى زاوية» ومتدمس 
بالرياء» ومتهوس بالكيمياء» وبطال مرحف» وعمال محترف, فلما عرفوا ميل السلطان 
إليهم رفعوا رؤوسهمء وعرضوا نفوسهم. وخخطيوا المراتب» وطلبوا المناصب. وغفلوا 
بل غفل السلطان عن هذه النكتة أن خراسان عش مذهب الباطنية» وبما أفرخ وباض» 
ومنها شاع وفاضء وفيها حصوته الي لم تفتح» وعيونه الي لم تمتح» وانقضى عصر 
سعد الملك سريعا وصار بالمكر الصريح صريعاء وعاد الملك المريع منه مروعا. 


>9 تاريخ دولة آل سلجوق 
وزارة الأمير ضياء الملك أبي نصر أحمد بن نظام الملك 

قال: لما نكب سعد الملك طمح إلى الوزارة عمرو وزيدء ووصل يوم نكبته 
الأمير ضياء الملك, وخطير الملك أبو منصور محمد بن الحسين الميبذي» وكان قد 
استدعى من فارس. فاختلفت عليهما الآراء» فرأى السلطان حفظ الحانبين. وأمر 
بتولية الصاحبين» وحعل دست الوزارة للنظامي» ومنصب الاستيفاء للميبذي. وألف 
بتأليفهما قلوب خواصه» وخص كلا منهما باستخلاصه. وأعطى سياسة ملكه حقها. 
وجلا بسناء إحسانه أفقها. قالت الحكماء: "منازل السياسة أربع: فالأولى سياسة 
الرحل نفسه؛ والثانية سياسة أهله وولده ومن يضمه منزله» والثالئة سياسة بلد 
واحد يتقلده, والرابعة سياسة الملك كله. فمى عجز عن منزلة من هذه المنازل» فهو 
عن الي تليها أعجز". لا جرم ابتلى هذا الوزير بشفعة تسبهء وهو غير خبير بسلوك 
مذهبه ولم يكن من شغله ولا من أربه. وكانت علامته: " أحمد الله على نعمه". 
فقضى حقه بشغل عجزت اللقاة الدهاة عن القيام به» ووقع اسم الاستيفاء على الخطير 
كما يدعى بالجهل اسم النبوة أبو جحهل. فلم يكن للمنصب المأهول دسته بأهل. 
وخواحه مختص الملك صاحب ديوان الرسائل» معدم من الفضائل. وهو عند أولتئك 
أكتب الكتاب» ويعجز عن كتب حمسة أسطر بالفارسية» فضلا عن العربية. 

قال أنوشروان: وأنا ولاني السلطان الخزانة» فإنه استدعان إلى حلوته وخصئ 
بكرامته. وسلم إلى خزائن ممالكه. وكان هولاء الأكابر إنما يصلون إلى السلطان في 
الباركاة إذا حلس لعامتهء وأنا أختص بخلراته» واستسعد بمحادئته. فعظمت وجاه 
بمواحهته» وحسدن أكابر الدولة على منزلي. وانتظروا زلي ومذلي. واتفق في ذلك 
الوقتء أن الأمير السيد أبا هاشم الحسئ -رحمه الله- رئيس همذان, قد تغير عليه رأي 
السلطان. وذلك لأن قوما من أرباب الدولة تناصروا عليه؛ وأدبوا عقارب مكايدهم 
إليه. وأطمعوا المتوج ابن أبي سعد الهمذاني ف إيالة همذان ورئاستهاء وكان المتوج هذا 
من جهة الرئيس منكوبا وبيده مضروبا. فأوقعوه ف معارضته. وعرضوه لواقعته. 
وأغلقوا على الأمير السيد وعلى أولاده باب داره وسدوا عليه طريق فراره. وقرروا 
عليه سبعمائة ألف دينار أحمر» سوى ما يلزمه من توابع ولوازم هي أكثر من أن 


تاريخ دولة آل سلجرق 27 5 
تحصر . 
قال أنوشروان: فأمرنئ السلطان بالمسير إلى همذان لاستيفاء هذا المال» وعاد 
السيد أبو هاشم وهو شيخ كبير قد ضعف بصره؛ واختل نظره. فعظم عنده ما قرره 
عليه واستكثره. فمحضت له التصح. وضمنت له النجح. وعاقدته على مساعدته 
وعاهدته على معاضدته. ووعدته بالسعي في إصلاح حاله. وإنحاح آماله. ونقد 
سبعمائة ألف دينار عتيق في سبعة أيام من موجود خخزانته. ولم يستعن بأحد من أهل 
مدينته. وحثنا على المسير ولم يأذن لنا قي المقام اليسير. فحين أوصلت المال إلى نخزانة 
أصفهان ولقيت السلطان شافهته بحقيقة أمره وعرفته اختلاف أصحاب الأغراض 
بالباطل فٍ حقه. فأمر السلطان بإعادته إلى رئاسته. ومنصب سيادته. وسير إليه الخلع 
السنية والتشريفات اللائقة بشرفه. وأحيا متلد محده .عطرفه. 
قال: ولما حصل ذلك المبلغ في الخزانة» سلمها إلي وعوّل في دنخلها وخرجها 
على. فتوليت الخزانة والزكي ذو كيسة فيهاء وكذحدائية الخزانة به منوطة» وأمورها 
بأمانته مربوطة ولما سار السلطان إلى بغداد فتك بالزكي هذا قي سوقهاء فقتل في الحال 
قاتله. ولم يعرف من أي وجه غالته غوائله. قال: وقد سبق القول بأنه لم يخلص من 
طعن الخخنطيبي سوى مختص الملك الكاشي. فلم يثبت على تلك الحالة» فإنه شرع 
عند السلطان يقدح في دينه ويجري من الشر في ميادينه. ثم إنه قد نقش في لوح حاطر 
السلطان: أن الباطين لا يعرفه غير الباطيئي. فاجتهد حىّ دل على رجحل من الباطئية من 
الخنوف مختف وف بعض الزوايا مكتف. فأحضره وآمنه وقوى نفسه بما أمكنه. قال له: 
" لا بأس عليك ولا سبيل للأذى إليك”. ولقنه أسامي مائة نفس من خدام السلطان» 
وأعيان البلدان. وقال له " إذا سئلت عمن تعرفه من الباطنية فاذكر هؤلاء وعدهم 
على الولاء". فرده إلى موضعه وقال: " لا تخف, فإنك إن أخحذت أنحيتك؛ وإن أنحذ 
منك أعطيتك”. فلما عاد الرحل إلى مكمنه.ء حضر الخطيبي عند السلطان وقال: " 
قد دللت على رحل باطين في موضع كذاء وأرحو أن يقع» فلعله يفتح علينا بشيء من 
أمر الباطنية ". فأمر الحاجب بإئفاذ من ياحذه فأحذ وأحضرء وسكل عمن يعرفه من 
الباطنية في البلاد والعسكرء فأعاد ما تلقنه من الخطيبي» وأجحرى ذكر مختص الملك 
أبي نصر والصفي القمي أبي الفضل نائب الخطير في ديوان الاستيفاءء وكذلك عد قريبا 


54 تاريخ دولة آل سلجوق 
من مائة من المعروفين» فأخذوا وسلموا إلى الأتراك. وتصرفوا منهم ف الدور 
والأملاك. وتشتت أهلهم؛ وتفرق شملهم. وفي أثناء هذه المكايد والحيل» نسزل 
الخطب بالخطيبي» وضرب بغتة بسكين سكنت حركته وأسكنت نأمتف وأشمتت به 
خخاصة الزمان وعامته. وبقي المكذوب عليهم ف السحن شهورا. وانتقم الله من جاء 
ف أمرهم بمتانا وزورا. ثم تبين للسلطان بعد قتل الخطيبي أنه كان ماحليا 7') 
مستحلا. مستبدا بالاحتيال والاغتيال مستقلا. وعرف أن ذلك الباطن ذكر من ذكره 
بتلقينه» فندم السلطان ولات حين مندم. وأمر بالإفراج عن أولئك المساكين. ولم 
يسمع السلطان بعد ذلك حديئا في اعتقاد» ولم يصدق نسبة مسلم إلى إلحاد. وإذا 
' إنهم في القلاع وهي موضعهاء ونحن نقصدها 
ونقلعها ". وشغف بحصار حصوفهم وفتح قلاعا لو بقيت إلى الآن في أيديهم لعم العام 
الكفر. 
قال: وكان همس الملك ونظام الملك أو الوزير حاضراء وكنت متوليا لعرض 
الحيش» فنقل هذا المنصب مين إليه بعد أن أنحذ ألفي دينار خدمة أوصلها إلى الخزانة؛ 
ب واس اسيم جين ره لم يزل. ومن يسمع 
يخل2"؟. ولم يكن ظهرت بعد احتيالات القاضي» فأزال السلطان اختصاص المختص» 
وتعمد قوادم شغله بالحص. وكان الأمير العميد محمد الجوزقاني عميد بغداد فاستدعاه 
ونقل إليه منصب المذكورء واعتمد عليه في تلك الأمور. وهو منصب الطغراء وليس 
أكبر منه بعد الوزارة إلا منصب الاستيفاءء ثم الطغراء. ومن جملته ديوان الرسائل 
والإنشاء, ثم الإشراف ثم عرض الجيش. والطغرائي هو وزير السلطان في الصيد لغيبة 
الوزير وعليه المعول. فصار الأمير العميد طغرائيا. وكان من كسوة الفضائل عريا. 
وتولى أيضا وزارة كوهر خخاتون بنت الأمير إسماعيل بن ياقويي زوجة السلطان. 
وكانت وزارقا أيضا منوطة بكفاية المختص» صرف من الشغلين. وتسلم الأمير 
العميد المنصبين. وهذا محمد الحوزقاني كان ولد خطيب حوزقانء خرسان المولد 


حرى عنده حديث الباطنية قال: 


)١(‏ محاليا: صاحب كيد ومكر, 
(0) يخل: يتوهم. 


تاريخ دولة آل سلحوق ا أده 
والأصلء وإنما كانت الرغبة فيه لخرسانيته لا لإنسانيته. وتعرف إلى السلطان بالمذهب 
الحنفي ومشاغبته فيه. وإدلاله بالتعصب بين ذويه؛ إذا سلم عليه واحد لم يسمح له برد 
السلام. حي يقول له ما مذهبك من أهل الإسلام؟ وكان قبيح الحبة ('2؛ شديد الْنَجّة "© صفيق 
الوحه. كأبي براقش في تلونه» وكالعقعق في تقلبه. وكالذئب في توثبه. وهو حارج عن 
الحد في تعصبه. 
قال: وكان قد حلص زين الملك أبو سعد بن هندو من الحبس ونزل في 
المعسكر بغير شغل ثم دحل صدور الديوان» واستولى على المكانة والمكان. وكان خخاليا 
من أدنى فهم. جاهلا بكل علم. ومن جملة ذلك أنه سلم إليه كتاب قرار ليكتب خطه 
بما حرى من قرار الديوان فكتب كذا " الاستقر" بالألف واللام وكتب فلان بن فلان: 
تعس الزمان لقد أتى بعجاب ومحا صنوف العلم والآداب 
وأتى بكتاب لو انطلقت يدي فيهم رددقهم إلى الكتاب 
وكان الوزير ضياء الملك رحلا سهل المحجة؛ صادق اللهجة. إذا حلس في صدر 
وزارته» وأحدق الصدور بوسادة سيادته أنار دسته وحسن سمتهء وكان كل منهم إذا 
اجتمعوا سلقوه بألسنة حداد. وكدروا ورده فيما هو قانون الوزارة من الاستقلال 
والاستبداد. قال: ولما لم يكن مباشرته للوزارة صائبة» وكانت الآمال في ححه خخائبة 
لم تلق مدة ولايته تمكيئاء وبقى بعد صرفه الى عشرة سنة مسجونا. ولقي أضعاف 
كرامته هونا. ولم يصادف من زمانه وإنوانه إلا خوانا. 
قال: وتوفي الأمير السيد أبو هاشم الحسينٍ رئيس همذان؛ فنقل من خيرانته إلى 
حزانة السلطان بعد ما أداه مبلغ مائتين وحمسين ألف دينار» وما أثر ذلك في حال 
بيته. وقام حيه بتأئيل محد ميته. وزاد تقرب السلطان لولده. وقوى يده على رئاسة 
بلده. وظهرت غمخايل عصيان ملك العرب صدقة بن منصور بن دبيس بن علي من 
مزيد الأسدي وذلك في سنة ٠٠هه‏ فتغير رأي السلطان فيه حى جر إليه عسكره. 
وكدر إليه مورده ومصدره. وحرت بينهما وقعة غلبه من ولايته. وحيز إقليمه بقلم 


)١(‏ اجحبة: اتساع الجبهة. 
(7) النحة: استقبال الناس ما يكرهون. 


0" تاريخ دولة آل سلحوق 
الحيازة الديوانية» وتصرف فيه كتاب الدولة السلطانية. ومزقوا بالتبذير تلك الأموال 
الجزيلة وخربوا بسوء التدبير تلك الأعمال الحليلة. 
قال وقد كثر تعجبي من السلطانء يتأنق في تخير كلاب الصيد وفهوده. وإنما 
يقت منها ما يراه موافقا لمقصوده. فيسأل عن فروعه وأصوله؛ وانقطاعه ووصوله. فما 
باله لا يتخير لديوانه» ومراتب سلطانه من الكفاة الأفاضل؛ والصدور الأمائل» من 
عر ذاك 2 واه زاك 290 وق كريم» وبمحده قدم. وطريقه في الكفاية مستقيم. 
لقد كان هؤلاء أولى الاحفيانه وأحدر بالاختبار. فإنهم أمناؤه على مملكته؛ ووكلاؤه 
على دولته؛ وسفراؤه ف خدمته. 
وزارة خطير الملك أبي منصور محمد بن الحسين الميبذي 
قال الصادق اليية:: كل شيء يحتاج إلى العقل إلا الدولة. قال: وقد عرف أنه 
معدم من كل آلة وأداة. غير لائق برعاية يراعة. أو الآقة دواة. حمار رامحء جانح 
حامح. عضوض رفوسء. حرون هموس. معدن الغش والدغل. منبع المكر والحيل. 
وكان قد وزر مرة أولى» وعرفوا أن يده في القصور طولى. لكنه توسل في هذه المرة 
لعوده إلى الوزارة محنس توصل ابن حهير ف الوصلة إلى نظام الملك بابنته. وهذا لم 
يكن له وصلة شرعية» ولكن تم له الأمر مئل وسيلته. وإلى ذلك أشار ابن الحبارية في 
وزارة ابن جهير. 
قل للوزير ولا تفزعك هيبته وإن تعاظم واستعلى بمنصبه 
لولا ابئة الشيخ ما استوزرت ثانية فاشكر حرًا صرت مولانا الوزير 
وكان رحلا جسيما ملء التابوت وعقله أوهن من بيت العنكبوت. فإذا استند 
إلى مسنده في الديوان اعتقد أنهما مسندان محشوان. 
(1) عرفه ذاك: العرف .معئ المعروف أو الجود» وذاك من ذكا يذكو بمعين اشتعل واتقد. أي رحلا 
معروفا عند الناس. 
(؟) عرفه زاك؛ رائحته طيبة منتشرة. وزاك من زكا يزكو: نما وانتشر. 


تاريخ دولة آل سلجوق ١‏ 
وزير غاص هن شحم ولحم ولم ينسب إلى عقل وفهم 
إذا لبس البياض فعدل فطن وإن لبس السواد فتل فحم 
وكانت علامته: " الحمد لله المنعم". وكانت له ف الجهل نوادر شوارد؛ وبوادر 
بوارد» ومن جملة ذلكء أنه كان يوما ببغداد راكبا ف زي حسن, وموكب حشن, 
وجمع حمء وبهم ودهم. وحلال الدين عميد الدولة أبو علي بن صدقة الذي وزر 
للمستر شد مسايره. والحند قد عقدت بروايته ورويته أسماعه ونواظره. فالتغت الخطير 
الوزير قال: " قد أشكلت على مسألة لابد من حل إشكاهاء وإنشاط قلبي من عقاها. 
هذه اللواطة سْنة قديمة سبق إليها القدماء» أو رسم مستحدث أحدثه السفهاء" ؟ فقال 
له بعضهم " هذا رسم قديم لقوم لوط". فقال الخطير: "ومن كان لوط ؟ " فقالوا: "ني 
من أنبياء الله" فقال له "قد أنزل الله في قوم لوط: إنكم لتأتون الرحال شهوة من 
دون النساءء بل أنتم قوم تمهلون". قال " ما معيئ تجهلون؟" وكان عجميا لا يعرف 
كلمة عربية؛ فقالوا له " أي لا تعلمون" فقال "هذا حسبء فالأمر إذا سهل؛: وعذر 
فاعله أنه ذو جهلء وأنا أعتقد أنه أعظم وزرا وأفظم أمرا". فانظر إلى جهالته في 
ضلالته. ونزارته في وزارته. وكان مهذارا مكثارا لا يستر شوارا ولا يحذر عثارا. 
وما كفاه ذلك» حى استناب ابن الكافي الأصفهاني الناقص الملقب بالكامل. الطويل 
بغير طائل. واللثيم الذي كان له عند الكرام طوائل. طبار (') غمازء هماز لماز. 
وكان من نوائب الدهر كونه نائب الصدر. يمن بأن أحته تحت الوزير» وهو 
بذلك بالغ القدرة والقدر. وهو من الذين قال ابن الهبارية فيهم من أبيات في ذم 
أصفهان: 
بلد أبو الفتتح اللئيم عميده والقاسم بن الفضل قيل رئيسه 
وطريفة الكافي الطويل وشيخه 2 مع أنه دنس المحل خسيسه 
وابن الخطييي الصغير محله قاض وجرو الندوي جليسه 
فاتفق جميعهم على الوقيعة في زين الملك أبي سعد بن هندو. حى يلغوا في 


)١(‏ طناز: ساخر. 


مكروهه ما ودوا. فباحوا بسر سرائره وحملوا السلطان على أحذه بجرائره. وإنما تمشي 
هم السعي فيه مما كثروا عند السلطان من ثروته. وقالوا إننا ننقل مائيٍ ألف دينار إلى 
الخزانة من حزانته. فأمر السلطان بأحذه وتسليمه إلى التونتاش» وأوقعه في مخلب ذلك 
البطاش. فحمله من أصفهان ل مدينة ساوه وصلبه يوم الجمعة في شارعها. فلما قتلى 
تصرفوا من ماله وتدينوا باستحلاله. وأنسوا السلطان المائي ألف دينار ونحكم ابن 
الكافي في ذلك المال. واستوعبه الكامل على الكمال. وأعيد في وزارة الخطير ديوان 
الاستيفاء إلى معين الدين مختص الملكء فتولى بعد العرل» وتمكن من الشغل. وعبث بهم 
أبو طاهر الخاتونى في أبيات فارسية؛ قال الإمام عماد الدين: وعربت بعضها وقلت: 


صدور مها ببحم للملك إيراد وإصدار 
خفاف لو نفختهم وهم في دستهم طاروا 
رأيتهم كما كانوا وأعرفهم كما صاروا 


وكان الأستاذ الموفق أبو طاهر الخاتوني من صدور الدولة؛ وأعيان المملكة, 
وأفاضل العصرء وأمائل الدهر. ذا فصاحة وحصافة؛ ولطافة وظرافة في النظمٍ والنثر 
جامعا لأدوات نخدمة الملوك. خبير! في مناهج 0 قد قلب الأمور ظهرا لبطن؛ 
ورت الخالين من قوة ووهن. ولم يزل مذ نشأ وإلى آخر عمره صدرا كبيرا. ومشارا 
إلى صوابه وبالصواب مشيرا. ومازال لخاتون 00 وديوان السلطان بكفايته 
مكتفيا. فلما تولى هؤلاء عرفوا نقصانفهم عند فضله: وانخفاض محلهم في البراعة عند 
ارتفاع محله. وعلموا أنه لا يغضي عن عيبهم عينه وأنه لا يقضي إلا من عروض 
عرضهم إن قارضوه أو عارضوه دينه. فتخيلوا من تزبيقه وانتقاده» وتحيلوا بكل طريق 
بعد تقريبه في إبعاده. فتمحلوا له من جرجان شغلا. وعدوه له أهلا. وحر إلى حرحجان 
حرّحان ونقل من أعز مكانة إلى أذل مكان. قال الإمام عماد الدين -رحمه الل 
وشكا في أبيات عجمية أعجام حظه واتهامه. وإقلال قلمه وإعدامه. فعربتها وقلت: 

كرتبة الكلب في عصرنا على رتبة نحن فيها شرف 
وما عاد ذو قلم همفلحا فإن الفلاح لطبل ودف 


رأسه. فقال فيه الموفق الخاتوني بيتا بالفارسية مشتملا على معئئ بديع؛ وهو أنه ينظر 


تاريخ دولة ال سلحوق ع 
من مثلث عينه إلى الناس نظر تربيع فقلت: 
لصدر الصدر ضيق في اتساع 2 ويطمع في كمال من قصور 
على للتثليث ناظره ولكن 2 هن التربيع ينظر في الأمور 
قال: ومازال الوزير يصغي فيه إلى السعادة) ويسيم في مرعى اسجمعه سرح 
الوشاة» ونسبوا إليه التقصير والتخليطء والإفراط والتفريط. وأحال الوزير عليه .مائة 
ألف دينار وانتهز في أمره الفرصة, وأحذ ف استدعائه من جرجان الرخصةء 
فاستحضره وتشدد في إرهاقه» واستصفى ما له فعاد ذلك بإملاقه. 
قال الفتح بن علي البنداري الأصفهاني منتخب الكتاب: رأيت بخط حدي 
-رحمه الله- أن موفق الدولة قال ف تلك الحالة أبياتا مطبوعة بالعربية ومن جملتها 


قوله: 
فبوا ها ملكت في بغدادي واستباحوا ذخائري وعتادي 
فأنا اليوم غير ذقني وسني مثلما كنت ساعة اليلاد 
وهما الآن رهن قلع ونعتف تحت هذا الإبراق والإرعاد 


قال: فأحوجته الحوالات عليه إلى الاستقراض. وانضاف اشتغال ذمته إلى 
الإنفاض. وكان للأستاذ الموفق معرفة بالكمال السميرمي وبينهما صداقة صادقة, 
ومودة صالحة من كأس الصفاء غابقة. وسيأنى ذكر الكمال عند انتهاء ديوان الإشراف 
إليه في الأيام المحمدية. وعند استقلاله بالوزارة في الأيام المحمدية» ولقد كان من أوسع 
الصدور صدراء وأرفعهم قدراء وأحسنهم تدبيراء وأحملهم تأثيرا. وكان يلقب بعز 
الدين وهو في منصب مشهورء ومذهب في السماح مشكور. فلما أملق الموفق» كتب 
إليه أبياتا ذكره فيها بحقوق حدمته, وعقوق حظوته وشكا فيها حاله. وهجا الوزير 
وأشكاله. قال عماد الدين» ول يأت 5 تعريبهاء وم يأنس بخاطري غريبها فأضربت 
عن ضراء لما عصان ضرها. وله في شكوى حاله ما عربت معناه نسجا على منواله. 
وقلت: 
وكم بيذق في خدمة الشاه ساعة تفرز لما صار في سابع الدست 
ولي أخدم السلطان سبعين حجة وها أنا حي للاضافة كالميت 


ه؟ تاريخ دولة آل سلحوق 

قال: وملا هذا الوزير المخنطير مخازن مخازيه. والكامل بن الكافي موازنه وموازيه. 
ولم يكن عنده من الله خبرء ولا في قلبه من الدين أثر وكلما طال عليه الدهر تطاول 
على نبيه» حي تأسست بالشر مبانيه» وحلت له مكاسب لا يرضى المحانين با مجمانيه. 
والسلطان لهم كاره» وضميره له بما هم فيه مشافه. 

ذكر جلوس شرف الدين أنوشروان 
ابن خالد في نيابة الوزارة 

قال أنوشروان: فراسلين السلطان بخادم من حواصهء وشكا من الوزير اعتياد 
اعتياصه. وقال: "هذا الوزير قد أيست من فلاحه؛ ولا مطمع لي ف إصلاحه. ون كل 
وقت يحكم في بي من أولاد الكافي غير كاف؛ وإذا رميت وفيا حاء فيه منهم يحاف. 
وقد عرفت يا أنوشروان طريقتك؛: وعلمت حقك وحقيقتكء وأنا أوثر أن تنوب من 
قبلي ف الوزارة» وتعمر ما بيئ وبينك في السفارة حق العمارة" فقبلت الأرض وأديت 
في تولى خدمته شكر نعمة الفرض. وقدمت عذرا لائقا بالحال. فلما أنكره سارعت 
إلى الامتثال. وكان السلطان كريما حليما. لا يعجل مؤاحذة من يخونه وإن كان حاله 
عليما. فحفظ قلب الوزير في نيابة ابن الكاق لما عزله. وكان في نفسه مواحذته بالمال 
الذي احتزله مراعاة لقلب الوزيرء ومحافظة على خطر الخطير. 

قال: وحلست ف النيابة عنه» على الكره منه. وكان احترامه للوزير لا تبجيلاء 
بل تدفيعا للوقت به وتأجيلا. فأحلسئ في الديوان مكرما وعلى الصدور مقدماً. لكن 
الوزير اعتقد أي للسطان عليه عين» يستئقلي كأني من له قبله ثأر أو دين. وكانت 
صحبة لي على مضضء وصحة ملقاة لي عن مرض. وصدور الديوان عن يمينه ويساره 
مؤئرون لإيئاره. يبدون لي بشرى ويضمرون لي شرا. واتفقت كلمتهم مع افتراق 
طباعهم على مضادي. واعتقدوا 000 محايهم ف محادني. فما اشتريت بشعيرئين 
سباهم» ولا شغلت بالي .هما شغلوا به بالهم. ولما عجزوا عن إيقاعي في مصايد المكايد, 
شرعوا ل تعويق الرسوم والفوائد. وتوقفوا في توحيه واجباي من الديوانء» وتوافقوا 
على قطع ما أطلق لي من صلات السلطان. فكنت أتسلى بقول القائل: 


تاريخ دولة أل سلجوق هه" 
إن لله غير مرعاك هرعى 20 ترتعيه وغير ماك ماء 


9 
. 


إن لله بالبرية لطفا سبق الأمهات 0 والآباء 

قال: ولم أل من قصد الجماعة في نوبي الوزارتين الضيائية والخطيرية» وما 
زالت تأي منهم قوارض الأذية. وكان بين الوزير الخطير وبين المعين المحتص مناوشة 
ومناواة» ومواحشة ومنافاة. وما كان يقدر أحدهما مع المبالغة في قصد صاحبه أن يبلغ 
فيه غرضه. وكأنما يخفي مرضه ومضضه. ح مال الوزير إلى كمال الملك السميرمي 
فصار بينهما موازرة ف أمير المعين» ومشورة ف تكدير ذلك المعينء حىن بلغ فيه ما 
تمناه» والخصي يفتخر بزب مولاه (وسيأني شرح ذلك في موضعه). وتوف الأمير العميد 
الطغرائي في وزارة الخطير. وحمد شرر شره المستطير. وجلس مكانه في ديوان الطغراء 
وصدر الإنشاء الأستاذ أبو إسماعيل الكاتب الأصفهاني» وكان ذا فضل غزير» وأدب 
كثير. وكان في حياة الأمير العميد منشأ على سبيل النيابة عن الطغراء. ثم تولاه 
بالأصالة متصدرا في دست العلاء. وكان مع ذلك بطيء القلم كليله؛ ملتاث الخط 
عليله. وهتف به أبو طاهر الخاتوني في نظمه؛ وسلط سفه المجاء على حلمه. وأشار 
إلى القلم في يده وقال: كأنه وهو يجره برحله, مذنب يعاقبه بحرمه. وكانت بديهته أبية 
ورويته روية محبية. فإذا أنشأ تروي بطيا وتفكر مليا. وغاص في بحر خاطره؛ ثم أتى 
بالمعاني البديعة» والاستعارات الغريبة. وسنذكر أحواله فيما بعدء وحال الوزير الخطير 
لما نخانه السعد. 

ذكر تولي كمال الملك على السميرمي اشراف 
تملكة السلطان محمد بن ملكشاه وابتداء أمره 

قال: كان كمال الملك علي بن أحمد من مدينة بقرب أصفهان يقال لها سميرم» 
أهلها ذوو فطرة زكيةء وفطنة ذكية. وكانت هذه المدينة في معيشة كهر نحاتون زوجة 
السلطان» وأبو كمال الملك زارع غلاتماء وقابض ارتفاعاتها. ووزيرها حينئذ الأمير 
العميدء والكمال» لسبب شغل والده وإنحاح مقاصده متردد إليه متودد» ومتصد 
لأموره مسددء فاستجلاه واستجلده, واستكفاه وأحمده. واستنابه في خاصه حين 
استبان نصحه. واستوضح في ليالي نوائبه بالنجح صبحه. قوفر ماله؛ وثمر حاله. وجعل 


557 تاريخ دولة آل سلحوق 
له في العيون هيبة وف الصدور رهبة. فبقى الأمير العميد لا يعتمد في أموره إلا عليه 
ولا يسكن إلا إليه. فلما اتفق مسير الأمير العميد إلى بغداد ف تولي العمارة» لم يكن له 
بد من إقامة نائب في وزارة كهر خاتون يلازم الدركاهء ويقيم له بخدمته عنه الاسم 
والجاه. فرأى أن الكمال أوفق وأوثق» وأشفى لصدره في التصدر وأشفق. فاستنابه 
على أنه لا يستعين فيما ينوبه إلا بالعزيزء وكان العزيز أبو نصر أحمد بن حامد -رحمه 
الله- عمي أول ما شب ومضى ف البلاغة شباه. وعقد بحب العلىي حباه. وصرف 
اليراعة بنانه وعرف البراعة بيانه. وهو ف الديوان الخاتوني نائب على الأصل يحكمء 
وشاب عند مشايخ صدور يجهلون ما يعلم. فلما تولى الكمال نيابة وزارة كهر 
حاتون؛ انضم إليه العزيز فضم نشره؛ وحسن أثره» وأرشده ودبره. 

وكان الديوان الخاتون في الوزارة العميدية خاملا خامداء ما له غير رواتب 
موظفة» ووظائف مرتبة» ومعايش مرسومة؛ وعوائد معلومة. ليس لنوابه ف غيرها أمر 
ولا نحي ولا لوراده من سواها شرب ولا ري. ونحاتون راضية بالهدو؛ متغاضية عن 
النمو. فعرفها الكمال ما في الخمول من ذهاب رونق السلطنة» وعزل ولاية القدرة 
المتمكنة. وكانت هي ابنة الملك إسماعيل البغاني من أذربيجان» وكان كبير الشان. 
فقال لها: "قولي للسلطان إن أجناد أذربيجان من صنائع والدي وأشياعه. وهم صاروا 
متبوعين وقد كانوا أمس من أتباعه. وأريد أن تكتب منشورا بأنهم في اهتمامي» وأن 
أمر معايشهم يبرم بإبرامي". فأحاب السلطان سؤاهاء وكتب لها مثالها. فسيرت الكتب 
السلطانية؛ وأمر بخدمتها الأمراء الأذربيجانية» فتبادرا إلى بابحا بتقبيل العتبة وتأميل 
المرتبة. ووصلوا بالهدايا والتحف والألطاف والطرف. وازدحمت على بايا وفود 
الملوك» واتسق إلى قصدها سلك الفج المسلوك. فرأت من الدولة شيئا ما رأت؛ ورعت 
من الدولة روضا ما رعت. فتبركت بموضع كمال الملك. وسمع الأمير العميد بأن نائبه 
قد حاءه الجاه» وقبلت يديه الشفاه. فقام وقعد. وأبرق وأرعد. وكتب بصرفه؛ والغض 
من طرفه» ومطالبته بفرعه» وعمل الحساب ورفعه. فلم تلتفت الخاتون إلى قوله في 
كتابه» ولم تكترث بمخطابه. وكتبت: " إن هذا النائب عندي مرضي وحقه مرعي. فما 
لك أن تصرفه؛ بل عليك أن تعرفه. وتعرف له حقه وتنصفه. وهو أن حاققته فليس 


تاريخ دولة آل سلحوق ١‏ 
لك بنائب وإنما هو شريك؛ وأن أمرنا بالإنكار أن قصد منك أو شيك 29 وشيك, 
وأنت تعلم أيها العميد أن دور الحرم؛ مبرمة ها معاقد العصمء محكمة لها قواعد العظم. 
فما يجوز أن يتولاها في كل قريب غريب. وما يحسن أن يتجدد في كل حين لها 
مستئاب ومستنيب. وهذا عرفناه بك فالأولى أن تبقيه» والأبقى ملناهك أن توليه". 

فعرف الأمير العميد أن الأمر حرج عن يدهء فجدد للكمال بشغلة منشورا. 
وطوى من شره فيه ما كان منشوراء وكتب إلى حاتون * أن الآن قد قوى أملي حيث 
مكنت نائبي» وعرفت صحبة صاحجبي. وإى ما أردت صرفه؛ وإنما أردت تهذيبه ورمت 
بحريبه: وقد وفرت عليه ثلث الرسوم» وأشركته معي ف أصل الفرع المعلوم" فاستقل 
الكمال واستمر مريره. وئاب سروه ”2 وثبت سريره. وبقي كذلك متوليا مستولياء 
ومتغلبا مستعليا إلى أن قضى الأمير العميد نحبه» فسولته وزارتما بالأصالة وخصته 
بالإيالة. ثم تعصبت له عند السلطان»: حي ولته إشراف المملكة, فدانت له الأمم. 
وأطاف به الحشم والخدم؛ وصار السلطان. يكتب إليه بخطه؛ ويطلعه على حال رضاه 
وسخحطه. ثم شوش على أرباب المناصب قلب السلطان ح تغير رأيه في وزيره الخطير 
ورد ورده إلى التكدير. ونقله من بن جنسه إلى بناء سجنه. ومن مجلس عزّه إلى حبس 
عزله. وسلمه إلى الأمير الحاحب عمر ابن قراتكين ليخرجه ويستخرجه. وليروج ماله 
ويورحه قال: ونظم أبو طاهر الناتوني بيتين فارسيين عربتهما وقلت: 

كان حمارا وزيرنا . ومضى فما يملك السلطان من خلل 
لكنما في | صدور دولسا ليس لذاك الحمار هن بدل 


وكان همس الملك عثمان بن نظام الملك قد بقي ثي حبس الوزير سبع سنين» 
فأفرج عنه ليواقف الوزير على أوزاره؛ ويقرب خخطى التطير إلى أخطاره. فكان حبس 
وفاوضهم ف وزير يفوض إليه وزارته. 

قال أنوشروان: فأجمعوا على أن أكون المتكلم عنهم بالصواب والمبلغ للخطاب. 
)١(‏ شيك: أصابه بالشوك. 

(5) السرو: الفصل. 


24 تاريخ دولة آل سلحوق 
وكان رأبي مائلا إلى مثل ما حكي عن المعتضد أنه كان قد حرض على عبيد الله بن 
سليمان وسعى عنده عليه. وكان يقول: " إذا فكرت فيما ينتقض من التدبير» ويضيع 
من الأمور بين صرف وزير وتقليد وزير» وإن كان المتقلد أكفى أضربت عن نكبته"” 
فاتفقوا أن أكون الناظر قي الأمور ومتقلد مصالح الجمهور. ومتنفذ الأوامر وجامع خمل 
الأكابر والأصاغر. وأن المنشئ والمشرف يكفيان بخطي وتمئيلي. ويتأئلان في شغلهما 
بتأثيلي. حين يقضي كل مهم. ويقصي كل ملم وبقيت الرعية مرعية. والسيرة رضية 
مرضية. والدهماء ساكنة. والغبراء امنة. وطال حبس الوزير تلك المدة ولقى الشدة. 
وكان خلف الزمان رجلين من أولاد الكافي من بقايا السيوف» وزوايا الحتوف. 
فحبسهما السلطان معه وأختهما الي كانت زوحة الوزير» على مائة وخمسين ألف 
دينار. وسامهم في تلك المصادرة كل خسار وصغار. وباح السلطان يما كان يضمره 
من أمر الوزير ولا يظهره. وكشف الغطاء عما كان يستره. وألزمه يتطليق زوجته ابنة 
الكافي» ورماه من مفارقتها بثالثة الأثائ. 

قال: وكانت الدولة السلطانية قد شارفت انقضابها وانقضائها. وقارب خطو 
انتهاضها لما قاربت انتهائها. وبدأ بالسلطان مرض طويل أضناه وأنحله وألهاه عن المملكة 
وأشغله. ووقع الفناء في أمراء دولته» وأكابر ملكته. وبقي السلطان من مرضه في ذواب. 
ومن عيشه في كدر وشوب 7" فأراد أن يولي وزيرا يوصي إليه بولي عهده. 
ويستكفي به مهام الدولة حيث علم أنه لا يستقل يما من يقوم من بعده. 

ذكر وزارة ربيب الدولة أبي منصور 
بن الوزير أبي شججساع حرحمه الله 

قال عماد الدين -رحمه الله-: ذكر والدي أن أرباب المناصب لما عرفوا ميل 
السلطان إلى تولية وزير يكفي المهام ويحفظ النظام ويكفل الأمور العظام, خافوا من 
استنامته إلى بطل بطاش. ومستجيش بثبات حاش. وأنهم يبلون إما بذي حنق عليه 
وإما بذي فرق منهم فيدب كيده إليهم. فحسنوا للسلطان طلب وزير من تربية دار 


)١(‏ الشوب: ما خلطته بغيره. 


تاريخ دولة آل سلحوق ” 
الخلافة» فإنه ليس بالحضرة من يصلح لهذا المنصب. فاستدعى ربيب الدولة من بغداد 
إلى أصفهان. وسد به المكان. فصار له اسم الوزراة بالورائة. وكان لائقا بتلك الدولة 
المريضة الملتائة. وكانت علامته: " الحمد لله على النعم". 

قال: قال أنوشروان: وكان قد بقي من أيام عمر السلطان مقدار أربعين أو 
حمسين يوماء وقد استحصد زرعه وانتسخ شرعه. فجاعءوا بحذا الصنم ودسوه في 
الدسست. وقصدوا بترتيبه شغل الوقت. واتفق موت الكفاة. وضمهم حبل الوفاة. 
وتنائروا تنائر ورق الخريف» وتفرقوا تفرق سحاب المصيف. ولم يبق في تلك المدة 
اليسيرة من المعروفين كبير موصوف. ولا من الأمراء الأكابر معروف. فصار الأتباع 
أصولاء والأقطاع نصولا. والدراري هموساء والأذناب رؤوسا. ولم يبق في الدولة من 
القدماء إلا مختص الملك المستوفي» والأستاذ أبو إسماعيل الطغرائي. فأما المختصء فإنهم 
عزلوه واعتقلوه وقروا عليه حخمسين ألف دينار للخزانة» ثم أحذوا خطه بأنه لا يخطب 
ما عاش عملاء ولا يستنجح ما طال أمد عمره أملا. وخلوا سبيله وما خلوا له إلى 
ثروة سبيلا. وأحذوا ما كان له. فلم يتركوا له كثيرا ولا قليلا. فأفلت بحريعة الذقن. 
وعد سلامته من المنح ف تلك امحن. فتولى ديوان الاستيفاء كمال الملك السميرمي» 
وعلامنه الأمر وحلاله المر. واستقل واستقام؛ وما وسام» ورمى ورام. والوزير هين 
لين» وعجزه عن البطش بين. وكمال الملك فارس ذلك الميدان وحاكم ذلك الديوان. 

وأما الأستاذ أبو إسماعيل الطغرائي: فإفهم لا لم يروا قي فضله مطعناء ولا على 
عمله من القدح مكمناء أشاعوا بينهم أنه ساحر وأنه في السحر عن ساعد الحذق 
حاسر. وأن مرض السلطان رما كان بسحره. وإنه إن لم يصرف عن تصرفه فلا آمن 
من أمرهء فبطلوه وعطلوه: واعتزلوه وعزلوه. وعاد الخطير الذي كان وزيرا يمد 
الطغراء خطه. ولم يضره عن درحة الوزارة حطه. وكان قد خلا دركاه السلطان من 
الأمراء والكبراء» فإنه كان شغلهم بحصار قلعة الموت مع الأمير الكبير» أنوشتكين 
شركير. ولقد كان شهما شديداء وسهما سديدا. وسما زعافا على العدو ومونا زؤاما 
على أهل الإلحاد والعتو. ولولا موت السلطان لتسلط على الموت» ول يترك فرصة 
فتحها أن تفوت. وهو ف ذلك لها حاصر. والله له ناصر. فصيّر السلطان على ابن عمر 
حاجبه الكبيرء وأسمى مكانه الأثير. وكان أمير البار يعين: أمير الإذن» وأمير البار هو 


الآذن عن السلطان, إذا اجتمع الأكابر. والأمير الحاجب الكبير هو الذي يسمع 
مشافهة السلطان ويؤديها إلى الوزير» فهو الناهي الآمر. 

قال: ولما مضى شهرء اشتد مرض السلطان وبلغ الرحاء فيه اليأس»؛ ووجد 
بالعدم الإحساس» وأصبح يعد الأنفاس. وأمر بالحجاب وححب عن الأمراء. وأيقن أن 
القدر لا يرعى له زمام ما بقي من الدماء. ولم يكن يدخل إليه إلا الأمير الحاجب علي 
ابن عمر بن سرمة» فهو الذي يسمع كلامه. وينفذ بالتبليغ أحكامه. وسمى حديئه 
وصية وجعل نفسه وصيا. وعد مصدقه مطيعا والمستريب برأيه الرائب عصيا. ولا 
قرب الأجل وحل الوحلء ذكر الأمير الحاجب أن السلطان أمر بإخراج مائي ألف 
ديتار من الخزانة لإرضاء الخصوم وإشكائهم '). والاستحلال من فقراء الرعايا 
وأغتيائهم. فتسلم ذلك المال وقبضه؛ وتصرف فيه على ما وافق غرضه. وكان وزير 
الأمير الحاجحب الكبير حينئذ أبو القاسم الدركزيئ ويلقب بزين الدين» فمن ذلك المال 
تمول» واستكثر العبيد والخول. وكان ذلك مبدأ غناه» وريعان مح مناه. وأمر العسكر 
مبايعة ولي العهد ومتابعته» وطاعته ومشايعته. وإنه لابد من جلوته على السرير 
وإحلاسه؛ ووقوف الأمراء على رأسه. وقيل للسلطان مرضك سحريء ومضضك 
حفي. وإنما سحرتك زوحتك فأعضل دواءك. وحملوا السلطان على أن كحلها 
وسملها. وحبسها في بيت ضيق واعتقلها. وأتلف عدة من حواشيهاء وعصابة من 
جواريها. ثم أخرجوا حاتم السلطان وقالوا أنه أمر بخنقهاء ودخل إليها من شد الوتر في 
حلقها. ومن عجيب القدر ومقدور العجب أن الزوجين توافيا ساعة واحدة على 
العطب» فالخاتون في بيتها كانت أيامه أيامن للأيامي ومراحم لليتامى. ورسومه جائزة 
غير جائرة» وأحكامه راضية غير ضائرة. وحصاه رصينا وحجاه رزينا ودينه متينا 
وشرع علمه في العمل بالشر ع مبينا. وكان رجل السلجقية الكامل وفحلهم البازل. 
وله الآثار الحميدة والآراء السديدة. ولما حسنت سيرته» وكملت دولته؛ وأصحت 
سماؤهء وطاب هراؤهء وصفا ماؤهء وآلت آلاؤه أن يغ الفقير ويجير الكسيرء» ويفك 
قلاع الأسيرء ويكف العسير. وينصر الإسلام» ويكشف الإظلامء ويقلع الملحدين, 


)١(‏ الإشكاء: قبول الشكوى. 


ناريخ دولة أل سلجوق ذه 
ويعلي أعلام الموحدين. قبض القضاء يده. وقصر أمله وأمده. وغيض بحره؛ وغيب 
بدره. 
بين الصفائح والثرى ريحانة قد كان لي من قريما مستمتع 
وإذا تذكرت الذي فعل البلى بجمال وجهك جاء ما لا يدفع 
قال: توف أمير المؤمنين المستظهر بالله ف بعد وفاة السلطان محمد -رحمه الله- 
بمدة يسيرة و حولت الدولتان» وتفصلت الجملتان. ولف السلطان محمد خمسة بنين, 
وهم! محمود» ومسعودء وطغرل» وسليمانء وسلجق» وكل منهم تولى السلطنة. 
وسوى سلجق. وسيأيٍ ذكرهم فيما بعد إن شاء الله تعالى , 
ذكر جلوس السلطان مغيث الدنيا والدين أبي القاسم 
محمود بن محمد بن ملكشاه يمين أمير المؤمنين 
قال: فجلس على التحت مكان والده. واستقر من الملك في أعلى وسائده, 
وأحكم قراعده. وحضر الناس على طبقاهم للهناء» وحلوه في دست السنا والسناء. 
وقبلوا الأرضء وأدوا من إقامة الرسم الفرض. ووقف العظماء والكبراء سماطين على 
ترتيب أقدارهمء وقدر مراتبهم. وتناسقوا على درجاهم ف مراقي مراتبهم. 
قال أنوشروان: وتقدم الوزير الربيب» وصعد إلى السرير للتهنئة وتقبيل اليد 
ونزلء وتقدم الخطير بحكم أنه كان وزيرا يفعل مثل ما فعل. وكان على كل حالء 
للشيخوخة والتقدمة» يستحق أن يقدم ويبجل. فزاحمه الكمال السميرمي وأخره 
وتقدمه» ولم يعرف سابقته ونحدمته للدولة وقدمه. فأقام الخطير سم التهنئة بعده. ولزم 
كل منهم ف ذلك المقام حده. وأنا أيضا أقمت رسم التهنئة» ووفيت حق التوفية. 
وكان السلطان حينئذ في سن الحلم» متوقد الذكاء كالئار فوق العلم» مشرقا وجهه مع 
صغر سنه يسمناء العظم. 
وفي ابتداء هذه الدولة انتقلت الخلافة إلى أمير المؤمنين المسترشد بالله ابن 
المستظهر بالله -رضى الله عنهما-» وبويع له وحدد تقليد السلطان على الشرائط 
المشروعةء والرسوم الموضوعة. واجتمع أرباب الدولة السلطانية واصطلحوا على 
التحالف وتحالفوا على الصلاح. وأجالوا بينهم في مظاهرة البعض للبعض ضرب 


»> تاريخ دولة آل سلحوق 
القداح. وكان أبو القاسم الأنساباذي الدركزيى وزير الأمير الحاجب على بارء فصار 
يلقن مخدومه ويفهده 2'7, ويدله على طرق الضلال ويريه أنه يرشده. ويقول إن الوزير 
والمستوقٍ يتبغي أن يكونا بحكمكء وهذا السلطان صغير ينبغي أن يكون تحت 
حجرك. ولا يأمر إلا بأمرك. فأدخحل ف رأسه ما لم يخرحه منه في آخخر الأمر إلا 
السيفء فأول ما دبر أنه ذكر للسلطان أن صلاح دولته في إفساد عمهء وأنه يغلب 
على دولته برغمه. وكان عمه سنجر السلطان الأعظم عماد آل سلجق» وسلطنته 
ببلاد خراسان إلى العراق إلى ما وراء النهر إلى غزنة وخوارزم والترك» قد عمت 
ونمت. ودولته قد علت وسمت. وهو شيخ البيت وعظيمه: وحافظ عزه ومديمه. 
فأحضروا الشهاب أسمد كاتب الإنشاء» وأمروه أن يكتب إلى حان سمرقند» وقالوا له: 
إنا نقصد السلطان سنحرء وهر لا شك يتوجه إلينا إذا توجهنا للقائه» والرأي أن تأت 
أنت من ورائه. فيقع الخصم في الوسطء ويحصل في التورط. وكان هذا الرأي القائل: 
أول ما أدب الأدبار وأهب ديوره؛ وما من الإقبال حبره وأذهب حبوره. 

ومن جملة تدبيراتهم المدبرة أيضاء أن الأمير ملك العرب دبيس بن صدقة ابن 
منصور بن دبيس علي بن مزيد الأسدي كان مقيما في خدمة السلطان منذ عشر 
سنين» وقد سلا عن بلدهء وقنع بما في يده. ورضي من السلطان بالرضىء وانقضى 
طمعه في ملك أبيه الذي انقضى. وبلاد الحلة والولايات في تصرف نواب السلطان 
والأمير المجاهد يبمروز الخادم الخصي نائب السلطان ببغداد» والرعايا آمنة والأذايا 
مأمونة. والنعم راهنة؛ والذمم بشكرها مرهونة» فبدلوا تلك القواعد وحللوا تلك 
المعاقد. وارتشوا من الأمير دبيس وأعادوه إلى العراق. فقامت الحرب على ساق» 
وكتبوا ملطفة بالقبض على بمروز» ومحاسبته واستخراج سر غناء المرموز. وكل هذا 
عاد بالفساد وفسد العوائدء وأفاد التمحيق ومحق الفوائد. 

والمفسدة الثالئة أن بلاد فارس كانت على أحسن نظام وأوفق مرام وطاعتها 
شائعة؛ وشيعتها طائعة. والبذول فيها حاصلة؛ والحمول منها متواصلة. واتفق ثْ ذلك 
الوقت أن عاملها كان حاضرا بأصفهان؛ فأشار الدركزينٍ على مخدومه بالقبض على 


)١(‏ تفهد: نام وغقل عما يجب تعهده. 


تاريخ دولة آل سلحوق 55 
العامل؛ ومطالبته بالحاصل. فأحذه وعذبه» وما صدقه أن المال بعد مُعَدَ بفارس بل 
كذبه. فلما نمي الخبر إلى أمير فارسء طمع في المال» وكان مبلغا وافراء وضن برده 
واستوحشء: وجاهر بالعصيان وأفحش. وكان للسلطان جشران 29 بتلك البلاد 
فاستاقها. وأذخار فاعتاقها ('©. فاختل نظام الولايات الفارسية بتلك الآراب السيئة 
والآراء المسيئة. 

والمفسدة الرابعة, أن جماعة كانوا مقيمين في الخدمة من أمراء مازتندران وأمراء 
الشبانكارية» وهم حيل من جنس الأكراد قْ حانب بلاد فارسء بلادهم ممتنعة, 
وقلاعهم مرتفعة. وكان السلطان الماضي قد ألف قلويهم بإحسانه. وقادهم باليد إلى 
سلطائه. لأنه كانت الطرق منهم مخوفة» والفرقة منهم مألوفة. فأساء الدركزيي 
وصاحبه ومن وازرهما إليهم؛ فاشتطوا عليهم؛ فنفروا وعادوا إلى حصوفم. فأظهروا 
من الشر ما كان كُمُّنَء وحركوا من الفتنة ما كان سكن. 

والمفسدة الخامسة, إنه لم بخلف أحد من السلجقية ما خلفه السلطان محمد من 
العين والأثاث؛ فتصرفوا فيه وتقاسموا بهه وفرغوا الخزانة من العين في أقرب من 
شهرين. فلما ذهب الذهب فضوا نختم الفضة وفضوهاء واستخرحوا وجوه المعاملات 
الرابحة واستنضوها. ثم تصرفوا في المصوغات من الحلي والأواني والآلات, ثم في 
الجواهر ثم في الثياب» ثم في الخيل المسمومة العراب؛ ثم ف الحمال ولم يبقوا شيئا ح 
تفرقوا بأغنام النتاجء وتقاسموا بالكباش منها والنعاج. قصيروا الملك الآهل قفراء 
وأضعفوا بعد الغغئ فقاره فقرا. 

والمفسدة السادسة:؛ أنهم قالوا: إن هؤلاء مماليك السلطان لا يطيبون بطاعتنا 
نفساء ولا يجدو .متابعتنا أنسا.فاحتالوا في شت شملهم؛ وراموا كل سهم منهم إلى 
هدفء وكل شهم منهم إلى طرف. 

والمفسدة السابعة» وهي المفسدة الكبرى, أن العساكر الي كانت مشغولة 
بحصار الموت وقد شارفت فتحهاء وشاهدت بجحهاء شرع الدركزيئ في تفريقها هيله 
)١(‏ ججشران: الماشية. 
(1) أذخار: جمع ذخر وهو المال المدخرء وأعتاقها: أخرها. 


إلى الملاحدة» ووعده لهم بالمساعدة. وأخذ رخصة ف قبض الأمير الكبير أنوشتكين 
شيركير» وهو أمير ذلك العسكر. فرحلوا عن الحصار بغير ترتيب» وتبعهم أهل ألموت 
فقتلوا خخلقا. وذهب الباقون غريا وشرقاء ونقلوا إلى القلعة من العدد الكثيرة والأزواد 
والميرة» ما تزيد قيمته على مائيَ ألف ديئار. ووصل الأمير الكبير كندغدي إلى الباب. 
وكان عظيما من أولي الألباب» فولوه أتابكية الملك طغرل أحي السلطان» م حذروا 
السلطان منه فخاففب كندغدي على نفسه وعلى ملكه فأدلج به سارياء وذهب متواريا. 
فلم يحوهما بعد ذلك دارء وصار من ذلك للقلب اشتغال ولنار الفتنة اشتعال. 

والمفسدة الثامنة» أن الأمير قراجه الساقي سلموا إليه الملك سلجق أخما السلطان 
وولوه بلاد فارسء فلما سمع الأمير قيصر بقدومه وكانوا قد ولوه فارس من قبل هرب 
وحصل عند السلطان سنجر بخراسان وهو موتور. ونفث شكاويه الى هو بما مصدور. 

والمفسدة التاسعة؛ أنه كان للسلطان مماليك صغارء كأنفهم أقمار. وكان عليهم 
من الخصيان اخراص رقباء. وعلى طوائفهم من جنسهم نقباع. فأحعذ كل واحد منهم 
عدة؛ واقتسموا بالغلمان الوق 09 وأقاموا ألف سوق للفسوق. 

والمفسدة العاشرةء أنهم أخخرحوا الجواري المطربات؛ والإماء المغنيات من دور 
الحرم إلى دورهم؛ وآثروا حضورهن بحالس حضورهم. وركبوا في الفسق كل مركب». 
وذهبوا في الخرى كل مذهب. وتسلطوا على السلطان واحترأوا عليه بما احترحوه, 

قال أنوشروان: ذكر لي أنه لما توفي السلطان محمد دحل الأمير علي بار إلى 
حزانته» فأخحذ صناديق الجواهر النفيسة» واليواقيت الثمينة فأودعها عند وزيره 
الدر كزيين» فلما قتل على ما سنذكره. حصل با ولم يسأل أحد عنها. 

قال عماد الدين: وأذكر طرفا من هذا الأنساباذي» وأنسباذ ضيعة من إقليم 
ومعظم أهلها أهل الإباحة والغواية» وأكثرهم من المزدكية الخرمية» وشرهم شائع في 
البرية. وكان أبوه فلاحا منهمء فجاء به إلى أصفهان وعلمه الخط» والحخرأة والخبط. 


)١(‏ الروق: جمع رواق» وهو سقف في مقدمة البيت. 


تارب ب دولة أل سلجحوق ه>؟ 
ومازال مخالطا للمتصرفين عْمْراً ذا غمر. ووثراً في الشر أخما وئر. ما أحسن إليه أحد 
إلا قتلى وما آوى إلي حبل إلا زلزله. وأول من استخدمه بين يديه كمال الملك 
السميرمي» وعمي العزيزء فلقى كلا منهما الأمرّين. وقابل بالإساءة منهما الحسنين. 

قال: وحرى وزير الوقت على تلك القاعدة في الإفساد. ولم ير مخالفتهم على 
المراد. وكان من خرقه وخرق أصحابه؛ أنهم جعلوا خطاب الأمير علي بار بوصي 
السلطان» وسيروه أحص ألقابه» فإنه ألزمهم بذلك وقال: يجب أن ألقب به. وعزلوا 
الخطير من شغل الطغراء» وناطوا به وزارة الملك سلحق المندوب إلى فارس مع الأمير 
قراحة الساقي. ومقصودهم أن يبعدوه عن الدر كاه فلا يقع منهم إلا التلاقي. وفٍ كل 
ما عملوه لم يستطلعوا رأي السلطان ولا استأذنوه» وحقروه واستضعفوه. وتواترت 
أخبار هذه الفضائح: وتواصلت أثناء هذه القبائح. فانتحى السلطان سنحر لبيته الذي 

شرعوا في هدمه, وتحركت على ابن الأخ الشفيق الشقيق شفقة عمه. 

ذكر وصول السلطان الأعظم شاهنشاه المعظم 

معز الدنيا والدين أبي الحرث سنجر بن ملكشاه 

يمين أمير المؤمدين 
من خراسان إلى حدود العراق وظفره وعفوه وعوده 

قال: فانتهى إلى هذا السلطان العادل» الكامل الشامل» المحبوب الشمائل أن أمر 
ابن أيه محمود غير محمود, وأن ملكه إن لم يتلاف مود إلى التلاف مؤود. فصوب 
رايته صوب الري. ونشر لواءه ليعيد اللأواء إلى الطي. وكان كالشمس أضاءت من 
مشرقها وأنارت من أفقها. فلما أطل عسكره على العراق. وسد عثيره 2 جوانب 
الآفاق برز السلطان محمود سراقه» وعرض فيالقه ولم يغب أحد في تلك النوبة من 
العساكر. وتلاطمت أمواج بحارها الزواخر. وكان مقدّمّي عسكر السلطان الأميران 
الأصفهسلاران على بار ومنكوبرس» وبينهما تباين وتضاد وتضاغن. فلا جرم؛ 


)١(‏ العثير: الغبار الذي يثيره اجيش. 


555 تاريخ دولة آل سلحوق 
لاحتلاف رأيهماء واحتلاط أهوائهماء لم يستقم تدبير ولح يتدبر تقويم» ولم يتضح ف 
المصلحة تأخير ولا تقديم. ودرج الوزير الربيب في تلك الأيام؛ وسكن ف حمى الحمام. 
وتولى الوزارة كمال الملك أبو الحسن علي بن أحمد السميرمي» وذلك في سنة 1ه 
هه وذلك قبل المصاف بين السلطانين بثلاثة أيام وجرى أمره على نظام؛ في غير 
وقت انتظام. وكان العسكران مشغولين بالتعبية. فلما التقى اللجمعان. واختلط النقعان 
لمزم عسكر محمود وكسر حيشه وانكسر حأشه. ولما ضل عن النار فراشه» ظل كأنما 
على النار فراشه. وقتلى قي المعركة جماعة مبّرءون: وسلم المحرمون فلما أصبح السلطان 
سنحرء سأل عن ولد أخيه؛ ولم يحمد ما كان من تأخخره عن حضرته وتراخيه. فأرسل 
إليه رسولا لقبض زعرهء وبسط عذرهء وإنه يؤثر حفظه في قلبهء والأنس بقربه 
وتنفيس كربه. وإنه يتدارك ما فرط بالتلافي» وإنه يتم التقصي عن عهدة تلك المنات 
بالتصافي. فاستحر الله ولا تستاحر» واستأثر لقاء من على لقائك لم يستآثر. 

وكان أحاط أولئك المذمومون بالسلطان محمود لا يهدونه إلى الصواب ولا 
يصوبونه إلى ا هدى. ويصدون عنه ري الري؛ ولا بروون منه الصدى. وكان قد سبق 
أبو القاسم الدركزيي صاحب الأمير علي بار الأعظمي», فحضر لإصلاح أمر صاحبه 
وأحضر قدراً من المال الذي اختزله من الخزانة السلطائية فنثره وبذره. وقدم الرشى 
ح أمن ما حذره. وأراد أن يكون هو المترسط في الصلح والصلاح. والمتحدث في 
الإبحاز والإنحاح. وكان السلطان يؤثر أن لا يطول مقامه فتثقل وطأته. وتكثر مضرته. 
ول ير أن يترك البيت .متداعي البنيان غير معمود. ويريد الانصراف راشدا وقد طالت 
عليه غيبة محمود. وما صدق بحضور الدركزيئ على بابه» وظن أنه قد حصل من 
النحح على لبابه. فأمر بإحضاره؛ فلما بصر به قال: " أين علي بار فإنه لأمر ولدي 
ضمين" فتلا " أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإن عليه لقوي أمين" قال " فأين 
ولدي" قال " أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك :طرفك» وإنه يسعه عطفك وعرفك". 
فندبه إلى أصفهان لإحضارهم. وأحرى الأمور على إيثارهم. فبلغ الوزير كمال الملك 
السميرمي أنس الدركزيئ بالحضرة السنحرية؛ وأنه واصل بالحرأة. فسبق بالرأي ورأى 
السبق» وأن يكون هو الذي يتولى بالرتق والفتق. فقال للسلطان "هذا عمك في مقام 
والدك؛ وله عليك حقوق» وعصيانه عقوق. ومن حسن الأدب استعطافه» واستجداد 


تاريخ دولة آل سلحوقف ذه 
رضاه واستئنافه» وأنا أمضي إليه لإمضاء الألية. وإرضائه بالكلية" وحاف أنه إن وصل 
الدركزيئ يصير الأمير علي بار للأمر متوليا. ويبقى هو عن الشغل متخليا. وإنه يصير 
تابعاء وماؤه غائضا وماء جاه الدركزيئ نابعا. قتوجه إلى الري» وقطع الطريق بالنشر 
والطي. ولقي الدركزيئ في طريقه؛ وأخيره بتوثقه من السلطان سنحر وتوثيقه. فلم 
يعرج على تصديقه. وقال له " إن قد قضيت الشغل فلا تتعب. وعرفتهم زهدنا فلا 
ترغب. فاحتهد بكل طريق ف إعادته عن طريقه". فما التفت ولا اكترث» وأغذ السير 
وما لبث. فمضى الخبر إلى السلطان سنجر بأن الوزير كمال الملك قد قدم. وأن ابن 
أخيك أرسله إليك للعذر لما ندم. فسر بذلكء؛ وأمر الأمراء باستقباله» واحتفل ف 
حفله لتوفير إقباله. وأبصر الوزير من تعظيم خخطره ما لم يخطر بباله» فحبط عمل وزير 
علي بار وبار. وانهدم كل ما كان بناه وانمار. وأخذ يد السلطان علي شد أواخخيه لابن 
أخيه. وأعلمه بإرادة الوفاق وتوخيه. واستوثق منه من كل ما استوثقه. واستدرك 
بالروية في الرأي كل ها فاته واستحلقه. وأقام الوزير وسير إلى سلطانه من عنده 
رسولا يستدعيه ويستحثه. ويعلمه أن عمه لانتظاره طال مقامه ولبئه. فأقبل محمود إلى 
وزيره حامداء وإلى عمه وافدا. فأكره وفادته» وأنمح إراذته. ولم يجد علي بار بدا من 
الاتباع. وحضر ضيق الذرع قصير الباع. وخر لتقبيل الترب» واعترف بالذنب. 
فأبدى له السلطان الرحيم صفحة الصفح؛ ومنحه العفو وأعفاه عن المنح. ثم احتمع 
كمال الملك وعلي بار ووزيره؛ على ما يتم به تقرير أمر السلطان محمود وتدبيره؛ وأنه 
يحب أن يترك رسم السلطنة احتراما لعمه. وأن يكون مدة مقامه عنده بحكمه. وذلك 
أنه إذا استقبل يجحنيب ”2 السلطان يركبه ليحسن أدبه. وأنه ينتقل من نوبتيته الجمراء 
نوبتية بيضاء في سوداء. وأنه يأمر بإبطال ضرب طبلة ما دام في ظله. وأنه إذا دحل 
على عمه قبل الأرض» وأنه يقوم عنده على قدمه وأنه يمشي في ركاب عمه راجلا من 
الباركاه إلى السرادق. وأنه لا ينفرد عن عمه بسرادق» بل ينزل في جوار خخيمه. 
وني موضع أولاده وحرمه وأن يبقى عشرين يوما على هذه القاعدة» ليستعطف عمه 
في عود مراضيه المتباعدة. 


)١(‏ الجنيب: الدابة. 


54 تاريخ دولة آل سلجوق 
قال: وكان من حلم سنجرء أنه يفضي عمن يغضب. وينحدي على من يحدب. 
فصفح عن كبائر ذلوهم: بود تدج ترات فاراقم: وأفاض عليهم الخلع. واصطفى 
كلا واصطنع. وكتب منشورا للوزير كمال الملك بتقريره على الوزارة. ومنشورا لعلي 
بار بتمكينه ف الإمارة. ومنشورا لأبي القاسم الدركزيي .منصب الطغراء والإنشاء. ثم 
إهُم طلبوا من السلطان سنجر نحلوة حسنوا له فيها من سفك الدماء كل قبيح, وأعلوا 
عنده كل صحيح. وكان من جملة من ضربت رقايهم الأمير منكوبرس وقراتكين 
القصاب. ثم قفل السلطان سنحر بعساكره إلى خراسان. وقرر عليهم أن يبسطوا 
العدل والإحسان. وعاد الوزير الكمال» وله الأيمة والحلال. والدركزيئ في ديوان 
الطغراء. وهمس الملك بن نظام الملك في ديوان الاستيفاء. 
قال: وكان عمي العزيز في ذلك الوقت» ينوب في الوزارة والاستيفاء؛ 
والوزير كمال الملك لا يرجم إلا إلى كماله, ولا يعول إلا على اشتغاله. بل 
السلطان لا يأنس إلا به. ولا يصغى إلا لخطابه. قال: ولا شك أن أنوشروان 
صعب عليه انحطاط حظوظه إلى الحضيض. وانحراف مزاج شغله للحظ المريض. 
وعرض للوزير كمال الملك بأبيات غير واقعة ثي مواقعها. وتمثل بتمثيلات باردة 
ليست في موضعها. وكأنه ما سمع للقاضي أبي بكر الأرحاني فيه قبل أن يلي 
الوزارة وهو مشرف المملكة قصيدته الي يقول فيها: 
دع عنك يمني ويسري غير مجدية واقصد أمامك واطلب منتهى السبل 
واعلم إذا قلت رد بالعيس بحر ندى2 أن على غير عز الدين لم أحل 
البحر أسماؤه شتى وأشهرها على اصطلاح بني الآمال كف علي 
قال عماد الدين -رحمه الله-: سمعت من والدي 5ت أنه لم يكن في وزراء الدولة 
السلجقية أكمل من كمال الملك حزامةء وصرامة وشهامة. وكتبه بالفارسية تدل منه 
على فضل غزيرء وعلم كثير. ومن معانيها تعرف قواعد الوزراء وقوانينها. وهي 
رياض ناضرة للناظرين» أزهاها فاغمة للمستنشقين بالريا رياحينها. قال: قال 
أنوشروان فأول ما شرع فيه الوزير كمال الملك من أمر وزارته» أنه لما وصل إلى 
أصفهان, تقدم بقراءة منشوره بوزارة العراق من خراسان, ثم دبر في قتل الأمير أحمد 


تاريخ درلة آل سلجوق 13 
ابن بغراء وبعث السلطان على الفتك بالأمير على بار وأغرى. حى أفلت منه هرباء 
واتخذ الليل جملا وأدلج رهبا. فأركب وراءه من رجحل نفسه عن بدنه. وأخرج روحه 
من حسده. ووكل بوزيره الدركزيئ واعتقله. وهم بأن يقتله. قال عماد الدين -رحمه 
الله -: قال والدي: و كان الدر كزين حيئذ صديقيء فاستدعاي» ولما بصر بي دعا على 
نفسه بالويل» واستجاربي وأخذ من بالذيل. فقال: " أسألك أن تتوسل لي في أماني من 
القتل» فقد أيقنت أنى مقتول. وإن لم تنصرى فإنى لا شك عخذول". فشفعت في حقه 
إلى أخي عزيز الدين» فمازال بالوزير كمال الملك حى خلصه. وفتح على ذلك الطائر 
المشوم قفصه. وكان محبوسا في موضع سبيل الخلاء» فخلئ سبيله؛ فقدر الله أن الشافع 
فيه بعد عشر سنين كان قتيله. فما عرف والدي ولا عمى -رحمهما الله- أهما 
يسعيان في قلع البيت بخلاصه؛ ويحصلان بتيسير أمره على تعسير أمرهما واعتياصه. فقد 
كان هذا أبو القاسم للدماء سفاكا. وبالكرام فتاكا. وتفرس فيه الوزير كمال الملك 
الشرء فأراد أن يريح الناس من غائلته؛ وأراد الصحيح فما صح له ما أراد. وما بدا من 
الدركزيئ ما بدا منه لو باد. ولكن القدر لا يطاق؛ والمقدور ما يعاق. 

وأصلح الوزير بقتل على بار قلوب الجماعة» واستمالهم إلى الطاعة. فقد كانت 
في نفوسهم منه إحن. وثمت عليهم باستيلائه محن. فوحدوا بانزعاجه الثبات. ويقتله 
الحياة. وتقدم الأمير قيصر وترقت درحته. وقامت بالقيام في الدولة حجته. وارتفع 
شأن أمراء كانوا متضعين» وتحالفوا على طاعة السلطان وترحيح جانبه. والإضراب 
عن مقاصد عمه سنجر ومطالبه. 

قال أنوشروان: فشرع الوزير في المصادرات» وسمى ديوانها ديوان المفردات. قال 
عماد الدين: ولم يكن كما ذكرء ولا على وفق ما أنكر. وإنما طالب أصحاب الأمير 
على بار بأمواله» وأمر .ممحاسبة عماله» والبحث عن أسبابه وأحواله. وأعاد رونق 
سلطنة العراق غضا. وضم من نشرها ما كان منفضا. ورج في خدمة السلطان من 
أصفهان على عزم بغداد. وقد حكمه في الأمر وأعطى حكمه النفاذ. ولا قبض 
الدركزيئ وعزل ولى الوزير كمال الملك منصب الطغراء أخاه النصيرء وناط به ذلك 
المنصب الكبير. وكان النصير رصيناء ثقيل الطبع رزينا. ولم يكن فيه ما كان ف أيه 
الوزير من التلطف. والتطفل على المكارم والتعطف. وكانوا يقولون نعم المولى وبئس 


3-5 تاريخ دولة آل سلحوق 
المصير. 

قال: وفي سنة “وه ه حرى بين السلطان محمود وأخيه الملك مسعود 
مصاف بقرب همذان. وكان النصر فيه للسلطان. وذلك أن الملك مسعود كان مسلما 
إلى الأمير جوشبك وهو أتابكه بالموصل وعسكر الشام وديار بكر في خدمته. وهو 
ينعت في ملك الغرب لحد مملكته. فجمع آتابلكش حوشبك حيوشا كثيرة وجمعا جما 
غفيراء وطمع في أحذ السلطنة: وجعل الأستاذ أبا إسماعيل وهو مؤيد الطغرائي وزير 
مسعود. ول يعلم أنه لا يتمكن فيها من مس عود. فعلم السلطان يحشده فجاء في 
حشره. وحاء حوشبك ,مسعود تحت جتره 0, ولما اصطف الجمعان» وكاد يلتقي 
البحران) ويجتمع الصفان بصر مسعود بأخيه محمد فحن إليه. وضبطه جوشبك فلم 
يعرج عليهء وصاح إيجي إيجي وهي كلمة بالتركية للأخ الكبير. قتشوش على جحوشبك 
جميع ما قدمه من التدبير. وساق محمود ووقف إلى جنب السلطان محمود أخيه. وأسلم 
للسلب والنهب جميع ما كان معه من جنوده ومواليه. فأول من أذ وزيره الأستاذ 
أبو إسماعيل الطغرائي, فأخبر الوزير كمال الملك بهء فال للشهاب أسعدء وكان 
طغرائيا قي ذلك الوقت نيابة عن النصير: "هذا الرجل ملحد" فقال الوزير " من يكون 
ملحدا يستحق أن يقتل ظلما" فقتل ظلما. وقتل من الفضلاء الأكابر الأستاذ زين 
الكفاة أبو الفتوح. وكان وزير البرسقي» فأحسن محمود إلى أخيه وأعاده إلى عظمته. 
ورتب آععر لأتابكيته وخدمته. 

قال: وكان من بقية أولاد ملوك الديلم في الخدمة السلطانية المغيئية الملك عضد 
الدين علاء الدولة أبو كاليجار كرشاسف بن مؤيد الدولة علي بن شمس الملوك فرامرز 
ابن علاء الدولة» وكان من السلطان ممنزلة الأخ, وقد أنزله بالمحل الأشمخ. وكان 
مع ذلك محترزا من حاسديه. فلزم بيته في مدينة يرد فما زالوا يحسنون منابه بالباب. 
ولا يصوبون رأيه بالإغباب”2 . فلما ركن إلى ركنهم وركبء وكرب”" أن يجلو 
)١(‏ همكذا في الأصل ولم نقف لما على معئ ولعلها حشرة؛ وهي الماشية الي ترعى في مكانها. 
(1) الإغباب: جمع غب ومعناها العاقبة. 
() كرب: أوشك. 


تاريج :دولة ال سلحوق ' شه 
بلقاء السلطان عنه الكرب» جردوا إليه ثلثمائة فارس فاعترضوه. وأخذوه من طريقه 
وقبضوه. وكان الأمير قيصر تولى بإبداء الود إخفاء ختله وخحتره» فحمله إلى قلعة يقال 
لها فزرين فاعتقله. وأحكم قيده وثقله» وهي قلعة منيعة» وتلعة رفيعة. تعدها النجوم 
من أترابما والسماء من أسبابما. فلطف الله به» وأوضح له مذهب مهريه. وذلك أنه 
توسل حي أشرف على السوره في جنح الديجور. وألقى بنفسه من المكان العالي» 
وفعل فعل الآيس من حياته السالي. وسلمه الله حيث لا ترجحى السلامة» ونزل 
نزول الغيث حدرته الغمامة» وتوقل في تلك العقاب. وتسلل من تلك الشعاب 
ووقع إلى ولايته. وسر الناس بعود الأنس والسرور بعوده إلى بلدته. وعلموا أن خطى 
الخطوب لا تصل فق طورها إلى طوده. وكانت عاقبة الأمير قيصرء أنه ضربت ببغداد 
رقبته. وأودت به في سبيل العقوبة عقبته. 
قال أنوشروان: وكان الملك في عهد السلطان محمد مجموعاء وحانبه من 
الأطماع ممنوعا. فلما صار إلى ابنه تحمود فرقوا المختمع» وضيقوا المتسع. وجعلوا له فيه 
شركة. ول يتركوا له منه مسكة. وذلك عند حضور السلطان سنجر. فأول ما اقتطعه 
سنجر لخاصه مازندران وطبرستان وقومس والدامغان والري ودباوند وأعماهاء وما 
أفردوه للملك ركن الدين طغرل بن محمد ساره وآبه وسارق وسامان وقزوين وأيهر 
وزنحان وحيلان والديالم والطالقان. وللملك سلجق أحيه ولاية فارس بأسرهاء وشطر 
من أصفهان من الخوز. وتغلب الأمير دبيس بن صدقة بن منصور على البصرة 
وأعمالهاء والمضافات إليها من البطائح» وكذلك هيت والأنبار وأعمال الفرات 
والرحبة وعانة» وكذلك أعمال الموصل ونصيبين والخابور» قد تغلب على كل منها 
أميرء والذي بقي للسلطان أقطع جميعه, وما المحفظ ريعه؛ وانخفض رفعه. ولم يكن 
للسلطان حاص لم يكن له عمال؛ وبطل الديوان» وتدون البطلان. فإنه لم يبق للديوان 
شغل إلا أخذ أموال ذوي اليسار» وإسعارنا الإعسار. 
وقال عماد الدين في ذكر كمال الملك الوزير: وبينا وزارته في ريعاهاء 
وسعادته في عنفوانهاء ودولته في كمال سلطافاء فلم يشعر حىّ عاحله القدر فجاءه 
فجاءة. واستحال في الخال كل مسرة مساءة. وذلك في سنة ١ه‏ ه فإن السلطان 
حراج من يغداد عائدا إلى همذان. فتخلف عنه الوزير يوما على أنه يتبع في غد 


فف تار دولة ال شلتعوف 
السلطان. فلما بكر ركب وقد رتب الموكب, والسيوف بين يديه مسلولة» والغاتشية 
محمولة. فوئب عليه قوم من بعض تلك الدكاكين» وضربوه بالسكاكين. فحمل 
جريحا. وبقي في حجرة من غرف السوق طريحا وأحضر من يداويه» واستقل بالخرح 
آسيه. فلم يحسوا إلا برحل قد قفز من السقف. 

ونزل عليه بمدية الحتف, فأتلف مهجته. ومحا من الزمان يمجته. فتولى عمي 
العزيز حفظ عخلفيه» وحلم عنهم حد الزمن السفيه. واستشهد وله ولدان أحدهما عضد 
الدين محمد» والآحر فخخر الدين محمود. فتعصب الولد الكبير ذي الفضل الأوفر. 
والاعتقاد الأنورء والدين المتين» والعلم واليقين. فولاه السلطان أشرف المناصب» 
وأرفع المراتب. فزهد في الدنيا مع القدرة» وسلك طريق الانكسار والقناعة بالكسرة. 
قال عماد الدين: وهو إلى اليوم من سنة لاه هص حسن السيرة؛ صافيٍ السريرة» 
خحشن العيشة» قال للمعيشة. يلبس السمل ”2 الباللي ويألف الملزل الخالي. ويأمر 
بالمعروف؛ ويأخذ بيد الملهوف. ينظر الدنيا بعين العيافة. مقبل على الآخحرة والتقوى 
قد ألبسته شعار المخافة. وتولى أنخوه فخخر الدين محمود الأعمال الفاخرة إلى آخر 
زمانه. وظهر قدر مكانه وقدرة إمكانه. والعضد الراهد فيه زاهد. وفي صرف جاهه 
عنه جاهد. وكان بينهما تضاد. وتباغض في الدنيا لا تواد. وعضد الدين يرحع إلى 
فضل وافرء ووجه عن الحق والحقيقة سافر. 

قال عماد الدين: عدنا إلى ما ذكره أنوشروان. 

. ذكر وزارة #مس الملك بن نسسظام الملك 
أنشد أنوشروان فيه متمثلا: 
لنيم أتاه اللؤم من عند نفسه ولم يأته من عند أم ولا أب 

قال: قال لما صرع الكمال» واتسع المحال» سمت همة همس الملك لطلب الوزارة» 
وخطب عروسها مع العجز عن افتراع البكارة. فاحتاب لبأسها وأنارت شمسه من 
مطلعهاء وورد على الظماء البرح عد مشرعها. وتولى عزيز الدين أبو نصر أحمد ابن 


)١(‏ السمل: الثياب البالية. 


تاربع دولة ال تلحون انفش 
حامد منصب الاستيفاء» وقد فضل بالفضل والكفاية جميع الأكفاء. ومن جملة 
مبتدعاته في الخير أنه جعل للمعسكر السلطان بيمارستان يحمل آلاته وحيمه وأدويته 
والأطباء والغلمان والمرضى مائتا بحُي ومن جملتها أيضا أنه بن .ممحلة العتّابيين ببغداد 
مكتبا للأيتام» ووقف عليها وقوفا مستمره الجدوى على الدوام. والأيتام مكفولون 
منها إلى أن يبلغوا الحلم بالنفقة والكسوة والطعام, وتعلم الآداب وحفظ القرآن» 
ومعرفة الحلال والحرام. وصح له التحكم على الوزير بإحكام التدبير. وتولى ديوان 
الطغراء والإنشاء الشهاب أسعدء وكان معلما للسلطان في أيام والده وتنجز حظه أنه 
يوليه الطغراء إذا انتهت إليه السلطنة؛ ولما تولى لم يتغير عليه؛ وبقي إلى آخر عهده في 
الطغراء» وتولى أبو القاسم الأنسباذي ديوان العرض» وكان أنوشروان عارضا وهو 
غائب» وفي مقامه عنه نائلب. 
قال أنوشروان: كنت أنا قد تخلفت في بغداد في ذلك الأوان لشغل أقضيه وأمر 
أمضيه. فاحتمع هؤلاء القوم واغتنموا غيبي» وأخذوا بأخذي وتعويقي توقيعاء وشنعوا 
علي عملي وعملوا شنيعا. وكان مضمون امثال السلطان أن الأمر المطاع أعلاه الله أن 
أنوشروان إن كان في حدود بغداد ألزم بيته بباب المراتب. وسدت عن لقائه طرق 
الأقارب والأجانب. وإن كان قد وصل إلى بلاد الجحبل فيقعد في ولاية الأمير برسق 
بقلعة كفراش. ويشترط عليه أن لا يطلب المنصب ولمعاش. وبحضر مماليكه إلى 
الدركاه لينتقلوا إلى الخواص من الأمراءء ويحمل ثقلهم عنه مع الانزواء. قال: وكان 
المثال بمخط العزيزء وقد مد الطغراء عليه أسعد, وعلامة الوزير فيه: "أحمد الله على نعمه 
وتوقيع السلطان؛ اعتصمت بالله". وما وجدت من أنسب إليه هذا القصد غير العزيز 
فإن الآعرين كانوا مسخرين له وهو المتوحد بالتمييز والتبريز. وكتب الوزير بخط 
كائبه أن شغل العرض قد فوض إلى العميد الأجل الأخ زين الدين ظهير الدولة أبي 
القاسم يعينٍ الد ركزين» فتختم جميع دفاتر العرض وأوراقها وتنفذ حى تسلم إليه. 
قال: وأنهضوا إلى طريقي جماعة من الفرسانء. لولا إعظام الأمر السلطاني 
المطاعء لما رعيت حرمة أولئك الرعاع. ولعادوا وحكوا أنمم لقوا مني رجلاء ولركبوا 
من اللخوف الليل جملا. فامتئلت الأمر وسلمت إليهم موحودي وخرحت من مالي 
كالشعرة من العجين؛ ووقع احجان بتوقيع المحين. وسلمت نفسي إلى الحبس» وبقي 


4 ؟" تاريخ دولة آل سلحوق 
أمري على اللبس. 
قال: عدنا إلى الحديث عن همس الملك بن نظام الملك قال: فعاد الملك به إلى 
أدى استقامة» ووحد إلى كفايته أيسر استنامة. لكنه لم يطو بساط الظلم والمصادرة. 
ولم يقبض عن التعدي الأيدي المتجرئة على المبادرة. وكان إلى الناس مبغضاء ولمقتهم 
متعرضا. فلم يكفه ذلك حت استناب بغيضاء واستطب لمحرضه مريضا. وهو الكامل 
ابن الكامل ابن الكاقي الأصفهانئ الذي مضى ذكر مخازيه في وزارة الخخنطير؛ ووصف 
بالشؤم والسوء في الإدبار والتدبير. وهذا الكامل ما ناب عن أحد إلا نابه خحطب 
مُبير ”2 ودهمه ملم كبير. كما قال البحتري في سعد؛ حاجب عبيد الله: 
يا سعد إنك قد خدمت ثلاثة كل عليه منك وسم لالح 
وأراك تخدم رابعا لتبيره فارفق به فالشيخ شيخ صالح 
يا حاجب الوزراء إنك عندهم سعد ولكن أنت سعد ذابح 
فبدأ هذا النائب في الأول بأحذ مخلفي الوزير المستشهد وكانت حزانته قد 
نهبت» وذخائره قد ذهبت. وهم في بيوت الأحزان» يرحون عواطف السلطان. فلم 
يرض طم بالعدم حىّ سحنهم وحبسهم. وضاعف عليهم محنهم وعرق عظامهم وفرق 
نظامهم. ثم أمر باستعادة الرسوم والإدارات. ولم يقتصر على قطع الصلات»؛ حى 
كتب إلى جميع البلاد باسترجاع ما أخحذه أرباب الصداقات لسنتين» ومن أذ عرضا 
بأدراره ألزم برد العين فوكلوا قْ كل بلد بالأخيار والأشراف» وسلطوا أقوياء الشرط 
على المتضونين”"©. 
قال: وكان قد عزم السلطان في هذه السنة على الغزاة فصدوه وعرضوا كتاباً 
من بعض أمراء بلاد شروان يذكر فيه أن قد استخلصت لكم المملكة الشرواتية؛ 
وأهلها ينتظرون الراية السلطانية. وأن الملك شروانشاه محصورء وأن الفرج عليه 
محظور. فإن أردتم تملك الخزائن» واستخراج الدفائن» والاستيلاء على الممالك فاصرفوا 
إليها الأعنة» واشرعوا نحوها الأسنة. فثنوا عزم السلطان إلى قصد بلاد شروان. فلما 
)١(‏ مبير: مهلك. 
(1) تضون: كثر ولده. 


ناريخ دولة أل سلحوق مام 
وصل وحد الأمر بخلاف ما ذكرء ورج إليه الملك شروانشاه راجيا أنه قد عاد عيده. 
وأن يتحلى بعد العطل بطوق الإنعام جيده. فإنه كان فقيرا قد قنع الرعية .مملكه وألفوا 
الانخراط في سلكه. فيحن وطئ البساط طوى بساطه. وعقل نشاطه: وسحب وحبس» 
وغبن وبمخس. وانتظر أهل البلد أنه يعود إليهم مملكا مكملاء مشرفا بحملا. فحين 
عرفوا الخال أكثروا الصراخ والبكاء؛ وأثاروا الرجال والنساءء وخحربوا عظائم تأنف 
منها العظماء. واجترحت كبائر تأباها الكيراء. وجر ذلك الخبط خخطبا. لم يدع يابسا 
ولا رطبا. وطمع الكفار المثاغرون 7( فأغاروا. وأبادوا الأعمال وأبارواء وقتلوا محلا 

من المسلمين ونزلوا قبالة السلطان في ثلائين ألف عنان على فرسخين» لكن الله 
تدارك رمق الإسلام سر أولىك الاخخام: و نمض السلطان محمود إليهم محموداً ولم 
يدع في هزمهم مجهرداء وعاد متضورا يقوذ 

ولما حبس الملك وقع الشروع في مصادرة الرعية فلم يحصلوا على طائل ولم 
يظفروا بحاصل. وكانت للخخحرانة السلطانية» في كل سنة على الأعمال الشروانية, 
مقاطعة مبلغها أربعون ألف دينار؛ فبطل حق تلك المواضعة بوضع الباطل. وطال المقام 
ف تلك البلاد لدفع البلاء» ورفع الأهوال والأهواء. وكان هذا القرار على شروان من 
عهد سلطان ملكشاه بن ألب أرسلان, فإنه لما عبر على أران» وصل إلى خحدمته الملك 
فريبرز صاحب شروان بعد امتناعه والتزم حمل سبعين ألف دينار إلى الخزانة. وما 
زالت المساحات تدخحل في القرار إلى أن وقف على أربعين ألف دينار. فباء الوزير 
بالوزرء وقبح الذكر. ولم يحظ في مدة سنة واحدة من وزارته بعمل يذكر به إلا حبس 
أنوشروان؛ وتخريب شروان. ولما أبصر السلطان اختلال الأحوال» واختلاط تلك 
الأعمال سخحط على الوزير همس الملك بن نظام الملكء وقتله بالسيف صبرا. وذلك في 
آخخر ربيع الأول سنة ١ه‏ ه بباب بيلقان. 
قال أنوشروان: وكان الذي جحرى على من الأخذ والنهب بباب حلوان أيضا 

في آخر ربيع الأول سنة ١ه‏ هم. 

من اير ايوها اير0 ابه والدهر ‏ لاا يغتر 0 به 


)١(‏ المثاغرون: سكان التغور. 


/ا؟ تاريخ دولة ال سلحوق 
عند السلطان سنحرء وقرر من أمر ابن أخيه السلطان محمود ما قرر . وذكر له أن 
الوزير هو الذي أذمب الميبة وشتت همل الأجناد, وبت حبل السداد. 

وتوسل بكل طريق حى تنجز كتاب السلطان سنجر إلى ابن أخيه في طلب 
وزيره وأمره بتسييره. فحار محمود وحشي إن سيره اطلع على سرهء وإن لم يسيره 
أسخط عمه ممخالفة أمره. فأشير عليه بقتله؛ وتسيير رأسه. فبغت الوزير أقوى ما كان 
رجاء ف الحياة فاسه: 

قال عماد الدين: وعاد حكم المملكة كله إلى عزيز الدين أي نضصر أحمد ابن 
حامد وكان حينئذ مستوفق المملكة وحاذب زمامهاء ومالك نظامها. فسكن السلطان 
إليه» وعول عليه وعرض الوزارة عليه فأباها. ووجد مغارس المملكة ذاوية فرواها. 
وقال: أنا أنفذ أمورك وأوامرك وأصفي مواردك ومصادرك» ولا أدع مصلحة تقفء 
ولا منفعة تنصرف. لكنئ لا أتسم بالوزارة ولا أتقلد وزرها. على أنيْ أتقلد أمرها. 
فإذا حضر صديقي أبو القاسم الأنسباذي جعلته صدرها. وما عرف أن صداقته عند 
عودة تعود عداوة) وأنه يتجر ع مرارة سم ما ظنه حلاوة. فمكث سنة بالمناصب 
متو حدا وبالمراتب منفردا. وعاد السلطان إلى مقر ملكه محبوا بالظغر ورا خمود 
الأثر مش كور واستمر الشهاب أسعد الطغرائي في الانشاء ومنصب الطغراء. 

ولما عاد الدركزيئ قال العزيز للسلطان " قد وصل من يكفل بالأمر 
ويكفي في الحل والعمد. فأفضه للوزارة» فإني غير ناهض بأوزارها. واترك 
ومضائي قي غير هذه الخدمة ولا تُقلئ .مضارب مضارها. وأنا إن ليت الوزارة اسماء 
فما أخليها نظرا. وأعذقها بسواي وأكون عليه بحكمي مستظهرا. فيكون أبو 
القاسم لي قسيماء وأصبح أنا له مقعدا في المصالح مقيما". فقال السلطان " ما 
أعرف سواك» ولا أعول إلا على حجتك وحجاك" وسيأن 5 الحال في ذلك. 
وانقضت مدة اعتقالي» وأنقذني اللطف الرباني من كيد الخنصوم. وعرفتئ التجارب أنه 
لا محيد من المحتوم. وعلمت أنه لا يجدي طلب العز في زمان الذل. ولا يوجد المخنصب 


تاريخ دولة آل سلحوق شه 
في سنة الأزل. وصممت ف الاعتزال حد العزم» ونزلت على آل المهلب ذوي الكرم 
والفضل والعلم؛ كما قيل: 
ننزلت على آل المهلب شاتيا غرييا عن الأوطان في زمن محل 
فما زال بي إحسانهم وافتقادهم ١‏ و«الطافهم حتى حسبتهم أهلي 
قال: ويعيئ أنوشروان بآل المهلب الإمام صدر الدين عبد اللطيف بن محمد ابن 
ثابت الختجندي بأصفهان وكان أحود الأبحاد وأبحد الأحواد. فلما ضافه أنوشروان 
أكرم مثواه» وقبله وآواه. قال: قال أنوشروان: فصرف إلى الأصدقاء الحمم؛ وحقق 
إكرامهم عندي الكرم واستقرضت من تاجر غريب جملة. وكتبت له علي وثيقة 
فجاءنٍ بعد حين إنسان» وقال مخدومي عزيز الدين يسلم عليك» وقد نفذ هذه الوثيقة 
إليك؛ وقال لك أبطلها فإن الدين قد قضى» وصاحبه قد رضي. فعجبت كيف توسل 
ف إسداء هذه اليد إلى» وأفضاله علي. فبقيت مدة في تلك الضيافة آمنا من المخافة 
سالما من الآفة. حئ استدعاني السلطان بعد قتل الوزيرء وأهلئ للتدبير. فامتنعت أياماء 
وطلبت من الخطر زماما. 
ولما وصلت إلى الدركاه رأيت كلا من الجماعة» يقول ما استحضر إلا لسبب» 
وما استقدم إلا لأرب. قال: فراحعت فكريء. وندمت في أمري وقلت أعمال السلطان 
عواري لابد من ارتحاعهاء وملابس لابد من انتزعها. ولو خلصت لكنت فرحت. ولو 
استخرت الله في الانزواء لاسترحت. وكان السلطان ف الإذن لي متوقفا وأنا قد 
ملت إلى الوحدة والانفراد» وقصرت همي على هذا المراد. فما زلت به حئ استأذنت 
منه فأذن لي ف الانصراف» وخصين من مواعيد عوائده الجميلة بالألطاف. فساعدن 
أرباب الدولة من الخيل وغيرها بما حمل أنُقالي» ومن الأزواد وغيرها بما ثقل أحمالي. 
وتوحهت من أصفهان إلى بغداد. وعدمت الملاذ لأجل الملاذ. فلما وصلت إلى حضرة 
الخلافة وجدت الإكرام؛ والإنعام والاحترام. 
ذكر وزارة الدر كزيني في سئة 0١1/‏ ه 
قال: لما وضع عليه اسم الوزارة تبدلت الغزارة بالنزارة. وهو أول فلاح ترك 


774 تاريخ دولة آل سلجوق 
العمل بالفدان. فدان له عمل الترك وحل البقر عن الملك. فحل في دست الملك ففتك 
وهتك» واستباح الدماء وسفك؛ وشرع المنكرات» وأنكر المشروعاتء وعاد الكرام 
وبدد النظامء وظاهر الباطنية» وأظهر السنة الجاهلية» وشرع في الفتك بالأحرار 
والمتك للأستار. فمن جملة من فتك به القاضي زين الإسلام أبو سعد محمد بن نصر 
ابن منصور الحروي وكان أوحد دهره؛ ونسيج وحده؛ والمعروف بإسداء المعروف» 
والمرحو لإغاثة الملهوف. وهو حبر العالم وبحر العلى والحاكم بالعدل والعادل في 
الحكم. وقد ملك من قلوب السلاطين القبول؛ ولم يروا من نصحه وإشاراته العدول. 
وكان من متعصبي عمي العزيزء المنحصوصين في الفضل والإفضال بالتبريز. فتقررت له 
بعد وزارة الدركزين رسالة السلطان الأعظم سنحرء وسار إلى تحراسان في البهاء 
الأمرء والجمال الأوفر. فصعب على هذا الوزير أمره» وتقسم سرهء وعرف أنه إذا 
حضر هناك انمتك ستره. فإنه كان مُوه ولبس؛ وأحفي أحواله عند السلطان سنحر 
ودلس. فعرف أن الحروي يهرّيه. وينزع لباس تلبيسه ويعريه. فقرر مع عدة من 
الباطنية أنهم فتكوا به عند عوده من رسالة خراسان. وقد حضر للصلاة في جامع 
مذان. فاستشهد قبل أن يشهد السلطان وذلك في سنة ١ه‏ هس. 

قال: وكان حينئذ بالموصل أق سنقر البرسقي الغازي الجاهد التقي النقي. 
فدحل في وزر ذلك السعيد الوزير الشقي. فإنه كان قد قمع أهل الإلحاد» وغمه أمر 
هذا الوزير الذي سد باب السداد. وتوسل الوزير عند السلطان في عزله فلم يقدر. 
وبالغ في كل مكيدة ولم يقصر. ولا أعياه أمره استدعى إخوانه من الباطنية» حى 
حلسوا له ف جامع الموصل بزي الصوفية» وقفزوا عليه وضربوه بالسكاكين. فجل به 
مصاب المسلمين. وذلك في ذي القعدة سنة ٠٠ه‏ هي. وكان وزير السلطان سنجر 
ني ذلك العهد الأحل معين الدين مختص الملك أبو نصر أحمد بن الفضل بن محمود وقد 
مضى ذكر كرمه وفضله في زمان السلطان محمد وتوليه ديوان الاستيفاء. ولقد كان 
موئلا لأهل الرحاء. وهو من مدوحي القاضي أب بكر الأرجاني وله فيه قصيدة صادية 
أوهها: 


تاريخ دولة آل سلحوق 0" 
روّحا ماعة متون القلاص واحفظا وقفة بتلك العراص 
ياخليلي من سراة بنيى الأقيال 2 والغر هن بي الأعياص 
واسياي فللأخيلاء قدما بالتواسي في النائيات تواص 
كيف أشكو خهبا ومختص ملك الأرض02 أضحى بالقرب منه اختصاصي 
وإذا استنصر الحمام أبو نصر أطاعت لنا الليالي العواصي 
ذو ندى يستهل كالدّمة الكسب ونشر كالكوكب الويّاص 
وبنان يريك للقلم النا حل فضلا على القنا العرّاص 
قال: فأنف من وزارة الدركزيئ بالعراق. ولقد كان على الدولة شديد 
الإشفاق. وعرف الدركرزيئ أن نقصه مع فضل أبي الفضل بادء وأن أمره مب لعمي 
دهره عنه على عماد. فلم يزل يعمل كيده ف نكبته» ويتسلق بالمكر على هضبته 
وباطن الباطنية في قتله. وفرع فكره لشغله فوجده متحرزاً متيقظاء متحرسا متحفظا. 
فبث عليه حبائله» وأدب إليه غوائله» وسيّر إلى خراسان عدة من الملاحدة. فتوصل 
منهم واحد إلى أن حدم في اصطبل الوزير المختص سائسا لدوابه. فأراد يوما عرض 
الخيل فحضر ذلك السائس وهو عريان» وقد خبأ سكينة في ناصية حصان. فأطلق 
حصانه من يده حىّ شغب واستخرج من ناصيته السكين ووثبء وتعمد مقتل الوزير 
فأصابه. وعظم على الكرام مصابه. وبضع السائس في الحال تبضيعا ومزعوه تمزيعا. 
وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ااه هم., 
ومازال الدركزين يتتبع الأكابرء فمنهم من يقتله جهارا بإذن من السلطان, 
ومنهم من يقتله غيلة .من يتخذه من أولئك الأعوان. قال: وكان سبب ميل الباطنية إلى 
الدركزيئ أن الأمير شي ركير -رحمه الله- كان مشتغلا بحصار قلعة الموت» وقد قارب 
فتحها. وشارفت الأمال ف أخذها بجحها. فلما توفي السلطان محمدء. وتولى ابنه محمود 
وتمكن الدركزييئن من الدولة» أعمل الحيلة في استدعاء شي ركير؛ ونفس عن القلعة؛ ثم لم 
يزل يدقق الاحتيال حب حعل لشيركير عند السلطان ذنوبا اختلقها ومساوئ لفقهاء 
حي اعتقل ذلك الأمير مع ولده شرف الدولة» ولم يزل يطلب غرة السلطان في أمرهما 


7 تاريخ دولة آل سلجوق 
حال سكره وصحوه؛ حى أخذ رخصة في سفك دمهما الحرام» وأذهب بقتلهما قوة 
الإسلام. واتخذ بذلك عند ذوي الإلحاد يداء واستكثر له من أعواههم مددا, 

وقال: وكان عمي العزيز يحسب أنه إنسان, وأن جزاء الإحسان له منه إحسان. 
فلما أحس بشرارة شره؛ وضراوة ضره فكر في طريق الانزواء؛ والخلوص من تلك 
الأهوال والأهواء. فاستأذن في الحج؛ فسار في سنة !١ه‏ أو ماه هاء وكان حاج 
تلك السنة بأجمعهم في ضيافته وكرامته. وعمهِّم شمول عارفته» حي قال الرئيس أبو 
الحارث البغدادي فيه: 

يا كعبة الإسلام ما لي أرى إليك تسعى ععبة الجود 

تقصد في العام وهذا الفتى لم يلف يوها غير مقصود 

وهنأه عند عودة القاضي أبو بكر الأرجاني بقصيدته النونية المشهورة الى أوها: 

ورد الخدود دونه شوك القنا فمن المحدث نفسه أن يجتنى 

لا تحدد الأيدي إليه فطللا شبوا الحروب لأن مددنا الأعينا 

ما إن جفوت الطيف إلا ليلة والحي قد نزلوا بأعلى المنحنى 

لا ألم وقد شغلت بممدحة لعزيزن دين الله فكري موهنا 

في ليلة حسدت مصابيح الدجى حكمي وقد كانت لها هي أزينا 

قلمي بما حتى الصباح وسمعتي بعا ثلاثسا ‏ ومدحك شغلنا 

حتى هزمنا للظلام جنوده لا تشاهرنا عليها الألسنا 

أفناهما قطي وأفنيت الدجى سهرا فأصبحنا وأسعدهم آنا 
لله مقدم ماجد أضحى به عنا لنازلة النوائب مظعنا 
أمنت إساءته عداه لأنه مذ كان لم يحسن سوى أن يحسنا 
أتبعت غزوتك الحميدة حجة فقضيت أيضا فرضها التعينا 
وجررت أذيال الكتائب موغلا في الأرض خلف بني الخبائث مثخنا 
حتى غدت تلك المجاهل منهم وكانما هن الناحر من منى 


تاريخ دولة أل سلجحوق : دكا 
قال: ولما عاد من حجه. استعفى السلطان من شغله؛ فما أجابه إلى مراد ولا 
مكنه من انفراده: وأعاده إلى منصبه على العادة» وأشرق به مطلع السعادة. وأصبح 
الوزير يجول في مكر مكرهء ويسر له ما يرحع بشغل سره. وعادت تلك الصداقة 
عداوة» والمعرفة نكرة وغباوة. وعبرت على ذلك مدة فثبت العزيز على الاستعفاى 
وترك منصب الاستيفاء. فقال السلطان "إذا كنت مستعفياء ولا توثر أن تكون 
مستوفياء فما لي أعز من الولد والمال وقد سلمت إليك خزائيي وأولادي ويهذا يحصل 
مرادك ومرادي". فلما خلا منصبه منه» ورغب العزيز عنه تولى الصفي أبو القاسم 
الجنزي ديوانه» وجلس مكانه. 
فتوازر هو والوزير والجماعة على قصد العزيز فلم يقدروا على مَضْرة ولم 
يعثروا له على عثرة. ومضت على وزارته ثلاث سنين وشمل العدل بغير التئام» وسلك 
الملك بلا نظام. والمعاقد غير مبرمة» والقواعد غير محكمة. وتفرغ العزيز لإعلام 
السلطان بالتشويش والتشويه؛ وحصول كل أمر كريم به في الأمر الكريه. فأمر 
السلطان بقبض الوزير واعتقاله» وسلمه إلى العزيز ليريح الناس من شره واغتياله. فرأى 
أن إهلاكه على يده شنيع؛ وأن ذكره بالفتك وهو ليس من أهله فظيع. ودبر ف تولية 
وزير يسلمه إليهء وهو لأجل النوف على منصبه منه يقضي عليه. فسعى في استدعاء 
شرف الدين أنوشروان بن خالد بن محمد من بغداد. فلما حضر واستوزرء؛ حمل 
الدركزيئن إلى داره على حاله؛ وصيره في اعتقاله. 
وكانت في أنوشروان ركاكة ظاهرة» ووضاعة لخلق الرفعة قاهرة. فلما تسلم 
الدركزيئ ضرب له في داره الخركاه وأذن لكل صاحب له أن يدحل إليه ويلقاه. 
وكان في كل يوم يدخل إليه ويجلس بين يديه ويخاطبه بيا .مولاناء وأنت أولى منا 
بالمنصب الذي خصنا به السلطان وأولانا. فسقطت حرمته» وذهبت هيبته» واتضعت 
وزارته» وعرفت حقارته. وحيف عود الدركزيئ بعد استقرار سلامته إلى منصب 
كرامته. فشرعوا في إعادته» وجروا على إرادته. وهو حالس في دار أنوشروان والناس 
متناوبون إليه لتقرير وزارة السلطان. فما شعر أنوشروان حق أخرج من داره» ورد 
إلى مقره على قراره. وأذن لأنوشروان في العود إلى موضعه؛ والغيض في منبعه. فرأى 
الغنيمة في الإياب» واغتنم السلامة الى تكن له قي الحساب. قال: وكانت وزارته سنة 


ديف تاريخ دولة ال سلحوق 
واحدة على ما أورده في بابه. والآن أذكر ما ذكره عن نفسه في كتابه. 
ذكر وزارة شرف الدين أبي نصر أنسوشروان بن خالد 

قال أنوشروان: كنت قد اتخذت بغداد مدينة السلام دار المقام وأنا من حفظ 
الله قي أوق ذمام. فجاءني كتاب السلطان محمود وخاتمه. ووصل رسوله وخادمه 
يستحثئ في الوصول إليه. ويستعجلي في المثول بين يديه. فحين حضرت الخدمة 
شافهي بالتقليد» وخصين بأمره الأكيد. وكمل لي تشريف الوزارة وخلعهاء وأدواتها 
محلاها ومرصعها. ودواة الذهب والسلاح المجوهر. فجلست في الوزارة سنة وأشهراء 
لا أقدر على الخطاب في مصلحة: ولا على التنفس بفائدة مترححة. وصاحبا يميئي 
ويساري الشهاب أسعد الطغرائي والصفي أبو القاسم المستوفي والأمير الحاحب الكبير 
حينئذ أرغان. وامرأته خلف الستر قهرمانة السلطان. فلما رأيت اتفاقهم على ما هم 
فيه» قلت ف نفسي: لا يظهر لي في الناقصين فضلء» ولا يقبل منهم صرف ولا عدل. 
فاستعفيت واحترت العزل على التولية» وأحدث نفسي عن الولاية بالتعزية والتسلية. 
ونفضت يدي من صحبتهم. قلت العفاء على تربتهم ورتبتهم. وعاد الدركزيئ إلى 
الوزارة فإنه أرغب أرغان الحاحب بار شي ومشى به غرضه فمشى. ورجع كالكلب؛ 
والبغل الشغب. وهابه من لم يكن يهابه وامتلاً باللؤم والشر إهابه. 

قال: فعدت إلى بغداد متأنسا بالوحشة آلفا بالوحدة. فلما وصل الدركزيئ إلى 
بغداد» احتهد أن ينالئي شره. فعصمئن الله من كيده؛ لا لإساءة إليه م سبقت» ولا 
لضغينة علي بقلبه علقت. فإني كنت أسلفته في حال حيسه وعزله إحساناء وقلدته 
امتنانا. ولم أترك في الإنعام إمعانا. ولما كلأ الله من غائلته. مد يده إلى مالي؛ 
وأنزل النوازل بأسبابي. وقد كنت بنيت على دجلة دارا فادّعاها لنفسه مُلكاء 
واستحضر عدولا شهدوا له بالملكية زورًا وإفكاء وانتقل إلى الدار بحكم الشرع؛ وصير 
باطله حقا ببيناته الكاذبة في الأصل والفرع. 

قال: واجترأ على الاجترام واجتراح الآثام» وسفك دم الكرام. فتارة يظهر 
التسئن بإراقة دم العلوية. وآونة يدعي التشيع في قتل الأئمة السنية. فمن جملة من 
سفك دمهء ورام عدمه؛ علاء الدولة رئيس ممذان,. وكان شابا حسنا شريف النسب» 


تاريخ دولة آل سلجحوق 11 
كريم الحسب. وكان بأصفهان قد حضر مجلس الوعظ. فقام إليه رحل من أصحاب 
الدركزيئ فضربه بسكينه. وفرى .هديته حبل وتينه. وكذلك عين القضاة الميانخي 
ههمذان. كان من الأكابر الأئمة والأولياء ذوي الكرامات. وقد حلف أبا حامد الغزالي 
-رحمه الله- في المؤلفات الدينية والمصنفات. فحسده حُهال الزمان المتلبسون بزي 
العلماء. ووضعهم الوزير عليه فقصدوه بالإيذاء. وأفضى الأمر به إلى أن صلبه الوزير 
مهمذان. ولح يراقب الله فيه ولا الإيمان. وكذلك الملك علاء الدولة بيزد سعى ف دمه. 
وهتك حرمه. وكذلك رئيس ساوه. اعتقله ثم قتلهء وتتبع البيوت الكبار واقتلعهاء 
والحبال العظام فزعزعها. ومن جملة أفعاله القبيحةء وأقواله العائدة على الدولة 
بالفضيحة: أنه حسّن للسلطان وقد وصل إلى بغداد في سئة ٠ه‏ أن رَحَفْ 
بعسكره إلى دار الخلافة» وقالوا وفعلوا ما لا يحسن ذكره؛ واعتمدوا كل ما قبحت 
سمعته وعظم وزره. وكان حيتئذ وزير الخليفة المسترشد بالله -رضى الله عنه- حلال 
الدين أبو علي الحسن بن علي بن صدقة فتوسط للأمر بكفايته» وكشف تلك الضلالة 
بهدايته. وكان صديق عمي العزيزء» -رحمه الله-. فتعاونا على الإصلاح. وآسوا 
الجراح. وحملا السلطان على معاودة طاعة إمامه» والتصرف على أوامره وأحكامه. 
وذلك ف أوائخر ذي الحجة سنة ١ه‏ ه أو أوائل النحرم سنة ١ه‏ ه. 

ولما قرب مسير السلطان من بغداد حدث به مرض ضعف منه جسمه وقليبه؛ 
فاعتقد أن ذلك من شوم خلافه الخليفة» فجلس في محفة ووقف على باب الحرم 
للمواقف الشريفة. وأبدى الإعظام والإحلال» وطلب العفو والاستحلال. فخرج إليه 
التوقيع الإمامي بأجمل جوابء. وألطف خطاب. وطابت نفسه»ء وزاد بذلك أمله في 
البر وأنسه. ووصل إلى همذان وقد أبل وتوفرت له صحة الصحة» وشكر الله تعالى على 
رواح المنحة. 

قال عماد الدين -رحمه الله-: وفي هذه السنة عزل الدركزيئ وولى أنوشروان 
كما سبق ذكره. ثم عزل أنوشروان بعد سنة وأعيد الدركزيينيء وما زال عمي العزيز 
في عصمة من شر الوزيرء حي أخبر السلطان بأن عمه سنحر قد سير في طلب ميراث 
ابنتيه وجواهرهما رسولاء فإنه كان قد تزوج بإحداهماء فماتت ثم تزوج بالأخرى 
فماتت أيضاء فوضع الدركزينٍ من قال للسلطان " إن رسول عمك واصل إليك 


:8 تاريخ دولة آل سلجحوق 
بسبب تلك الجواهرء وأنه لا يعود عنك ما تقرره من المعاذر. وقد رضي سنجر 
بشهادة العزيز» فإنه أمينْ قوله صادق, والسلطان سنحر بصحته والق. ونحن نرى أن 
تحبس العزيز في بعض لمعاقل محفوظا من الغوائل. حى إذا وصل الرسول وأدى 
رسالته» وطلب العزيز وشهادته قلت له: " هذا صاحبنا وقد نقمنا منه أمراء فعزلناه, 
وقبضنا عليه واعتقلناه. وما بقينا نرجع إليه في الشهادة. وسؤال المحبوس حلاف 
العادة". فتلوم السلطان محمود وتذمم, وتردد فكره وتقسم. ففاوضه الدركزيئ وهون 
عليه الأمر» وسهل عنده الوعرء وقال له "إذا كنت معتنيا فما يضره القعود مصونا وما 
يعيب الدر مكنونا والذحر مخزونا". قال: "وأنا أطلق لك من مالي ثلثمائة ألف دينار 
إذا حبسته» وأقوم بأدائه إذا أحلسته". 

فمال إلى المال وحال باحال. فاستدعى عمي العزيز من داره وعرفه بغرضهء ثم 
أمر بالتوكيل به على أجمل وجهء وكان ذلك والسلطان حينئذ ببغداد في أوائل سنة 
هله هه ثم قالوا للسلطان: الصواب إنفاذه إلى معقل فقد قرب وصول الرسول. 
فسلم العزيز إلى بمروز الخادم شحنة بغداد» حي سيره إلى تكريت» فلم يلبث السلطان 
بعد حبسه إلا قليلا. وكم تلا (يا ليت لم أتخذ فلانا خليلا). وذلك أنه لم يسمع 
رسول عمه عند حضوره ما قيل عن رسالته. واستدل بذلك على كذب الوزير في 
مقالته. وأرسل إلى الوزير وطاليه بالمال فزاغ عن مطلبه؛ ومطل به. وسير إلى أصفهان 
فقبض على والدي صفي الدين وعلى عمى ضياء الدين واعتقلهما بقلعتهما وفب 
وسلب. واستولى على أملاكنا وأموالنا واستوعب. وأما العزيزء فإن السلطان كتب 
إليه بتكريت يعده ويأمره بالصبر ويقول 'إذا أمذت من الوزير ما بذله فأنا لا بد أن 
أطلقك وأعتقله", والوزير في كل مدة يزن له شيئا من المال» ويريه أنه من عنده ومن 
ذهنه» ولا يعلم أنه حباه من مال المصادرات» وجاء به ووعده بالباقي إلى همذان. وفي 
القدر أن بقاءه قد انتهى وأن حينه قد حان. ورحل السلطان من بغداد ومرض ف 
الطريق واشتد مرضه. ثم فارق جوهره عرضه. وذلك في شوال سنة هلاه ه. وذكر 
أن الوزير سمه في طعامه فإنه لما قصر في أداء المال» ونظر في سوء المآل» شرع في اغتيال 
السلطان على وجه الاحتيال» فتمم له تأميله. وحين مضى السلطان لسبيله وضح ف 
التسلط سبيله., 


تاريخ دولة أل سلحوق 1" 
قال: وكان قد اتفق وصول السلطان سنحجر إلى الري في سنة ١17ه‏ ه قبل 
مضي السلطان محمد إلى بغداد» فعاد إلى خراسان واستصحب الملوك معه تأنيسا لقلب 
محمود؛ باستصحاب طغرل ومسعود. عاد محمود إلي سريره وتفرد الوزير بتدبيره. ومن 
الاتفاقات العحيبة والواقعات الغريبة أنه اجتمع في ذلك العهد في خحركاه واحدة 
السلطان سنجر والأخوة الأربعة: السلطان محمود. ومسعود. وطغرل» وسليمان؛ 
والوزير الدركزيئ» والنصير محمود بن أبي توبة وزير سنجر. وهناك رجحل يقال له 
الفلك» وهو من الندماء المطبوعين. فقام وصلى ركعتين ورفع إلى السماء اليدين. 
وحعل يدعو الله ويتضرع» ويبتهل إليه ويخشع. فاستدعاه سنحر وقال "ما هذه الصلاة 
والدعاء" فقال "ناجيت الله تعالى وقلت: هؤلاء العصبة الذين اجتمعوا قي هذه الخركاه 
هم أصول الفتن وفروع المحن فاحسف بمم هذه البقعة» وانفض عنهم هذه الرقعة» حّ 
يسلم حلقكء, ويسلم حقك. فضحك منه سنجرء واستخف التدي المتمسخر. 
فلما عاد محمود سار إلى بغداد, وشرع في إزهاق التفوس فأزهمها. والأخذ 
يمشورة الوزير لنفاقها عنده مع نفاقهاء ولا جرم أنه ما تمتع بعمره بعد قطع تلك 
الأعمارء وانتقل بحوره وجبروته إلى حوار الحبار. 
قال: وحكى بحم الدين رشيد الخادم الغيائي أنه حضر السلطان محمودا وهو 
يتقلب على فراشه في سكرة الموت ويقول "ادفعوا عني شيركير وولده فقد شهرا 
سيفين ليقتلاني". وكان يكرر هذا القول إلى أن قضى نحبه ولحق بربه. وما عصبت به 
هذه الوزر إلا عصبية هذا الوزير. فإنه عجل له سوء الأدبار بسوء التدبير. وكان 
السلطان محمود محمود الخليقة مودود الطريقة؛ إن ترك وطبعه؛ ولكنه بلي بأنواع من 
البلاء من أعوانه: ونغصوا عليه مشروع سلطانه. وفرقوا ف ابتداء دولته حزانة أبيف 
واستضعفوا جانبه وطمعوا فيه. قال: ووجد تفصيل بخط عمي العزيز -رحمه الله أن 
الخزانة الغيائية المحمدية كانت تشتمل على ثمانية عشر ألف ألف دينار.» سوى 
الصياغات والجواهر الثمينة» وأصناف الثياب المعدنية. فآل الأمر إلى أفهم احتاجوا إلى 
إقامة وظيفة الفقاع, فلم يجدوا ما يصرفون فيها من المتاع. فأخحرجوا إلى الفقاعي عدة 
من صناديق الخزانة ال فرغت» فباعها نما بلغت. وحىّ طلب السلطان من شابور 
الخازن غالية» فاستمهله أياما وادعى إقلالاء ثم أحضر ثلائين مثقالا. فقال السلطان 


3 تاريخ دولة آل سلحوق 
لشابور وكان خازن أبيه " حدث لجماعات يما كان ف خزانة أبي من الغالية" فقال 
شابور: " كان ف قلعة أصفهان منها في الأواني الذهبية والفضية؛ والبلور والصينية» ما 
يقارب مائة وثمانين رطلاء ومعنا في خزانة الصحبة مقدار ثلاثين رطلا". فقال السلطان 
للحاضرين: " اعتبروا بالتفاوت بين الأمرين وفصل ما بين العصرين"» قال: وكان 
محمود قوي المعرفة بالعربية» حافظا للأشعار والأمئال الأدبية؛ عارفا بالتواريخ والسيرء 
ناظرا فيما يوجب الاعتبار من الغير. 
ذكلرما حدث بعد وفاة السلطان محمود إلى أن استقر الملك لطغرل: 

قال -رحمه الله-: كان قد تفرس الوزير في السلطان محمود أنه موعود, وأنه في 
الأحياء غير معدود. وحين فارق كنفه؛ ورافق كفنه. استصحب إلى الري مع عساكر 
العراق» وتظاهر على الاتفاق. وأمراؤهم بُرسقء وقزل» وقراسنقر وقراطغان وغيرهم. 
وأقاموا بما تلك الشتوةء وعقدوا يما على انتظار السلطان سنحر الحبوة. ولبثوا من يوم 
موت محمود إلى حين وصول سنجر أكثر من حمسة أشهر. فوصل إلى الري في شهر 
ربيع الأخر سنة 075 ه ء واستقبله عساكر العراق مع الوزير» وجلس سنحر على 
السرير. ووصل بعده ليلا طغرل سحرة؛ ولقى عمه بكرة. فترحل له الوزير الدركزيئي 
فما احترمه طغرل ولا التفت إليه؛ ولا قبله ولا أقبل عليه. وكان الرسول قد أرسل إلى 
طغرل بتحفة ونسخة عهد, إبانة عن نصح وشفقة وبذل جهد. 

قال: وحكى زين الدين المظفر ابن سيدي الزبحاني -وهو الرسول- أنه لقى 
طغرل بحوار الري فمثل بين يديه» وأوصل هدية الوزير إليه. فلم يجعل لها وزناء وأظهر 
عند رؤيتها حزنا. وذكر أتابكه شير كير وشرف الدولة ولده» واغرورقت عيناه وأبدى 
عليهما كمده. وقال "أين هما في هذا اليوم ولو عاشا لكانا أنفع لي من هؤلاء القوم ". 
ولما عرضت عليه اليمين بأن فيه أثر السخط فشرع فيها متلفظاء ومن أن يمين 
متحفظا. فلم يتفوه بروابطهاء ولم جد على شرابعياء ولدرج الرزجولة إل الوزيم 
عرفه ما حرى وأخبره فلم يكترث بتلك الحال» اغترارا بقوةٌ الاحتيال. 

قال: وكان وزير السلطان سنجر نصير الدين محمود بن أبي توبة فأنعم على 
الدر كزين بفرع الري لتلك السنة. فإن الري كانت من الأعمال السنجرية وواليها من 


اريخ دولة أل سلحوق 1" 
أصحابما الأحل المقرب» جوهر المعروف بالأمير الأحل. فلما فرع الوزير الفرع 
ووزعه؛ منعه الأمير الأحل ووزعه. فأغلظ الوزير له في المقال» وكان ذلك من أسباب 
حتفه في المآل. قال: ورحل سنجر إلى همذان ويم بما ثلاثة أيام ثم تمد إلى نهاوند 
وحث على أتباعه الجند. لأن الخبر وصل بأن الملك مسعودا وصل مستعدا للملك ومعه 
صاحب فارس أتابك قراجة. ولما سمع طغرل بإقبال أخيه مسعود لم يطمع من السلطنة 
في مس عود. فعزم على الرحيل فأحس سنجر بعزمه وسير إليه الوزير والأمير الحاحب 
وهو محمود القاشاني؛ والأمير قماج وجماعة من أمراء العسكر الخراساتي. فأتوه وهو 
واقف على تلعة حذاء كنكور وبلغوه رسالة عمه سنجرء وأنه ولاه سلطنة العراق» 
وسلطنه على ولاياته. وأنه ولي عهده؛ ومالك خراسان من بعده. فهوى إلى الأرض 
مقبلاء وجرى القدر مملكه من السماء فأصبح مقبلا وسار سنجر إلى نماوند بعد 
ثلاث ونفذ السلطان طغرل في العسكر العراقي فجاءهم الخبر بأن مسعودا أمسى 
عائدا إلى أذربيجحان على سمت ديئور» وما في عزمه أن يلقى عمه سنحرء فأغذ الجماعة 
إليه سائرين» وهحروا تلك الليلة الكرى ووصلوا السير بالسرى. فما أسفر الصبح إلا 
وليل العحاج خان والخطيّ يهتز من بين الشحاع كأنه جان. والكوسات تذعرء 
والبوقات تنعر. وصادفوا العسكر المسعودي على موضع من عمل دينور يقال له 
يَنُجْكُشْت» مرت تلك الجيوش به فامتلاً الملا وماج المرت» وحاش الموت»؛ وطلعت 
راية السلطان الأعظم سنجر وهو تحت مظلته, كالقمر في هالته. وعلى ميمنته السلطان 
طغرل والأمير قماج» وعلى هيسرته خخوارزمشاه وعدة أمراء مساعير يسعر يبأسهم 
الفياج. فحملت ميسرة مسعود على ميمنة سنجر وفيها السلطان طغرل فصدمتها 
وهزمتهاء وركض طغرل في الحزيمة. ثم تحيز إلى عمه ووقف في قلبه» وثبت يجنبه. 
و حملت ميسرة سنجر على ميمئة مسعود ففرقت نظامهاء والتهمت امها. وفر قراجه 
ووقف ف خحواصه. وكانت لسئجر صفوف وراء صفوف» فخرقها إلى القلب» ودارت 
في الإحاطة بما رحى الحرب. وكان أشحع أهل زمانه فائبت في مستنقع الموت رجله. 
ولم ير في الإقدام بإلروح بخلهء فلما كسر أسر. وقبض معه من أمرائه على يوسف 
الجاوش ووزيره ناج الدين بن دراسس. 

ثم ركب السلطان بعد ثلاثة أيام» ووقف على تلعة, فأحضر بين يديه قراحة 


5 تاريخ دولة آل سلحوق 
ويوسف وهو مطرق لا يضرع له ولا يخاطبه. فضربت رقبتهماء وطويت ورقتهما. ثم 
انصرف السلطان سنجر ذلك اليوم وارتحل من غده؛ فلما وصل إلى كورشتبه؛ خلع 
على السلطان طغرل وسايره على انفراده. ووصاه ببلاده وتلاده. وأفضى إليه بأسراره 
وأسرّ إليه .عمفاوضاته. وأمره بأن يكون مع رضاه وهاه عن معارضاته. فقيل عين الوزير 
ذاكره لماذا كره عمه. وظن أنه سر يخفر فيه ذمامه ويخفي ذمه. ثم دعاه وودعه وأودعه 
من النصيحة ما أودعه. وانصرف إلى الري راحعاء ولمصالح الممالك جامعا. 
ذكر جلوس السلطان المعظم ركن الدنيا والدين 
أبي طالب طغرل بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان 

قال -رحمه الله-: حلس طغرل على سرير الملك ُمذان» بعد انصراف السلطان 
سنجر إلى خراسان ف جماد الآخر سنة 017 هء ووزيره القوام أبو القاسم ناصر بن 
على الدركزيني الأنسباذي استبد بتمشية الأمور» والأمر والنهي على الحمهور. وكان 
لا يوقع ف الأمثلة السلطانية مظهرا أنه وزير سنحر. وإنما نخلفه بالعراق ليهذب 
الممالك ويدبر. وهو في هذا الكبر نشيط» والسلطان طغرل منه مستشيط. فهو في بث 
العدل؛ والوزير في بث الحبل. وذاك يعطي وهذا يأحذ» وهذا يورط وذاك ينقذ. 
ووصلت رسل الإمام المسترشد بالله فلقيهم الوزير بعبوس وبوسء» ووقعهم بالنحه 
وواقحهم بالحبه. وضيع للطمع بي الرشي الرشدء وضل عن ههج الضلالة الي تشد. 
وأفسد ما صلح. وحرى على خلق الفلاحة وما أفلح. وانفصل الرسل ول يستقر بين 
الإمام والسلطان قاعدة؛ و كلما ظنت متقاربة عادت وهي بعادية عادة الوزير متباعدة. 

ذكر ما جرى للملك داود بن محمود بعد وفاة أبيه 

قال -رحمه الله-: كان داود ولي عهد أبيه» وآق سنقر الأحمديلي أتابكه 
ومربيه. وهو بأذربيحان في جمع كثير» وحم غفير. وقصده نخحواص والده وتغضبوا له 
وتعصبواء وثابوا إليه ووثبوا. ومعهم الأمير سعد الدولة يرنقش الزكوي. وكان من 
أحل أمراء الخدم؛ وأحدهم ف إحياء رسوم البأس والكرم» ومعهم ابنا قراجة إيلرمش 
وأخوهء وعدة من الأمراء هم الأعيان والوجوه. ومن أرباب العمائم الصفي الأوحد 
أبو القاسم؛ الذي جعل مستوفياً للسلطان محمد بعد العزيز. فحملهم على التبريز من 


تاريخ دولة آل سلحوق 1 
تبريز. ونض السلطان داود في سنة 7ه ه إلى همذان؛ ولما قرب من معسكر عمه 
طغرل انحازت عدة من أمرائه الأتراك إلى خدمة طغرل» منهم: بلتكري وأخوره, مع 
عصبة ذات عصبية» وكذلك شيمة الأتراك غير الوفية. 

وبرز طغرل ف حنوده المتفقة» والبنود المختفقة» فلما تصاف العسكران وتضايق 
العثيران وقع البيض على البيض”'. ولم.ير إلا بحر الدم يجود من الغيظ بالفيض. ومضى 
الظهر ولا صهور. وقد حمى بالصدور الظهور. وظفر العم وعم الظفر. ونفر ابن الأخ 
وفر منه النفر. واهزم آق سنقر بداود. وباء الباقون بأغلال وقيود. وقتل في المعركة 
إيلرمش بن قراجة مقدماًء وبذل روحه في الملتقى مكرماء وأحذ سعد الدولة يرنقش 
الزكوي فاعتقل في همذان عند الوزير في قصره؛ وأمضى على سبعين ألف دينار فصل 
أمره. وتسلم منه قلعة قزوين: وخعلت منه بلاده وذوين. وأنحذ أيضا الصفي المستوني 
المعروف بأوحد بهروز وحبس عند حاولي جاندار» وسأل الوزير أن ينقله ويعتقله عنده 
بالداره فما رخص فيه السلطان؛ ولا تمكن منه ذلك الشيطانء فإنه كتب إلى طغرل 
يقول "إن سلمتئئ إلى الوزير أسلمتئئ إلى المبير» وأنا أعطيك مائة ألف دينار على أن 
أسلم لا أسلمء ويستصفي مالي لا الدم". 

. فلما يئس الوزير من وقوعه فييده. أفكر في حيلة ضعف يما مال مصادرته. 
حي أدى مائ ألف دينار» وذلك أنه قال للسلطان طغرل: "إن عمك أمرني أن 
أضرب الدينار الركين في همذان» حى يتفق نقد العراق وخراسان". ٠‏ 

وتقدم بضرب ألف دينار بذلك العيار؛ ونادى بالتعامل به ف تلك الديار. 
وطولب الصفي الأوحد بذلك النقد من غير تضعيف العقد. ثم إنه صادر الأمراء وأمر 
بالمصادرات» وبيت بالأذى ذوي البيوتات. فقرر على قتل الرشيدي -وكان أستاذ دار 
السلطان محمود- ثمانين ألف دينار» ثم غدر به الوزيرء فاستخرج من ودائعه ثلاثين 
ألف دينار أخرى فقرته وافتقرته» وكسرته وخسرته. وأخذ من الحمال بن منارة البيع 
في همذان, ثلاثين ألف دينار. وولى فخر الدولة بن أبي هاشم الحسئ رئاسة همذان, 
وأحذ منه عشرين ألف دينار. وقرر على تاج الدين دولتشاه بن علاء الدولة ووالدته 


)١(‏ البيض: جمع بيضة وهي الخوذة من قولاذ. 


.و تاريخ دولة آل سلجوق 
ووزيره مائة وحمسين ألف دينار. وصادر الأكابر» وصدر الكبائر. وجر العظائم 
وعظيم الجرائر. ووزع على بلاد الممالك بعلة صياغات بيت الشراب والمطبخ ألوفا 
مؤلفة» فاطلع السلطان طغرل على طغيانه وتسلطه. فأنفذ إليه: "إنك أسأت سمعي 
وأسمعت مساءق» وفضحت أمري وأمرت بفضيحق. ألم يكفك سلخ جلود العظماء 
حى شرعت في استفراغ دماء الضعفاء» واستنزاف دماء الفقراء". فككف الوزير عن 
التوزيع بعد حباية الأكثر؛ والخيانة في الأوفر. 

وسمع السلطان طغرل بتحرك أخيه مسعود, ونخروحه مع آق سنقر ف جموع 
وحشود. فارتحل صوبه إلى أذربيجان. فلما سمع مسعود بقربه لم يقف لحربه» وأغذ 
السير إلى بغداد ف حزبه. ودحل طغرل إلى مراغة وكان الوزير ف تأر عنه؛ فانتهز 
فرصة غيبته وبسط يد معدلته. فحاءه الوزير فحاءة وجر عليه حراءة» وبطل الحق 
وعطل العدل. ووحه على وجوه البلاد البلاء. ومثل بالأمائل وإلى الرؤساء أساء. 
وصادر زرقان رئيس تبريز على سبعين ألف دينار من الذهب الإبريز. ودخحلت الشتوة 
وقصرت الخطوة. واختار السلطان طغرل دخحول تبريز والمقام في قلعتها إلى حين 
امحسار شتوتها وانكسار سطوتًا. فاحتمع عسف الوزير وعصف الزمهرير» وإدبار 
المسيء وسوء التدبير. وكان المستولي على فارس بعد قراجة منكوبرس» وقد اجتمع 
عليه الترك؛ فكتب إلى السلطان يطلب ولده الب أرسلان ليذعن بالطاعة؛ والاعتراف 
بالتباعة. فأوجب ذلك رحيل السلطان والطرق مسدودة؛ والسبل مصدودة. فتضرر 
الظهر وظهر الضررء ونفقت الدواب وتضور العسكر. ووصل إلى أصفهان, وأنفذ إلى 
فارس ولده ألب أسلان. فوقعت على منكوبرس حيئذ على الحقيقة سمة الأتابكية» 
ودرت له أحلاف الحرمات البكية0©. 


)١١(‏ البكية: الكثيرة البكاء. 


تاريخ دولة أل سلحوق فس 
ذكر حوادث جرت في أثناء ذلك من السلطان مسعود 
وأتابك آق سنقر الأحمديلي 
قال -رحمه الله-: لما قصد السلطان مسعود بغداد عبر علي تكريت وكان واليها 
الأمير بحم الدين أيوب. وعمي عزيز الدين عنده. فقال مسعود: لا يستتب أمري إلا 
بوزارة العزيزء فإن الأمراء بميلون إليه» وإذا استوزرته كنت في حرز حريز. فنفذ إليه 
حادمه عماد الدين فبواءا و الآفين ا بارعيع" أله" اللاو هيه عقدفين مانا :وظليوه ين 
الوالي» فأظهر الأمير طاعة الوالي. لكنه أضمر نية اللاوي ولي المناوي. فإن صاحبه كان 
مع السلطان طغرلء. فحصل ف الأمر المشكل. إن سلمه جشي في العاقبة عقوبة صاحبه 
الغائب» وإن لم يسلم حاف من سخخط السلطان الحاضر العاتب. وأخرجه من القلعة إلى 
المشهد بالمدينة واستغل بحمل أسباب التحمل والزينة. ولم يزل يدافع الوقت حى حان 
المغرب» وان المطلب. 
فعزم العزيز على المخروج فيمن معه؛ وتسابقوا إلى الأبراب فوجدوها قد أغلقت 
قبل وقت إغلاقها. وعند ذلكء؛ عاد وئوق الآمال بالانطلاق بوثاقها. وطلبت المفاتيح وقد 
حملت إلى القلعة. فباتوا على مضضهم في تلك البقعة. فلما أصبحوا وجدوا صطماز أحد 
ماليك يهروزء وهو شحنة الحلة» على الباب. وقد استتبع جماعة من الأوباش والأوشاب. 
وقد ساق في ليلة واحدة أربعين فرسخاء وجاء لمن بالقلعة مصرخحا. ودحل على العزيز 
وأحذ بيده ورده إلى القلعة وقال للقوم: "انصرفوا بسلام. فلا حاحة بنا إلى التعرض من 
صاحبنا لمعتبة وملام. وهذا السلطان مسعود إن استقرت له سلطته فالآفاق له مذعنة. وما 
دام الملك لأخيه فلامطمح له فيه". فعلم القوم أنهم أخطأوا الحزمء وضيعوا العزم. فرجعوا 
إلى السلطان وأحيروه بالحكم والعلة» فحل به الشحناء من شحنة الحلة. وطلب بعض 
أوة العزيز ليستخدمه» ويتقرب به إليه ويقدمه. 
وكان العم بهاء الدين أبو طالب وزير آق سنقر الأحمديلي» وهو ف الخدمة؛ فرتبه 
في منصب الاستيفاء؛ وتعوض بالصعيد الطيب من الماء. واستوزر أنو شروان وجمل بمكانته 
المكان. وأحذ العسكر للملك طالباء ولأخيه مناصبا. وكان السلطان طغرل حيتئذ 
بأصفهان وقد استخلف أتابك قراسنقر بأذربيجان. فلما نهد آق سنقر مع السلطان 


501 تاريخ دولة أل سلحوق 
مسعود إلى أذربيجان» تزحزح عنه قراسنقر إلى زبحان. وتحصن عين الدولة خوارزمشاه 
والأميران بيشكتين وبلاق بأردبيل؛ والأمير الحاحب ثتار بأرمية» و تحكم السلطان مسعود 
وآق سنقر في تلك البلاد» والتظمت أمورهم ف سلك السداد. ونزلوا على أردبيل 
محاصرين؛ وثبت أهلها صابرين مصابرين» وكتب الدركزيئٍ إلى قراسقر يحرضه ويقول 
له: (( بارز آق سنقر فأنت له مبار بالمبارزة» وأحضره وناجزه الحرب بنفسك وإلا 
حضرت بنفسي إلى المناجزة )) . فكتب جوابه, ومهد في تأخير القتال عذراء فلم يعذره 
الوزير. وكتب إليه ثانياً يأمره بالمناحزة» فاستشاط قراسنقر من اشتطاط الوزيرء 00 
لجماعته: (( قد بلانا الله يمذا الفلاح؛ والدولة بوحوده معدومة الفلاح )) . 
الأميران الحاحب تتارء وجاولي اللجاندار» وقالا: (( لابد من طاعة السلطان في محاربة مر 
العصيان, فلا بحبن فهذا مقام الشجعان )) » فاغتاظ وركب» وساق 2323000011 
ف ليلة واحدة: فوصل بخيول رازحة» وحيول آق سنقر جامة غير جانحة» فتلاقيا وتضارياء 
ثم افهزم قراسنقر وفرء وظفر آق سئقر وقر. وكانت الحرب على باب أردبيل» فشفي آق 
سنقر منهم الغليل. واحتوى على ما كان معهم؛ ولم يقم بعدهم وتبعهم. 5-07 
ووصل السير بالسرى حت وصل إلىهمذان. وعنا الملك لمسعود ودان. ونخرج السلطان 
طغرل وتحصن بأروند وماوشان. وكان قد عرض له مرض أقعده عن الحركة؛ وأعجزه 
عن حماية المملكة. فقدم الأمير الحسن الجائدار على اعجار وهاحه إلى اللقاء ركاه عقي 
الميجاء. ثم انمزم طغرل إلى الري قادماء وعلى الرأي نادماء وعلى وزيره واحداء ولله 
شاكرا على سلامته ساجدا. 
ذكر ما كان من حديث عمي العزيز 
وحادثته بعد عوده إلى القلعة 
قال: قال الدركزيئ لسنجر عند عوده إلى خراسان: (( إنك تعود إلى نخراسان 
ويبعد علينا استئذانك ف المهام» فاعطنا علاماتك في دروج بياض»ء لمقاصد تعرض 
وأغراض. فإذا عنت مصلحة: واتفقت منفعة للدولة مترححة؛ أصدرنا بها مثالاً بعلامتك» 
فلا يخالفه القريب والبعيد» ولا ينقاد إلا له الغوي والرشيد )) . وكانت علامة سنجر 
تحت قوس الطغراء وفوق بسم الله (توكلت على الله) فأخذ العلامات في عدة دروجء 


تاريخ دولة آل سلجوق الفط 
واتخذها أسبابا لاستباحة دماء وفروج. فأول مثال زوره؛ إنه وقع تحت علامة منها بقتل 
العزير إلى صاحب تكريت بمروز الخصي. واتفق أنه كان ل العسكر معهم فأرهبه وأرعبه 
وأمره بالامتثال» والحري على مقتضى المثال. ففزع الخصي وتمكن منه الخوف. وكتب إلى 
واي تكريت بحم الدين أيوب» وخاطبه في الخطب المخطوب. وقال له: (( هذا توقيع 
السلطان مع صاحب وزيره: يأمر بقتل العزيز وتسليمه إليه وتسييره. فإن أبيت فقد 
رضيت بسخحطي» وخخالفت شرطي؛ وأردت الخطأ في رد خبطي )) . ٍ 
وكان بحم الدين رحلا مسلما. فما رأى أن يكون لرجل مسلم مسلما. وعرف 
أخوه أسد الدين شيركوه الحال» وحجز بينه وبين الوقوف على التوقيع الواصل وحال. 
فشاركه أخوه شيركوه في رد الواردء وصرفوه بالخلع والفرائد. وكان شيركوه ملازما 
للعزيز ومتبركا به» ومتمسكا بسئنه. وقال عماد الدين: >معته يوما يقول: (( صليت ليلة 
مع العزيز فسمعت هاتفاً يقول: جعلك الله عزيزا كما حميت العزيز )) . فما أطمعيئ في 
مصر بعد نيف وثلاثين سنة إلا هذه الدعوة. وأيقنت أن أنال هذه الخطوة. قال: فكان 
:ما قال؛ فإنه ملك مصر وصار عزيزهاء ومن حاز الجنة .ما فعله فلا عجب لمملكة مصر 
أن يحوزها. 
قال: فلما عرف الدركزيئ تمنع ما توقعه» ضاق عليه الفضا وما وسعه. فئقل على 
ممروز وفزعه. وقال له: (( سر بنفسكء ولا تتنفس بسرك حي تأني تكريت» وبيت من بها 
قبل أن تبيت )) » ووكل بالخصي أياماء ومزج له الشهد سماماً. ثم أطلقه على الشرط فلم 
يشعر بحم الدين أيوب وأحوه أسد الدين شيركوه حى هجم الخصي عليها القلعة؛ وقال 
هما: (( قد دافعتما عن هذا الرحل دفعات» فكيف هذه الدفعة )) . فدفعاه فلم يندفع 
وردعاه فلم يرتد ع؛ فتر كاه ما شانه» فما ترك ما شانه.و كان بهروز قد استصحب معه من 
أعوان الدركزيئ ملحداء مثله مفسداً. فلما عرف العزيز -رحمه الله- أنه قد أسلم 
وأحس بالأمر وما أعلم قام يصلي ركعتين فصلى الأولى بسورة الكهف» وشرع في 
الأخرى بياسين. وطالت صلاته على الملحد اللعين فضربه وهو في السجود فجاد بروحه 
ف مناجاة المعبود. وشهد السعادة, وسعد بالشهادة» وكان مذ_حبس متوفراً على العبادة؛ 
يصوم ويقوم» وذلك ف سنة 511 ه وعمره 00 سنة. وجرى هذا الأمر ولم يكن عند 
السلطان طغرل نحبر . وق ذلك عبرة لمن اعتبر. فإنه بعد قتله الدر كريئ طلب العزيز 


19 تاريخ دولة آل سلجحوق 
فأعلم بحادئته وحديئه. فلعن الوزير على تأثيره» وشؤمه النازي وتأريثه. ولم يكن بين مقتل 
الشهيد العزيز وبين مقتل المرتد الوزير سوى أربعين يوماً. 
ذكر قعل الوزير الدركزيني وما آل إليه: أمر السلطان طغرل 

قال -رحمه الله-: قد ذكرنا أنه أحجم إلى الري من قدام آق سنقر ومسعود في 
عدد مفلول وفل معدود. ونحرج الأمراء الذين كانوا بأردبيل في الحصارء ورحلوا على 
سمت أصفهان» ليلحقوا السلطان. وفارقهم العسكر فوصلوا قي محف من الخواص؛ وعبروا 
للخلاص؛ على النهج المعتاص. وحاء العساكر إلى مسعود من كل حدب تنسلء وبكل 
عسال تعسل وكان طغرل قد رحل إلى أصفهان, ثم رحل لقصد أيه مسعود إلى 
حوزستان. وأيقن أن كل ما تم عليه من الوهن في أموره كان بوزير وزيره؛ وإدبار تدبيره. 
فأمر بصلبه. فصلب بأمره. وانقطع لثقل حسمه حبل خناقه. فوقع إلى الأرض في آخر 
إرماقه. وف جملة النظارة مملوك من مماليك شير كير واقف» وهو يما جرى منه على مالكه 
عارف. فشق الحلقة بسيفه المسلول وضرب رقبة الوزير المغلول. فقطع في الحال إربا إرباء 
وأفرغ قحف رأسه وحمل إلى ابن شي ركير فاتخذه للكلاب شربا. وأهديت كل أنملة له إلى 
من عنده له ثار. وانتعش بعثاره من كان له عثارء وكان مقتله بشابور خواست. 

وكان السلطان طغرل قد قال له وهو جاقل» ومن طلوع أخميه عليه آفل: "أين 
العسكر؟ أين الجند؟ أين ما سبق به منك في الكفاية الوعد"؟ فقال له: "لا تبال ولا 
تخطر خطرا بالبال» فإني قد ندبت جماعة من الحشيشية لقتل أعدائك؛ وكأن يهم وقد 
تعجل قمعهم وتفلل جمعهم". فاغتاظ السلطان وقال له: "قد وضحت صحة إلحادك, 
وبان فساد اعتقادك". فأمر بتجريده وإشعار نار الحديد في ماء وريده. 

قال: ووصل الخبر بأن الباطنية قد دخلوا على آق سنقر فْ خيمته بحرج 
قراتكين» وتناوبوه بالسكاكين. وأن عساكره ارتحلت من ههمذان. على صوب 
أذربيجان فإن السلطان مسعود وإن كان في جمع جبم» وعسكر دهم لكن أمره مدبرء 
إذ عدم من هو له مدبر. فثيى طغرل عنانه» وشرع لنحر الخصم سنانه. ومضى إلى 
الري وطوى المنازل إليها أسرع الطي. فلما حيم بها اجتمع الذباب على عسله. 
والذؤبان العاسلة في محفله وححفله. ورحل السلطان مسعود بعد مقتل أتابكه آق 


تاريخ دولة آل سلحوق 51> 
سنقر إلى الري لإاضعاف آنحية أخحيه» ومناجزته قبل انتهاض قوادمه بخوافيه. والعسكر 
الباقي معه يزيد على ستة آلاف فارس» وطغرل في ثلاثة آلاف, فيبرزوا بعدة المبارزة» 
وأنخروا عدة المناجزة. فانمزم طغرل وحماه حماة خواضه. وخلصه ذوو إنخلاصه. 
واستأمن الأميران بلاق وسنقر صاحب زبحان وجماعة إلى العسكر المسعودي» واستوت 
سفينة السكينة منهم في بحر -حوده على الحودي وذلك ف ثامن عشر رحب سنة /511ه. 
وامتد طغرل إلى طبرستان» ونزل على الأصفهد علي فأكرمه وأعز مقدمه 
ووسع له ولعساكره الأتراك» وأنفق فيهم الذخائر والأموال: وأقاموا شتوتهم عنده. 
فلما انحسر الشتاء» رحل طغرل عائدا إلى همذان واتصل به من الأمراء الأكابر جماعة؛ 
لهم على الأنام طاعة» مثل عين الدولة خوارزمشاه ومحمد بن شاهملك» وحيدر بن 
شي ركيرء وسعد الدولة يرنقش. ووصل بوزابه من عند أتابك منكوبرسء في ألفي فارس 
من فارس» فاشتدت شوكته. واحتدت شكته (2. وكان السلطان مسعود بأذربيجان 
فاستدعى فخخر الدين عبد الرحمن بن طغايرك» واتصل به يرنقش البازادار» و نحم الدين 
رشيد ونمضوا لصوب قزوين والري؛ عازمين على حسم الداء بالكي. فرحل السلطان 
طغرل يتتبع أثارهم, ويشق غبارهم. فتكلوا عن لقائه» وولوه ظهورهم عند ظهور 
لوائه» وتفرقوا أيدي سبا. وغنم أصحاب طغرل ما وجدوه من دوايهم وأسلحتهم. 
وندب قرا سنقر إلى محاربة الملك داود بن محمود بالمراغة فهزمه. وفل غربه وثلمه, 
وتمكن السلطان من سلطنته؛ وتسلط يمكنتة» وفرع سريرهء وعرف سروره. 
وزارة شرف الدين علي بن رجاء 
قال -رحمه الله-: سمعت والدي صفي الدين يشكره ويثيئ عليه ويقول: لما قتل 
السلطان طغرل وزيره الدركزيئ استدعان من أصفهان وظن أن العزيز باق» وأنه عن 
حضرته إذا طلبه غير معتاق. قال: فقربن وأكرميني قال: "حذ خطي إلى يروز بإحضار 
أخيك. وأسرع فإني منتظر لتوافيك". قال: فمضيت إلى بغدادء وإذا بالقضاء قد قضى؛ 
والحكم قد أمضى. فلما عرف طغرل بوفاته» طلب رجلا كافياء فوجد علي بن رحاء 
عليا كما رحا. فعول عليه في وزارتهء وسلم إليه المنصب» وشرع في مصادرة 


)١(‏ الشكة: الأخلاق. 


0 تاريخ دولة آل سلجوق 
الدركزينية» وقبض على نوابمم» وضيق على أصحاهم. قال: وفي هذه النوبة قتل 
السلطان مسعود الصفي الأوحد المستوفي» وصادر أهله على مائيّ ألف دينار» وكان 
ذلك برأي سعد الدين أسعد المنشئ الخراساني» وبمواطأة الكمال ثابت القمي» فإنه 
تولى منصب الاستيفاء» فرأى إتلاف من يترشح لمنصبه حي يبطش بيد الاستيلاء. 

ولما استقرت قاعدة طغرل» وأمن من معار معارضيه» وعلا على مقار مقارعيه, 
وحلس على تخته» وتبجل بعلو بخته» فاحأه الأحل» فانتقل من الثراء إلى الثري» ومن 
دار البلاء إلى دار البلى. وذلك في أوائل سنة 55748هء, فإنه عرض له قولنج» فشرب 
دواء أسهله وأدواه؛ وأسقط قواه. فتشتت ذلك الجمع» وانطفى ذلك الشمعء وغاض 
ذلك البحرء وغاب ذلك البدر. 

وكانت وفاته بحمذان ودفنه بما في مدرسة بناها لبعض سخدمه. وأسف بنو 
الآمال على كرمه. وكانت مدة ولايته سنتين وشهرا أو شهرين» وكان حامعا 
للخلال الي تفتقر إليها السلطنة من الحرم والتحفظء والعزم والتيقظ. إلا أنه 
كان مستيدا بأراله» معجبا بأهوائه. لا يستشير في أموره» ولا يسترشد في تدبيره. 
وكان مصطنعا لأراذل صحبوه في أول عهده؛ فصاروا مقدمي جنده؛ والمحصوصين 
برفده. فكانت دناءتهم تغض من جليل قدره؛ وتغمض على ذكره. 

ذكر جلوس السلطان المعظم غياث الدنيا والدين أبىي الفتح 
مسعود بن محمد بن ملكشاه قسيم أمير المؤمنين سنة 0374 ه 

قال -رحمه الله-: كانت أم مسعود حظية تسمى نيست أتدرجهان» وزوجوها 
بعد وفاة السلطان محمد الأمير الأصفهسلار منكوبرس وال العراق. ونقلوا معها برسم 
حهازها من الخزانة السلطانية أموالا لا تنفد مع دوام الإنفاق. وكان منكوبرس من 
أكرم أمراء الدولة وأعيانهاء وقد استبد بإقطاعات العراق بعد وقاة السلطان» وتفرد بما 
مدة حياته؛ وارتفع بوفور ارتفاعاته. وحكى عن وزيره ولي الدين المخلص محمد 
الميا نحي أنه قال: "جمعت له ف العراق ألف ألف وثلاتمائة ألف ديئنار نقد مطبوعا 
بالسكة الإمامية» سوى ما كان له من الآلات والثياب والدواب والجواهر. وقد ألممنا 
بذكر قتله قِ عهد السلطان محمود؛ ورجعنا إلى حديث مسعود. وذلك أنه سلمه 


تاريخ قولة آل سلحوق 1 

والده في سئة .٠ه‏ ه إلى الأمير الأصفهسلار مودود صاحب الموصل. 

ثم حهز مودوداً لحرب الإفرنج» ووصل إلى الطبرية وروى صدى الإسلام من دم 
الكفرء وشهر على أبمان الإبمان نصل النصر. وعاد إلى دمشق محبوا بالقتح, محبورا بالنجح. 
وحضر ف الامع في آحر جمعة من ربيع الآخر سنة 6.01 ه ء وخحخرج ويده في يد 
طغتكين صاحب البلد» وهو محفوف من حنده بذوي العٌدد والعدد. فجاء إليه رحل 
وضربه بضربتين» فنفذت إحداهما إلى حاصرته» وحمل إلى دار طغتكين» وعرّ فيه عزاء 
المسلمين. وقيل إنه حاف منه على دمشق فدس إليه. ولولا ذلك لكان لما أهريق منه الدم 
شق عليه. ولما وصل نعي مودود إلى السلطان محمد» سلم ولده مسعودا إلى آق سنقر 
البرسقي وأقطعه الموصل والجزيرة» وأجزل له عطاياه الغزيرة. ولما توفي محمد, تولى محمود. 
فزوج أم مسعود يمنكوبرس استمالة لقلبه» وإظهارا للتقرب إليه ترغيبا له ورغبة في قربه. 
فلما ظفر به قتله» وحلىّ بصبغ دمه من سيفه عطله. وجمع جوشبك الحيش» وسار .بمسعود 
إلى حرب أخحيه محمود, فكان ما كان من هزيمته. وقتل أبي إسماعيل الطغرائي وزيره. 

ثم استدعى السلطان سنجر بعد ذلك مسعودا وإخحوته» وقررٌ على السلطان محمود 
من مال العراق نفقتهم ونفقته» إلى أن حرج الأمراء على محمود في آخر أيامه. فاستدعوا 
مسعودا من جحرجان؛ وحملوه على مناجزة السلطان. فما تسئ له أمر» ولا تيأ له نصر. 
فاستمال السلطان محمود أخحاه مسعودا وقربه» وسيره إلى أرانية» واستكانت لهيبته عيون 
أعيانها الرانيّة» ثم لما توفي محمودء حرى له ما ذكرناه مع أخيه طغرل» حى مضى لسبيله. 

قال: وكان مسعود قد وصل إلى دار الخلافة في حياة أحيهء وخخمطب الخليفة 
المسترشد بالله له وأجله وبحله. ووقعت عليه سمة السلطنة بلا سموء وعلا صيته بلا 
صوت علو. وكان الحند يجتمع عليه ويفترق» يشكئم تارة معه ويعرق '2©. فلما نبت 
غرسهء وثبت عرشه قر قراره» وسر أسراره. وكان وزيره شرف الدين أنوشروان ابن 
حالد. قال -رحمه الله-: وكان المسترشد بالله 5ه قد استوزره مدة؛ ولما وصل 
السلطان مسعود إلى دار الخلافة وخطب له في آخر المحرم سئة ل/ااه هده سفر 
أنرشروان وهو وزير الخليفة في مهامه؛ فسفر بحسن سقارته وجه مرامه. وأحضره 


)١(‏ يشكم ويعرق: يذهب إلى الشام والعراق. 


04 تاريخ دولة آل سلجوق 
المسترشد وقال له شفاها: "تلق هذه النعمة بشكرك واتق الله في سرك وجهرك". وخلع 
عليه وطوقه وسورهء وجلس على الكرسي المعدّ له. فقبل الأرض وقال له أمير 
المؤمنين: "من لم يحسن سياسة نفسه لم يصلح لسياسة غيره» قال الله تعالى ذكره: لإفمَن 
يَعْمّل مثقال ذَرَة خَيْرًا يَرَهُ ومن يَْمَلَ مثقال ذَرَة شَرًا يَرَهُ6[الزلزلة:لاء 8]." فأعاد 
عليه الوزير بالفارسية فأكثر من الدعاء والضراعة» ونطق بالإذعان والطاعة. وقلده 
بسيفين» وعقد له بيده لواثين. وسلم إليه ابن أيه داود وأتابكه آق سنقرء وقال له: " 
انمض ونخحذ ما آنيتلك وكن من الشاكرين'. فمضى مسعودء وهي النوبة التي نصر فيها 
على طغرل. قال: ثم رأي الخليفة عزل أنوشروان واستيزار شرف الدين نقيب النقباء على 
ابن طراد الزينبي؛ وفيه يقول حيص بيص قصيدة أوها: 
شكرا لدهري بالضمير وبالفم 0 الا أعاض بمنعم عن مُنعم 

فحلس في بينه مكرمأ ولزم منزله محترما. ثم اجتمع بالسلطان مسعود 
فاستوزره. وصد رهبة الأطماع حين صدره. وكان المستولي على مسعود آق سئقر. 
فلما استشهد, تمكن الأمير يرنقش البازدارء فاستولى ولم يلتفت إليه ولا إلى 
وزيره؛ وكان أتابك قراسنقر حينكئذ قد وصل إلى الخدمة في حشوده وجنوده 
وحمةة أذربيجان. وكمة أران» وعنده استشعار من زوحة السلطان الخاتون زبيدة 
بنت بركياق, فإنها كانت على السلطان متسلطة؛ فرأى صلحها وإصلاح رأيهاء 
وحمله دهمازه على حمل النفائس إليها وإهدائها. فلم يعحب الأمير يرنقش 
ذلك؛ فاستوحش ووافقه الأمراء الأكابرء وهسم برسق وقزل أمير آخر» وسنقر 
صاحب زبحان. وجاولي وحيدر بن شيركير. فخرحوا عن الطاعة؛ وتدرجوا إلى 
مفارقة الجماعة. ورحل يرنقش بهم إلى بروجرد وبقي السلطان ومعه قراسنقر في 
جيوشه» واتصل به خوارزمشاه؛ ووصل الأمير السابق رشيد من خراسان» فنهض 
السلطان بهم إلى هؤلاء البهم والتقوا فانهزم يرنقش» وأسر من الأمراء الطغرلية جماعة 
وقعت ف إطلاقهم من قراسنقر شفاعة. ولم يزل بمم حى أصلح حالهم؛ وقضى 
أشغاهم. 


وأما يرنقش البازدار» فإنه رهب فهرب, ودار بخلافه حي أتى دار الخلافة» فحط 


تاريخ دولة آل سلحوق 1 
بحرم الأمن ورَحْل المخافة» واستصحب معه من الأتراك جمعا كثيراء وصار بين الخليفة 
والسلطان للشر مثيرا. وأشاع عن السلطان نقض الأبمانء ورفض الإيمان. وزعم أنه قد 
عزم على صدق القصدء وأنه باغ» باغ 27 زرع الدولة المسترشدية بالحصد. وكان الخليفة 
قد انقرض من السلطان في تغييرات غيرت فيه آراءعه» وبدت من شحنة ببغداد ما أبدت 
شحناءه. فلما مع قول يرنقش» صار يرى نقشه في الححر؛ ونبت ما شجر من الخلاف 
والعناد عند الخليفة نبت الشجر. وكان السلطان قد هم باتباع يرنقش بعسكر يكفه 
ويكفيه» ويقف على أثره ويقتفيه. فصدق الخليفة قصده, وتحقى حق عناده عنده. فحينئذ 
خطب وخاطب؛ وطلب وطالب. وحرج بنفسه في هيأة رائعة» وهيبة رالقة. وخرج معه 
من كل طائفة أعيانماء وتعاونت على التناصر أنصار الدولة وأعواهها. وسار وقد صحبه 
حي الشعراء والأطباء» والصوفية والفقهاء. وف تلك السغرة يقول أبو القاسم بن الفضل 
الشاعر قصيدته الى أوها: 

في العسكر المنصور نحن عصابة مرذولة أحسن بنا من معشر 


خذ عقلنا من عقدنا فيما ترى من خفة | ورقاعة وتمور 
ويقول فيها: 


تكريت تعجزنا ونحن بعقلنا نسعى لناخذ ترمذا من سنجر 

قال: ولم يقدر على التخلف عن الخليفة ذو قدرء ولم يفسح لذي عذر. وسار 
في حشد وحشرء وضم ونشر. وثمي إلى السلطان خروج الخليفة فشق عليه شقاقه, 
وأظلمت آفاقه. فخرج صوبه من همذانء والتقوا عمرج يقال له داي مرك. ولما تراءى 
الجمعان» مال الجنس إلى الجنس» فمال الترك إلى الترك» وأسلموا حرمة الإسلام 
المصونة إلى التك. وتفرد الخليفة مع مفرديه» وبعد من حدي منجديه. ثم أقشع 
نشاصه وانفل عنه نحواصه. ووقف ولم يول وثبت ولم يخل. هابت اللجماعة 
الأقدام عليه والتندم إليه. فنزل أمير العلم السلطاني وتقدم؛ ولم يزل يقبل الأرض 
حي وصل إليهء فاحذ بعنانف ثم أحدق به الأمراء كما يحدق كل موكب بسلطانه. 


)١(‏ باغ: ساوى. 
32س النشاص: السحاب. 


3 تاريخ دولة آل سلجوق 
وأنزلوه في خيمة ومعه وزيره نقيب النقباء؛ وابن طلحة صاحب المخزن» وسديد 
الدولة ابن الأنباري» كاتب الإنشاء؛ وبقي هكذا في مخيم مسعود يرحل برحيله؛ ويحل 
بحلوله. وهو يعده بإعادته إلى دار الإمامة» حي كان المعسكر على المراغة. فوصل 
الأمير يرنقش قرآن وان من خراسان برسالة سنحرية» كتم سرهاء وأسبل سترها. 
وهحم على الخليفة جماعة من الباطنية ففتكوا به في سرادقه» وفجعوا الزمان بسيد 
حلائفه خلائقه. وذلك في يوم الخنميس الثامن عشر من ذي القعدة سنة 9ه هء 
فعرف بقرائن الأحوال أن سنجر سير الباطنية لقتلهء وما أشنع وأفظع ما أقدم عليه من 
فعله. 
ولاية أمير المؤهنين أبي جعفر منصور 
الراشد بالله بن المسترشد بالله -رضي الله عنهما- 

قال: فوصل الخبر إلى بغداد باستشهاد الخليفة -رضوان الله عليه- يوم السبت 
السابع والعشرين من ذي القعدة سئة 519 ه»ء وبويع للراشد بالخلافة» وجلس بي 
منصبها في ذي الحجة» وبقي في دار الإمامية ببغداد قريب تسعة أشهر على إرجاف 
مزعج للأرجاءء وخوف غالب على الرجاء. حى تفرغ مسعود إلى شغله» فشمل بيته 
بيت همله. وأخرج بُدّره من بيت شرفه؛ وأتى على متلده ومطرفه. وسيأني ذكر ذلك 
في موضعه. 

قال: فأما السلطان مسعودء فإنه بعد حادئة الخليفة بالمراغة» قبحت مسمعته. 
فذكرته الألسن, ونكرته الأعين. فصار يفكر في شيء ينفي عنه الظنة» ويستل به من 
القلوب السخحيمة المستكتّة. ح سولت له نفسه قتل الأمير دبيس بن صدقة» وكان في 
القوفت من متك لذ اسان عينه الذي بوأه الحدقة. فرأى أنه إذا قتله نسب الناس إليه 
قتل المخليفة» وأن السلطان لذلك لم يبق عليه. وكان الأمير دبيس المزيدي حضر باركاه 
السلطان؛ وهو جالس ينتظر الإذن؛ فجاءه من ورائه وهو لا يراه بختيار الوشاقء وأبان 
بسيفه رأسه وأسال على البساط دمه المهراق. وكان بين استشهاد الخليفة وقتل دبيس 
شهر واحد. وكانت هله النوبة أيضا شنيعة» والفضيحة فظيعة وشفعت الكبيرة 
بالكبيرة؛ وأتبعت الحريرة بالجريرة. فتقرحت القلوب وتحرقت, وأسفت النفوس 


تاريخ دولة أل سلجوق .»م 
وأشفقت. فلم يكترث السلطان يما كرث 7"©) ولم يحدث غما لما حدث وطما عباب 
طماعيته» ولفح شرر شرته. وخحشيه الأكابر والأمائل» وغشيه الأصاغر والأراذل. 
فرفع قوانين السلطنة وأبطلهاء وما سنا محاستها وعطلها. 

فأول ما بدأ به بعد حادثة الخليفة» أنه نمض إلى بلاد سكمان» فحلب على 
سكافا البلاء» وأضرى بما الضّرّاء. ونخافه ابن سكمان فجفلء ثم بذل له وجه الخيفة. 
فنذر وحذر. وقام وقعد) وأحس بقرر ب من قتل أباه فأباه وبعد. وكان الأمير زنكي 
ابن أق سنقر صاحب الشام ببغداد, فيحمله على السير منها والاغذاذ. وكان داود ابن 
السلطان محمرد قد وصل إلى بغداد وزنكي مؤازره. ومظلاهره وناصره. قلما حضرها 
مسعود وحصرهاء ونازل بعسكره عسكرهاء رحل داود عائدا إلى أذربيجان» وأحفل 
زنكي راحعا إلى الشام. وقد حاف السلطان» وأشار على الخليفة باتباع أثره فما 
أصغى إليه. ولا سهّل خروجه من بيته عليه ثم استوحش من مقامه بعد أن أقام مدة 
على استيحاش» فرحل رحلة آيس» ونفر نفرة نحاش”7"“. ومضى إقبال ادم أبيه معه؛ 
وصحبه وزيره جلال الدين أبو الرضاء بن صدقة» وحيم بظاهر الموصل متمسكاً بحبل 
إقبالا حادمه وحبسه ثم قتله. وأزعج الخليفة, فانتقل انتقال المرتاب» وتحوّل تحول 
المرتا ع. وبقي كذلك سنتين لا يستقر به مكان, ولا يمكن له قرار. حى اجتمع 
بالسلطان داود في أذربيجان» وجاء معه إلى محاصرة أصفهان. وخحتم له بالشهادة عليها 
سنة لاه ه في ظهر يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر رمضان. وكان ذلك 
قِ الفيظا وقت المحاجرة المتأحجة. والقائلة المتوهجة. فهجم عليه قوم من فلائية 
الباطنية» فأضجعوه على فراش المنية. 

قال عماد الدين: وأنا أذكر في صغري هذا الحادث الكبير وحديثهء وتأثيره ف 
القلوب وتأريئه. وكان ذلك بعقب سنوات إسنات ”'': وشتوات شتات ومجاعات 
(1) كرّث الغم فلانا: اشتد عليه. 


(؟) خاش: من حشى أي عحاف. 
(9) إسنات: جدب وقحط. 


آ.م تاريخ دولة أل سلحوق 
للجماعات مفرقة» ونوائب نوابي للنوائب محرقة. وهلك الناس جوعاء ورج من أهمل 
أصفهان من ل ينو إليها رحوعا. وما كفاهم ذلك, حىّ نزل عليهم داود. فخربت 
القرى» وألحقت بالوهاد, وأغلقت أبواب البلد» ووهت أسباب الجلد. وأعيان أهل 
أصفهان لا أحسوا بالحصارء رغبوا في الإصحار» وانتقلوا إلى ظاهرهاء وسكنوا ح 
ف مقابرهاء وهناك بقرب زنُدروذ؛ عند المصلى, قصور عالية مبنية على قبور أكابرها. 
وكنا نحن من جملة المنتقلين إلى بعض قصورنا. وقد عنينا بأمورنا. فجاء العسكر 
المحاصرء في عدد كل عن عدّه الحاصر. وكان عمي بماء الدين مع داود في ديوان 
الاستيفاءء وإليه وزارة خوارزمشاه. ولم يكن مع الراشد وزيره أبو الرضا بن صدقة. 
فإن زنكياً احتبسه عندهء ثم استوزرهء فنفذ إلى والدي صفي الدين وألزمه بوزارت 
فأبى. ثم اتفقت حادثة الراشد» فحمدنا الله على ترك خدمته: والعصمة من واقعته. فإن 
والدي -رحمه الله-, حلف أن لا يخدم بعد العزيز سلطاناء ولا يتولى ديوانا. فوق 
بيمينه هذة غعرة وعاش يعد اعيه انيما و ثلاثين سمه مقبلاً على أمره. ودفن الراشد في 
مدينة جي» وأفردت له تربة في حامعهاء وصار إلى اليوم موضع قبره من أشرف 
مواضعها. 

وحينئذ تفرق شمل تلك العساكرء ورحل داود آخذا طريق الري» وسار معه 
والدي واستصحبنٍ وأحي أبا بكرء وخلانا في المدرسة المحدئة بقاشان وأقمنا يما سنة 
نتردد إلى المكتب» ونشتغل بالقرآن والكتب الأدبية. ثم عدنا إلى أصفهان؛ وكلانا لم 
يبلغ قمره إلى الإبدارء والوالد سار في ليل الأسفار. 

قال: وأما أنوشروان الوزيرء فإنه ما لبث في الوزارة؛ وكان معهد الملك به غير 
مستتب العمارة» لا لنقص فيهء بل لتغير القواعدء وتكدر الموارد. فعزل واعتزل» وما 
انتقل عن داره حن تحول إلى جوار ربه وانتقل. وجلس للوزارة عماد الدين أبو 
البركات الدركزيئ. قال عماد الدين -رحمه الله-: وكان نسيبا للقوام الدركزيئ من 
جهة أخواله. وقد حسنت ف أيام دولته حوالي أحواله. ورتبه أيام الوزارة المحمودية 
عارضا للحيش؛ وبقي مستمراً في منصبه؛ مستقيما على مذهبه. وهو الذي يقول فيه 
القاضي الأرحان: 


تاريخ دولة آل سلجحوق انض 
دام علاء العماد فهو رجاء العباد دام لنا طالعا فهو ضياء البلاد 
له يد لم تزل تصدر عنها أياد عيون حساده مكحولة بالسهاد 
كأن أجفاها أهدابما من قتاد 
ولما رأى السلطان مسعود ف عنفوان دولته. وريعان سلطنته, الخلل حالاء 
والحال مختلة» والعلل بادية»؛ والمبادي معتدلة استعجز أنوشروان للين أخلاقه» وقرب 
قمر عمره من نحاقه. فرأى صرفه باحترامء وعزله بإكرام» وظن أنه إذا ولى در كزينيا 
أحيا رسوم الاقتدارء وسطا سطرة الحبار. فولى العماد فما رفع عماداًء ولا عرف 
سداداً. ولا مشى إلا في طريق السلامة» وقنع بالدست والعلامة. وكان فْ منصب 
الاستيفاء حينعذ كمال الدين ثابت القمي» الثابت الكامل الباسل» وكان في زمان 
عمي من نواب ديوانه» وصنائع إحسانه. وكان شهما ناقداء وسهما نافذا. فأنس 
السلطان بروائه؛ وركن إلى رأيه. واستغئ به عن وزرائه. وهو الذي يقول فيه القاضي 
أبو بكر الأرجحاني قصيدة منها: 
سل النجم عني في رفيع سماله أشاهد مثلي من جليس مبايت 


أساهره حتى تكل ‏ لحاظه ويدسل في الصبح انسلال المفالت 
سقى عهدهم غيث تقول إذا بدا تجلل وجه الأرض ورق الفواخت 
معلمة الأمطار عيني على الغرى إذا ما سما إن لم يكن كف ثابت 
لد قلم إن هزه في كتابه 0 أبر على سيف الكمي المّالت 


قال: وهذا ثابت. كان من دهاة الرحال: وكفاة الأعمال. وعكشورته شيدت 
القواعدء وشدت العاقدء وولى المقتفي ونخلع الراشد. وأما السلطان مسعود فإنه بعد 
روج الراشد من مقام الخلافة» استشار الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي» 
وكان قد اعتقله بعد ما حرى على المسترشد ثم أطلقه واستصحبه, وخاطبه فيمن 
يخطب لى فأشار بخير الخلائف والخلائق. أبي عبد الله محمد بن المستظهر. فبويع له 
بالخلافة في ذي القعدة سنة “٠‏ هء ونعت بالمقتفي لأمر الله ووزر له شرف الدين 
الزيبي» وأجمع الأنام على بيعته» واجتمعت الآمال الظامئة على شرعته. وذكر 
السلطان راجعا إلى الجبل» وائقا بحصول الأمل. وانتهى إليه أن أتابك منكوبرس 


.ا تاريخ دولة آل سلجحوق 
للخروج عليه مستعد؛ وأنه مستجند مستنجد مجاوريه» مستجيد لعدة الحرب مستجد. 
فأنمض أتايك قراسنقر إلى أصفهان ليكون على طريق دفعه» فسار ومعه يرنقش 
البازدار» وجاولي الحاندارء وسنقر صاحب زنحان وهم العظماء الكبار. وهم أعضاد 
الدولة وأركافاء وملاك مسكن المملكة وسكافها. ووصلوا إلى أصفهان؛ وكان القحط 
في الابتداء» فكانوا سبب الوباء والغلاء. وأكلوا ما وجدوه من الرطب واليابس؛ 
وألحقوا الغ بالفقير البائس. 

قال: وأنا أذكرء وقد وصل قراستقر ووزيره عز الملك أبو العز البروجحردي؛ 
وكان من الشياطين الذين استتبعهم في عصره الدركزيئ» فقبض بقايا أملاكنا الي 
أسأرتها المصادرات»: وعمد إلى شمل جماعتنا ليسرع فيه الشتات» وأقاموا تلك الشتوة 
بأصفهان» ثم صح الخبر بوصول أتابكه منكوبرس» فعرف قراسنقر والأمراء أنهم لا 
يطيقون مقاومته» فساروا إلى همذان, ولحقوا بالسلطان. وجاء منكوبرس إلى أصفهان» 
فحلفهم ف الظلم والإظلام. ورعى الغلال قبل إدراكهاء» وأعجل الأرماق عن 
امتساكها. وأقام مدةء ولقي الناس منهم شدة» ورحل في أوفر عدة وأوفى عدة. 

فلما قرب من السلطان مسعودء تحاجز العسكران وباتا على لقاء موعود» والتقيا 
بالموضع المعروف بكورشنبه؛ وصدقا الوثبة. وكانت الدبرة في الأول على عسكر فارس» 
فنأصبحت فوارسه فرائس» وأسر منكوبرس وأمر السلطان بقتله بين يديه» وكان شجاعا 
كريها فأسفت القلوب -عليه. وكان الأمير بوزابه من أعظم أصحابه, وأفخم أضرابه, فلما 
رأى العزيمة, أجخلتب عن المزيعة. قال: "إذا سلمنا فقد أبنا بالغنيمة" وحسب أن منكوبرس 
ناج ولم يدر أن نعيه له مفاج. فلما نعى إليه صاحبه؛ ضاقت به مذاهبه, وحلف أنه لا 
يبرح حى يأخذ بثأره» ويستقيل من عثاره. فعطف على معسكر السلطان مسعود وقد 
أمن» ووق له النصر .مما ضمن والمضارب قد شيمت؛ والمضارب قد أقيمت». والسوابق قد 
أريحت. والسوابغ قد أزيحت. فبينا هم ثي أغفل حالة إذا هحمهم بوزابه واستخرج كل 
أمير من مضربهء وسد على كل كبير طريق مهربه. وركب السلطان مسعود فأبلى بلاء 
حسناء ولم يترك في الدفاع عن مهجته مكنا. ثم ولى ومعه قراسنقر هزعا تشله الرماحء 
هشيما تذروه الرياح. وحصل ف قبضة بوزابه اثنا عشر أميراء منهم صدقة بن دبيس ابن 
صدقة المزيدي, والأمير عنتر الجاواني» والأمير الحاحب الكبير أرغان» وأتابك سنقر 


تار يخ دؤلة ال سلجوق لاا 

صاحب زبحان» ومحمد بن قراسنقرء وجماعة آحرون؛ وما منهم إلا من قدمه, وأراق دمه 
وشفى وتره؛ ووق نذره. وذلك في أواخخر سنة ١ه‏ ه. 

ثم قفل بوزابه إلى فارس واستولى على مملكتهاء واستقر في ولايتها. وعاد السلطان 
إلى سريرهء مسلما لقضاء الله وتقديره. وهو الغالب والمغلوب؛ والسالب المسلوب. وقد 
بددت عقود سلكه؛ وبادت سعود ملكه. فجلس لم م 3 المأتم» وعاد إلى ما ثم ل 
عادة المأثم. واتخذ سواهم ندماء؛ ورفع غيرهم أمراء. 

قال: وفي أثناء هذه الفترة» كان ختروج السلطان داود ومعه الراشد. فحرى ما 
جحرى واستشهد الراشد؛ والعكست على داود المقاصدء وتمهدت لمسعود القواعد. 
واتصل بعد ذلك الملك سلحق بأخيه السلطان مسعود, فأقطعه بلاد سكمان من خخلاط 
وأعمالماء ومنازكرد وأرزن» وأضاف إليه الأمير عر أغلي السلاحي مقطع تبريز 
نقصدها واستصفاهاء فاستحرج أموالنها واستوفاها. وأوسعها سبيا وتخريباء وسام أهلها 
ظلما وتعذيبا. وما زالت الدولة مضطربة» والفتنة مضطرمة؛ وأيدي الظلم عائثة 
وألسن الذم عابثة» حي استجد السلطان وزيراء استجاد لمملكته تدبيرا. وحكم 
وأحكم» ونقض وأبرم. وهو الوزير كمال الدين محمد بن علي الخازن من أهل الري 
قال: وكان السلطان استعجز العماد أبا البركات». ووحده في تسكين الخنطوب عدم 
الحركات. فصرفه إلى بيته على أجمل وجه؛ ولزم موطنه على رفق ورفه ”؟. ولم يفلت 
وزير كإفلاته» وكانت الليالي بالسلامة كإفلاته. وشغلته العطلة بصومه وصلاته. 

وتولى الوزارة كمال الدين. وكانت وزارته في سنة 7م ه ببغداد, وفي 
ديوان الاستيفاء كمال الدين ثابت» وف منصب الإشراف المهذب بن ألي البدر 
الأصفهان» وفي كتابة الإنشاء ولي الدين المعروف بسياه كاسهء وفي منصب الطغراء 
مويد الدين المرزبان بن عبيد الله الأصفهان. فانشرحت الصدورء وانتظمت الأمور. 
ورتب الوزير لخزانة السلطان أموالا تحمل إليهاء وجهات توفر عليها. وأحيا معالم 
للملك قد دثرت» ونظم عقودا للمصالح الشوتقه وابننا بكسر الحبارين» وجبر 


(؟) الرفه: طيب العيش. 


5 | تاريخ دولة أل سلجوق 
المنكسرين. وقرر مع السلطان سراء أن ينوي لقراسنقر شرا. وبذل لقراسئقر في وزيره 
عز الملك أبي العز البروجردي حمسمائة ألف دينار على أنه يسلمه إليه» ويسلط يد 
الاقتدار عليه. فأعرض عنه وما قبل البذل منه.وبخل بصاحبه محض الكرم؛ وما أسعد 
من احتار الصاحب على الدينار والدرهم. فلما أيس منه أخاف السلطان من عواقبه 
وقال له: " لا يجمع في غمد سيفان. ولا يظهر لك مع تسلطه قوة السلطان". وقرر 
معه استدعاء بوزابه من فارس ليفرسه به ويجر الخلاف إلى مذهبه. فاستوحش سر 
قراسئقر فأضمر الكيد؛ وأعمل الأيد. فاستدعى الملك سلجق ووعده بأن بمضي معه 
إلى فارس ويستخلصها لأجله. وحمل أيضا على النهضة معه داود بن محمود وأتابكه 
آيازء وكان من صنائع قراسنقر. 

ورحل قراسنقر عن أذربيجان نحو السلطان مسعود إلى همذان ومعه الملكان, 
ومعه من العساكر عشرة آلاف. فلما قرب» أنفذ وزيره عز الملك البروجردي إلى 
السلطان رسولاء وتحدث معه وقرر سولا. وحمله منه ومن الملكين ومن جماعة الأمراء 
كتبا مضموفا " إنا لا نأمن جانب الوزير الكمال» وإنا لا نصبر على ما يبدو منه من 
الأعمال» فإما أن تعدمه: وإما أن تسلمهء فإن دفعته إلينا فنحن طائعون؛ وإن دافعت 
عنه فنحن عن أنفسنا مدافعون". فلما سمع السلطان ما قالوه استقالهم فما أقالوه. فحار 
في تدبيره» واضطر إلى تسليم وزيره. فقبض عليه وسلمه إلى الحاحب تتار فأوقع به 
البثار. وضرب عنقهء وذلك في شوال سنة *7ه ه. فحيئئذ وصل قراسنقر ومعه 
الملكان سلجق وداود إلى الخدمة السلطانية» وحمدوه على اتباع تلك الحمة الشيطانية. 
ورتب قراسنقر الوزير بحد الدين عز الملك أبا العز البروحردي في وزارة السلطان 
مسعود» وكان شيخا ذا يمجة وبحاء» ولهجة ورواء. ولم يزل مذ عهد السلطان محمد 
متصرفا مع أكابر الأمراء لم يبطل» ومتحليا بالولاية لم يعطل. وما زال متدرجا في 
الولايات حت بلغ الوزارة» ووحد بعد النزارة الغزارة. فإنه كان ف ريعان عمره 
يخدم شاكراء ويستعذب في كل أوات خدمة وزير ورذا. فتمول الأموالء وملك 
الأملاك وقيل: إنه كان يجري ف ملكه أيام وزارته أربعمائة قرية. 

قال: فنكب الكمال ثابتا المستوقي وقبضه وأعدمه؛ وقيل: إنه خنقه, وأذهب 
بذهابه بمجة الملك ورونقه. وتولى منصب الاستيفاء بعده المهذب أبو طالب بن أبي 


تاريخ دولة آل سلحوق ١‏ 0 
السبدر؛ ولم يلبث في منصب الاستيفاء شهراً حى اختفى بدره في السرّار» وانتقل من 
هذه الدار إلى تلك الدار. وتولى مكانه ديوان الاستيفاء الكمال أبو الريان الأصفهان. 
قال: وهؤلاء الذين تولوا الاستيفاء كلهم كانوا من صنائع العزيز وتلامذته؛ وكان في 
ديوان الإنشاء سعد الدين الخراساني» وفي منصب الطغراء مؤيد الدين المرزبان بن عبيد 
الله الأصفهان. فأما أتابك قراسنقرء فإنه لما قتل الوزير كمال الدين محمد الخازن 
وجلس وزيره في وزارة السلطان؛ رحل بالملكين سلجق وداود إلى بلاد فارس. فلما 
عرف بوزابه حضورهم نأ إلى قلعة كل وكلاب؛ وهي بين خموزستان وفارس» ودخل 
الملك سلحق مدينة شيراز» وحلس على سرير الملك يما مسروراء ونظم من المصالح ما 
كان منثوراء وغفل عن القدرء فأنس ,ملكه مغرورا. وأراد قراسنقر أن يخلى عنده 
عسكرا يحمي حماه ويعدي على عداه. فحمل الأمير غز أغلي السلاحي» وهو مقدم 
عسكر سلجق؛ حب التفرد والتوحد على إظهار الغ عمن ينجدهء وأنه لا حاحة به 
إلى من يسعده. فقال لقراسنقر: " أنا ما أحتاج إلى أحد, ولا أفتقر إلى مدد" 
فاستحسن قراسنقر منه هذا العزم؛ وترك الحزم. فصار غزأغلي مستقلاء وسار قراستقر 
مستقلا "؟. ومضى صوب حوزستانء ليعبر منها إلى *مذان. وسرح الملك داود جماعة 
من العسكرية على طريق سواهاء للنية الي نواها. فلما وصل عسكر مكرم لم يوافقه 
الحواء الخوزي. فوقع في القوم وفي دوايمم المونان 2, وعجزت القدرة وتعذر الإمكان. 
فأقام على تلك الصورة بحسب الضرورة. 

وأماالملك سلحق فإنه ظن أنه ملك؛ وأن خصمه هلك,ء وأن بوزابه على كل 
حال مملوك لا يقدم على المالك؛ وأنه إنما فر لانسداد المسالك. ورجا أيضا من غزأغلى 
أتابكه أنه لا بخل بالتيقظ» ولا يخلي ما يحب عليه من التحفظ. وكان الأمر بالعكس» 
وسقم حاله على النكس. فإن أتابكه اشتغل بالكل والشربء واللهو واللعب. فبينا 
هو كذلك إذ هجم عليه بوازبه وعلى الملك سلجق فقتل وفتك؛ وأسر وأوئق. ول ينج 
من العسكر إلا القليل» ولم يعرج على الخليل الخليل. وقبض على سلحق وحمله إلى 
)١(‏ مستقلا: راحلا. 
(1) الموتان: الموت. 


قلعة أسفيذدز وكان ذلك آخر العهد به. ولم يشك أحد في عطبه. فتمكن بوزابه من 
ملكي وحرى على المراد مدار فلكه, واستشعرت الملوك مهابته؛ وتحنبت الأسود 
غابته. فلم يركض إلى فارس بعدها فارسء ولم ينل الفريسة بها غيره فارس. وأما 
قراسنقرء فإنه لما انتهى إليه الخبرء وعلم أنه لا قدرة له على دفع ما نواه القدر؛ مضى 
على وجهه مولياء موليا أن لا يكون بعدها متوليا. فلما وصل إلى بروجرد صادفه الخبر 
بأن مدينة حنزة وأعماها قد حسف جاء وأن الزلزلة قد هدمتهاء وأنها حربت حي 
كأن الأرض عدمتهاء وأن الكفار الأبخارية الكرجية هجمتها. وقد باد من أهلها مقدار 
ثلاتمائة ألف نفس» قأمروا الباقين إلا من احتمى بقلعتهاء وآوى إلى تلعتها. وذلك مع 
تشعث سورهاء وقهّدم دورها. وأن الأموال نبشت» وأن الخبايا فتشت. فأغدذ قراستقر 
السير إليهاء وكان إيواني بن أبي الليث -لعنه الله- مقدم عسكر الأبخاز» قد قرن 
الزنزلة الزلازل؛ وبالنازلة النوازل. وكان قد حمل باب مدينة جنزة؛ وبى مدينة 
جماها حنزةء وعلق عليها ذلك الباب» واغتنم غيبة قراسنقر عن البلاد فسماها 
العذاب. وذلك في سنة 8ه ه. 

فلما وصل قراسنقر» عادت دولة الدين, وعادة النصر والتمكين. وظهر أهل 
التوحيد على أهل التثليث» ونعش الطيب بعثار الخبيث. وواقعهم قراسنقر فهزمهم 
وثلمهم. وقتل منهم مقتلة عظيمة» وخرب البلدة المستحدئة وأعاد باب جنزة إليهاء 
وأعادما في العمارة إلى أحسن حالاتها وأجمل هيآتًا. وكان من جملة من هلك اء 
زوكيلتة يلت الأمهير أرغان وأولاده: فاستولى عليه الهم وعلق به السل. وبقي مدة 
يتداوى ولا يبل. وتوتي سنة 0ه ه بأردبيل؛ فأكثر المسلمون عليه العويل» وعدموا 
عنه البديل. قال: وكان لما اتصل به أجله: وانقطع عن الحياة أمله,» أحضر حاولي 
الجاندار ونصبه مكانه وسلم إليه ابنه وجنوده وسلطانه» ووصى إليه بقطع دابر 
الكفار» ومواصلة بر الأبرار. فتولى ولايته؛ ووصل بنهايته بدايته. وأنفذ إليه السلطان 
مسسعود الخلعة والعهد, وأحزل له العطاء والرفد. وقرر عليه جميع أعمال قراستقر 
بأرانية وأذربيجان» وولاه تلك المعاقل والمدن والبلدان» ونمض الأمير حاولي ف السنة 
الثانية إلى خدمة السلطان؛ فقبل البساط وبسط له القبول» وعرض هداياه و تحفه وطرفه 
والحمول. فضاق الفضاء الواسع »مضارب جنوده» وحفقت القلوب لهيبة خوافق بنوده. 


تاريخ دولة ال سلجحوق قم 

واتصل الأمير عباس صاحب الريء ونشر من المودة بينهما ما كان في الطي. وتوافقا 
وتوائقاء ونظمتهما طاعة السلطان في سلك المصافاة. 

وكان الأمير عباس من مماليك جوهر حادم السلطان سنحر» والري في أقطاعه, 
وقد نفذه إليها والياء وكان أمره بما غاليا. فلما قتل صاحبه بفتك الباطنية به» ثار 
عباس للثأر» وجد في طلبه؛ واستولى على الري وأعمالهاء وتفرد بحيازة أموالها. وقوي 
على السلطانين سنجر ومسعود.؛ واستظهر .من معه من جموع وجنود. ومن اتصل به 
من مماليك الأمير الأحل صاحبه: وكانوا زهاء أربعة آلاف في عدد كثير وجمع كبير. 
وقصر عزمه على قصد الباطنية وكبسهم في مراطنهم. وبيتهم في أماكنهم؛ وقتل منهم 
مدة ولايته أكثر من ماثة ألف. حي بن من رؤوسهم بالري منارا أذن عليه الموذنون» 
وأحاف القوم, فما كانوا في عصرهم يأمنون المنون» وكان ذا همة كافلة للرعية 
بالمعونة» فرضى السلطان بإيالته» وأقره على ولايته. 

ولما اتصل جاولي الحاندر بخدمة السلطان وجده حاضراء وألفى روض الرضى به 
ناضرا. وكان الأمير الحاحب الكبير فخر الدين عبد الرحمن بن طغايرك؛ الحاكم على 
الدولة؛ المهيب الصولة. وكان وسيماً جسيماء للسلاطين قسيما. لا يرى إلا برأيه. ولا 
إحابة إلا لدعائه. وكان الأمير بك أرسلان خاصبك بن بلنكري أص الناس 
بالسلطان وأعلقهم بقلبه» قد اختاره منذ شعف به على صحبه. ولما كبر» كان أكبر 
الأمراى وأعظم الكبراء. واحتمع هؤلاء الأكابر تلك السنة بالحضرة» والدنيا بالنعيم 
لهم بادية النضرة. وحمل فخير الدين عبد الرحمن بن طغايرك الأمير عباسا على مباينة 
عز لملك الوزيرء ومعارضته في التدبير. وأطمعه في تولية نائبه الجمال الجاحرمي في 
الوزارة» وكان شابا مقبول الحركة؛ مأمول البركة. يرحع إلى توسع في المرُوة» وترقع 
في الفتوة. فاستحكم طمعه في المنصبء» وقوي قلبه بمساعدة الأميرين عباس وابن 
طغايرك» فتحمل وتحمل» وحدٌ وجادء واستجد واستجادء وقرب أن يتم مراده وكاد. 
فتعصب الأمير حاولي للوزير عز الملك؛ وأعاد نظم حاهه إلى السلك. وساعده 
خحاصبك على مساعدته؛ فاستقام أمر الوزير» وأجمع الجميع على إبقائه» واتفقت 
الكلمة على أنه لا مضاهي له في مضائه. 


ام تاريخ دولة آل سلجوق 

ورحل السلطان إلى بغداد رحلة الشتاء» واستصحب جماعة الأمراء» وعاد عباس 
إلى الري. قال: وأنا أذكر وصوهم إلى بغداد في هيبة عظيمة وهيئة وسيمة في سنة 
]5ه ه-م., 

قال: وخطب جاولي بنت عبد الرحمن بن طغايرك» وتمت بينهما المصاهرة» 
وتأكدت ما بينهما المظاهرة. وعاد حولي إلى بلاد أرانية وأذربيجان مشتد الأمرء» قوي 
الظهر؛ مستبشراأً با تأكد بينه وبين الأمير الحاجب الكبير عبد الرحمن» من عقدي 
الوصلة والأخحوة وأقام السلطان ببغداد تلك الشتوة» متوفرا على نيل الطرب وقضاء 
الشهورة. مستهاما بإدناء الدنان» واقتناء القيان. وتقريب المساحرء وإبعاد ذوي المفاخر. 
متكلا على السعادة في دفع الأعداء, فإنه لم يزل» كاسمه مسعوداء ولم يتصد لعداوته 
إلا من كفى الله شره فأصبح عنه مصدودا. 

قال: وكان الأمير سعد الدولة يرنقش الزركوي. من أكابر الدولة وقدمائهاء 
وأكابرها وعظمائها. ومتولى وزارته يمين الدين المكين أبو علي العارضء وله الفضل 
المستفيض والإفضال الفائض. وكان سعد الدولة يرنقش متولي أصفهان, والأمير غلبك 
نائبه» وسعد الدولة للمعسكر غير مفارق, ولما لا يوافق رضاء السلطان غير راض ولا 
موافق. فكانت أَبّهة الملك مقام أبهته قائمة» ونصرة الإقبال بدوام نظر إقباله دائمة. 
وكانت الخدام الحبوش لهم البيوش» والأسرة والعروش. منهم بحم الدين رشيدء من 
مشايخهم وأكابرهمء وجمال الدين إقبال الجاندار» وشرف الدين كردبازو ومسعود 
البلالي» ودوفم في الرتبة عماد الدين صواب» وشمس الدين كافورء وأمين الدين فرج 
الدووي؛ وأمئلهحم. وهم عصبة فيهم عصبية على الشافعية» ويتقربون إلى الله مما 
يوصلون إلسيهم من الأذية. ونكبوا أصحاب الشافعي بأنواع البلاء في جميم البلاد 
وحصوهم بالطراد والإبعاد. وحاولوا إحفاء مذهبه فتعالى ظهوراء وأرادوا إطفاء نوره 
فما زاده الله إلا نورا. 

قال: ونكبوا رؤساء المذهب في كل بلد؛ ولم يبقوا منهم على أحد. فمنهم أبو 
الفضائل بن المشاط بالري» ومنهم أبو الفتوح الاسفرايئٍ ببغداد, ومنهم بنو الخجندي 
بأصفهان. ودحل في مذهب أبي حنيفة جماعة طلبا للحاهء وخوفا منهم لا من الله. 
ومن جملتهم: القاضي عمدة الدين الساوي. قال: وكان وزير الخليفة المقتفي لما تولى 


تاريخ دولة ال سلحوق 1١‏ 
شرف الدين علي بن طراد الزينبي» وكاتب الإنشاء سديد الدولة بن الأنباري» 
وصاحب المخحزن كمال الدين بن طلحة. وتزوج الإمام المقتفي بأخمت السلطان مسعود 
فاطمة نخحاتون. وعزل شرف الدين الزينبي عن وزارة الخليفة في سنة غ8 هه » وسبيبه 
أنه استشعرء فمضى إلى دار السلطان معتصماء ثم لزم بعد ذلك داره محترما. وتولى 
الوزارة نظام الدين أبو نصر بن جهيرء وكان الاستيلاء بالعراق لأصحاب السلطان» 
وليس لأحد بكفهم يدان. 

قال: وقي سنة ه*ه ه نخحرج الكافر الخطائي واستولى على ما وراء النهرء 
وكسر السلطان سنجر أشد الكسر ووقع عظماء ملكته في الأسر. وق سنة 058 هم 
قتل السلطان داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه بأيدي الملاحدة بتبريز غيلة» وعاش 
أيامه من شريد الدهر شريدا. ولم يسترح ليلة. وكان قد زوّحه السلطان مسعود بنته 
وأقنعه بعبريز ملازماً لبيته» قاعدا فوق تخته تحت بخته. ولما محانته في المبدأ السعادة» 
وفت له ف العاقبة الشهادة. وقيل: إن الأمير زنكي بن آق سنقر وضع عليه من 
حشيشية الشأم من فتك به فأمن على بلاده بسببه. وذلك أن السلطان مسعودء كان 
قد عول على أن يسير داود إلى الشام» ويحفظ به تغور الإسلام. ففزع زنكي وجزعء 
وسقط في يده من حديث الحادث الذي وقع. وخذله الأيد ولكن نصره الكيد. ووصل 
حبره إلى بغدادء فعقد له في دار الخلافة مجلس العزاء ثلاثة أيام تحضور أرباب المناصب» 
وعدت المصيبة بقتله من أفجم المصائب. 

وفي سئة 8ه ه ء رحل السلطان مسعود إلى أصفهان» وكانت دار السلطنة 
قد تشعئت فشد منها الأركان. وتغير رأيه في الوزير عز الملك البروحردي فعزله. ولم 
يستبق العزلة واستصفى مالهء وشغل بوباله سره وباله. واستوزر مويد الدين المرزبان 
ابن عبيد الله الأصفهاني» ونقله إلى الوزارة من الطغراء. وكانت له زوجة من حواري 
مسعودء تركية سليطة متسلطة» حاكمة عليه متبسطة» فتسلم عز الملك وسلمه إليها 
فخنقته. بعد ما عذبته وعلقته. فقتل مثل القتلة الي قتل يما الكمال ثابتا. وكل من 
كان حاسدا له على منصبه عاد شامتا. وكان عز الملك البروحردي شيخحا كيجا قيا؛ 
قد حاوز الثمانين سنة» ومع شيخوخته يقطر ماء النضارة من محياه» وكان في السعادة 
سعيداً في محياه. وكان في أيام وزارته مرهوب الغرارء مشبوب النار. وكان نائبه في 


2 تاريخ دولة آل سلجوق 
الوزارة بحيب الدين عبد الحليل السهم المصيب؛ والشهم المهيب. والسيف الذي يفري 
ويقصلء» ويبري ويفصلاء يبت الأصول ويستأصل البيوت» ويستنزل من الحو 
العقاب: ويستخرج من قعر البحر الحوت. وقد ضربوا على بغداد الضرائب ومكسوا 
المكاسب. 

قال: وكان رضي الدين أبر سعد مستوفي السلطان, البعيد من الشين البديع 
الشان. ممن يغشاه والدي بسبب خدمته لأيه العزيز في أيامه. وكان ربيب إنعامه 
وكان من أوسع صدور ذلك العصر صدراء وأقلهم شرا. وكان نائبه كمال الدين أبو 
الريان الأصفهاني من تلاميذ عمي العزيز وغلمانه؛ ولم يكن أعرف منه بقانون 
الاستيفاء في زمانه. لكنه كان ححاليا من الأدب عاليا مع نقصه في أكمل الرتب. وهو 
صورة بلا معق؛ وحسن بلا حسئن. وبرق بلا وابل» وطول بلا طائل. وكان عز الملك 
الوزير مع حهله وشدة بخله ربما نسمت .له ريح أريحية, وسمنت بغئه روح تحية. ومن 
جملة ذلك أنه كان بالعراق عميد رازي تولى سنة» واكتفى ثروة. واستقئ واستغئ» 
وحباوحئ وخبى. فلما حاء السلطان قيل له: " اعمل حسابك" فأحضر المشرف 
وكان يعرف بابن الحكيم من أهل بغداد وقال: " أريد أن تدع المكر منك. وتدعو 
مكرمتكء وتهتم بأمري وتستأمر همتك؛» وتحسن الحسبة؛ وتحتسب الحسنة. وتكف 
بكفايتك عي الأيدي والألسنة " فقال المشرف: " أنا لا أجسر أن أستر. ولكل ما 
أذكر لابد أن أذكر. وعلي أن أحفي كثيراً مما حفي من الجحنايات والحبايات» 
والاحتذابات والجعالات. ولابد أن أجمع ما أحذته من المرافق الوافرة» والفوائد 
الظاهرة". واتفقا على إسقاط مبالغ حى تقرر ذكر حمسين ألف دينار. فبذل له ألفي 
دينارء على أنه يذكرها في الحشو ولا يبرز جماء لعل الوزير يغفل عنهاء ولا يؤاخذه 
بسببها. فأبى إلا إيرادهاء و تخصيصها بالذكر وإفرادها. 

قال عماد الدين: حدثئ المشرف بن حكيم قال: دخلنا بالحساب إلى الوزير عز 
الملك, فأول ما وقعت عينه في الجموعء على المبلغ المرفوع. فقال: ما هذا ؟ فقيل: 
الرسوم الت أخذهاء والمرافق الى احتذها. فضرب عليه بقلمه وقال: " كيف تحيزون 
أن تحمعوا عليه ما ارتفق به من رسومه وخدمه. هذا له معلوم» وحصلت له رسوم. 
فليس من المروة أن نستعيدها وما فوض إليه الشغل إلا ليستفيدها ". قال: فخخر جنا 


تاريخ دولة آل سلحوق نظف 

نحسب أذيالناء أنا للخجل؛ والعميد للحذل؛ وقد رد إلى العمل. فأحذ بيدي وناولي 
صرة فيها ستمائة دينارء وقال: "هذا ما جعلته بامك» وما ضرتئ أمانتك» فأحر فيها 
على رسمك". 

قال: ولما جلس مؤيد الدين المرزبان في الوزارة؛ بدأت الأمور ف الاختلال؛ 
والعقود ني الالمحلال. وكان قد قنع من الوزارة باسمهاء ومن المرتبة برسمها. وكان 
يروق الئاس ببشر المحيا. ويروقه الأنس بشرب الحمياء لا ينافر إلا الغواني» ولا ينافث 
إلا الأغان. وكان وزراء الأمراء قد غلبوا على أمرهء وبلغوه إلى قدره. فما له قول 
مسموع. ولا طول متبوع. ولا هو مشكور ولا مشكوء ولا تخشي ولا مرجو. 
وخاصيك بن بلنكري هو الآمر الناهي» وهو داهية من الدواهي. وكان وزيره رئيس 
الدين أبو تغلب بن حماد السهرورديء العبيق بريا الرياسة» اللبيق برأي السياسة» قد 
استولى على الأمر واحتوى؛ وتمكن من ورد الملك وارتوى. وكل أمر لا ينفذه لا 
ينفذ. وكل حق لا يأخذه لا يوخذ. وكان كصاحبه جديوزدا تمعرن بالسعادة) 
ممدودا من المال والحاه بالزيادة. 

قال: وكانت قد تأكدت بين الأمير عباس صاحب الري؛ وبين الأمير بوزابه 
صاحب فارس صداقة صادقة, ومودة أحواها الحوالي متناسقة. فطمعا في المملكة, 
وزعما أن البركة ف الحركة. وقال: "إن العرصة خخالية؛ والفرصة بادية. وهذا وقت 
الارتماء إلى العرة» والامتراء للدرة". فكتب بوزابه إلى السلطان أني واصل إلى خدمة 
السرير» وخرج من شيراز بالملكين محمد وملكشاه ابي السلطان محمود بن ملكشا. 
وخصرج عباس من الري بالملك سليمان أخي السلطان مسعود. وكتب أيضا: " أني 
واصل إلى حنابك؛ لملازمة ركابك". فحمل السلطان قوهما على الظاهرء وخاف ما 
حفي في الباطن من الباطل. وعرف أن أمره معهما غير مستقيم: وأنه إن رحلا إليه 
فهو مقيم. فكتب إلى حاولي الجاندار يستدعيهء فوحده متجنيا متجبنا بالقبض على 
الوزير عز الملك من غير مشاورته؛ وقلة اكترائهم به وترك مراقبته في مصادرته. 

فلما شعر السلطان بتأخيره؛ استشعر حذره وورى عن الهزيكة برحلة الشتاء إلى 
بغداد, وحث السير بالإغذاذ. ومعه من الأكابر عبد الرحمن بن طغايرك؛ وخاصبك 
ابن بلنكري. ووصل بوزابه وعباس إلى همذان على ظن أهما يجتمعان بالسلطان؛ وهما 


:ام تاريخ دولة آل سلحوق 
مبديان للطاعة مخفيان للعصيان. فأقاما يما شاتيين» واتصل با الأمير ناصر الدين نخطلبة 
البازداري؛ وكسان ليئا خادراء وقسورا قاسراً. وكتبوا إلى الأمير جاولي الجاندار 
بأذربيجان وقالوا له: " أنت الكبيرء لك التدبير. ونحن أتباعك وأشياعكء فإن قدمت 
إليناء قَدّمست علينا. وكنت صاحب جيوش من ينتصب على سرير الملك؛ وانخرطنا 
معك طائعين ف السلك". 

فرد جوايهم بيحميلء. وأعاد رسولهم بتأميل. واشتغل بمحشد الجموع وجمع 
الحشودء وحشر الجنود ونشر البنود. واتصل به أتابك آيازء وكان أتابك داود ف 
حياته وهو مشكور الغناء في مقاماته» وعضده الأمير شيرين آق سنقر فأظهر حينئذ 
النهدة إلى *مذان, والنهضة إلى الناهضين المتسلطين على السلطان؛ فوجد الطريق 
مسدودةٌ بالثلوج؛ فأقام بعسكره بجمعاء وللنهوض عند اتحساء الثلوج مزمعا. 
وتطايرت كتبه إلى بغداد لاستدعاء السلطان إليه» واستقدامه عليه. والسلطان في بغداد 
ساه بسهوه.؛ لاه بلهوه؛ زاه بزهوه. فلما تنبه من وسنهء ندم على خلع رسنه؛ ورجحم 
من الحزم إلى سئنه. ولبى نداء جاولي وأجاب دعوته؛ وعزم على الرحيل إليه وسار 
جبلى الدرنية القرابلي إلى المراغة في أوعر طريق» وأعسر مضيق. حي اتصل بالأمير 
حاولي» فكثف من العدد الجمع؛ وكثر من العدد اللمع. 

وأعجب السلطان الحال وحل به العجب؛ وانقلب إلى القوة وقوى منه القلب. 
فحسدت الجماعة جاولي وغبطوه؛ وتحيلوا في أن يقبضوا عليه ويربطوه. فإن ابن 
طغايرك مع مصاهرته له كان بإمكانه متبرماء وكذلك خاصبك كان من استيلائه 
متوهما. فأجمع الأمراء واحتالوا لاغتياله في سرادق السلطان فاطلع على السرء ووقع 
على مكر المكر. فاحترز منهم؛ وتقبض عنهم, وأراد أن يبطش يهم كما أرادوا البطش 
به ثم جرى في الحلم والكرم على حسب مذهيه وقال للسلطان: " أنا على 
مناصحتكء؛ وفي مين صحتكء ولا يجمعينٍ وإياك بعد هذا ناد ولا يسمع تلبييَ فيه 
مناد". فمما اجتمع السلطان وحاولي بعد ذلك إلا راكبين؛ منفردين عن العسكر 
متجانسبين. وقال للسلطان: " إن أردت تداني أمئ» فتباعد عين؛ ودعي انمض 
بعساكري إلى أعدائك؛: وأذكرهم بحقرق نعمائك فإن أتوا قبلتهم» وإن أبوا قتلتهم: 


وإن اتبعوا سررتهم. وإن ساروا تبعتهم . 


تار يخ دؤلة ان سلحوق نالها 

فاعتذر إليه السلطان واستماله» واستعفاه من ذكر ما جرى واستقاله. وحكمه 
في الحل والعقد والإقطاع وأمر الجند والأمراء بالائتمار لأمره» وسر بسروره سره. 
وشرع حاولي ف مكاتبة الملك سليمان وخخدعه؛ ورده عن المقام مع القوم وردعه. 
وتوثق له من السلطان بيمين» وسير نسخة أمال له مع أمين ففارقهم. وانفصل وانفصم 
عنهم. ووصل أيضا خوارزمشاه يوسف وأخخوه؛ فاتبعهما للتوحه الأعيان والوجوه. 
ولما عرف بوزابه وعباس تعذر ما حاولاه وتعسر ما زاولاه. وتفرّق الحند الذي جمعاه 
تفارقا على مواعدة في معاودة الجمع: وودعا على موادعة مودعة للطاعة والسمع. 
وعزم كلاهما على الرجوع إلى بلده بنية الرجوع؛ والغروب ف أفقه على استئاف 
الطلوع. 

وكان السلطان عند اتصال أنخحيه سليمان بحانبه» واستظهاره بكتائبه» علم أن 
بوزابه وعباسا يفترقان» وأنهما يعدان بأنهما يعودان. فرحل بالعسكر إلى مدينة سجاس 
مع حاولي على عزيمة الإسراع والإتباع. والسلطان وخواصه على حالة من الارتياب 
والارتياع. فقال لحاولي: " انمض أنت وراء بوزابه» فالعسكر والشوكة معهء والرأي 
مسيري إلى الري لألقي عباسا وأقمعه". فمضى جاولي إلى همذان؛ وعمد مسعود نحو 
الري؛ فحصلا من وردها بالري وغين بالسعادة عن استعمال المشرقيٍ والسمهري. 
وقبض سليمان شه أخاه وحبسه في قلعة سرجهان, وتلقى ما صعب بالاحتمال 
والاحتماء فهان. 

ولماعلم بوزابه أن جاولي جاء. ولى وخحلى همذان. وترك أثقاله وحزائنه بما 
وسارء فسار جاولي وراءه جريدة. وقطع حى وصل إلى القرب مراحل بعيدة. فلما دنا 
منه أبدى البقيا عليه وأسدى الحسئئ إليه. وقال: " اتخذ اليوم عنده يداء لينحدني عند 
الحدحة غدا. فهذا السلطان غير موئوق عوائيقه, ولا موفق في تسديده وتفويقه '. 
وذكر غدره بأحيه سليمان شاه فكتب إلى بوزابه وهو على حد الهزيمة كتابا 
مضمونه؛ " إن مصدقك ومصادقك. وموافقك لا مفارقك. وخاطب حبك» وطالب 
ودك: وقد صرت من حزبكء؛ وما سرت لحربك . 

فاعتمد بوزابه على قوله. واعتد بطوله. وملا أيدي الرسل بالأيادي أرسالاء 
وقال با وحسّن مقالا. افيه ما كتب ما كبت الأعادي؛ وذكر: " إني 


أحبيت الداعي ولبيت المنادي» ولم يبق الآن إلا التعاهد على الجد» والتساعد على 
العهد, وعلامة صدقك في صداقتك أن خلفت خزاني ثلاثين وقرا من المال الصامت 
بحممذان في دار الأثير أبي عيسىء فإن رأيت أن تأذها فخذها. وإن سمحت بإنفاذها 
فأنغفذزهما. لتعلم أني مستوئق منك بشفيق مسترفق لشقيق". فعاد جاولي إلى همذان؛ 
وتسلم من الأثير أبي عيسى المال. وسير على جماله تلك الأحمال» وندب معها مائة 
فارس من عسكره إلى أصفهان وكتب إلى الأمير غلبك واليهاء أن يضم لحفظها إلى 
فرسانه الفرسان. فلما وصلت خيرانة بوزابه إليه عقد على الود الخنصرء وزكى في 
الوفاء والوفاق منه العنصر. وتعاقدا على المعاهدة: وتعاهدا على المعاودة. وابن بوزابه 
يأب بالملك محمد بن محمود مئ أراد وأن يجعلا همتهما الجمع والاحتشاد. وعاد كل 
واحد منهما إلى مركزه؛ واحتمى على السلطان بتعززه. وتأكدت بين جاولي وبين 
السسلطان الوحشة» ودبت إلى أعضاء المملكة بسبب فتور أعضادها الرعشة. واعتلت 
النقائد» وانحلت المعاقد. ولما تمادى الأمر تبدى السر ووقع الشر. فأنفذ جاولي الأمير 
تتار إلى بوزابه بفارس يستنجزه الوعد؛ ويستنجح منه القصد. وأقام .بميائج ومعه جميع 
أكابر الأمراءء والرسل تترى منهم إلى الأمير تتارء لاستحثاث بوزايه بالاستدعاء. 

وأقام حاولي مدة ينتظرء وفي تدبير الملك يفكر. فكان من قضاء الله ما لم يكن 
في حسابه؛ ودنا الأحل الذي في كتابه. وكان فخر الدين بن طغايرك لما عرف توجحه 
الأمير تار إلى فارس لاستنهاض بوزابه شخمص إليه بنفسه من جانب السلطان ليصده 
عن الورودء ويرده عن الصدود. وتمادى على جاولي المقام له بظاهر ميانج» واجتمعت 
عليه العساكر العظام, وازدحف اللفيف والتف الزحام. وكان ف اث عشر ألف 
دارع وكانت معه عساكر أرانية وأرمنية» فخيم على زنحانء وحتم على عزم همذان. 
وكان بيد أيده زمام الزمان» وهو أصم عن حديث الحدئان. وكان قد افتصد لغير 
مسرض عرضء ثم على تصرف عادته بيده فبسط وقبض ونزع في قمس فتألم عرقه 
وتورمء ودجحا أفقه وأظلم. وكان سريان الورم من شريانه» وصعد فيه الدم بعد 
حريانه؛ وبحاوز من عرقه إلى حلقه وصدره. وانتقل إلى بطن الثرى من ظهره. وكانت 
وفاته بزنجان في جماد الأول سنة ١41ه‏ ه», وني ذلك يقول زين الدين المظفر بن 
سيدي الربحانى من قصيدة: 


تار يخ دولة أل سلحوق الم 

عشرون ألف مهند قد أصلتت فلت مضاريحا نكاية هبضع 

وقيل: إن في الليلة ال توفي فيها حاولي الجاندار قتل زنكي بن آق سنقر 
بالشامء وكان كلاهما قطبا يدور عليه فلك الإسلام. 

قال: والصحيح أن زنكي بن آق سنقرء قتل في شهر ربيع الآخخر من السنة 
على قلعة حعبر قبل موت جاولي بأيام» ولكن تداق موقماء وتنادى فوتمما. ومن 
قبلهما كانت وفاة سعد الدولة يرنقشء ووفاة قزل أمير آجرء وكان قد قتل من قبل 
ناصر الدين قتلغ أبه البازداري فتقاربت مناياهم» وتبدلت نقودهم بنسياهم. وصاروا 
أسماراء وعادوا أخبارا. ولما اترم جاولي النحلت تلك المعاقد, واختلت تلك القواعد. 
وتفرق ذلك الجمع؛ وتشوس ذلك الوضع. وعاد كل طائر إلى وكرهء وكل صاح إلى 
سكره. وآمن السلطان من أمله؛ وأقبل إليه من قبلهء وعاد الأمير تتار إلى السلطان 
لبوزابه متوسططاء ولتمكينه مشترطا. وكان ذلك برأي الأمير الحاحب الكبير فخر 
الدين عبد الرحمن بن طغايرك» وعملت سعادة السلطان عمله؛ وقدر الله ما لم يجر 
بخاطره أمله. 

قال: وحيث أجرينا ذكر زنكي بن آق سنقر وقتله بالشام في التاريخ الذي توفي 
فيه جاولي جاندار بزنحان» فإنا نذكر جملة من أمورهء إلى أن قضى الله عليه .بمقدوره. 

ذكر زنكي بن آق سنقر في آخر عهده 

قال: كان جبارٌ عسوفاء بنكباء النكبات عصوفاء تمي الخلق» أسدي الحنق, لا 
يدكر العنف» ولا يعرف العرف. قد استولى على الشام سنة 5؟ه ه إلى أن قتل في 
سنة ١4ه‏ هد ء وهو مرهوب لسطوه؛ بحفوٌ لحفوه. عاد عات» حتف غداة ورعاة. 
لكنما حتم الله له ف آخر عمره بالسعادة وبالشهادة» ووفقه للجهاد الذي هو أفضل 
أركان العبادة. وهو الذي فتح الرها عنوة» واحتل بما من السعادة ذروةء وذلك يوم 
السبت السادس والعشرين من جماد الآخر سنة 6579 ه فتسئ بفتح الرها 
للمسلمين: حوس بلاد حوسلين: وعاد جميعها إلى الإسلام في عهد ولد زنكي نور 
الدين» وصارت عقود الإفرنج من ذلك بعد فتح الرها نسزل على حصن البيرة وهي 


14 تاريخ دولة آل سلجوق 
على الفرات» وهو مشحون بالفرنج العتاة. فجاءه الخبر بأن نائبه بالموصل وهو نصير 
الدين حغر قتل؛ فترك الحصار وار تحل. 
ذكر مقتل جعفر نائب زنكي بالموصل 

قال: كان مع زنكي ملكان من أولاد السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه. 
أحدهما يسمى ألب أرسلان, وهو في معقل من معاقل سنجار» والآخر يسمى 
قرحشاءء ويعرف بالملك الخفاحي وهو بالموصل. وكان هذا الملك مسلما إلى الأمير 
دبيس بن صدقة فانتزعه منه زلنكي في حرب» وأنزل من إكرامه في مزل رحب. 
وكانت الخاتون السكمانية زوحة زنكي تربيه وتبرّيه وتحري به في حلبة تحريبه 
ونُحريه. حي بلغ وأدرك» وساكن فطنته تحرك, وفهدته المرأة غير مرة وأنهدته 
وعاهدته على الوفاق وعلى الوفاء عهدته. وتأسد الشبل وضاق به عرينه» و مخ 
عرنينه» وكان نصير الدين حغر نائب زنكي بالموصل للدماء سفاكاء وبالنفوس فتاكاء 
يأحذ البرئ بالسقيمء ويلحق الولود بالعقيم. وقيل: إنه لما أحكم سور الموصل» 
واحترز بالحفظة منه على المخرج والمدخل؛ وأعجبه كمال إحكامه؛ وملاك أحكامه 
ناداه بحنون نداء عاقل وقال: "هل تقدر أن تبن على الموصل سورا يسد طريق القضاء 
النازل ؟" فدار المنجنون ”') بتصديق ما قال المجنون» فإنه لما أحس من الملك نحس الملك 
صار يقبض عنانه؛ ويبسط فيه لسانه» ويقول: " إن عقل وإلا عقلته وإن نقل طبعه 
وإلا نقلته ". فسمع الملك ما راعه وأسره في نفسه وما أذاعه. فقدر ودبر» وفكر 
ومكرء وجمع إليه منْ حوله؛ وقال لهم فكتموا قوله. واتفقرا على أنه إذا جاء إلى سلام 
حاتون أو سلامه. أحيط به من خلفه ومن قدامه. فإذا أصابوا منه المقتل ملكوا 
الموصل. 

فركب نصير الدين بكرة على عادته» وهو يزعم أن إدارة الفلك بإرادته 
واحترق المدينة ووصل إلى الدار الىّ فيها الملك للتسليم» فملكت حشاشته حاشية 
الملك,. وقطعت سلك حياته في طريق الدهليز المنسلك. ومزقوه بسيوفهم ومزعوه. 
وضربوه بسكاكينهم وبضّعوه. ونادوا بشعار الملك وأركبوه. وذلك ف أواخر سنة 


)١(‏ كذا في الأصل ولعلها النحنجون من بحنج.معئ تحير واضطرب. 


تاريخ دولة آل سلحوق 1 
8+ه ه . وتشوش البلد وخاف أهله العاقبة» وحذروا من زنكي سطواته المعاقبة. 
فخرج القاضي تاج الدين يى بن عبد الله الشهرزوري؛ وحاء إلى الملك وهناه؛ وسهل 
له الصعب ثما حناهء وقال له: "نحن قدامك, وقد صرنا مماليكك وخدامك» فسر في 
المدينة واسلكهاء وادخل القلعة واملكها". فركن إلى قولهء وسكن بحوله. وأحدق به 
الند كأفم في خدمته؛ وصوبوا له سداد عزمته. حىّ صعد إلى القلعة فأحلسوه ف 
المركزء وأحاطوا به إحاطة الدائرة بالمركزء والتقطوا مماليكه من حواليه وأفردوه 
واحتاطوا عليه؛ ولم ير له بعد ذلك أثرء ولم يسمع له بر. ولا شك أنه بعد ما احتيل 
عليه اغتيل» وبعد ما استنزل أزيل. 

وولي زنكي الموصل بعد جغر زين الدين علي بن بكتكينء المعروف بعلي 
كوحهك. فنظم السلك وهج المسلكء» وتلاق واستدرك. ووصل زنكي بعد ذلك إلى 
الموصل فاستصفى أموال جغر واستخخرج ذخائره» واستنظف أوله وآخره. وصادر أهله 
وأقاربه» وأحل بنوابه نوائبه وسلبهم القوة والقوت» ونوع عليهم حوره الممقرت. ثم 
عطف زنكي على الملك الآخر ألب أرسلان فاستخرحه من معقله؛ وعين بتفاصيل أمره 
وجمله. وضرب له ثوبتيه ونوياء ورتب له في حاليَ جلوسه وركوبه رتبأء وأغرى 
بتولي إكرامه وتوخيه» وغرضه محفاء ما جرى من هلاك أخيه. وقصد حصار قلعة 
جعبر» وصاحبها عز الدين علي بن مالك بن سالم بن مالك ونازهاء وقابلها وقاتلها, 
وأحاط بسورها المعصوم إحاطة السوار بالمعصمء وربض على ربضها ف بحثم المخيم. 
ولج ف الحصار وهو مستظهر بالأنصار» مستنصر بالاستظهار, ومتكثر بالاستعداد معتد 
بالاستكثار» مغرور بالدهر» مسرور بالقهرء يظن أن الفضاء بحكمه: وأن القدر خصم 
حصمه. وأهل الحصن قد أشفوا منه على الدامغ الدامرء وقد بلوا من وبل وباله بالهامل 
الهامر. فأتاهم الفرج من حيث لم يحتسبواء ووافاهم الفرح من حيث لم يكتسبوا. 

وذلك أن زنكيا كان إذا نام» ينام حول سريره عدة من خدامه؛ يشفقون عليه 
ف حالي يقظته ومنامه. يذودون عنه ذود الآساد في ملاحمه» ويزورونه زور الخيال في 
أحلامه. وهم من الصباح الروق في حسن الصباح لدى الشروق. وهو يحبهم 
ويحبوهمء ولكنه مع الوفاء منهم يحفوهم وهم أبناء الفحول القروم» من الترك والأرمن 
والروم. وكان من دأبه أنه إذا نقم على كبير أرداه وأقصاه؛ واستبقى ولده عنده 


00 تاريخ دولة ال سلحوق 
وخصاه. وإذا استحسن غلاما استدام مروديته بالخصي والسلء وفاحأه ووحأه بقطع 
النسل. فهم على أنهم من ذوي الاختصاص ينتهزون فيه فرصة الاقتصاص. فنام تلك 
الليلة إليهم مستنيما) وللوئوق بهم مستدكا. وهو صر يع الراح. نزريفه الأقداح. فغليه 
تعاسه وملكه رقاده» وحوله تماليكه مرده وهراده. فانتبه وهم قد شرعوا ف اللعب»؛ 
وأصذوا في الشراب والطرب. فزيرهم وزجرهم؛ ومنعه السكر من الكلام حين 
أبصرهم. فحرك رأسه يتوعدهم. وهينم بلسانه يتهددهم؛ ولم يدر أن تحريكه للرأس 
سبب قطعه؛ وأن نزوله على القلعة بالنازلة حاتمة قلعه. فتولى كبيرهم الأمر والباقون 
ساكتون. وتحرك ورفقَاوه ساكنون. وكان احمعه يرنقش فخحف إليهء وبرك عليه وفرشه 
على فراشه؛ وغشيه في غشاشه. وذبحه قي نومه؛» ولم يغن عنه ذب قومه. وخرج ومعه 
حائمهء وهو لا يرتاب به لأنه خاص زنكي وخادمه» وركب فرص النوبة موهما أنه في 
مهم وقد ندب لكشف ملم. وأهل القلعة في أضيق شدة وأشد ضيق» وكلهم لباس 
المطيف بهم غبر مطيق. ح أتاهم الخادم فتحدث رما أحدث؛ فأشاعوا قتل زنكي من 
القلعة, وارتاع الناس لما هالهم من الروعة» وركبوا ولبسوا السلاح» ورقبوا تلك الليلة 
لأمرهم إلى الصباح. وزحف بعضهم إلى حيمة جمال الدين محمد بن علي بن أبي 
منصور) فرمى بالنشاب» وحصل من أمره في الاضطراب. فقصد من حماه من الأمراء. 
وشاركه في تصويب الآراء. واتفقوا على أن يبادر نور الدين تحمود بن زنكي إلى 
الشامء للحوطة على تغور الإسلام. فسار معه أولياؤه. وكبراء الشام وأمراؤه. 
وأكبيرهم صلاح الدين محمد اليغبساني» وسار معه أسد الدين شي ر كوه وانمحازت إليه 
الأعيان والوجوه. فملك حلب, وبلغ المراد وغلب» وافتض الفتوحات الأبكار» 
يحذره. وعرف الأمر ممن كان ينكره ضم العسكر واستمال الملك ألب أرسلان وأطمعه 
ف المملكة: وحثه على الحركة. وكاتب زين الدين علي كوحك بالموصل» على أن 
يستدعي سيف الدين غازياء أكبر أولاد زنكيء وكان لا يفارق حدمة السلطان 
مسعود بأمر والدهى أمنا به من غوائل القصد ومكايده. فكتبوا إليه بالواقعة» وأشاروا 
عليه بالمسارعة. فاتفق وصول الخبر إليه بشهرزور وقد انفصل عن السلطان بدستور. 


تاريخ دولة آل سلجوق << 
فأغذ السير واستعجل الخبر» وسبق إلى الموصل قبل وصول الجماعة. ولما عرف جمال 
الديسن بوصوله سبق أيضا إلى الموصل وبقي الملك منفرداً فاستوحش» وتشور ف رأيه 
وتشوش. وركب صوب الحزيرة مفارقاء وإلى حلبة النجاة مسابقاء فسيروا وراءه من 
وئق بتوفير أمانته أمانه» وسميّلوا له أن قد عاد القوم غلمانه» وأن غازيا إذا كنت معه 
أحذ البلاد باسممك» وجعل الممالك برسمك. ومازالوا يحدثونه بالخسر والختل ) إلى 
قلت ”" القتل. فإنه عاد معهم ودخل الموصل في استقبال ونثارء وإعظام وإكباره حى 
دحل الدارء وحال الاستقرار. فما أحلسوه. حي اختلسوه؛ وما رسموه» حي رمسوه. 
وكتموا أمره. ونحتموا عمره. وجرى بين جمال الدين الوزير وبين زين الدين علي 
كوحجك وسيف الدين غازي التعاقد على التعاضد. والتعاهد على التساعد. وتولى 
جمال الدين وزارة الموصل واستولى» وكان باسترعاء ما أولاه الله من نعمه أولى. وأنه 
عاش بنداه الجواد» وعشا إلى ناديه الوفود. وعادت به الموصل قبلة الإقبال» وكعبة 
الآمال. فأنارت مطالع سعوده؛ وسارت في الآفاق صنائع حوده. وعمر الحرمين 
الشريفين» وشمل بالبر أهلهاء وجمع بالأمن شملها. 
ذكر حال جمال الدين اللجرادأبي جعفر 
قال -رحمه الله-: كان والده من أصفهان الكامل على وهو حاجب الوزير 
غمس الملك بن نظام الملك. وكان أبوه أبو منصور فهّادا في عهد السلطان ملكشاه ابن 
ألب أرسلان وابنه الكامل بحيب» أديب لبيب. وزادت أيامه ف السموء وأيامنه في 
النمو. حى تنافس في استخدامه الملوك والوزراء» واستضاءت برأيه في الحوادث الآراء. 
وكان قد زوّج بنتا له ببعض أولاد أخوال العم العزيزء فاشتمل لذلك العزيزه -رحمه 
الله- على ولده جمال الدين أبي حعفر محمدء وخرّحه في الأدب, ودرّحه في الرتب. 
فأول ما رتبه في ديوان العرض السلطاني المحمودي محلياء فيرز في تلك الحلبة سابقا 


)١(‏ الختر والخختل: الغدر والمادعة. 
)1١(‏ قلت: الملاك. 


نه تاريخ دولة آل سلجوق 
وبجلياً. وغلب في تحليته ذكر الأبلج» فنعته الأتراك بالأبلج» واستقام في بحابته على 
المنهج. واتفق أنه لما تولى زنكي بن آق سئقر الشام تزوج بامرأة الأمير الأسفسلارء 
كلخدي ووو لوه حاصيلق بن كتتختق بهن أمراء الدولة بوأكاء: املكف وشو بسر 
معهاء فرتبه العزيز جمال الدين لخاصبك وزيراء فسار في الصحبةء وكان مقبل 
الوجاهة؛» مقبرل الفكاهة. شهي المشاشة؛ بهي البشاشة. فتوفرت مئ زنكي على 
منادمته؛ وقصر صاحه ومساءه على مساهمته. وعول عليه في آخر عمره في إشراف 
ديوانه» وزاد المال بتمكنه ومكانه. فلم يظهر من جمال الدين في زمان زنكي جود ولا 
عرف له موحود. فإنه كان يقتنع بأقواته» وتزجية أوقاته. ويرفع جميع ما بحصل له إلى 
حزانة زنكي استبقاء لجماهه» واستعلاء به على أشباهه. فمكنه زنكي من أصحاب 
ديوانه» فمنهم استضر بإساءته ومنهم من انتفع بإحسانه. ولما قتل زنكي صار للدولة 
الأتابكية ملاذاء وللبيت الأقسنقري معاذا. واستوزره الأمير غازي بن زنكي» وآزره 
علي كوحك على وزارته» وحلف له على مظاهرته ومضافرته. فأحرى بحر السماح, 
ونادى حي على الفلاح. فصاحت بأفضاله ألفاظ الفصاح. وأتوا إليه من كل فج 
عميق» وقصد من كل بلد سحيق. وقصده العظماء, ومدحه الشعراء. ومن وفد إليه 
ومدحه أبو الفوارس سعد بن محمد بن الصيفي المعروف بحيص بيص. قال: وأنشدني 
لنفسه من قصيدة أوها؛ 

يا للصوارم والرماح الذبل ١‏ نصرا ومن إنجدتما لم يخذل 

لواا شكحعما ‏ ومشية ببمشية جاد الزمان وبالعلي لم يبخل 

أنا فارس اليومين يوم مقالة ووغىء أصول بصارمي وبمقولي 

ومنها يصف بناءه لسور المدينة وعمارة قبر: 
وتقر عين ‏ محمد ممحمد حيبي دريسي علمه والمزل 


معمار مرقده وحافظ دينه ومعين أهه بود مسيل 
خرق يناط قميصه ورداءه بعباب زخار وهضبة يذبُل 


قال: وكنت أنا في ذلك العهد بيغداد متنقها: واتفق حضوري بالموصل في ذي 
القعدة سنة 145© هم. فحضرت عند حمال الدين بالجامع في جمعتين» وتكلمت عنده 


تاريخ دولة آل سلحوق ْ اتشفا 


أاضهم وقد عزموا ارتحالا 
سَرَوًا والصبح هبيض الحواشي 
اخلائي وهل في الناس خخل 
لئن لم أشف صدري من حسودي 
فلا أدركت هن أدبي مراما 


شنوا عنا جمالا لا جملا 
فلما جال عهد الوصل حال 
به أخلي من الأشجان بالا 
ولم أذق العدى داء عضالا 
ولا صادفت من حسبي هنلا 


ولا وَحَدَتْ إليكم بي جمال ولا واليت هولانا الجمالا 
وقائلة أفي الدنيا كريم سواه فقلت لاء وأبي العلالا 
قال: ول يقنع مما جاد به للوفود. حى زم إلى البلاد ركائب الجودء فجعل لكل 
بلدة من بلاد الإسلام من مواهبه راتباء وأصبح جوده في الآفاق إلى المقيمين سائرا 
وللطالبين طالبا. 
عاد الحديث إلى ذكر ما جرى للسلطان مسعود 
ابن محمد بن ملكشاه بعد موت جاولي في سنة 541١‏ ه 
قال -رحمه الله-: ولما توق حاولي جاندار» طمع الأمير الحاحب الكبير فخر الدين 
عبد الرحمن بن طغايرك في تولي بلاد أرانية وأرمينية» وعرف أنه لا يتمشى له ذلك مع 
تسلط خاصبك بن بلنكري» فتوسل ف استمالة الأمير بوزابه» صاحب فارسء إلى 
السلطان, ليتم له مراده بتوسطه. وأرسل إلى الأمير الحاجب تتار» وهو عند الأمير بوزابه, 
أن هذا أوان قدومه؛ وزمان هحومه. فقدم المعسكر السلطاني في عسكر ضخم.؛ ومقدّم 
فخم. واتصل به الأمير عباس صاحب الري ف عدة وعديد» وبأس شديد. واتفق هؤلاء 
الثلائة ابن طغايرك» وبوزابه» وعباس» على تدبير الدولة وتقرير قوائينها وترتيب دواوينهاء 
وكف عادية المتسطلين عنهاء وتوفين حظوظهم بالاستقلال يما منها. فأحوحت السلطان 
الضرورة إلى النسزول على حكمهم.؛ ورأى السلامة سلمهم. وأقسم على رضاهم ورضي 
بقسمهم. فأول ما فعلوا أنهم عزلوا وزيره» ونقلوا إلى الوزير الذي ولوه تدبيره. 


14+ تاريخ دولة آل سلجوق 
ذكيير وزارة تلاج الدين بن دارست الفارسي 

قال: كان ابن دارست» وزير بوازيه صاحب فارس» فرتبه في وزارة السلطان 
ليصدر الأمور على مراده؛ ويورد على وقق إيراده. وكان هذا الوزير رفيع البدر؛ محبا 
للخير» مبغضا للشرء فما فعل أمرا ينقم عليه: ولا أحال حالا تتوجه لأجلها اللائمة 
عليه. ونائبه أمين الدين أبو الحسن الكازروني ذو الدين المتين» والحلم الرزين» 
والاستهتار بأعمال الشرء والاشتهار بأفعال الخير. وتولى ديوان العرض والد الوزير 
عضد الدينء وهو جميل يحمّل لمذهبه. مهذب لمنصبه. وأقروا ولاية أذربيجان وأرانية 
جميعها على ابن طغايرك عبد الرحمن» وقرروا إبعاد خاصبك بن بلنكري عن السلطان. 
فتنا.ق: عرؤفية ابن طغايرك قرا وصحيه في مضمار الخلصاء ولْم يتخلص في صحبته 
ضميرا. وتقرر أن يكون أحد الثلاثة بالنوبة ملازما لخدمة السلطان حي يسلم لهم 
جانبه؛ وتؤمن نوائبه. وانفصل الأمير بوزابه إلى بلاد فارس؛ ورحل السلطان إلى بغداد 
ومعه الأمير عباس صاحب الريء في شوكة مانعة» وهيئة رائعة. 

قال: ولما قدموا بغداد في خريف هذه السنة.» خرجحت مع الفقهاء لتلقيهم 
والناس مشتتلون على تخوفهم منهم وتوقيهم. فلما حلوا ببغداد نزلوا دورهاء 
وسكنوا للتخريب معمورها. وأشبوا الكروبء وأرهبوا القلوب. وكانت هذه عادقم 
إذا وصلواء وعادتهم إذا نزلوا. فتكمن الأتراك» لا يتركون ممكنا من الجهل» 
وعندهم أن الظلم من العدل. ولكن الوزير نزل في دار الوزارة بالأحمة؛ متوحيا بث 
المكرمة. وأمر بتجديد عمارة المدرسة التاحية الى بناها اله الوزير تاج الملك أبو 
الغنائم بن دارست بيغدادء وأوطنها شيخنا شرف الدين يوسف الدمشقي فأحيا 
دريسها بدروسه؛ وأشرق أفقها بنجوم العلم وشموسه. ورتب الوزير في داره حالس 
للختمات» وحضور أئمة الفرق وفقهائها للمناظرات. ولم يعارض السلطان ف شيء 
من أوامره وأموره؛ وابتسمت الدولة بأسفاره وسفوره. لكنه مع تقاصر مدته ما أمرٌ 
ولا أحلى؛ ولا شغل ولا أخلى؛ ولا عزل ولا ولى. كل ذلك طليا للسلامة» واستقاء 
لاء الاستقامة. وعلما بوم العاقبة» وألم المعاقية. فلا جرم توفرت الدواعي على حب 


وفرت العوادي من حربه وحزبه. 


تاريخ دولة آل سلجوق شه 
قال: وف هذه السنة قدم الأمير العالم قطب الدين أبو منصور المظفر بن أردشير 
العبادي الواعظ» فأعجز بالفصاحة وأعجب» وشرّق بأنوار البلاغة وغرّب وأنا أذكرء 
وقد حضرت بحلسه. وقد وضع له منير على شاطئ دجلة؛ والسلطان مطل عليه من 
أعلى مكان, والأمير عباس صاحب الري حالس في شقارته 27 بدحلة بحيث يسمعه 
والعبادي يفكن الئاس ما يبديه من سحره ويبدعه. وحضرت مدة مقامي بيغداد جميع 
بخالسه أكتبها من لفظه: وأقبل عليه الإمام المقتفي وقبّله» ورفعه ويحله. وأمره بالجلوس 
يماع القعر و اتوجع ربو عن ابطر وجاك حيت احير ان وهر صر 
وانبثشت بدائهه وبدائعه؛ وأشرقت بنجح مطالبه مطالعه. 
ذكرما جرى من الحوادث التي انحلت 
ب؟كاتلك العقود واختلت تلك العمهود 
قال -رحمه الله-: وصل الخبر بقتل الأمير عبد الرحمن بن طغايرك بأرانية» وكان 
من قدر الله سبحانه أنه استصحب معه خاصبك بلنكري ليبعده عن الخدمة السلطانية, 
غير مكترث به. وكان مع خاصبك أمر من السلطان سرا ف الفتك به أن حلت 
عرصة:؛ أو أمكنت فرصة. فركب ابن طغايرك يوما لتجهيز العساكر إلى غزاة الكرجء 
ووقف منفردا في ذلك المرج. وهو يسير أميرا أميرا. ولا يمكن من المقام كبيراً ولا 
صغيراً. وابن بلنكري واقف لا يريم وهو لبرق ما يشيمه من عارض الغمد يشيم. 
ومعه الأمير زنكي الجاندار» فتقدم وأقدم, وضرب رأس ابن طغايرك بسوط حديد 
شدحه وفشخه؛ واستصرخ بأعوانه فعدم مصرحه. وضرب بعد ذلك بالسيوف» 
وتفرقت عنه جموع تلك الصفوف. وتغلب ابن بلنكري على أرانية» فأحسن إلى الذين 
ساعدوهء وعقد حي الحب لهم حين عاقدوه. وامتد إلى أردبيل محاصراء ويما الأمير آق 
أرسلانء وأحرجه منها بالأمان» ثم اشتغل بحصار مراغة لينال منها ما أراغ, وحصرها 
طويلا ول يجد فيها المساغ. 
ولما نمى إلى السلطان ببغداد خبر قتل ابن طغايرك, أحضر الأمير عباسا ف داره» 


(1) كذا في الأصل ولم نقف ها على معين يناسب وضعها من الحملة. 


ف تاريخ دولة آل سلحوق 
لل يدرو عقر انلها ختاق ريه مر شرن رقبته؛ ورمي جثته. وذلك بكرة ميس 
من ذي القعدة سنة 04١‏ ه. فركب عسكر عباس يتقدمهم الأمير آق سنقر الفيروز كوهي» 
وشقوا مدينة بغداد وسارواء ونهض الأوباش لنهب دار الوزير وثاروا. فأركب 
السلطان جماعة منعوا من الوصول إلى داره: وبقي موقرا موفرا على حرمته وقراره. ثم 
أذن له في الانصراف إلى فارس مصحويا بالصيانة مصونا بالصحبةء مرئّب الأحوال 
حالي الرتبة. فجاء إليه وودع ودعاء ورعى له السلطان حق ما رعى وتلا: "وأن ليس 
للإنسان إلا ما سعى". 
ذكر وزارة شمس الدين بن النجيب الأصم الدركزيني 

قال: وحفظ السلطان حرمة الوزير تاج الدين» فلم يتسم همس الدين الوزير 
بوزارته» حى انصرف الوزير يجاهه وماله وحرمته) وحشمته ونعمته. ولم ير وزير 
للسلحقية صرف ولم ينكب في نفسه أو في ماله سواه ولأنه كان يرجو منه استمالة 
الأمير بوزابه وتحصيل رضاه. فإنه لم يشك في حركته» والابتلاء .معركته. فضمن له 
تاج الدين بن دارست أن يكفيه أمره» ويكف شره. وكان هذا من دهائه لينجو من 
الداهية؛ ويستفيد الإحكام لقراعده الواهية. فرحل فرحا للسلامة؛ ظاعنا من وطنه إلى 
دار المقامة. فاستقل بالوزارة حينئذ شمس الدين أبو النحيب» وكان من قبل يخدم ابن 
بلنكري. فلما سارء أقام يخدم الأمير الحاحب تتارء مستديما لعود مخدومه الانتظار. 
فرغب السلطان فيه لأحل اختصاصه بخاصبك» و لم يكن فيه من أدوات الوزارة إلا 
كونه للقوام الدركزين نسيباء فحاز من منصبه نصيبا. وكان بزمانه شبيهاء وفي مكانه 
نبيها. لائقا بالقوم» موافقا للوم. يطلب مرافقهم في مرافقهمء والتخلق بخلائقهم. 
والسلطان لاه بالملاهي», متناه في المناهي. لا يسأل عما يفعل؛ ولا يفعل ها يسأل. ولا 
يقبل ما يقال» ولا يقول ما يقبل. وعن للسلطان أن يحرك ساكن الموصل بإبداء عزمه 
إليهاء وإظهار عوحه عليها. فبادر متولوها محمول» وتحف وهدايا وحيول. فقبلها 
منهم؛ ورضى عنهم. وأقام ببغداد باقي تلك الشتوة. فلما رحل ضيف الشتاء» حل 
السلطان حبوة مقامه؛ وأمر بر روج بوزابه صاحب فارس ما أخخلاه من أحلامه. 
فخفقت القلوب والبنود» وقلقت الجنوب والجنود. ثم أغذ السلطان مسعود إلى همذان 


اريخ دولة ال تلحرق فض 
سيره ليسبقه إليهاء قبل إطلاله عليها. فإهها مقام ملكه: ونظام سلكه. وطير الكتب إلى 
حاصبك بن بلنكري وهو على حصار مراغة؛ ليقدم تلك العساكرء ويقدم إقدام الليث 
الخادر. 
وأما بوزابهء فإنه لما نعي إليه عباس وعبد الرحمن قامت قيامته؛ وغامت عمامته. 
وكدر عيشه. وكثر طيشه؛ وجاش حاشه وجيشه. وفد بالملكين محمد وملكشاه ابني 
محمود» وأقبل بمما كالنيرين» من جترهما (؟ في فلكين. فلما قرب من أصفهان تلقاه 
صدر الدين ابن الخنجندي وفتح له أبوابماء وحمل على الأصحاب له أصحابما. فدخل 
دار ملكتهاء ومقر سلطنتها. وأحلس الملكين على السرير الألب أرسلاني» والتحت 
الخسرواني. ثم خرج بمما على سمت همذان» وهو لا يشلك أنه إذا بلغ غلب» وإذا بسل 
سلب. فوصل إلى مرج قراتكين» وهي من همذان على مرحلة؛ واتصل به ابن عباس 
صاحب الري؛ فلما عرف السلطان مسعود قربه. حزب حزبه؛ وقوى قلبه. وطير إلى 
ابن بلدكري كتبهء وضيق ف التأخير عذره ووسع عتبه. فوصل وقد حم اللقاء» وحق 
البلاء. فقوي السلطان وتسلطت قوته, واحتى بالشدة وجمرهما يشبء وريحهما فهمب. 
فلما بدا الصباح حلف من العجاج الليل ليل؛ واجمرٌ على المجرة من بحرى ابحرين ذيل» 
وطما بما سل من النفون سيلء وطلع في كل أفق من لمع اليماني سهيل. والتقى 
الصفان. وتلاطم البحران. وصال العديد على العديد» وصل الحديد ف الحديد. 
وكادت الكسرة تصح على مسعودء وبقي قلبه ثابتا بين طارد ومطرودء وبوزابه قد 
تور وتمحم. وحمل على القلب ليقلبه محملته: وكيز تفصيله بحملته. فكبا به الفرس 
ففرس» واحتلسه القدر فقدر عليه واختلس. وحمل إلى السلطان أسيراء فخخاطبه وعاتبه 
كثيراً. فلم ينبس ببنث شفة» وأراد السلطان الإبقاء عليه لشهامته؛ فأبى ابن بلدكري إلا 
فش هامته» فأمر السلطان بالإضراب عن رقبتّه وضرب رقبته. وأمر بحمل رأسه إلى 
العراق» وأن يطاف به في جميع الآفاق. وانجلى الغبار عن ابن عباس قتيلاء وانمزم 
عسكر فارس والملكان موليان لا يلويان؛ وموليان لا يليان. وجلس مسعود للهناى 


)١(‏ كذا ثي الأصل وقد كرر المولف استعمالهاء وليس لها وحود في المعاجمء ولعلها من الكلمات 
الدحيلة. 


4 تاريخ دولة أل سلجوق 
وخص خاصبك بالاصطناع والاصطفاء. وعظمه على الأمراء, وأمره على العظماء. 
وذلك ف سنة 147ه ه. 


ذكر ماجرى بأصفهان من الفتنة بعد مصرع بوزابه 


قال -رحمه الله-: كان نحم الدين رشيد الغيائي والي أصفهان من قبل السلطان» 
وهو متعصب على الشافعية. فلما تم من صدر الدين محمد بن عبد اللطيف النجندي 
إلى بوزابه الميل» بادر بالإرسال إلى أصفهان للإيقاع يمن حرج على السئطان» وعلم 
ابن النجندي فخرج منهاء وزحف العوام إلى المدرسة فنهبوهاء وأحرقوا دار كتبهاء 
وتشتئت بنو النجندي. فقصد صدر الدين محمد وأحوه جمال الدين محمود الموصلء, 
وأوردهما جمال الدين الوزير من إنعامه وإكرامه المهل والمنهل 7'». ومضى جمال الدين 
إلى الحج» وأقام صدر الدين وبحر وحود الوزير له متلاطم اللج. ثم انصرف عنه مملو 
الحقائب» محبوا بالمواهب. وعمل في جمال الدين أبياتا من جملتها: 

حئت إلى بابك فرداً وقد خرجت هن نعماك في قافله 

ووصل إلى أصفهان لتوفر أهلها على حدمته, وافترضوا إقامة حرمته. وأما جمال 
الدين أحوه؛ فإني لما عدت إلى بغداد لقيته وقد عاد من الحج في صفر سنة 0417 هم. 
وكان قد عزم والدي على العود إلى أصفهان؛ فصحبناه, وجمعتنا الطريق» ووجدناه 
نعم الرفيق. ثم تفارقناء وسار مع قافلة همذان» وسرنا مع أصفهان. ثم وصل الخبر يأن 
السلطان رضي عنه وعن أيه ولع عليهماء وأعاد الرئاسة إليهماء ثم وصلاء وعلى 
أضعاف ما كان لمما من الحشمة حصلا. 

ذكربعض الحوادث 

قال: في سنة ١8ه‏ هل حج ابن جهير وزير الخليفة المقتفي ) فرتب صاحب 
المحزن قوام الدين بن صدقة وزيراء وكان بيته أثيلا أثيراً. ورتب في المخزن عوضه 
زعيم الدين بيى بن جعفرء ورتب بعد ذلك يييى بن محمد بن هبيرة صاحب الديوان. 
وفي سنة 1417 ه هم ء مات قاضي القضاة ببغداد يوم النحرء وهو فخر الدين علي بن 


)١(‏ المنهل: الكثير الانصباب. 


تاريخ دولة أل سلحوق كش 

الحسين الزيبي. ورتب بعد ذلك عوضه عماد الدين بن الدامغاني. 

قال: وأما السلطان مسعود فإنه أرسل إلى ابن أيه الملك محمد بن محمود بعد 
قتل بوزابه فاستدعاه» ومن عليه ومنّاه. وزوحه بنته» وعهد إليه في الولاية وولاه 
عهده. ثم ملكه خحوزستان.؛ ولا أمن ابن بلنكري من الجوانب عمد إلى الأمير الحاجب 
تتارء وقبضه وأوثقه. وأنفذه إلى قلعة سرجهان واعتقله يما ثم خنقه. وصفا له الحو 
فباض وصفرء وضفا عليه الضوء فاجتلى الظفر. 

قال: وفي شهر ربيع الأول سنة 1ه هه وصلت شعبة من أكابر الأمراءء 
ومعهم الملك محمد إلى بغداد محاصرين» وعلى خذلان السلطان مسعود لشقوقم 
متناصرين» منهم: همس الدين إيلدكزء والأمير قيصرء وملك العرب علي بن دبيس» 
وغيرهم. فحضروها وحصروها. فخرج أهل يغداد لردهمء فأفرحوا عنهم» حىّ 
أصحروا فكروا عليهم كرة أردتهم. وما أبقت عليهم بل أفنتهم. وكانت بالقرب منهم 
حفر الغسالين» وتنائير الآحريين» وأتاتين الحصاصين. فما نحا إلا من آوى إليها. وقتلوا 
زهاء حمسمائة نفس؛ وحل رزء بغداد ليرحلواء وفصلوا الأمراء على المبلغ لينفصلوا. 
فاستشار الخليفة الوزير وأرباب المناصب في أنه هل يبذل لهم الذهب؟ وهل يحتمل 
للراحة منهم التعب! فما فيهم إلا من عحل بالعذل, للتأن في البذل. فأ حرجت العين. 
فأشار ابن هبيرة» وهو يومئذ صاحب الديوان» بضد ما أشارواء وصار من الرأي إلى 
غير ما صاروا. وقال للإمام: “هولاء حرجوا عليك وعلى السلطان. وجاهروكما 
بالعصيان: فاجعل بالله الاستجارة؛ وقدم منه الاستخارة. وأنفق ما عزمت على بذله 
هم في عسكر يقاومهم بدفع شرهم: فإنك إن دفعتهم بالعطاء لم تسلم من عتب. 
السلطان مسعودء وإن هرمتهم باللقاء. قلت له إني فللت جنود عصيانك من أهل 
أطاعتك بحنود. وأنت لا تحمد على ما تحمل؛ ولا تشكر على ما تعمل". 

فقبل الخليفة رأيه ولم ير خلافه. وجمع حينئذ وجندء وحشر وحشدء واستخدم 
من البطالين أبطالا من المقاتلة المبطلين. وفرق المال ومال إليه الفريق» وأنفق فنفق في 
سوق تفويقه التوفيق. وصار من ذلك اليوم للخليفة حند مهيبء ونار ها في أفئدة 
العدى لهيب. فرد هؤلاء الأردياء بالحد الحديد والحد الحديد. وقال: "إنى أرى المشورة 


0ع تار حْ دولة آل سلحوق 
المبيرية أريا مشورا "2 وصوب صدابه لري الرأي مشكورا". فجاء به وزر عليه جيب 
الوزارة» ولم يزل عنده مودود الشارة؛ مقبول الإشارة. وذلك يوم الأربعاء الرابع أو 
رابع عشر ربيع الأول سنة 544 ه. فشرع ل نصر أمر الشرع. رحيب الصدر 
والباع والذرع. وأكرم الفضلاء؛ وفضل الكرماء. وعاش ف وزاري المقتفي والمستنجد 
ست عشرة سنة وشهرين» قرير العين؛ أيد اليدين. وكان به عمشء وبوزير السلطان 
طرش. وأمرٌ الدين والدولة يهما منتظم؛ وشعب الخلافة والسلطنة بكفايتهما ملتئم. 
ذكر وصول السلطان سنجر بن ملكشاه 
إلى الري في أواخر شعبان سنة 244 ه 

قال -رحمه الله-: لما عرف سنجر ما تم بالعراق من اغتيال النفوسء واقتطاف 
الرؤوس» واستيلاء خاصبك على نخواص الأولياء» وإغضاء السلطان في مهد الإغفال؛ 
ونخدعه بالألطاف :حدع الأطفال. قال: " لابد من الإدراك والاستدراك؛ والإمساك والاستمساك؛ 
وتهذيب المستعلي» وتعذيب المستولي» وإحفاء الشر اللائح» وإطفاء الشرر اللافح". 
فنهض على كبر سنهء ووصل إلى الري في صميم الشتاءء وقرها في قرهء فأجفل 
مسعود من همذان راحلا على سمت بغداد» فثى عنائنه شرف الدين الموفق كردبازو 
وقال له: " أنت لسنجر مقام الولد, والأولاد ببْر الآباء فازواء وما أسعدهم إذا حصلوا 
رضاهم وحازوا ". فسار إلى الري معه. وأبى ابن بلنكري أن يتبعه. وأقام هو الوزير 
الأصم بممذان. فلما بصر سنحر بمسعود قدمه وأكرمه؛ وقر عينا به وقربه» و تحدث 
معه .ما أعجبه» ورضي عنه وما عتبه. ونسي كل ما ذكره؛ وأدبر عن كل ما دفعه. 
وشفع السلطان في خاصبك فأجابه: وذكر له فعله فاستصابه. فما أمر بمعروف ولا 
نمى عن نكرء ولا أبدل شكوى بشكرء ولا كشف ظلامة» ولا كف قلامة. لكنه ودع 
ابن أخيه وعادء وأغذ إلى خخراسان التأويب والإسناد» ورجع السلطان واستصحب 
حاصبك والوزير الأصم معه إلى بغداد. وأقام تلك الشتوة في رفاعة وفراغ» وصباح 
صباح ومساء مساغ. و كان مع سنجر كبراء أمرائه» مثل المؤيد يرنقش هريوه؛ والفلك 


)١(‏ أريا مشورا: عسلا بحت أو مستخخرجا. 


تاريخ دولة أل سلتحوق 5١‏ 
على البحتري؛ وسنقر العزيزي؛ وغيرهم من عظماء عسكره» وخواص معشره. 
ذكر حوادث في تلك السنين 
قال - رحمه الله -: وقي السادس من شهر ربيع الأول سنة 4ه ه نزل ملك 
الألمان بجمع عظيم من الإفرنج على دمشق وحاصرهاء وأشرف المسلمون فيها على اليأس» 
ثم منعها الله تعالى» ورحلوا عنها بعد أربعة أيام خخائبين هائبين: حاسئين حاسرين. وفي 
أوائل جماد الأول من سنة 1414© هه توقي الأمير غازي بن زنكي صاحب الموصل؛ 
وتول أحوه قطب الدين مودود؛ وجمال الدين الجواد وزير على حاله. وزين الدين علي 
كوجلك متولى العسكر ورحاله. وتوق الحافظ متولي مصر في حامس جماد الأول من هذه 
السنة. وتولى بعده ولده الظافر. وق موسم سنة 115ه ه »ء وقعت زعب ومن تابعها من 
العرب على قافلة الج عند قفوها من مكة إلى المدينة» فأهلكت الناس» وأحلت يم البؤس 
والباس. وعظم مصاب المسلمين في الآفاق» وبحا من الآلاف آحاد بآخر الأرماق. وق 
الحادي والعشرين من صفر سنة 414ه ه»ء كسر نور الدين محمود بن زلكي على أنب 
من الشأم» ابرنس إنطاكية وقتله وحز رأسه. وشد بتلك النصرة للإسلام قواعده وأساسه. 
وفي سنة ه14ه هع أسر التركمان حوسلين؛ وسلموه إلى نور الدين» ونزل الملك 
مسعود بن قلج أرسلان على تل باشرء وهي مع جحوسلين» ونزل نور الدين بعد أسر 
جوسلين على قلعة عزاز وفتحها بالأمان. وفي يوم الخميس انامس والعشرين من شهر 
ربيع الأول سنة 545 هه تسلم الأمير حسان المنبجي تل باشر بالأمان. وق سنة 1ه 
هء أغار عز الدين على ابن مالك صاحب قلعة جعبر على أطراف الرقة, ففزعوا إليه 
وأدركوه وقتلوه» وجلس مكانه في القلعة شهاب الدين مالك ولد عز الدين. 
ذكر ماتتجدد من الملك ملكشاه 
ابن تمحمود ووفةة السلطان مسعود 
قال: أغار في ربيع الأول سنة ه14هه ملكشاه بن محمود على أصفهان» 
وساق بعض مواشيهاء وصار يغاديها بالإحافة ويعاشيها. وكان فيها نحم الدين رشيد 
واليها. فأنهض السلطان إليها شرف الدين كردبازو وضم إليه جماعة من الأمراء. فلما 
وصلوا إلى أصفهانء راسلوا الملك ملكشاه وقبحوا له مسا استحسنه» وتحركوا إليه بما 


شن تاريخ دولة ال سلجوق 
سكنه. وتحمل له رشيد .مال حمله؛ وسيره إليه ورحله. ونزلت السكينة وسكنت 
النازلة» وأسبل الأمن وأمنت السابلة. وشبّى السلطان مسعود سنة ه46 هه ببغداد 
غائصا مع لداته في لذاته؛ قانصا من العيش فرصاته. ثم رحل عنها رحيل مودعء فلم 
يعد بعدها إلى العراق. وترافق السلطان وخاصبك ولم يتفارقاء وتوافدا على 
الترافد وتوافقًا. وكان خاصبك فرحا باختصاصه. ومنذ كان ما أخخلى صاحبه من 
حبه وإخلاصه. فوصلا إلى همذان؛ وانقضت سنة 845ه ه صافية عن القذى» كافية 
للأذى. ماضية مع الغيئء مضّية السناء. ولم يعلما أن سنة سبعء اها كالسبع 
عضوضء وأن كل ما أبرمه اليوم الزمان غدا منقرض. وأن الحياة مختومة» وأن 
الوفاة محتومة. وأن عمران العمر مهدوم, وأن سر القضاء مكتوم. فلم يزل مسعود 
000 حىّ عاجله القدر. وما أحله الأحل. وأصابته علة الغثيان والقيء. فما 
سلمت حى أسلمت نشره إلى الطى» وهمسه إلى الفيء. وجمد ف آخخر جماد الآخر 
ذوبُه» وحمد ضرامه وأقلع صوبه. وكان مسعود ضخم الدسيعة ('2. جم الصنيعة, 
لكنه يصطنع الأراذل» ويرفع الأسافل. وكان كثير الاتكال: على استمرار 
الإقبال» قليل الاحتفال ممكايد الرجال. دائم الإغضاء عن ذميم الفعال. لا يضمر لعدو 
سخيمة» ولا يقبل ثي ولي ثميمة. واتفق قبل وفاته أن أنخاه سليمان شاه كان 
بقلعة قزوين معتقلاء وكان عليه بالحسوط مثقلاء فواطأه مستحفظا موفق الخادم 
على الخروج بعد موت أخيه لطلب السلطنة؛ واتصاله بذوي الأيدي المتمكئة. وكان 
الملك؛ ملكشاه بن محمودء قد اتصل بعمه مسعود إليه لاجياء ولآلائه زاعنا وقد أجمل 
إليه؛ واشتمل عليه. وهو حاضر حين حضره الحين. وغارت وغاضت العين والعين 
(', ولابد أن يقطع بين المتواصلين البين. ودفن يبهمذان في مدرسة بناها جمال الدين 
إقبال الخادم الجاندار. 


)١(‏ الدسيعة: الخفتة» وتأق ,معن العطية والقوة. 
)١(‏ العين والعين: التبع والمال. 


تاريخ دولة آل سلحوق -- 
ذككر جل سس السلطان ملكسّاه بن محمود 
قال: لما توق عمه احتمع العسكر على نصبهء وعقد حي الاعتقاد لحبه (). 
وأحلسوه على السريرء وأطاعه الأمراء والئتمروا بطاعته» وتيمنوا بيومه» وسعدوا 
بطاعته. وتفرد ابن بلنكري على عادته, ومساعدة سعادته. بالأمر والنهي, والحل 
والعقد, والقصر والمدء والقبول والرد. والميل إلى جمع المال» وجباة الأعمال. وإلحاق 
ذوي الإثراء بذوي الإقلال. واشتغل ملكشاه بالافماك في القصف والافتاك بالعرف. 
وفوض الأمور كلها إلى ابن بلنكري. وكان من فلك ملكها في أوج المشتري 27. 
واعتلق بنححهء ووثق بنصحه؛ وما درى أنه يخسر من ربحهء ويظلم يومه بطلوع 
صبحه. فإن ابن بلدكري طرف فبطرء وخخطر بضميره أن يضمر الخطرء وجمع الأمراء 
-وكبيرهم الحسن الجاندار-. وقال لهم: " هذا سلطان لا يفلح» وللملك لا يصلح. 
فإنه غرٌ ذو غرورء وغمرٌ جاهل بالأمورء قد شغلته الخمر عن الأمر. وأغناه الحشف 
عن التمر. وأنا أرى من الصواب أن نخليه» ونستدعي أخاه محمدا ونوليه". فعلم 
الأمراء أن خاصيك كالباحث عن حتفه بظلفه, والجالب النكرٌ إلى عرفه. وكانوا قد 
كرهوا استيلاءه» وسئموا استعلاءه» فوافقوه على الرأي الرائب» وعدوه من المواهب. 
وقالوا: لعل الملك إذا تولاه حازم جازمء وعاقل بممصالحه عالم» انتحى له من هذا 
العادي» وشفى بصداه غليل الملك الصادي. 
فقالوا لخاصيك "عجل هذا الأمر قبل أن يفطن به فنأيس من بجح مطلبه". 
فقبض ابن بلنكري ملكشاه في دار الحسن الحجاندار وهو فٍ ضيافته فقراه بآفته. 
واعتقله مر ج همذان. وكان قد أنفذ إلى الملك محمد بن محمود حمال الدين إيلفقشت 
ابن قابماز الحرامي: ونغذ ابن بلدكري لاستحلافه الأمير مشيد الدين بن شاهملك ومعه 
وزيره الكمال أبو شجاع الزيحاني المعروف بالتعجيلي» فخحانوه في الرسالة» وحسنوا 
للسلطان محمد ضد ما أراده ابن بلدكري من الحالة» وقرروا معه قتله يوم الوصول» 
)١(‏ وعقد حبي الاعتقاد لحبه: جملة مضطربة لا مع لحاء ولعلها كانت " وعقد حبل الاعتقاد لحبه" 


فصشحخسصستا 


)١(‏ أوج المشتري: كناية عن النحس. 


+ تاريخ دولة آل سلحوق 
وقالوا له لا تقبل غير هذا الرأي لتحظى بالقبول. وعادوا وقالوا لابن بلنكري " إنا قد 
حلفناه واستوثقنا منه بالأبمان» وأكدنا إقسام القسمء بحيث يكون حنثه ارتدادا عن 
الإبمان". فوئق بأمانتهم؛ وأمن للوثوق يهمء وأرسل واسترسل» وعجل واستعجل. وأما 
ملكشاه؛ فإنه تخلص من اعتقاله» وخرج بحمه من بيت وباله. وكأفهم توانوا ف حفظه. 
ووكلوه إلى حظه. وكما أغفلوا الإحسان إليه» أحسنوا بالغفلة عنه؛ ولم يكن لهم عنده 
تأر فيحملهم على الانتقام منه» وصرحوا بمربه» ولم يعرضوا بطلبه. ولم يلبث في 
سلطنته إلا شهرين أو ثلاثة» ثم تقلبت به الأحوال إلى أن استقر بخوزستان ملكاء وفي 
سلك السلوك فج السلامة متسلكا. 
ذكير جلوس السلطان غياث الدنيا والدين أبي شجاع 
محمد بن محمود بن محمد بن ملكشاه في أواخر سنة /41 ه 
قال: وقدم السلطان محمد همذان في عدة يسيرة» وعدة غير كثيرة. فتلقاه خاصبك 
بلقائه مستبشرأء وبوفائه مستظهرا: وبصفاء وده فون ويصفات محمده مؤمنا. وإلى دينه 
راكناء وإلى بمينه ساكناء وحمل إليه ما تحمل به من آلات الملك وأدواته ومخبيات المال 
ومدخراتهء وخيمه وسرادقاته. والخيل العراب» والعروض والثياب. فعلقت بالنفوس 
نفائس أعلاقهء وسكن المسكين إلى وفاء السلطان ووفاقه. وحرج له من قشره؛ وأرج منه 
بنشره. ولقيه السلطان بوحه له باشرء ولسان لحمده ناشر. لكن ضميره للشر مضمرء 
وفكره للفتك به مفكر. ثم إنه في اليوم الثالث من قدومه» حلس في أعلى القصرء 
واستدعى ابن بلدكري لمسارته في التفويض ومفاوضته في السر. فجاء ومعه الأمير زنكي 
الجاندار. والأمير كشطفغان المعروف بشمله؛ فلما حصلوا على سلم القصر عرف شيلة 
العملة. ورأى أمارات لا توافق المرادء فعاد وجذب ذيل ابن بلنكري ليعود فما عاد. 
ونزل وقد رهب» فركب وهرب. وأما ابن بلنكري وزنكيء فإنهما صعدا فأمر فحز 
رأس ابن بلنكري ورمي بحنته إلى الميدان» وضربت أيضا رقبة زنكي الجاندار وكان كبير 
الشان. وارتاعت القلوب وارتابت النفوس»؛ وذرفت العيون وأطرقت الرؤوس. 
ومما يعتير به المستبصرء ويستبصر به المعتبرء أن خاصبك تحلف أموالاً لا تأكلها 
النيران» ولا يحويها الحسبان. ومن جملة ما وجد له ألف ثوبء؛ وسبع مالة وب أطلس 


تاريخ دولة آل سلجوق هعم 
عتابي؛ فكيف غيره من الألوان. وطلب له كفن في ذلك اليوم فلم يوجحد. وبقي على حاله 
ول يلحد. وما ألقى عليه رداء؛ ولم يبذل له فداء. حى جبى له من سوق العسكر الكفن 
والقطن؛» ويا لمن نول أمره حسبة لله الغسل والدفن. فيا بعدا للدنيا ما أكدر صفاءفاء 
وأغدر وفاءها. تخيف من آمنهاء وتزعج من سكنها. وتقتل من أحياهاء ولا ترعى من 
رعاها. 
وأما السلطان محمدء فإنه ظن بعد قتله. أن الموانع قد ارتفعت. والمنافع قد اتسعت» 
وأن الأمراء النافرين منهء بسببه يجتمعون» وعلى نصره يجمعون؛ وإلي جنابه يفزعون. 
وكان وزيره ف خحوزستان الوزير جلال الدين بن القوام أبي القسم الدركزيئء وقد أبقاه 
على وزارته» وحرى ما جرى .كشورته وإشارته. فأشار عليه بأن يسير رأس خاصبك إلى 
الأميرين الكبيرين: همس الدين أتابك إيلدكزء ونصر الدين خاصبك بن آق سنقر صاحب 
مراغة. وظن أنه يعحبهما إتلافه» ولا يسعهما عصيان السلطان وخحلافه. فلما وصل إليهما 
الرأس هالتهما حالته؛ وأعيتهما في هذه العثرة إقالته. وقالا: " لقد أقدم على فتك عظيم 
بعظيم: ولقد ألام الكريم بظفر لثيم. أما كان استوثق منه باليمين؟ أما استمسك من وعده 
بالحبل المتين؟ وإذا كان هذا الملك الأكرم ابن الملوك الأكرمين محترئا على مثل هذه 
الجرائم» ومستصغرا لأمثال هذه العظائم: فقد عزرّ العزاء» ونحاب الرجاءء وجل المصاب 
وعظم البلاء". فمالا عنه» ونالا باللوم منه. وأرسلا إليه: " إنك أخطأت؛ وزعمت أنك 
أصبت. وما يثق قلب إليك؛ وإن وثقتنا فإنك باليمين ال حلفت بما له تحلفء. ومثل 
الوعد الذي أخحلفته معه تخلف. فليس لنا بك إلمامء ولا لك معنا كلام". 
ذكرماجرى للسلطان سليمان بن محمد 
ابسن ملكش-اه وجلوسه على سرير السلطبة 
قال -رحمه الله-: كان لما حرج من مجلسه بقزوين» ووحد التمككن والتمكين. 
حرج به مظفر الدين ألب أرغو بن يرنقش البازدار إلى زنحان» وكاتب فيه الأميرين 
خمس الديين إيلدكز ونصرة الدين صاحب مراغة» وهما في أمره مترويان. فلما نفرا 
من محمدء وتزئما وتنمراء سارا بعساكرهما إلى زنحان. طالبين لخدمة السلطان 
سليمان» وحملاه إلى همذانء وأحفل السلطان محمد ف شرذمة يسيرة إلى أصفهان. 


سم ارب دوه ال سكوف 
فاستقر سليمات على سر ير الملك. وكان معه ينالتكين حوارز مشاه وأموه 
يوسفء وأختهما زوحة السلطان سليمان؛ وهي لأمره متولية» وعليه مستولية. 
وكان سليمان وزيرا شريبا حميرا. إذا سكر وقع صريعاء ونام أسبوعا. كلما رفع 
رأسه لاذ بالعقارء ثم لاث حمار الخمار”2. وكان يقلى لأنه لا يلقى. ويشق 
عليهم أفمهم لا يسعدون به وهو يشقى. وكذلك وزيره فخخر الدين أبو طاهرء 
ابن الوزير المعين أبي نصر أحمد بن الفضل بن نحمود القاشاني) للا يصحو ساعة. ولا 
كحو عنه شناعة) وهو أشبه بسلطانه, وكلاها أليق بزمانه. فضجحر الأمراء الأكابر من 
المقام» وشرعوا في الانفصال والانفصام. وعاد همس الدين إيلدكز إلى أذربيجان 
لقصد أرانية وانتزاعها من يد روادي ابن عم ابن بلتكري. وعزم نصرة الدين آق 
سنقر على العود إلى ولايته. ثم إن الأمراء الباقين بعد رواح شمس الدين إيلدكزء 
قررواا مع نصرة الدين» وانتقلوا إلى مرج قراتكين؛ وخلوا السلطان مع خواصه 
بقصر هشرزان»؛ واجتمعت آراؤهم على قبضص الوزير» وأردوا اتباع ذلك بقبض 
حوارزمشاه ينالتكين. والسلطان سليمان كان حيئنئذ قد نكح زوجة أحيه ببت ملك 
الكرجء ودخحل بهاوهو ق عرس وأنسء. فجاءت إليه أحت خوارزمشاه زوجته. 
وقالت له: " إن لم تأاخذ لنفسك أحذت نفسك. وطال حبسكء ومضى غدا 
يومك. ورجع في التطبيق عليك أمسك". فهرب ليلا معها ومع أنخويهاء وترك 
حاتون الأنخارية وقد بئ عليها, وأصبح الأمراء وقد فقدوه) ونشدوه وما وجحدوه. 
فتولت العساكر إلى ولاياتهاء وغابت تلك الأسود إلى غاباها. 
ذكر رج وعالسلطان محمد بن محمود بن محمد ابن 
ملكشاه إلى مقر ملكه بُمذان بعد غيبة سليمان 

قال: لما وصل السلطان محمد إلى أصفهان» منحازا عن عمه سليمان. كاتب 
الجوانب؛ وراقب الأجانب. واتصل به الأمير إيناج صاحب الري» فقويت يدهء وعرف أن 
العساكر الغريبة لا تقيم مع عمهء وأهم إذا انفصلوا عنه كان عزمه مليا يمزمه. فوصلته 


)١(‏ لاث الشيء: لاكه في فمه أو خخلطه؛ والخمار: صداع الخمرة. 


تاريخ دولة آل سلحوق | 35-4 
البشرى بأن عمه عام في بحر الليل سابحاء وساح لعرض الفلاة بالإفلات ماسحا. فسر .ما 
وعي؛ وسار وسعى. وتلقاه أمراء الدولة مهنثين» وبمحدة حده متهنئين» وعاد إلى قصره. 
وعادة نصره وذلك في سنة 614/7 هلب. 

ذكر ما عتمده الإمام المقتفي لأمر الله بعد 
موتّالسلش نا مسعودمحمد بن ملكشه 

قال -رحمه الله-: كانت السدة الشريفة الإمامية قد منيت يحور الأعاحم؛ ول يزل 
عودها من عداوتمم تحت سن العاجم. وكان أهون ما عندهم خلاف الخليفة وعنادم. 
وتمردهم عليه بأن يحصل مرادهم لا مراده؛ ولم تزل بغداد مظلمة؛ مشحونة منهم بالشحن 
الظلمة. وهم من الديوان العزيز مطالب لا يفي بها خواصه؛ ومغارم تلحقه منهم يتعسر 
منها خخلاصه. والحرم من حناياتُهم خائف» والشرف لهاباهم عائف» وشريعة الشريعة 
مكدرة؛ والدماء والفروج مستباحة مهدرة. والخليفة يغضي ويغضب, ويُعتب ولا يعتب» 
ويقدر عليه ولا يقدر. ويغدر به وهو على العهد لا يغدر. 

فلما توق السلطان مسعود قال: " لا صبر على الضيمء بعد اليوم. ولا قوام مع 
هول هؤلاء القوم" وآزره وزيره عون الدين بن هبيرة وأعانه» وثبت جنانه. وكان مسعود 
البلالي الخادم والي بغداد» فقامت عليه قيامة» وتعذرت عليه الإقامة. فرحل إلى الحلة 
ومضى متحملا في تدبير الأمور المضمحلة. وأقام يحشد وبحشرء ويطوي وينشر. وكان 
بالحلة السلار الكردي» من أكابر أمراء السلطان» فلم يكترث بالخادم واسترسل إليه؛ 
وقصده ليسلم عليه. فأخذه الخادم وقتله وغرقه في الفرات» وجمع العساكر وأقطع تلك 
الولايات» وفرق على فريقه الإقطاعات. فسار إليه ابن هبيرة وهزمه وكسره؛ ولحق البلالي 
؟همذان مستصرخاء وغدا عقد جمعه منفسخاً. وملك الخليفة العراق من أقصى الكوفة إلى 
حلوان» ومن حدٌ تكريت إلى عبادان. وأقطع واسط وأعمالماء والبصرة وأفارهاء ومعاقلها 
وولاياتها. والحلة والكوفة؛ وهر الملك؛ ونمر عيسى ودجيل والراذان» وطريق خخراسان إلى 
نواحي حلوان. وأقطع الوزير عون الدين بن هبيرة جميع ما كان لوزير السلطان وأرباب 
مناصبه ف جميع هذه البلادء وأعانه على الاستعداد وإضعاف الأعداد بتضعيف الأعداء. 
ونعته بتاج الملوك فلك اللبيوش. 


يلق تاريخ دولة آل سلجوق 

وكان الإمام لما استخلف استحلف على أنه لا يشتري مملوكا تركياء وكان 
يقتي مدة خلافته إما أرمنياً أو رومياً. ولم يكن له من الأتراك إلا ترشكء ملكه قبل 
الإمامةء فولاه الإمارة على الأمراء» واختص من مماليكه الروم والأرمن عدة من 
النحباء, سماهم الخيلية» وولاهم الرتب العلية. وأحكم أسوار بغداد» وحفر خخندقها. 
ورتب الولاة ني الولايات» وبث العيون وأصحاب الأخبارء وبعث الجواسيس إلى جميع 
الأمصار. واشتغل السلاطين بعضهم ببعض ف تلك السنين» وأعطى الله الخليفة التأبيد 
والتمكين. وكان الخليفة قد سير قطب الدين العبادي ف سنة 451ه ه أو 1ه 
هه رسولا إلى محمد بن محمود بخوزستان» فتوقٍ هناك, ونحتمت به الفصاحة 
الوعظية؛ وأظلمت مطالع العلم المضّية. ظ 

ولما عاد السلطان بعد هرب عمه سليمان إلى همذان» راسل الخليفة وخاطبه في 
الخطبة له فما أجابه» وتحئ عليه بقتل ابن بلنكري وعابه» وآيسه من ملك بغداد وخيب 
رحاءه؛ فحينئذ اجتمع عند السلطان الأمراء الذين حلت إقطاعاتهم ببغداد وقالوا: " أرزاقنا 





قد أقطعت» وأعراقنا قد قلعت. ودورنا قد أنزلت» وولاثنا عزلت. ولابد من مذاواة 
هذا الداء قبل إعضاله. وتداركه قبل استفحاله". 

وكان السلطان محمد يرحع إلى عقل ودين» وحلم ركين. ورأي ررين. فقال: " 
أستفتح سلطني بمعاداته» ونية مناواته". فقالوا له: "نحن نمضي ونقضي هذا الشغل, 
ونخفف عنك هذا الثقل. ونلقي ججمعنا الجمع: ونحصد بسيوفنا الزرع". فقال لهم: " 
كان رأبي ما ذكرته. وعرفتكم ما أنكرته. والآن فافعلوا ما رأيتموه, واعملوا ما 
نويتموه". فودعوه وركبواء وحاء إليهم من وافقهم وذهبرا. ومجمعوا في جحافل 
حافلة» وعساكر في ذلاذل 27 السوابغ رافلة. وساقوا بين أيديهم التركمان ببيوهم 
ومواشيهم. وأهاليهم وحواشيهم. وكان حصن تكريت قد بقي في يد مسعود البلالي» 
وبه نائبه أسبه؛ وحصره الخليفة مرارا فتمنع» ولم يفتح مغالقه المتصعبة. وف هذه القلعة 
ملكان من السلجقية معتقلان» وهما ملكشاه بن سلحجق بن محمد بن ملكشاه» 


)١(‏ ذلاذل جمع ذلدل وهو أسفل الثوب. 


تاريخ دولة أل سلحرق لكف 

وأرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه. فقالوا لمسعود البلالي: " أحضر لنا 
الملك أرسلان بن طغرل ابن عم السلطان؛ ليثق بحضوره جموع الأحناد وحشود 
التركمان". فأقطع عليهم بدره ورفع حتره. ثم وصلوا إلى نواحي العراق. 

ولما عرف الإمام ذلك» أمر تامحرت اذه الخوادر من عريسها. وتيدلت 
حيش الوشيج من خحيسها. وبرز في مظلته؛ كأنه البدر في هالته. ونور النبوة يشرق من 
جبينه» والقضيب النبوي يورق بالنصر ف عينه. والبردة الموروثة فوق ردائهء والقدر 
بالقدرة على أعدائه» ملي ندائه. فسار في موكبه الشريف» وعلى مقدمته وزيره عون 
الدين بن هبيرة؛ في أسود استلأمت من الدروع بأهب أساود؛ وفي سحائب قساطلء» 
من المناصل والصواهل» بوارق ورواعد. وفي الميمنة والميسرة أمراء ومقدمون من 
عظماء العسكرء كناصر الدين منكويرس» وأمير واسط حظفر ١‏ الايق افلم ,برب 
وكلاهما من المسترشدية» وحاميا لحوزة المقتفية. وفخر الدين قويدان» ومنكلبه 
العباسي؛ ويماء الدين صندل. والأمراء المصطفون المصطنعون؛. والحماة والكماة 
المدرعون المقنعون. وخحيم الخليفة على مرحلتين من بغداد في موضع يعرف ببجمزاء 
وأقام دون شهر ينتظر منهم البداية» ويستبعد من غوايتهم الهداية, 

ولما تزاحم المحران» وتراجم اللحمران. ترا العدي ببغيهم وغيهم على الاقتحام؛ 
وحسروا عن أقدام الإقدام؛ وقالوا لو أن للقوم بنا طاقة» ما تحملوا من توسيع مدة 
الإقامة إضاقة. فقد عزت الأقوات وعدم العلف». ووجد التلف. وجهلوا أن الإمام متبع 
حكم الشرعء ف قتال أهل البغي عند صياهم بالدفع. فركبوا وما رقبواء وبرزوا 
وحلبوا. فركب أمير المومنين في مهاحريه وأنصاره؛: ووقف في القلب منهم بين أسماعه 
وأبصاره. وقدم وزيره ابن هبيرة أمامه» وسير معه أعلامه, وأمر الأمراء أن يكونوا معه 
قدامه. فأقمرت ليالي الرايات السودء بوجوه رافعيها البيضء» وأشرقت أيا من الأيام 
الإمامية بنوره المستفيض»؛ وشرع برق الحديد اللامع على حواشي بوارق البوار ف 
الوميض. وأولئك قد ساقوا دواب التركمان ومواشيها وأغنامهاء وقدموها بين يدي 
صفورفها قدامها. وكانت آلافا كثيرة الأعدادء» كثيفة السواد. ومن ورائها الوقاة 
الكماة» ذوو الحمية الحماة. وقد أخذت هذه المواشي طول الأرض وعرضهاء ومنعت 
بتراصها تقريض صفوفها ونقضها. 


2 تاريخ دولة آل سلجوق 

فنزل الأمير فخر الدين قويدان قائد الجنود» وقبل الأرض للخليفة» وطلب 
بلاد الحلة» واقتدى به ناصر الدين منكوبرس ف طلب البصرة. فأنعم بمما عليهماء 
فتأهبا للقاء» وتلهبا على الميجاء. وحمل الوزير ومن معهء فلم يجدوا في تلك النقاد 
للآساد طريقاء وصادفوا في ذلك الفضاء الواسع للأنعام المحشورة إليه مضيقا. وكان 
ترشك مملوك الخليفة للمخالفين مخالفاء وفي الميمنة واقفا. فحملت ميمنتهم على ميسرة 
الخليفة» وفيها مهلهل ابن أبىي عسكر والأكراد» فهلهلت نسجهاء وحلحلت برجها. 
وعادت صفوة صفوف الأكراد أكداراء وأحفلوا كالظلمان ”') هزعة وفرارا. ودخل 
ترشك بين أطناب السرادق الشريفةء فطعن برمحه ظهير الدين بن الفقيه المرتب في 
المخزن فقتله؛ وركضت ميمتتهم خلف المنهزمين فلم يعرجواء ومروا وراءهم ومرجوا. 
وأما الميمنة الميموئة الإمامية» فإنها حملت. وفيها ناصر الدين متكوبرس وفخر الدين 
قويدان» ونفذت إلى القوم؛ وقوضت ما قابله من البنيان المرصوص» وحكمت بنصر 
الحق المنصوص عليه؛ على الباطل المنقوص. فلم ير غير رأس سائرء ورأس طائر. ورزح 
ينشظى؛ وصارم يتلظى. وتبدد همل آمال الأعادي» وتفرقوا عباديد. وأحلفهم 
الشيطان ما كان مناهم من مواعيد. وطاروا على حيوهم كأنما استعارت من قوائمها 
قوادم» وتركوا بتلك المغاني من أغنام التركمان مغائم. وخبّت البشرى إلى بغداد 
بالتصرء بعقب إرجحاف الأجلاف المنهزمين بالكسر. 

ووقف بعد المزيمة مسعود البلالي ف قلبه ثابتا قلبه» راجيا أن يثوب إليه حزبه 
فهب إليه ابن هبيرة فهيره. وبري أحزاء صفه وحز وَيّره. وانتهز الفرصة الأمير سنقر 
الممذاني» فانفرد بالملك أرسلان بن طغرل وسار به؛ وأخفى مسيره ف مضايق كل 
وادي ومساربه. حى وصل به إلى همس الدين إيلدكز زوج أمه. وكأنما أنزل به 
الغ بعد عدمه. وأما الخليفة فإنه سجد لله شكراء وانشرح بالنصر صدرا. ودخل إلى 
بغداد منصور اللواء» مصحوبا بأملاك السماء. ولما تمت على أولئك القوم في أملهم 
الخيبة» تملكتهم من جانب أمير المؤمنين الهيبة. ونكصوا على أعقابهم عائرين بذيل 
النجل؛ عابرين على سبيل الوحل. فلما رجعوا إلى السلطان محمد بن محمود نُدّمهم 


)١(‏ الظلمان: جمع ظليم وهو ذكر النعام. 


ناريخ دولة أل سلجوق ١‏ 
وعاتبهم على الملك الذي ند منهم. وقال: "كسرتم ناموسكمء وأتلفتم نفوسكم, 
وأهلكتم التركمان وعرضم للسبي الذراري منهم والنسوان. ثم أخرجتم الملك أرسلان 
وغفلتم عن حفظه. وهو الآن عند إيلدكزء وستبصرون ما يفضي إليه الأمر. ولابد أن 
حورته إل رجانه القر. “وقد ضان الثليفة معتصماء قله خلض يعد هذا ورد :دولنا 
معه من الشوبء ولا يقبل على قبول التوبة ولا يرتضي صوابا إرضاء هذا الصوب". 
وكان كما حسب. فإن الخليفة لم يغفر للسلجقية بعدها ذنباء ولا فرغ لهم من حهته 
قلباء وكانت الوقعة ببجمرًا في أواخر سنة 414ه ه. 

ذكر وصول السلطان سليمان بن محمد بن ملكشاه إلى بغداد 


وقبول الخليفة له وتجهيز الجيش معه وذلك في سنة 686٠‏ ه 


قال -رحمه الله-: كان سليمان قد تخلى عن الملك وأخخلى سريره» ووافق إدباره 
تدبيره. يدور ف البلاد ويبلي بالدوائر» وينجد مع المنحد ويغور مع الغائر. لا يستقر به 
قرارء ولا تؤويه دارء ولا يجيره جار. فلم ير لأمره وأمنه حامياً غير حمى أمير المؤمنين» 
فقصد أن يعلق من عصمته الحبل المتين. قال: وكنت حينئذ ببغداد» فوصل الخبر بأن 
سليمان قد دنا ودان؛ فقابلوا بوفور القبول وفوده وأكرموا وروده. ولو وفوه حق 
السلطنة لتلقاه الوزير ومعه قاضي القضاة والنقيبان» وأجلاء الخدم كما جرت عادة 
السلطان. لكنهم اقتصروا في تلقيه على موكب شريف يقدمه عز الدين محمد ابن 
الوزيره ومعه مخلص الدين بن الكيا المرأسي وخادمان» ووقف الموقف خارج البلد 
حى قربء ثم لقيه ابن الوزير وحاطبه بكل ما أطربه وأعجبه. وقال: "أمير المومين 
-صلوات الله عليه- يسلم عليك؛ ويهدي تحيته إليك". وترجم ابن الكيا الحرأسي له 
هذا السلام بالفارسية. فنزل سليمان عن فرسه. وقبل الأرض» ثم ركب ودخل 
البلد» وخرق الأسواق من باب سور الحلبة» إلى أن جاوز فرضه الرحبة. وحين وصل 
إلى باب النوئي أنزلوهء وألزموه بتقبيل العتبة وقد أكرموه وهناك حُجرء إذا وصل 
الرّسل ومقدمو الحاج» نزلوا عنده ولثموه وعظموه. وما قبّل تلك العتبة قبل سليمان 
نتلطان سلحفي :ولا ملك ديلمى .وكا متهم كنف وستعيد: 


ف تاريخ دولة آل سلجوق 

ثم أركبوه وحرقوا به السوق؛ حن عبروا به باب سور السلطان وأنزلوه بدار 
السلطنة؛ ووظفوا له الرواتب» ورتبوا له الوظالف. وشرفوه وسوروه وطوقوه. 
وخطبوا له على المنابر في الجمع والجتوامع. وخصوه بالعوارف والصنائع التصائع. 
لكنهم لم ينعتوه إلا بالمعظمء ولم يسموه بالسلطنة ولم يسموه. وكانوا يقتصرون به 
على المعظم. وذلك غاية أن يعظموه؛ لكنه كان في قد عقله من غفلته,» وعي لهجة من 
غي جهلته. وف كسرة من سكرته؛ وفي ذلة من لذته. فما زال مده مقامه مستحلا 
نحارم شهواته؛ مستحليا مذاق اللهو في طواته» مترنما بنغماته» متبغما بخرافاته. والخليفة 
مع ذلك في ولائه معتقد وللوائه عاقد. متيقظ لتدبير مصالحه وهو عنها راقد. وقد 
أوعز إلى عساكره بالتأهب للمسير في خدمتهء وإعادته إلى عادته في سلطنته. واستوزر 
له شرف الدين الخراسائي» وكان رحلا كبيرا يرحع إلى سودد وكرم محتد. وكان قد 
وصل إلى بغداد في عهد السلطان سنجر رسولاء وأعاد البرّدة والقضيب النبويين معه 
إلى دار الخلافة» وكانا قد أحذا في النوبة المسترشدية. 

وأقام شرف الدين هذا في الظل الأمامي وهو مخصوص بالاحترام: فرأى المقنفي 
أن يجعله وزير سليمان؛ وسيره إلى أذربيحان. وجهز معه عساكر وافية الْعَدَد وافرة 
العُْدّد. فمضوا به إلى أرَائية ثقة بأتابك إيلدكز فما رفع يحم رأساء ولا قراهم إيناساً. 
ووصل السلطان محمد بن محمود وحرى المصاف؛ ووقع بين الفريقين الانتصاف. ثم 
انهزم سليمان مولياء وعن عسكر الخليفة متخليا. فعادت العساكر إلى بغداد عادمة 
للظفرء نادمة للسفر. ورجع سليمان عائدا إلى بغداد في طريق الدربند القرابلي, 
فصبحه زين الدين علي كوجك من الموصلء وقبضه في المضيق» وحمله إلى قلعة 
الموصل. واعتقله وأراحه من التعب» وأباحه ما كان يؤثره من اللعب» وكان ذلك في 
شعبان سنة 50١‏ هضصس. 

ذكر اتصال الملك جغري شاه بن محمود بأخيه السلطان محمد 

قال -رحمه الله-: كان الملك جغري شاه مع أتابك آياز في أذربيجان. فشغل 
خواطر الأميرين إيلدكز وأرسلان آبه» صاحبي أذربيجان» عند اتصاهما بالسلطان 
سليمان» بعد انمزام محمد إلى أصفهان. فلما عاد محمد إلى السلطنة» سير شرف الدين 


تاريخ دولة أل سلحوق رق 

كردبازو لإصلاحهم. والصلح بينهم. فوصل والحرب قائمة على ساقهاء آخحذة من 
الأرواح بأطواقها. فأصلح ذات البين» وعاد قرير العين. وقد تسلم جغري شاهء وملا 
بحمده ومدحه القلوب والأفواه. وجمع همل السلطان بأحيهء وعاد أتابك آياز إلى 
ولايته» وكانت رعيته آمنة في كنف عنايته. واقتسم همس الدين إيلدكز» ونصرة الدين 
أرسلان آبه» بلاد أذربيحان» وأفرحا عن أردبيل للأمير آغوشء وأعادوا من رسوم 
العدل النقوش. واجتمع السلطان محمد بأخيه جغري» والأخوة تحمله على الشفقة 
والملك به يغري. 

قال: وكنت في ذلك العهد -سنة 48ه ه- بمذان, وقد عدت من الحج 
يصحبة جمال الدين محمود بن عبد اللطيف الخجندي. فشاهدت السلطان قد أنس 
بأحيه وسر به. وامتزج بهء في مطعمه ومشربه. ولاطفه بعطفه, وعطف عليه بلطفه. ثم 
أمر باعتقاله» ووكل به الأمير عز الدين ستماز بن قايماز الحرامي يرصده ليلا وماراء 
ويرعاه سرا وجهارا. ومازال الأمر على ذلك حى فارقنا العسكرء فما أدري أين أقبل 
به القضاء بعد ما أدبر. ومن حين نقل ما مع له حبرء ولا رئي له أثر. فكانما سل طين 
السلاطين من حفن الحفاءء وحبلت جبلتهم على الإغفال والإغفاء. فالرحم عندهم 
مقطوعة» والرحمة ممنوعة» والعزة في سخدمتهم بالذل مشفوعة؛ والاغترار يم غرر 
وصفوهم كدر. يقسمون ويحنئون» ويبرمون وينكئون. 

ذكر حوادث جرت في تلك السنين 

قال في سنة 1ه ه- استولى العْرّ على السلطان سنجرء وكانت حادثة هائلة 
وسنذكر أيام سنجر عند وفاته. وي هذه السنة استولى الإفرنج على عسقلان؛ وفي 
هذه السنة قتل العادل ابن السلار سلطان مصرء قتله ابن امرأته. وفي هذه السنة توفي 
ابن منير الشاعر بحلب» في جماد الآحر. وتوثيٍ ابن القيسراني الشاعر بدمشق؛ في 
الحادي والعشرين من شعبان. وتوكٍ أبو الفتوح بن الصلاح الفيلسوف البغدادي 
بدمشق» في انامس والعشرين منه. وف سنة 5149 هسء, توفي تمرتاش صاحب ماردين 
في أول احرم» وفتح نور الدين محمود بن زنكي دمشق يوم الأحد ثالث صفر سنة 
48 هي. وقتل الظافر متولي مصر ليلة الخميس لانسلاخ صفر. 


545 تاريخ دولة آل سلحوق 

قال: وقي هذه السنة توفيت حليلة السلطان محمد بن محمود بئنت السلطان 
مسعودء فجلس للعزاءء وامترى در البكاء. وكنت حاضرا في زمرة العلماء. ووصل 
إلى خدمته أتابك إيلدكز ف عساكر أذربيجان؛ والأمير شير بن آق سنقر بعسكر 
أخيهء وأقاما عنده على همذان, ثم استأذنوا في العود وعادواء وزادهم السلطان حرمة 
وقوة فزادوا. ووصل رسول ملك كرمان فأكرم, وأحضر حملا فقدم» وسير جمال 
الدين بن النجندي مع الرسول رسولا إلى كرمان» ليخطب بنت الملك للسلطان. 

قال: فعدت معه إلى أصفهان؛ فساميئ السفر معه ف تلك السفارة» فرأيت الربح 
فيه عين النسارة» فتأخرت وتقدم, وأححمت فأقدم. وأقمت فظعن؛ وأسهلت فأحزن 
فإنني عند مسيره إلى كرمان سرت على طريق نحوزستان إلى بغداد, وجثت إلى عسكر 
مكرم في شوال سنة 4غ1ه هء والملك ملكشاه بن محمود مالكهاء وقد أمنت به 
مالكها ومسالكها. ولقيت رئيس الدين محمد بن القاضي أبي بكر الأرحاني» وهو ني 
نيابة القضاءء موفور الحرمة ف العلماء. فذكر لى أن والده توفي سنة 44ه هء 
وأعطاني مسودات من أشعار والده» فتنزهت ف رياض فوائده. ثم ارتحلت إلى بغداد 
بعد وصول الخبر بنصرة الخليفة في حرب محمزا وظفره» وكنت مع والدي فحرضته 
البشرى على سفره. 

قال: وشئئ السلطان محمد بن محمود ف هذه السئة بساوه» واستعجز جلال 
الدين بن القوام وزيره؛ واستقصر تدبيره. واستقصى من فارس تاج الدين الدارسي 
ليستوزره» فوصل تاج الدين إلى أصفهانء, وأقام مدة فبرد أمره, وحمد جمرهء واستبطأ 


السلطان سير » واستوزر غيره. 


ذكر وزارة خمس الديسن أبي النجيب الدركزيني 
قال: قيل للسلطان إنه وزير عمكء. وظهير عزمك. وقد سبقت له خدم؛ وثبت 
له في القدم قدم. فنصبه ثي المنصبء ورتبه في أعلى الرتب. واستند وتصدرء وأورد 
وأصدرء وحاطب الأمراء الذين استأثروا بالبلاد أن ينزل كل منهم عن شيء مما في 
يدهء ليكثر الخواص السلطانية» واستضاف بلادا عامرة إلى النواحي الديوانية. فتوفر 


قار بخ دولة آل سلجحوق 061 
الاستظهار وظهر التوفير» وأثمر الرحاء ورجي التثمير وقال للسلطان: قد اتسقت 
الأحوال» واتسعت الأموال. وقد فرغ البال لشغل بغداد؛ فاسترحع حقك المغصرب» 
ولا تترك بححك المطلوب. فإها دار ملككء, ومقر أبيك وحدك. وأنت إذا مضيت 
بنفسك, فما يقف قدامك أحد. ولا يكون معك لأحد يد. فلما حضر الربيع مائدته 
ووفر فائدته» وأحسن عائدتهء عاد السلطان إلى همذان» وذلك في سنة .مه ه.ء 
ورحل على سمت بغداد. ورحل عدة مراحل» ونزل في قصدها منازل. ثم بدا له 
فعاد؛ لأن الأمراء الذين سبقت منهم المواعدة على المعاودة أتخحلفوا العدات» ولح 
يطاوعه العسكر على مفارقة البيوت والإقطاعات. عند إدراك الغلات. فانصرف 
راجعاء وتوجه إلى أذربيجان؛ وتم المصاف الذي نصر فيه على عمه سليمان. ثم عاد 
إلى مقر ملكه وفي قليه من أمر بغداد هم شاغل» في صميم روحه وأغل. وعلم أن 
الجند لا يفارق بلاده في الصيف»ء فإنه لا يجمع بين حر بغداد وحر السيف. فواعدهم 
في الخريف» وأمنهم من الغرر المخيف. واشتغل بالاستعداء والاستعداد. والاجتهاد في 
الاحتشاد. وتمحهيز الكتب إلى بحهزي الكتائب. وتبريز المضارب». وتمييز الطلائع 
والمقانب ('©. فارتحل لما انقضى المصيف وأقبل الخريف. 

ذكر وصول السلطان محمد إلى محاصرة بغداد وما اعتمدة أمير 

المؤمنين المقتفي لأمر الله من حسن الصبر المعقب حميد الظفر والنصر 

قال -رحمه الله-: وصل الخبر إلى بغداد في ذي القعدة سنة ١هه‏ هه بأن 
السلطان محمد قد قرب ني عسكر هائل» وعرمرم صائل. وهو ,بمنسزل " قصر قضاعة 
' فصدق اهتمام الخليفة بالاحتراز والاحتراس» وأحدٌ لباس الحد للباس. وبالغ في 
تحصيل العدد» وتحصين البلد. وأدار بالمنجنيقات سورا على السورء وملاً أبراجه 
بالحماة المساعير. وخرج الوزير ابن هبيرة ويم تحت التاج الشريفء عند المثمنة على 
شاطئع دحلة؛ بحيث يطل الخليفة من المثمنة على نحيمة وزيره» ويقرب الاستثئمار في 
دقيق الأمر وجليله» وقليله وكثيره. وفتح باب الكرم المرّتحى المرئئج. وثبت قلب 


)١(‏ المقانب: جمع مقنب» وهي جماعة الخيل تمتمع للغارة. 


> تاريخ دولة آل سلجوق 
الإسلام النافق المرنج . وأعد العدد الخاصة والخرجية» واستخدم المنجنيقية والجرحية. 

وكان من حزم الخليفة, أنه منذ توي السلطان مسعودء ونفي مسعود الخادم 
البلالي من بغداد, أوعز بإعداد الذخائر وادعار العدد, والاستظهار بشغل صناع 
السلاح. وكانت حجارة المنجنيق معوزة» فأحضر منها في السفن ألوفا صارت محرزة. 
وأمر ببتاء المراكب المقائلة» والسفن فَرَعْنَ في دجلة راسيات كالرّعْن”'). وعبر محمد 
شاه دحلة إلى الجانب الغربي من أعلى بغداد علي بعد منها بجموعه؛ وراع كل قلب 
بصذدوعه. وكان كل واعد رين الدين على كو جك فوصل بعسكر الموصل يوع الميعاد, 
في وفور من العدد والأعداد. وأطلوا من الجانب الغربي على بغداد. وكدروا المشارب» 
ووفروا المصائب. ثم بكروا وأشرفواء وبالغوا في العتو وأسرفوا. ووقفوا بإزاء التاج 
الشريف وشرعوا في السبع؛ حارين على سوء الطبع. ونبعت من معاجس قسيهم 
غروب النبع. وجرحوا من النظارة جماعة أحسنوا يمم الظنون وأمنوا منهم المنون. 
وقابلوا الفرض بالرفض» وقاتلوا الله تعالى بقتال خليفته في الأرض. ونزلوا على بعد 
من بغداد حى تألفت ألوفهم؛ والتف لفيفهم. وسيروا إلى الحلة والكوفة وواسط 
والبصرة ولاة ومقطعين. وشحنا ومتصرفين. 

وف كل يوم يُسيّر الخليفة في دحلة مراكبء مملوءة مقانب فيها المحانيق المنفاف» 
والعرادات اللطاف» والرماة الكماة؛ والجرنحية الكفاة. فيحاذون المعسكر المحمدي في 
دجلة ويرموهم) ويشووهم ويصموهم. حئ رأى السلطان محمد التنقل إلى حوالي 
سور بغداد» فجاء ونسزل على الصراة بدار يرنقش الزكويء وعبر أمراؤه الكبار إلى 
الجانب الشرقي مثل أتابك آيازء وعز الدين ستماز» ومن يجري بجراهما من ذوي 
الاعتزاز» وبقي على كوجك بالعسكر الموصلي في الجانب الغربي» والسلطان معه. 
وهو يعبر قٍ دجلة إلى دار السلطنة قي جانب بغداد كل وقت ويعودء. والبيض قد 
هجرقًا الغمود, والعقول قد انحلت منها العقود. وتبرز خيل بغداد في كل يوم منها من 
يأتي سور السلطان والظفرية» ويقفون خلف الباشورة المبنية للحملة على من يكرن 


)١(‏ فرعن: نزلن» كالرعن: كالحبل الطويل. 


تاريخ دولة ال سلحوق تشقن 

منهم في الجاليشية ''2. فهم يخرجون» ويخرحون ويخرجون. فيأمر لهم الخليفة 
بالعطاء؛ على قدر البلاء. 

وكان لكل جراحة على مقدارها عطاءء ولكل عمل مبرور حزاء. فتوفرت 
دواعي العوام على التهافت في نار الحرب كّافت الفراش ف النارء للفوز عند العود 
بالدين والدينار. فقامت الحرب على بغداد بالمساء والصباح, والغدو رالرواح. وطالت 
مدة الحصارء ول يؤثر في الأسعارء وما عز غير اللحمء ولا عز الملح. والأمل مقترب 
النجح» وخسران الخصم دليل الربح. وكانوا قد نصبوا من الحانب الذي من دجلة 
على مسناة دار العميد. وبقرب القمرية» منحنيقين عظيمين» وهموا بنصب منجنيق 
آخر على الخان الذي بناه سرخحك مقابل الئاج. ولو تم ذلك لأعضل داء الإزعاج. 
فعين الخليفة ليلا رجالا أتوا بنيانه من القواعدء وكان لوقوعه سحرا رجفات كأصوات 
الرواعد. وكانت السفن المترددة فقي دجلة برماة الجروح والنشاب والقوارير الحرقة؛ 
والنفاطات المزرقة» وقد آذتهم وآذنتهم بعجزهم؛ وعزت بإزهاقهم فأزهقت روح 
عزهم. وما كانت هم مراكب إلا عدة يسيرة يسخخرون ملاحيهاء ويخسرون مالكيها. 
ثم لا يثقون بالركوب معهم فيهاء فحاروا وخخارواء وتشاوروا واستشاروا. 

فقال لهم بدر بن المظفر بن حماد صاحب الغراف» وكان قد جاهر الخليفة 
بالخلاف: أنا أكفيكم بسفن مقاتلة» وأغنيكم ,عراكب حاملة؛» وحوار منشآت» 
وزوارق وشفارات 7( من بلد واسط والبطائح؛ من الداني والنازح. فحمدوه 
وشكروهء ومضى وأقاموا ينتظرونه حن وصل بالسفن الخفاف والثقال» والملاحين 
والرحال؛ فامتنع عليهم عبورها في البلد إليهم؛ ورتب الخليفة الرحال في المراكب 
للقائهاء وإحراقها بالنار وإردائها. ولما شق عليهم ذلك ردوها إلى فر عيسىء بعد أن 
مدوها إلى الفرات. وأحرجوها فوق بغداد في الصراة. وتكاملت مدة شهرين في ذلك» 
ثم بدأوا بعقد جسر على دجلة فوق دار السلطان من تلك الزواريق» وانسعت طريقهم 
في العبور بالتغريب والتشريق. وضايقوا في الحصر من الجانبين» وشددوا في منع الميرة 
)١(‏ الجاليشية: كلمة غير عربية ولعلها فارسية»: ولا ندري ها معن. 
(؟) شغارات: لعلها من شفر بمعئ استأصل أو ضيق. 


4* تاريخ دولة آل سلحوق 
وقطع الأقوات بجدع الأنوف وقطع اليدين. ووصل إليهم من الحلة أمراء ببئ أسد 
ورحاهاء وفتاكها وأبطالها. وقالوا هذه بغداد من حانب دحلة ما عليها سورء 
وتوانيكم في هجمها قصور وفتور. فسلموا إلينا المراكب لنهجمهاء وما أسهل علينا أن 

وأذن لهم السلطان في الزحفء فركيوا المركب مستلئمين معلمين» وعيروا إلى 
المدينة» على الموت مقدمين. ولما وصلوا إلى قرب السورء خرجوا من السفن شاكين, 
فرج إليهم من الباب من مماليك الخليفة من طاردهم وحالدهم: وهم مع ذلك 
يبعدون من الشاطئ» ويوسعون إلى الموت خطوة المصيب غير الخاطئ. ثم كثر عليهم 
رحال بغداد كثرة حصلوا منها تحت العسرء وي قبض الأسر. وتظافروا إلى السفن 
فغرق أكثرهاء وانخسف يبحم موقرها. وقبض الأمير حسن المضطرب وأخوه ماضيء 
وعدة وافرة من معروفي بن أسدء وعدم كثير ممن غرق أو قتل أو فقد. وأمر الخليفة 
تلك الليلة بصلب حسن وأحيه على دقل زورق» وأصبح الباقون على السور ما بين 
مصلوب مشنقء ومقتول معلق؛ ففتح الله لخليفته من المهابة لأوليائه والمهانة لأعداله 
كل باب مغلق. وسقط ف أيذيهم بعد ما بسط من تعديهم. 

ولما طال الحصارء وتمادى الانتصارء حاف الخليفة الغلاء, ففتح الأهراء؛ واقتصر 
للأحناد في الأعطيات على تفريق التمور فيهم والغلات. وأخذوهاء واحتاجوا إلى 
أنمانها في النفقات. فرموها في الأسواق وباعوها بالدينار. فحمد بذلك استعار تار 
الأسعار» وما زاد سعر في الأقوات ولا غلا مطعوم ف وقت من الأوقات. 

وفي صفر سنة "هه هه وصلت قافلة الحج, فوحدوا دار الخليفة محصررة: 
والهمم من الخارحين على خخلاف تعظيمها مقصورة» ونزلوا في المعسكر السلطاني؛ 
ثم تفرقوا إلى بلادهم» ورحلوا طالبي أغوارهم وأنحادهم» ومن كان من بغداد تحيل في 
الدحول إلى منزله؛ والوصول إلى منهله. وببغداد حينئذ خخلق من التجار» يريدون بل 
يؤثرون مرافقة الحاج؛ ويقولون م أحذوا البلد بوا بضائعناء واستخرجوا ودائعنا. 
فحضروا التاج» وأكثروا الضّجاج. وحاولوا من ضيقهم الإفراج. فقال لهم الوزير: " 
أمير المومنين يقول لكم: أنتم في حرم إحسان؛ وفي ضمان أماني. ولكم بي أسوة. 
وهذه النوبة؛ ما لها نبوة. وأموالكم في البلد مصونةء وبأسباب الرعاية منا مضمونة. 


تاريخ دولة آل سلحوق دكن 

وإذا خرحتم؛ وضعتموها على طرق الطوارق» وتعرضت لكم دون السفر عوائد 
الحدئان في البوائق. فاصبرواء فإن الصبر محمود العواقب. والله لنا كفيل يفل ناب 
النوائب. 

فضجوا حي أضجرواء وزجروا فما انزجروا. فوكلوا إلى آرائهم الفائلة) 
وآرايهم الحائلة. فاستبقوا الباب» وما استبقوا الألياب. فخرجوا وأحرزوا تلك البضائع 
قي الدار السلطانية. ولح يقدموا مع تلك الفعن على السفرة الهمذانية. فما مضت عليهم 
إلا أيام قلائلء حى غالتهم غوائل. فنهبوا وسّلبوا وأصبحوا فقراءء وهذه سنة الله في 
الأغنياء» إذ كانوا أغبياء. وسنذكر سبب ذلك إن شاء الله. 

قال: وأما العسكر النازل» فإن السلطان رأى مراسلة الخليفة بالاستعطاف 
والاستعطاء؛ والاستغفار والاستعفاء. وكان في صحبته من العلماء صدر الدين محمد 
ابن عبد اللطيف النجحندي؛ وهمس الدين أحمد شاذ الغزنوي. فأرسل كلا منهما على 
حدة, فلم يمكنا من الوصول. وقيل لا مطمع في مح السوال بالرسول. فإنكم لو أردتم 
الإجمال» لقدمتم الأرسال. والآن» إن استرجعتم» ورجعتم؛ ورأى الوري منكم الندم 
على ما فعلتم؛ فهنالك نسمع الرسائل» ونقبل الوسائل. فقنط القوم من قبول الرسالة؛ 
وشرعوا قٍ الشرء وعادوا إلى العدوان» ولجوا في العصيان والطغيان» وتخريب العمران. 
وانخرقت مهابتهم عند أهل بغداد. فطلبوا بكل نوع عليهم الاستحواذ. فصاروا 
يكبسونهم في الضياعء ويغافصوفمم"؟ بالقراع. ويقطعون الطرق على علاقتهم 
ويوجدون السبل إلى تكثير مخافتهم. وكانت الأكلاك واصلة من الموصل إليهم بالميرة؛ 
والأقوات الكثيرة. فتلقوها في دجلة فأحذوهاء وعبروا يما عليهم وعجزوا أن ينقذوها. 
وامتنع أهل الموصل بعد ذلك عن تسيير الأكلاك فما أنفذوها. 

وكان وزير الخليفة منذ وصل محمد للمحاصرة واصل مكاتبة أتابك مس الدين 
إيلدكز. وحنه على الحركة مع أحد الملكين: ملكشاه. أو أرسلان شاه إلى همذان, 
فوصلهم الخبر بأن ملكشاه هجم على البلاد» واستولى على الطراف والتلاد. واقتطع 
الإقطاعات وحوى الغلات» ورفع الارتفاعات. ففت ذلك في عضد العسكر وتضعضع 


)١١‏ غافصة: أي فاحأه وأحذه على غرة. 


ووم تأر بخ دولة آل سلجوق 
ثباتهم بهذا الخبر. وحمى أيضا عليهم الحرء واشتعل البر والبحر. فاجتمع عند السلطان 
الخواجكية والأمراءء والأمائل والكبراء. وكان الوزيرء شمس الدين أبو النحيب الأصم 
الدركزيئ؛ والمستوتي رضى الدين أبو سعد الخوافي» ونائب الاستيفاء» كمال الدين أبو 
الريان ومن الأمراء أتابك آياز» وعز الدين ستمازء وشرف الدين كردباز» ومسعود 
البلالي» وظاهرهم على الرأي زين الدين على كوحك الموصلي» وقالوا نعبر بأجمعنا إلى 
الجانب الشرقي ونصدقهم القتال» وندم عليهم النزال. فإن تيسر الفتح فقد سفغر 
النجح. وإن تعذر وتعسر تفرقنا على مواعدة المعاودة من قابل» وحصلنا من إدراك 
الطوائل على طائل. 

ثم عمدوا إلى الجسر الذي لهم فأحكموه؛ وتحاسروا على الحكم الذي اعتمدوه. 
وأصبح العسكر في يوم الأربعاء من شهر ربيع الأول وقد أذ عدته. ولبس شكته. 
وركب خبيله؛ وسحب من السوابغ على السوابق ذيله. وشرعوا ف العبور على اللجسر 
مزدحمين» وعلى العثور بالمنية مقتحمين. واتفق في ذلك اليوم هبوب ريح عاصف» 
وتموج بحر من الهواء قاصف. وتلاطمت الأمواج؛ وتزاحمت الأفواج. وثقل اللمسر 
وانقطع» وهم العسكر أن يرحع فلم يجد طريقا للرحوع. وغناف من على الجسر من 
الوقوع, فمدوا أيديهم إلى الدبابيس فاضطربواء واضطروا إلى التنكيس والتعكيس. ولم 
يشعر من ورائهم بالأمرء ولم يطلعوا على انكسار الجسر. وانخرعوا لما هالحم؛ وحسبوا 
أن خخطبا غالهم؛ فهاموا وما فهمواء وهموًا بما وهمواء وركب السلطان عند اشتباه 
الخطبء واتحاه الخبط» وشظ نازلا ونزل إلى الشط. 

فقيل لزين الدين علي كوجك: إن السلطان قد ركبء وأن العسكر قد 
اضطرب. وأنه قد عبر إلى الدار» وحصل على الاستشعار. فركب أيضا ف العسكر 
الموصلي على سبيل الاستظهار. ولما شاهد أهل بغداد اختلافهم واختلالهمء واحتلاطهم 
واختباطهم, فتحوا أبواب البلدء وهتفوا بأرباب الخلد. ونادوا بشعار أمير المومنين 
ونصرهء: وزحف العالم في بره ويحره. وجذفت السفن الخفاف يمن حف من الرجال» 
وهجم الحق على الباطل بالأبطال. والقوم مشغولون بأنفسهم؛ حائرون لما عراهم من 
تعكسهم. ومن حصل منهم في الجانب الشرقي» لا طريق له إلا اللجانب الغربي. فتقحّم 
البغداديون على الدار السلطانية وأجلوهم عنهاء وأبعدوهم منها. ودخلوها وقبوا ما 


ناريح دولة ال ليوف فشكن 

فيها من الأموال المودعة؛ والأثقال المجمعة. وعائوا في بضائع الّحر وودائع السفر. 

ولما لم يبق في الدار شيء قلعت أبوابماء وقطعت أسباها. وانصرف القوم هائبين, 
خائبين سادمين نادمين» وشغلوا عن أُتُقَاهمء وثقلوا بأشغالهم. ووقفوا على صهوات 
الخيل» إلى دول الليل. ثم سَرُوا وأدلجواء وعرحوا إلى تلك المسالك ولم يعرجوا. 
وسار من الجانب الغربي من عساكر همذان وأذربيجان مع عسكر الموصل للضرورة» 
ودقعوا إلى ها لم يقدروه ول يخطر لهم من الأخطار المقدروة. وأصبحت يغداد وقد 
أتاها الله بالفرج» وقرن قاءها بالبهج؛ وأحكم حكم نصرها من ألطافه بالحجج. 
وأنحى أهلها في سفينة السكينة من طوفان الفين المتلاطمة اللحج. وغيض الماء وقضي 
الأمر ونصر الحق وحق النصر. وكف المقتفي عن اكتفاء المنكفين» وستر على 
المستترين منهم في المحال والمختفين. وانتشرت عساكر أمير المؤمنين في البلاد» 
واستبشرت بالنصر المعتاد. وعرف الأعاحم أنه لا مطمع بعدها ف بغداد وحبرت 
قصائد في هناء الإمام» واستخدمين الوزير عون الدين تلك السنة في النيابة عنه بواسطء 
فنقلي عن المدرسة إلى العمل؛ وعطلئ عن الاشتغال بالعلم» وظن أنه حلاني بشغله من 
العطل. 

ذكر وفاة السلطان سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان 
ابن داوود بن ميكائيل بسن سلجيق وشرح نبذ مسن أحواله من ابتداء 
عمره إلى خاتمة أمره 

قال -رحمه الله-: توثي سنجر يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الأول سنة ؟5هده 
ه بعد خلاصه من أيدي الغزء وكان مولده بظاهر سنحار؛ يوم الجمعة لخمس بقين 
من رحب سنة 41/١‏ ه»ء وولاه أحوه بركيارق بلاد خراسان سنة 45٠‏ ها. 

ذكر السبب في ذلك 

قال: كانت بلاد خحراسان في أيام ملكشاه ساكنة الممالك» آمنة المسالك 
مشحونة الأطراف بالشحن؛ مسكونة الأكناف بالسكن. موطنة الديار بالأبرار» دارة 
المواطن بالمبار» ونظام الملك بنظام الملك مستتب مستدفء ونائله لذوي الفضل 
مستكف ولذوي الجهل مستكف. وما بخراسان رأسان؛ وما تسلط يما سلطانان. فلما 


0 تاريخ دولة آل سلحوق 
استشهد النظام» وأباح حمى ملك ملكشاه الحمام انفسخت تلك العقودء وانتخت 
تلك العهود. واستشرى الشرء واستضرى الضر. واستولل كل صغير على كبيرء وكل 
مأمور على أمير. 

وكان للسلطان ملكشاه أخ يقال له أرسلان أرغون؛ وكان مقطعا بمبلغ سبعة 
آلاف دينار في نواحي همذان وساوه, فقيل له: إلى كم تلزم مرارة العطلة والقناعة ؟ 
وتمجر حلية الملك والحلاوة ؟ وحركوا ساكنه. وبعثوه على شغل أخلى عنه مساكنه. 
ففزل عن قراء القرار» وركب مطا المطار. واشتد بطل الطلب» وشد ليب اليب. 
وحاء إلى نيسابور فما تمكن منهاء ودفعه أهلها عنه فصدع مروة مروء وقال أملكها 
ولا غرو. فانقاد لأمره الأمير قودن شحتتهاء وجعلت تحت مكلته أمكنتها. فقوى 
أرسلان أرغون بقودن, فإنه وحد الجواد وعدم الكودن. واستولى على بلخ وترمذء 
وصفت له خحراسان» وحيزت بلدانه البلدان. وكتب إلى ابن أيه السلطان بركيارق: 
" إني قد ملكت موضع جغري بك داود حدي؛ يجدي وجدي, وقد رضيت به رضاء 
قانع وأنا فيما سواه غير طامع ولا منازع. وأنا باذل لما تطلبون» وحامل لا فيه 
ترغيون". فرأى بركيارق أنه بالعراق في شغل شاغل» وهم زائد غير زائل. فأمسك 
عنه, وأظهر أنه قبل منه. 

ثم بدا له وآثر قتاله» وكان عنده عمه الآخر بوري برس بن ألب أرسلان فأمضه 
لقتال أيه وضم إليه مسعود بن ماجر» وأمير آخخر التونتاش» واجتمعت عليه عساكر 
خراسانء» فطار من النشاط وطاش» وحث العم البطاش. فأما مسعودء فإن التونتاش 
توهم منه ما قيل له ففتك به وبولده. وصار الأمر كله في يده. ووزر للملك بوري 
برس» عماد الملك أبو القاسم بن نظام الملك» فوضع ورفع» وفرق وجمعء وخرق 
ورقع؛ وضيق وأوسع. وصاف بوري برس أحاه أرسلان أرغون وصدمه وحط عليه 
وحطمه. وهز طوده وهزمه. فعاد أرسلان أرغون إلى بلخ مكسورا عورا وأقام 
بوري برس بمكانه منصورا مسرورا. 

ثم أرسل أرسلان أرغون إلى الأطراف والأوساط, وحشد وحشرء وفض إلى 
مرو وفرض مروتهاء وحط ذروتما. وفتحها عنوة وهدم سورهاء وقتل جمهورها. وبرز 
بوري برس من هراة لقصد لقائه» وحفظ البلاد من بلاله. فزحف العسكر إلى 


تاريخ دولة آل سلحرق ظ الشكنا 
العسكرء وطن الذباب في المففر» وضبح الثعلب في لبة الغضنفر. وحى ثمر النصر من 
ورق الحديد الأخنضر. وطارت فراخ الجنعاب إلى أوكار المقل؛ وأدمت لواحظ السهام 
من الخدود مواضع القبل. وبرز البوار لبوري برس وكسرء وأدرك وأسر. وحمل إلى 
أخيه أرسلان أرغون» فما رق له ولا رفق» فاعتقله في ترمد ثم محنقه. وأخل وزيره 
عماد الملك بن نظام الملك وصادره على ثلثمائة ألف دينار ثم قتله. ول يترك سوءا إلا 
عمله لا حرم أخذه الله وأقدر عليه قدرهء وسلط على صفوه كدره. فإنه عاد إلى مرو 
وظن أنه ملك وأن خصمه هلك فقال له منحمه: 
" أرى عليك قطعاء وأنت لا تملك لما قدّر دفعا. والحزم تحررّك وتحرسكء إلى 
أن تؤمن المخافة. ولا تخشى الآفة ". فاحتحب عن أصحابه؛ وأغلق رتاج أبوابه. ولم 
بدع إلا مملوكاً صغيراً كان به يأنس فانتظرهء وأنكر تأخره. فلما حضر عاتبه كيف 
أبطأء وعاقبه حيث أخطأ. فضربه الغلام بسكين معه وصرعهه فَقَضى موضعه. فلما 
غيل للمملوك لم فعلت ما فعلته؟ وعلام قتلته ؟ قال: " أردت أن أريح الخلق من ظلمه؛ 
وكان هذا بقضاء الله وسابقاً في علمه ". وقتل أرسلان أرغون في سنة.49 ه وسنه 
1 سنة. 
وكان السلطان بركيارقء» لما عرف استيلاء عمه على خراسانء» قلدها أنحاه أبا 
الحارث سنحر» ورتب معه العسكر. فوصل الخبر ممقتل عمه فكفي قتاله» واستصوب 
إنفاذ أخيه وإرساله؛ وسار ومعه سنحرء فلما وصل إلى دامغان وصله الخير أن 
أصحاب عمه قد أحلسوا مكانه ولدا صغيرا له فلما علموا بمقدم سنجرء هضوا 
بالصبي وهو ابن سبع سنين» وطلبوا من السلطان بركيارق» لا عرفوا قربه منهم؛ له 
الأمانء وأظهروا له الإذعان. وأحضروه عنده فأكرمه؛ واحترمه وقدمه. وكان وصول 
الميي في حمسة عشر ألف فارسء وقد استصغروه؛ ومهبوا حزائته وأفقروه. وأقطعه 
السلطان بر كيارق ف نواحي الري وهمذان. ودخل بركيارق إلى حراسان» وبلغ إلى 
ترمذ واستولى على جميع بلاد خراسان ونفذ في سمرقند أمره. وولاها للخان سليمان 
نكين ثم لمحمود تكين بعدهء ثم أقرها على هارون تكين وحده. وأطاعه إبراهيم صاحب 
غزنة» وأعطاه الله في البسيطة المكثّة. وبقي سنحر معه لا متوليا متحلياء ولا موليا 
متخلياً. بل عليه اسم الولاية» وعقد الرأي والراية. حى سمع السلطان بركيارق عن 


٠-2112‏ 1< عند عات 
العراق كما تم من الفتوق» وما وهي به من عقّد الوئوق. 

ومضى مؤيد الملك بن نظام الملك إلى حنزة لبعث السلطان محمد بن ملكشاه 
على طلب المملكة» وحنه على الحركة. فسار محمد إلى الري وب ركيارق بماء فلما وصل 
محمد إليها فارقهاء وأذت أمه زبيدة خاتون فحبسها السلطان محمد وخنقها. ومضى 
بر كيارق إلى بغداد على طريق حوزستان وواسطء واتصل به سيف الدولة صدقة بن 
منصورء وعاد إلى بلده بوفر ووفورء وحباء وحبور. وعاد إليه كوهرائين وكربوقاء 
فرج على طريق شهرزورء واجتمع عليه من التركمان خلق كثير» وحارب أنحاه 
محمدا بموضع يقال له كورشنبه فافزم؛ وانفل حده وانثلم. وسار في خمسين فارسا إلى 
أسفر ائين» ثم تم إلى نيسابور واستنجد الأمراء واستجد الأمور. وقبض على وجوه البلد 
وأمائله» وأحين على أعيانه وأفاضله» ومات فخر الإسلام أبو القاسم بن الإمام أبي 
المعاللي الجوين في اعتقاله.» وكان السلطان سنحر حينئذ ببلخ مع رجاله. ومعه الأميران 
كندكز وأرغشء وكان قد استولى على معظم بلاد خراسان رحل يقال له حبشي بن 
التونتاق» وقد شق العصا بالعصيان والشقاق. وهو مقيم بالدامغان, وتحت استيلائه 
أكثر بلاد خراسان وطبرستان وحرجان ومعه قلعة كردكوه. وقد تطرق منه المكروه. 
فنهض سنحر ف أرغش وكندكز إلى قتاله» وهو في عشرين ألف من رجاله. ومعه 
حمسة آلاف فارس من الباطنية أصحاب إسماعيل الكلكي صاحب طبس وقويت قلوب 
السنجرية بوصول السلطان بركيارق فأقدموا إقدام الليوث» واستلوا استهلال الغيوث. 
وصدموا الأطواد بالأطوادء وأنكحرا الحام بئات الأغماد. وكانت الكرة عليهم ثم 
صارت لهم؛ واستحلوا قتالهم وقتلهم. ووقع حبشي في المزيمة إلى بعض القرى» فأخذ 
افع وحمل إلى الأميرين أرغش وكندكز فاعتقلاه. وبذل عن نفسه مائة ألف دينار 
فلم يقبلاه وقتلاه. 

وعاد السلطان بركيارق إلى العراق» واتصل به جاولي سقاووء وأيتكين 
النظامي؛ وأصبهبد صباوه. ثم جاء الأمير آياز في خمسة آلاف فارس مدرع مقنع. 
وقصد همذان وهو في حمسة عشر ألفاء وأخحوه السلطان محمد يما في سبعة آلاف؛ 
فاصطدما والتقياء واحتدما وإصطليا. وتحلت الوقعة عن هزيمة السلطان محمدء وأفلت 
منها بحمع مشردٌ. وأسر مؤيد الملك وقتله بركيارق بيده تشفيا منه بقتله, لما سبق إليه 


تار يخ دولة آل سلحوق ههم* 
من سيئات فعله. وانتزح السلطان محمد إلى جرحان؛ واتصل الخبر بأخيه سنجر فاغتم 
لواقم ووباء ماك <وانقك ‏ الهد عار كيرا عن تستاترر» لرحيان للقناةه «ولفية 
يحرجان؛ وصحبه إلى بغداد وجعلا دار الخلافة المعاذ والمعاد. وجلس الإمام المستظهر 
هماء وأفيضت الخلع عليهماء وعقد الخليفة هما اللواء بيده. واستقام كلاهما من الملك 
على جدده. 

ورحل سنجر على سمت خراسان عائداء وتأهب محمد لقتال ب ركيارق عامدا. 
وتصافا بقرب روذ راور ثم افترقا من غبر قتال» واتفقا بعد ذلك على صلح وإصلاح 
حال. ثم انفسخ بينهما عقد السلم» وجرى كلاهما من قصد أخيه على الرسمء 
ووقعت بينهما بالري وقعة أرى؛ واتصلث بين العسكرين رسل المنايا تترى. وحوصر 
السلطان محمد بأصفهان. فراسله الملك مودود بن إسماعيل بن ياقوق بن ميكائيل. يعده 
بالاتصال به وإسعافه قي تصرفه بممطالبه. فخرج السلطان محمد من الحصار» ومضى 
صوب أرانية) واخترم مودود قبل احتماعه به» وقوى محمد بعسكره. فسار بركيارق 
لحربه: والتقيا على باب نخوى في حماد الآخر سنة 14945ه, وانهزم محمد إلى بلد آني) 
ثم توسط بين الأحوين الأقاصي والأداني. وقسم الملك بينهما قسمين» واستقر أن 
يكون للسلطان محمد ما وراء النهر الأبيض المعروف باسفيذروذ مع الموصل والشام؛ 
وعاد الملك هذه القسمة إلى النظام. وخطب لبركيارق ببغداد وأصفهان وجميع العراق» 
وسائر الأقطار والآفاق. فلما سكن إلى قدرته حركه القدر» ودنا من ورد عمره 
الصدر. وتوثي ببروحرد قي شهر ربيع الآخر سنئة 454 ه. 

1 عرد إلى حديث سنجر 

قال: واستمر أمره بخراسان وقويت سلطنتهء وتسلطت قوته. فقدر قدر ان 
صاحب ما وراء النهرء أنه إن عبر إلى بلاد حراسان؛ ملكها بيد القهر. وطمع فٍ 
سنحر لصغر سنهء ودار تسويل هذا السؤال في ظنه. وكان الأمير كندكز يكاتبهء 
وعلى التأخر يعاتبه. فعبر النهر في مائة ألف يضيقون الفضاء الواسع» ويحققون القضاء 
الواقع. وهو لقصد سنجر مصمم وللقائه مقدر. فاتفق أن قدر حان خر ج عن عسكره 
متجرداء وبخواصه متفرداء وبعد عن مخيمه ف ثلاثمائة فارس متصيدا. فعرف سنجر 





ررس لجمط :عالت اي حي دار عا عضا درم كا عم شنا لاحك فش مي سزحتسو "١‏ تبح رك ميج الما بد يندا 


الفرصة فيه فأدركها وانتهزهاء واعتد انفراده غنيمة فملكها وأحرزها. وأفض إليه 
يرغش أسفهسلار عسكره في عدة منتخبة» فتصيده من مُتصيده ووقع ف يده وقد 
سقط في يده. وسهل لي سنحر من أمره ما عده عسيراء وحمل قدر ان وأحضر بين 
يديه أسيرا. ثم أمر به فضرب عنقهء وتفرق جمعه؛ وانطفأ شمعه. وعاد السلطان سنجر 
إلى مقرهء وطلع فيلقه بفلقه. وذلك في حياة أيه بركيارق قبيل أيام وفاته؛ وساعده 
السعد من جميع ججمهاته. 

ثم استمرت سعادته وسعدت أمورهء وأنارت مطالعه وطلع نوره. وقصده 
بحرامشاه من أولاد المبلطان محمود بن سبكتكين إليه لاحياء ولانحاده نكا ولشقيقه 
المستقر على سرير ملك غزنة مشاققا مداحيا. فرعى وفادته» ورأى إفادته. وآثر إيثاره 
في إحارته وإحابته. واعحتار احتهاره في إغائته وإعانته. فجعل غزنة مغزاه» وبلغ الخبر 
إلى السلطان محمد فلم يحمدهء وكتب إليه أن "هذا بيت كبير فلا نقصده". فرد نصح 
الأخ؛ واستعد لإصراخ المستصرخ وذلك في سنة 05٠١‏ هم وخرج صاحب غزنة وجر 
ذيولهء وأحرى سيوله؛ وصف خيوله؛ وزف فيوله. وحاء سنحر والجتر على رأسه 
حافق: والنصر ليمينه مصافق. وكان لصاحب غزنة حخمسون فيلا قد صفها بين يدي 
308 وألفها قدام ألوفه» وعليها الكماة والحماة» وذوو الحمية الرماة. وكادت تصح 
على سنجر الكسرة؛ فإن الخيول نفرت من الفيول؛ حين أقبلت كالسيول. فترحل 
الأمير أبو الفضل صاحب سحستان؛ وقور في الإقدام» ودخل بين قواكم الفيل الأعظم 
فشق بخنحره بطنهء فصاح الفيل وولى ظهره؛ وانَبِعَت الفيلة أثره. فافزم العسكر 
الغزنوي؛ وانتصر الحرب السنجري. واحتوى على أموال غزئة وخزائئهاء وحصل على 
ظواهرها وبواطنها. وكان ملك آل محمود من أول عهده بكرا لم يُفتض» وختمالم 
يفض حين أتى سنجر وكسر سكره: وهتلك ستره. 

فلما استصفى أموال غزنة وفرغ خحزائنها المملوة» ونفض كنوزها المحشوة. 
نصبٌ هرام شاه على سريرها وأمّره. وقد خحرها بتعميرها وشغل ذمته بما يؤديه إليه 
كل سنة من قرارء وهو مائتان وحمسون ألف دينار. وكتب إلى أيه السلطان محمد 
ببشرى الفتح» ويسرى النّحح. فوحم لذلك وكان في مرضه الذي شغله. وسقمه 
الذي فكه وأنحله. وتوت بعد ذلك بسنة» وقوي سنحرء واحتمع عليه العسكر. وقصد 





بعد ذلك بسنتين سمرقندء وأجى حناها الجدد. وذلك بعد 0 حصرء وتضييق 
عصر. وكان صاحيها أحمد حان؛ الكبير الشأن, الأثير السلطان. وهو الذي كان له 
اثنا عشر ألف مملوك تركي. وكان لا يترك غزو الترك؛ يتوغل ف بلادهم مسيرة 
شهرين؛ وينثن ظافر اليد قرير العين. ثم أصابته علة الفالج» وأعى طبه على المعالج. 
وبقي سنجر ستة أشهر يحاصره؛ ويضايقه ويصايره. إلى أن أخرج إليه أحمد نحان؛ في 
محفة يحملها الغلمان. فأحلس بين يديه ساعة» وهو لا يجد للكلام استطاعة؛ ولعابه 
سائل» وشدقه مائل. ثم حمل إلى دار الجرم للقرابة الي بينه وبين تركان عماتون زوحة 
سنحره وولي نصر ان مكانه» وأحيا به سلطانه. 

ثم غدر صاحب غزنة الملك هرامشاه بعهد سنحرء ونكل عن ضمانه؛ فعزم على 
التوحه إلى غزنة ثانياء ولأعنة جيوشه وجدوده إليها ثانياً. وفض إليهاء ولما بلغ إلى يَسلْتْ» 
عسر عليه الوصول» وحالت الوحول. وتعذرت العلوفات» وكان التبن أععمر من التبرء 
والشدة حاوزت حد الصير. فما اكترث بذلك وقورء وأقدم فبهر يهرامشاه رعبة؛ وأبعده 
إلى لغهاوور قربة. ووصل سنحر إلى غزئة مغيراء ولكأس الدوائر عليها مديرا. وسلبت 
أموال وأرماق وهبث محال وأسواق. ولا انحسر الشتاء ورتب أمور غزنة» عاد إلى 
خراسان. ولما توق أحوه السلطان محمد بالعراق في سنة ١١ه‏ هبء وتولى أبنه مممود 
السلطنة؛ وحدثت تلك الحوادث» احتاج سنحر إلى الإمام بالعراق؛ فجرت الوقعة الم 
قدمنا ذكرهاء وأوضحنا عرفها ونُكرها. وما عاد مسنجر إلا وقد علب له بالعراقين 
وبالشام والموصل وديار بكر وديار ربيغة والحرمين؛ وضربت الدنائير باسمه في الخافقين. 
ويلقب بالسلطان الأعظم معز الدنيا والدين» وولى ابن أخيه محمود بن محمد عهده 
بالعراق» ونعته بحغيث الدنيا والدين. وقد ذكر وصول سنجر إلى العراق في أيام محمود 
نوبتين» وفي غهد طغرل وني عهد مسهود دفعتين» ولكنه في زمان مسعود لم يتجاوز 
الري. ظ 

ذكر وزراء السلطان سدجر بفراسان 

قال -رسمه الله-: كان من كتّابه المحصوصين به في صغره العميد أبو الفتمم بن أبي 

الليث؛ وصل معه إلى بغداد في ثامن شوال سنة 5م141 ه.) ومع ستجر أتابكه كج كلاه 


ممم تاريخ دولة آل سلجوق 
وذلك في عهد أخيه بركيارق» وابتداء خلافة الإمام المستظهر. واستوزر عند مضيه إلى 
خراسان فخر الملك المظفر بن نظام الملك: وكان مبر المبرة» سري الأسرة» منصور 
الصحبة؛ مصحوب النصرة. ورزق التأييد والتمكين» ومشّي الأمور عشر سنين. وقتل يوم 
عاشوراء من سنة 0٠٠‏ ه. واستوزر بعده ولده صدر الدين محمد بن فخر الملك» فكفى 
المهم» وشفى الملم. ونظم المنثور؛ وضم المنشور. وقتل ببلخ غداة الأربعاء لسبع بقين من 
ذي الحجة سنة 6١١‏ هس. 
ذكر السبب في ذلك 

قال: كان للسلطان سنحر مملوك يقال له قايماز قد استحسئه واستخصهء 
واشتهر بحبه واستخلصه وقد أصبح به ف وشغفه ا وتسحب على السلطان 
بدلاله وإدلاله. وما صار يبالي لعمله باشتغال باله به بشغل باله. وكان هذا المملوك 
يعرف بكج كلاه» أي مائل القلنسوة. وكان الوزير أبداً ينهاه؛ ويرده إلى نماه. وقال 
له يوماً: " إن عقلت وإلا دبرت في تسويتك» وقومت ميل قلنسيتك". فقال له غير 
مكترث بوعيدهء وقابل تهديده بتهديده: " إما أن تسوي قلنسوي وإما أن أسوي 
عمامتك". فاتفق أن السلطان كان في ضيافة الوزير» واصطبح واغتبق عنده ثلاث 
ليال. فلما كان ف اليوم الثالث والسلطان ف سورة راحه» وسكر اصطباحه؛ وقد 
ذهب ذهنه وضعفت قوةٌ تمييزه» وعينه في عين المملوك ويده في يده وقد ملكه بغمزته 
وتغميزه. فغافله ونزع خاتمه وساتره أمره وكاتمه. وقام ومضى وهو حاقد والوزير 
في حجرته راقد وقال: " استأذنوا لي عليهء فقد جئت من عند السلطان بهم إليه ". 
ولج حب ولج؛ وكل من كان حاضرا بدعوله خرج. 

فلما استخلى المجلس» وأصغى الوزير له واستأنس» حز رأسه وعلقه من يده 
ودخل على السلطان ووضعه بين يديه. قفصحا سنجرء وهاله ما جرى من اجترائه 
واحتراحه؛ وأخافه ما تم من اقتحامه واتقاحه ('2. واستدعى الأمير قماحاء وهو أوضح 
أصحابه في الرأي منهاجا. وقال له سرًا: " انظر إلى ما صنعه هذا المؤاحر بوزيري» 
وقد نعْص على سروري وسريري. فأخرجه من عندي على وجهه سحباء وقطعه إربا 


)١(‏ الاتقاح: قلة الحياء. 


تاريخ دولة آل سلجوق نكل 

إربا" فقال له: " هذا أمر فظيع» وصنع شنيع. وحفظ الناموس يوجحب أن لا يعرف 
أحد من رعية بلدانك؛ أن مثل هذا الأمر يتم في سلطانك» بغير استئذانك فأظهر أنه 
جحرى بإذنك؛ وصن جاهك واحذر من وهنك؛ واركب الآن إلى دارك؛ وارجع إلى 
قرارك". فقبل النصيحة؛ وكتم الفضيحة. ثم أمر بعد مدة بقتل ذلك المملوك أسوأ قتلة» 
ومئل به أقبح مثلة. 

واستوزر بعده ابن أنحي نظام الملك» وهو شهاب الإسلام» عبد الدوام ابن 
الفقيه عبد الله بن علي بن إسحاق» وكان ذا فضل وإفضالء وقبول وإقبال» وبأس 
ونوال. منبحرا في علم الشرع, متكلماً في الأصل والفرع. وصارت للفقهاء ني 
ماح سوق لير نت هع جاتن وحدرقه 1م يزل مقصدا للفضلاء. ومفضلاً 
على اماه سديد الأمر آمرا بالسدادء وتحلى الك تخلاه. وتحلى بسناه إل أن 
توق بسرخس يوم الخميس السابع عشر من المحرم سنة هاه هصل. 

وتولى الوزارة بعده أبو طاهر سعد بن علي بن عيسى القمي» وكان وجيه 
القدر, نبيه الذكر. وكانت وفاته يوم الأربعاء الخامس والعشرين من النحرم سنة ١ه‏ هب. 

وتقلد الوزارة بعده الكاشغري: وصرف عنها في صفر سنة 5١4‏ ه. وتقلد 
الوزارة بعده معين الدين» مختص الملك؛ أبو نصر أحمد بن الفضل بن محمود؛ وقد تقدم 
ذكر فضله. وشكر نبله. ولقد كان أمحد الأحواد, وأحود الأبماد. وهو الذي حسب 
أيام عر ورد كل مظلمة حرت على ذكره. واستدعاه السلطان سنحر لافتقار ملكه 
إليه؛ وعول في وزارته عليه. وفتكت به الباطنية يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من صفر 
سنة 67١‏ هل. 

وقلد الوزارة بعده نصير الدين أبو القاسم محمود بن أبي توبة المروزي 
وكان أوزر الفضلاء؛ وأفضل الوزراء. ولم يزل للأفاضل جامعاء وللأراذل قامعا. 
وقصده أهل الفضلء» وآواهم بالإحسان الوافر إلى وارف الظل. وخدمه العلماء 
مصنفاتم؛ وخصوه ,مضافاتهم., وصف له عمر بن سهلان كتاب ” البصائر النصرية 
". وهو الكتاب الذي لم يصنف مثله في فنه؛ ولم يسبق إلى إحسانه فيه وحسنه. 
قال: وأنشدنى بأصفهان شيخنا جمال الدين عبد الرحيم بن الأخوة الشيباني 
البغدادي من مدائلحه فيه عند سفره إلى خراسان» واجتدائه منه الإإحسان, قوله من 





خل الظلام لأيدي الضمر القود 
الليل والناجيات الضمر أخلق بي 
ومنها: : 
وللقراضب مئني هبّة وسمت 
فرع الظبي بالظبي أشهى لسامعتي 
والأعجبان وأحوال الورى عجب 
ومنتشين على الأكوار رنحهم 
إذا اطمأنت يحم أرض نبت بهم 
شاموا بروق الغني وأشتف أنفسهم 
حتى اطباهم وقد كلت عزائمهم 
لين السجايا ولي أثنائها شرس 
والمرء والسيف ها لم يبديا أثرا 
فذاك والأفق ‏ مغبر هيادبه 
كما يراعخك و«لحيجاء كالحة 
إذا اعتلى صهوة القرطاس ضاحكة 
فدم ببما يكمد الأعداء مغتبطا 


قصيدةٌ مدحه با بنيسابور ليلة عيد الفطر سنة اه ه: 


يهتكن ما انبت من أثوابه السود 


إذا تصاريف أزمائ حنت عودي 


يمن ما أزور من هام الصناديد 
من مسمع خنث الأعطاف غريد 
غمر معنى وخر غير مكدود 
سكر الكرى لا مجاجات العناقيد 
حاج ثلاعبث بلمهرية القرد 
تطلع نحو لا بأس ولا جود 
ندى الوزير نصير الدين محمود 
والماء والنار يكتنان في عود 
حي كميت ومسلول كمغمود 
أروى لعافيك من وطف المراعيد 
يغني عن السمهريات الأماليد 
آثارك البيض في آثاره السود 
يفضي بلث السعد من عيد إلى عيد 


قال: وصرف عن الوزارة في سئة 7ه هم عند وصول سنجر إلى العراق بعد 
وفاة ابن أيه السلطان محمود بن محمد؛ وترتيب السلطنة لأخيه طغرل بن محمد 
مكانه. وكان القوام أبو القاسم الدركزيئ مستوليا على الدولة» وسأل السلطان سنجر 
أن تكون وزارته باسمه. وتحمري رسومها برسمه. ويكون هو بالعراق لشغل طغرل 
مدبراء وعلى توفر ماله وجاهه متوفراء ويستنيب في الحضرة السنحرية من يكفل 
بأمورها ويكفي» ويكلف ,مصالحها ويشفي. فأحيب سؤله وأصيب سؤله. وعزل العالم 


تاريخ دولة آل سلحوق لله 
وولى حهوله. وصرف ذلك الفاضل بمذا الناقص» وراج المغشوش بكساد الخالص. 
وتقلد نيابة الوزارة عن الدركزيئٍ ظهير الدين عبد العزيز الحامدي. و كان عبد العزيز 
هذا يسكن إليه سنجر لأمانته وديانته» وهو المعول عليه في خخزانته. وهو يناظر الوزراء 
في قرب مكانه ومكانته. وإنما فوض إليه الدركزيئ نيابته» لأنه علم أن الأمر بغيره لا 
يتمشى» وأن ثوب الملك بدون طرازه لا يتوشى. ولما صلب الدركزينٍ وضربت رقبته 
بالعراق» تقلد الوزارة السنجرية ناصر الدين طاهر بن فخخر الملك بن نظام الملك في 
جماد الأول سنة 74 ه. واستمرت وزارته إلى آخر العهد. وكان في تقويم ما تأود 
وإصلاح ما فسد باذلا للجهد. وتوق بعد بحيء الغز في ذي الحجة سنة /14ه هل. 

ذكر جماعة من خواص سنجر وتماليكه 


أحبهمى ثم سلاهم ووضعهم بعد أن أعلاهم 

قال -رحمه الله-: كان من عادة سنجر أن يشتري غلاما احتاره ثم يتعشقه 
ويشتهر بحبه؛ ويستهتر بقربه» ويبذل له ماله وروحه؛ ويجعل معه غبوقه وصبوحه. 
ويملكه .حكمهء ويوليه سلطانه. فإذا نسخ الليل نمارةء وسيج البنفسج جلتارة؛ سلاه 
وقلاه» وتخلى عنه وخحلاه. وانتهى ف مقته إلى أن لا يرضى يبمجره بعد وصله. ورأى 
الراحة منه في قتله. ومن جملة أوليكء مملوك كان لصيرفي امه سنقر؛ فعشقه سنجر 
قبل رؤيته فاشتراه بألف ومائين دينار ركنية» بعد تشريف لمالكه وعطية سنية. وحكى 
عن ظهير الدين عبد العزيز خازنهغ أنه قال: استدعاني سنجحر يوما وقال: إن آمرك بما 
هو أوفق لخدماتك: وأوثق لحرماتك؛ فافض فيه بثباتك. وأت فيه الممكن يوأتك 
فأحبته بالسمع والطاعة» وبذل الوسع والاستطاعة. 

فقال: " هذا مملوكي سنقر الخاص قرة عيئ وثمرة فؤادي» وريحانة روحي 
ونتيجة مرادي. وهذه خزاني تحت خحتمكء ومالي بحكمك. وحمول غزئة وخوارزم قد 
وصلت فاقبضهاء وبذول الممالك قد عرضت فاستعرضها. وهذه حدمي ال آمرك بما 
في حقه لا ترفضها وافترضها. ولا تستأذني ف شيء ولا تستأمر. وقدم هذا المهم 
واستخخر الله فيه ولا تستأخر. أريد أن تضرب له سرادق كسرادقي» وتحري له سوابق 
كسوابقي. وتشتري له ألف مملوك يمشون في ركابه. ويعشون إلى حنابه. وتحل إقطاع 


خض تاريخ دولة أل سلحوق 
من رأيت حل إقطاعه وتعقده عليه وتأخذ بلد من شت وتفوضه إليه. وتمعل له 
زانة كخزاني بالمال مملوة» وبأحناس الصياغات الذهبية والفضية بحلوة. وتجعل له 
ديوانا بحملا بأمائل الكتاب» وأفاضل النواب»: بحيث يكون بعد أسبوعين صاحب 
عشرة آلاف فارس". 

قال: فاستمهلته ثلاثة أشهر فما أمهل» وأمر بترك الريث واستعجل. فما زلت 
به ح فسح لي ف مهلة شهر ونصفء وشرعت ف الأمر وأنفقت على ما قدره في 
عشرين يوما سبعمائة ألف دينار ركنية» وذلك سوى ما نقلته إليه من الخزانة من 
الآلات المنسروية؛ والثياب المعدنية. وذلك سوى الإقطاعات» والولايات والتقريرات. 
ثم أخبرته» ولم بمض الشهرء بأنه قد استمر الأمرء فركب السلطان سنجرء فرأى 
العساكر صغوفاء والخيل صفونا حول سرادق سنقر الخاص» فرأى رواء ظاهراء ويماء 
باهرا. قال: فعانقي وشكرن؛ ونوه بي وذكرن. وفوض إلى أمر خحزانته» وأمرني 
بتحصيل مطالبه؛ ووصى كلا منا بصاحبه. 

قال: فلم مض سنتان حن اشتعلت تار مده في الدنخان فشنف ”© وأنف وعاف 
وعزف» وسنقر يزيد في التسحب عليه والتبسط. ويستدم مع عادة التسلي عنه عادية 
التسلط. وزاد في غيظ الأمراء؛ واستحقار العظماء؛ واستصغار الكبراء. وهو لا يبالي 
بسنجر إذا توعدهء ولا يلتفت إليه إذا تدده فاستدعى السلطان يوما جميع أمرائه إلى 
حجرة مفردة مفردين. ومن جميع أصحاهم سوى سلاحي واحد بحردين. وقال لهم: 
إذا دخل سنقر الخاص إليكم ضعوا فيه بأجمعكم السكاكين. فبادروا ارما برااي 
وامتثلواء وولبوا إليه ومثلوا. وعاد ذلك الضياء يجورا» وذلك البهاء هباء منثورا. 

قال: ومنهم قابماز كج كلاه قاتل وزيرهء وقد آل تعظيمه إلى تصغيره. ومن 
جملة من حباه بحبهء واحتصه بقربى الأمير المقرب الأحل اختيار الدين جوهر التاحي. 
وكان مملوك أمه ومن خحواص خدمهاء؛ وكانت توفيت أم سنجر في شوال سنة 11١ه‏ 
هء فانتقل هذا الخادم إلى خدمة سريره, ثم غلب حبه على ضميره؛ فغلب بذلك على 
تدبيره» ورقاه إلى ذروة لم يتسنمها أحد قبله, وأسماه إلى رتبة لم تر فيها عين مثله. 


)١(‏ شنف: أبغض. 


تاريخ دولة آل سلجوق رقش 
وبلغ عسكره ثلاثين ألفاء ثم مل السلطان طول مدته؛ ودبر في إخلاق حدته. وضاق 
بحال احتياله» فدس الباطنية لاغتياله. وتمى إلى جوهر تعرض جوهره لأن يصير عرضاء 
وعلم أن غرض السلطان أن يصير لسهم الحتف غرضا. فأنخحفى الي علمهاء وأسرها 
في نفسه وكتمها. فقال السلطان له يوما: " يا جوهرء إن أشى عليك هؤلاء الملاعين 
فتحرز منهم وتحفظ» وتحرم لأمرك وتيقظ". فقال له: "لو أمنتئي من نفسك ما خفت 
أحداء وما أردت ف دفع غائلة القوم مددا". فاحتمل السلطان مقاله» ورأى احتماله 
وركب جوهر ضحوة من داره» ورج خحروج القمر من سراره وقٍ ركابه ألف سيف 
مسلول. فلما نزل ف دهليز دار السلطان وكماته حواليه؛ وحماته من ورائه وبين 
يديه قفز إليه نفر من الباطنية» وضربوه بالسكاكين وأزاروه قادم المنية. ولما ارتفع 
الصياح قال سنجر وهو ف دار حرمه: "هذا حوهر قد قتل”2 فعلم أن ذلك بإذنه 
عمل. 4 4 م 
قال: وكان عاقلا متأتياء أريبا متهديا. ومن نكته المستحسنة: أن السلطان كان 
أمره ببناء قبة عالية في مرو يكون فيها ضريحه؛ وينضد عليه بما صفيحه. فوصل إلى 
مرو ورآها غير مفروغ منها. فقال: " يا جوهرء مئ تنم هذه القبة "؟ فقال: "لا أتمها 
الله". فأبكى الجماعة بما ذكره. ولطف موقع قوله عند السلطان وعذره. 
ذكر علو همة السلطان سنجر وكرمه 
وإسهام أصحابسه وأمرائه من نعمه 
قالة كاق ليما عفيا :ليا بالعرقع ويا كير التفس أرييا معني [لطلفوفة: 
مسديا للمعروف, مفرقا بالأقلام ما جمعه بالسيوف. ذكر عنه أنه اصطبح خمسة أيام 
متواليات؛ ذهب بما في الود كل مذهب, وأتى على معظم ما في الخزائن من عرض 
وذهب. فبلغ ما أعطاه من العين سبعمائة ألف دينار أحمرء وجاء ما وهبه من الخيل 
والخلع أكثر. وعوتب على إسرافه فقال: " أما رأيتموني أفتح إقليما يشتمل على 
أضعاف ما وهبته من المال» وأهبه بكلمة واحدة لمن أراه قبل السؤال. فهذا بالإضافة 
إلى ذلك الكثير قليل. وما للملام إلى في فج هذه السبيل سبيل". 


ذكر عن ظهير الدين عبد العزيز» صاحب خخزانته؛ أنه قال: أحببت أن يشاهد 


5 تاريخ دولة ال سلحوق 
السلطان سنجر ما اشتملت عليه خخزانته؛ لتظهر كفاية متوليها وأمانته. فقلت له: 
أخدمك بألف ثوب أطلس حى تبصره؛ وتستعرض صاته وناطقه. فسكتء وظننت 
أنه رضي هما ذكرته. فحت إلى الخزانة وأبرزت ما فيها وأظهرته. وكان فيهاما 
لم يجتمع قط في نخحزانة سلطان قبله من طرائف يعز وجودهاء وجواهر بحل عقودهاء 
وصرر أكياس قد ملأت الفضاء نقودهاء وأعلاق لا يعرف ها قيمة» وصناديق لآلئ 
كلها يتيمة. فلما نضدته وأبرزته» ولفقت كل حنس ونوعته وميزته» حت وقلت له: 
" أما تيصر مالكء وتشاهد حالك. وتشكر الله الذي حصك به وأتالك؟ " فقال: " 
يقبح ,مثلي أن يقال عنه إنه مال إلى المال» أو أنظر إليه أو أخخطره بالبال. قفرق ما 
جعلته لي من الثياب الطلس على الأمراء» وأعرض عليهم ما في الخزانة من تلك 
الأشياء. وقل هم يقول لكم سنحر: قد ادحرت هذا لكمء وجمعته لأفرقه في قمع 
عدوكم وجمع شملكم". قال: ففعلت ذلك ففرحوا واستبشرواء وحمدوا وشكروا. 
وكان سنجر لا يدخل خحزانته ولا يعيرها نظره؛ ولا يوحد بخاطره منها حطرة. وكان 
لكرمه يحسن الظن بنوابه؛ ويسلم حكم القلم إلى كتابه.» مفضلا على أصحابهء ويقول: 
" إن الدنيا فانية» فندعهم يرتعون معناء ويسعهم من النعم ما وسعنا ". وكانت 
جواهره في طبول مختومة بختمه محفوظة باسمه. فإذا أراد منها شيئا استحضرهاء وفض 
خحواتيم أقفالما وأخخذ منهاء ثم أعادها بختمها إلى حاها. 
ذكر سبب اختلال ملكه واخلال سلكه 

قال: لما امتدت مدة حياته» وأمدت بالطول مادة عمره؛» تسلط الأمراء على 
سلطان أمره؛ وتسحّبوا على قدره؛ وحُقر الصغير حق الكبير» وتأخر الكبير لتقدم 
الصغير. واستّخف الوقور ووقر الخنفيف. وصرف الضعيف. ووقع التحاسد بينهم 
والتحاقدء وارتفع وانحل التساعد والتعاقد. وكان أكابر الدولة في ذلك العهد؛ سنقر 
العزيزي» ويرنقش هريوه؛ وقزل» وأضرايهم. وأقدم منهم قماج؛ وعلي الجتري. وقد 
اختلفت آراؤهم وأرايهم؛ وركب كل منهم أم رأسه؛ وعض على الأضرار يأضراسه. 
فأول خخطأ أصاب سنجر كسر الكافر الخطائي له ولعسكرهء ورد صفو ملكه إلى 
5 


تاريخ دولة أل سلحوق ودع 
ذكر السبب في ذلك وانكسار سنجر في حربه مع الخطائية 
قال: كانت حيول قرلق في نواحي سمرقندء وقد وفرت أموالهم وانتشرت 
مواشيهم؛ وانتشكت غواشيهم وحواشيهم. وخيفت مضرتهم» وخشيت معرهم. فأشار 
الأمراء على السلطان سنجر بأن يتوحه لدفعهم, ويتنبه لردعهم. والقوم مستمرون 
على الصلاح لو خلواء مستقرون من الفلاح على ما إليه دلوا. فمضوا إليهم 
وضايقوهم في مراعيهمء: وقايضوهم عن محاسنهم .ممساويهم؛ وأسرفوا في سرقة نسائهم 
وذراريهم. فأنفذوا إلى السلطان سنجرء وبذلوا له الخدمة بخمسة آلاف جمل؛ وخمسة 
آلاف فرس» وحمسين ألف رأس غنم؛ ليتمسكوا منه بأقوى ذمم وأوق عصم.ء وليأمنوا 
على أهاليهم ونسائهم وذراريهم. فلما لم يقبل خدمتهم, ولم تحصل عصمتهم., حملتهم 
الحمية على الاحتماء بالتحمل» وآل بكبارهم الترحم والحنو على صغارهم إلى 
الترحل. ودخلوا إلى بلاد الترك قاصدين حضرة أوزخان صاحب خطأ وختن ونعما. 
ولم يكن في الكفار الخطائية أوسع منه ملكا وأنظم سلكاء وأوفر عدداء وأكثر عددا. 
وكان أمره ينفذ إلى حدود الصين. فلما وصلت القرلقية إليهم أقلقتهم» وشوفتهم إلى 
املك وشوقتهم. وأطمعت الكفر ف الإكان. واستصرحت على أهل العدل يأهل 
العدوان. وقالوا له: " إن الممالك بخراسان وما وراء النهر مشمرة؛ وإن السعادة من 
سلاطينها متنمرة. وإن سنجر قد تخالف عسكره: وكسف معروفه منكره". فوسع 
الخطائي خطى وسعه: ودبت عقارب كتائبه لسلب الدين ولسعه. وأقبل في سبعمائة 
ألف مقاتل» ووصل في قطع من ليل الكفر المعتكرء ووقع من سيل البؤس المنحدر. 
والسلطان سنجر في سبعين ألف فارس. لكن التوفيق عليه ساخط» والتأييد من حزبه 
ساقط. فشهد المشركون وحملوا بكراديسهمء واستشهد المسلمون وحملوا إلى 
فراديسهم. وبقي سنجر في عدد قليل» ومدد كليل. فقال له الأمير أبو الفضل صاحب 
سجستان: " قد أحدقت بنا العساكر ودارت علينا الدوائره فانج بنفسك لأقف 
مكانك تحت الجتر". فوقف ووقع ف الأسر. وأسرت خاتون زوحة السلطان وبقيت 
في الإسار إلى أن فديت بخمسماثة ألف دينار. 
وأسر الأمير قماج وبلى بكل عسف, ولقى كل عنف» حى فدى بمائة ألف 


م تاريخ دولة آل بلجوتق 
دينار. وأما الأمير أبو الفضلء؛ فإنه علم الكافر استيلاء أولاده على بلاده؛ والاحتواء 
على طرافه وتلادهء فحقق اقتراحهء وأطلق سراحه. وقال: "مثل هذا البطل الحمام: 
والشجاع المقدام يجب الإبقاء عليهء والاحسان إليه". وهذه الوقعة كانت فٍ سنة 
051 هد. 

قال: واستولى هذا الخطائي على بلاد ما وراء النهر؛ وحصل المسلمون معه تحت 
القهر. واستشهد على يذه الإمام حسام الدين بن البرهان بن مازة #نْ ببخارى. ولقد 
كان في علم الشرع لا يبارى ولا يحارى. وهلك أورخان وتولت أخحته بعده. وتولى 
تخته وبخته. واستمرت مملكة الخطائية في ما وراء النهرء إلى هذا العصر. والولاة 
مسلمون من قبل ولاية الكفر. قال الفتح بن علي بن محمد البندراي الأصفهاني مختصر 
الكتاب: وتمادت مدتهم في تلك البلاد» واستيلاؤهم ما على العباد. إلى أن قيض الله 
تعالى استئصالهم على يد السلطان السعيد علاء الدنيا والدين» محمد حوارزمشاه ابن 
السلطان تكشء بن أيل أرسلان بن أتسز بن محمد فإنه حرد عزكته لقطع شأفتهم 
وقلع أرومتهم؛ واعتئ بشن الغارات عليهم, وتوالي الركضات إليهم. حى أخرحهم 
من بلاد ما وراء النهرء وصب عليهم سياط القسر والقهر. ثم توغل ديارهم:؛ وجاس 
بلادهم؛ حن قلعهم أجمعين؛ ولم يبق من الخطائية نافخ ضرمة في الأرضين. وذلك بعد 
سنة 50٠‏ هس. 

ثم أذ في قهر حنس آحر من كفار الترك وهم التتارية» وممالكهم تنتهي إلى 
آخحر بلاد الصين. فلم يزل عليهم ظافر الجند» منصور الحد؛ متوغلا مسيرة خمسة أشهر 
من خوارزم إلى بلادهم. باسطا يد السبي والنهب ف ذراريهم ونسائهم وطرافهم 
وتلادهم. إلى أن اجتمعوا واحتشدواء وحرجوا فأحجم عنهم السلطان, فأحذوا بجميع 
بلاد ما وراء النهر. ثم دخخلوا إلى بلاد خراسان فخربوا أرباعهاء وأحذوا قلاعها وسبوا 
نساءهاء وقتلوا رحاطاء وانتهيوا ذتخائرها وأموالها. وانحاز السلطان عنهم إلى بلاد 
الجبل فتتبعوا أثره إلى حدود أصفهان وأحذوا الري وقزوين وهمذان. وقتلوا جميع من 
كان في هذه البلاد. وما تاحمها من الأغوار والأنحاد. وكان ابتداء دخحوهم إلى بلاد 
حراسان ف أوائل سنئة 511 ه. وجرى منهم على المسلمين من القتل والأسر 
والقهرء ما لم يعهد مثله ولم يرد ذكره أبد الدهر. وطالت مدتهم في بلاد الإسلام 


تاريخ دولة آل سلحوق -- 
وأقاموا فيها على وتيرة واحدة لا يفيقون من سفك الدماى. وشن الغارات ثلاث سنين 
إلى أن خرجوا من طريق أذربيجان مخربين للبلاد. سافكين دماء العباد. وتوغلوا منها 
إلى بلاد اللان؛ ومنها إلى أرض قفجاقء ثم عادوا من تلك الطريق إلى بلادهم. والله 
تعالى يكفي المسلمين شر معادهمء ولا يمكن استيفاء شرح معرهمء وذكر ما جرى 
على الإسلام من مضرقم, إلا في مجلدات طوال. لكنا ألممنا بذكرها ههنا على إجمال؛ 
والحمد لله على كل حال. 

ذكر انتعاش سنجر بعد أن عثر وانتقاشه!') 

وانجباره بعد أن شيك”' وانكسر 

قال: وكان عند اتحاه سنحر لحهاد الكافر وقتاله» انتهز حوارزمشاه أتسز بن 

محمد نوشتكين فرصة اشتغاله.فمر إلى مرو ودخلها عنوة» وقتل وحوه أهلهاء وحرق 
بالجور محاوري حزما وسهلها. وجلس على سرير سنجر ومد الطغراء» ووقع ونمى 
وأمره ونقل من الخزانة السنجرية صناديق جواهرهء ولما عاد السلطان عن 
وجهته»عرف حوارزمشاه أن القدر غيرٌ مظاهره؛ فرحع إلى خوارزم؛ واستوبل”'؟ ذلك 
العزم. ووصل سنجر إلى هزارسف فحصرهاء ورمى بالحجر حجرها. وكان له خندق 
عريض عميق فجعله همه. وكان الماء قد طما به فطمه. وقسم السور على أمرائه 
فحسروا لثامه؛ وحققوا انثلامه. وفتحت القلعة عنوة» وأضحت لا يرام فتحه من 
القلاع أسوة. وذلك بعد أن قتل عليها وفيها ألوف» وجدعت أنوف. وتصرفت نوب 
ونابت صروف. ثم وقع الصلحء وأسفر بعد تلك الظلمة الصبح. ورد خخوارزمشاه على 
سنجر صناديق جواهره الى أخذها من الخزانة مرو بختمهاء وحقق سلامة نفسه بحق 
سلمهاء وركب ووقف بإزاء سنجر من شرقي حيحون» وقد سير ف البر والبحر 
عسكره المجرور وفلكه المشحون. ونزل بحيث يرى» وقبل الأرضء وتقبل الفرض. 
وعاد سنجر إلى خراسان وهو عنه راضء والقدر بنصر قاض. ولح يزل أمره يتمشى. 
)١(‏ الانتقاش: تدارك الذنوب. 
(؟) شيك: أصابه الشوك ودخل حسمه. 


2١‏ استوبل: عده وبيلا استو نكم. 


مج+* تاريخ دولة آل سلجوق 
وبرد ملكه بالحسن يتوشى إلى أن أراد الله شت الشملء وبت الحيل. فسلب العزء 
وسلط الغز. وتحللت عقود الدولة» وتفللت حدود الصولة. وانقضى الدهرء وقضى 
الأمر. 
ذكر نوبة الغز وذلك في سنة /64 هل 

قال -رحمه الله-: الغز من التركمان طائفة؛ للضيم عائفة. وكانت في اهتمام 
الأمير قماج؛ وهي تحمل إليه ما عليها من الخراج. وأميراها قرغود وطوطي بك 
يخدمان الحضرة» ويحضران الخدمة. ومازالت شوافعهم مقبولة وذرائعهم موصولة. حى 
تحن عليهم الأمير قماج ذنبا تنصلوا منه فلم يقبل؛ وتميلوا في تحليل عقد سخطه فلم 
يتحلل. وأرضوه بكل طريق وطريف فلم يرض» وضيق عليهم من واسع البسيطة 
الطول والعرض. واضطرهم إلى مضرته: ودفعهم إلى الشر لدفع معرته. فأوحشوه 
وناوشوهء وهارشوه وهاوشوه. ولم يتركوا قٍ جلاده جلداء وقتلوا له في تلك الوقعة 
ولدا. فازدادت ضراوته؛ وثار ثاره» والتهب ناره. وأبرق وأرعدء وأرغى وأزبد. 
وغض غضبه من حلمه؛ وسد جهله سبيل علمه. وحضر صلحاء القوم في إصلاحه: 
وانتهوا في البذل إلى غاية اقتراحه, وبذلوا له إحضار قتلة ولده؛ وإيقاعهم في يده. فأبى 
إلا فتلهم وقتالهمء وقلعهم واستئصالهم. وماج قماج في بحره الزاخر» وصرف إلى 
قصدهم أغنة العساكر. فركبوا إليه وأكربوه؛ والتهبوا به وألهبوه؛ وهزموه وهشموه. 
فجاء إلى سنجر وهو قلق حنق» وكأنه بالغيظ مختنق. وقال له: " قد اختل الملك. 
وانمحل السلك. فإن قعدت عنهم أقاموك؛ وإن لم تُرّمهم ولم ترمُهم رموك وراموك. 
فافض إليهم بحنودك, ورد محوسهم بسعودك”. فلم 1 أحد من أوليك الأمراء إثارة 
أحد لذلك الأمرء وما شاروا بالشر. وقالوا لسنجر: " إن هذا قماجا قد شاخ؛ وباخ 
وحشى وخاب», وأخطأ الصواب. فإن أنحدته حذلت» وإن هويت هواه لذعت 
وعذلت". فأنف قماج؛ وشئف وعنفء ولم يزل بسنجر حى صغا ”2 صغوهء ونحا 
نحوه. وأمر أمراءه بالتأهب. وأضرى ضرمه بالتلهب. وسار في جمع كالخضم زاخرء 
وسواد كليل المحب بلا آخخر. فلما عرف الغز أنهم غزوا وإلى الشر عزواء وصلوا 


)١(‏ صغا: مال. 


تاريخ دولة آل سلحوق 525 
وتوصلواء وقالوا نخدم السلطان بخمسين ألف رأسء من جمال وأفراس» وعمائي ألف 
دينار ركنية» ومائي ألف رأس غنم تركية. ونحضر قتلة ولد قماج؛ وتلتزم كل سنة 
بخرج وخراج. ونحشعوا ولانوا» وخضعوا واستكانوا. فأغلق سنحر باب القبول في 
وجوه هؤلاء الوحوهء وأبى أن يعاملهم بغير المكروه. فتوهلوا وتوحلواء وتعزلوا 
واستقتلوا. ولجحأوا إلى أرض لا يسلك إليها إلا في واد لا يسع عرضه أكثر من مائة 
فارسء وأعدوا في الطرقات الطوقان؛ على رسم قتال التركمان. ونشروا المصاحف 
يطلبون أمان أهل الإيمان. ثم اشتدواء وأعدوا واستعدوا. وجعلوا الخ ركاهات كالأسوار 
حدقة» ونيران النصال من ورائها للحدق محرقة. وصبروا حى لابسهم العسكر؛ وفي 
قلبه سنجر. وامتلاً الوادي بسيل الخيل» واجتاب النهار لباس الليل. وكانت ف المقدمة 
أمراء خخاروا ونحامواء وهموا مما وهموا وهاموا. واغتنم الغز إضعافهم؛ وركبوا أكتافهم. 
يقتلون ويأسرون. ويصدمون ويكسرون. وعز المخلص من المضيق» وفرشت حئث 
القتلى على الطريق. وقتلوا الأمير قماحا وولدهء وأتوا على العسكر وأفنوا عدده 
وعدده. وخلصوا إلى السلطان سنجر وهو في خف من نخواصه. وجواده قد بخل 
بخلاصه. فأحدقوا به إحداق الأهداب بالحدقة» وحصل في وسط تلك الحلقة المحدقة. 
وبقي كلمركز في الدائرة» ووقع في الأيدي الجائرة. ونزل أميرهم وقبل الأرض 
وأمسك بعناده عنانه» وأطلق بدعائه لسانه. وقال: " إن قومك فتحوا بالأذية» ولم 
يحستوا رعاية الرعية. ونحن خولك حولكء» نقول بقبولك ونسمع قولك". وأفردوه عن 
أصحابه وعرضوه عن عرز جماحه بذل أصحابه. ومكث معهم ثلاث سنين كالأسير, 
وقد أرضوه من طعامه وشرابه بالبسير. لكنهم يجلسونه على السريرء ويقفؤن مائلين.. 
بخدمته سوى قرغود وطوطي بك الأمير. وانتشروا في البلاد انتشار الجراد؛ ودب 
دباهم بالفساد. وأذهبوا الأموال والنفوسء» وأعدموا النعم وأوجدوا البوس. وخخربوا 
مديئة نيسابور وقتلوا أهلها تحت العذاب» وسفكوا دماء العلماء والأئمة في المحراب. 
وكانوا يستصحبون سنجر معهم» وهو لا يقدر أن يردعهم. وربما حشن عليهم في 
القول» وفاهم ومرهمء وسبهم وسبعهم, وهم لا يجيبونه إذا نجههم بالمكروه وأسمعهم. 

ولما يئس الباقون من عسكر سنجر من خلاصه؛ ورأوا مضيقا عليه في قفص 
اقتناصه» فرقوا وتفرقواء وحفقوا وأحفقوا. فهرب منهم في آخر عمره ووقع إلى ترمذ 


00 تاريخ دولة آل سلحوق 
وأرهف حد العزم وشحذء قأصابه سهم الأحل ونفذ. فأحضر عسكره سليمان شاه 
ابن أخيه محمد ليتولى مكانه. ويجد سلطانه. فلم يجد أمره للنقاذ النفاذ. وأجمع العسكر 
على الاتفاق في تولية محمود حان ابن أحمت سنجرء وأقام بنيسابور متمكناء حسنا في 
هيبته محسنا. وذلك ف أيام السلطان محمد بن محمود بن محمد بن ملكشاه؛ فكتب له 
العهد من همذان وولاه ثم استولى الأمير المؤيد أي ابه بنيسابور: وأخخذ محمود نخحان 
وأعدمه» وتولى الأمور وبقي الغز بمرو وبلخ وسائر البلاد ضالين عن فمج الرشاد 
عابدين للحور جائرين على العباد. 
ذكر الحوادث بالعراق بعد انفصال السلطان محمد 
ابن نحمود عن بغداد بعد حصارها في سنة 81ه ه 

قال -رحمه الله-: قد سبق شرح الحصارء وما قوى الله به أمير المومنين المقتفي 
من الانتصاب والانتصار. وكان من أقوى الأسباب ف دفعهم؛ أن الخليفة راسل 
أنابك: همس الدين إيلدكزء أن ينهض بعسكره إلى همذانء حي إذا عرف السلطان 
محمد أن سريره قد فرغ. وأن سروره قد رفعء ارتحل عن بغداد» فسار أتابك إيلدكز 
بالسلطان ملكشاه بن محمود إلى همذان ودخلهاء واستولى على ذخائر الملك بما ونقلها. 
وأحلس ملكشاه على السرير» وقام بين يديه بالتدبير. فلما عرفت العساكر المنازلة 
لبغداد أن منازها ممذان نرلت,ء وأن ولاتما في ولاياتها عزلت» تشوشت خواطرهاء 
واستوحشت ضمائرها. واتفق عن بغداد الفلاتهم وانفلالهم» وقدر انفصامهم 
وانفصالهم؛ وعادوا إلى همذان. ولما أحس ملكشاه بقرب أيه محمد انصرف وانحرف» 
وقفاه أتابك إيلدكز وما توقف. وكان قد استوزر المظفر بن سيدي من زبحان» وكان 
كبير الأصلء كثير الفضل. وله نظم رائق» ونثر فائق. فمن ذلك قوله في همس الدين 
أبي النجيب وزير السلطان محمد: 

أبا النجيب وما في الحق مغضبة أأنت مثلي فأين العلم والحسب 

وأنت أنت وهذا الوفر منتقل إلى سواك وهذا الأمر منقلب 


تاريخ دولة آل سلجرق أشها 
وقوله: 
إن وتيجان أسلالي وتلك لنا ألية برة لاا ثمتري فيها 
لألحظ الملك الطاغي بصولته شزرا وأعرض عن غشيانه تيها 
يبغي الوزارة قوم'© يكثرون يما وقد تصاغر قدري في توليها 
قلدتها مكرها والقوم في قلق يراوغون موا في مراقيها 
رعفها طائعا والدرلة اضطريت من بعد هن هو بعد الله يحسيها 
ورد نفسي إلى التقوى تيقنها أن التقى هي هن أجدى مراميها 
واسأل الختم بالحستى إذا القلبت 2 نفسي إلى الله مولاها ومويها 
قال: وبقي السلطان بعد ذلك سقيم الأمل» قسيم الألم عدم الشبه في سيرته 
لكنه شبيه العدم. متوحع الجسم. متعوج الرسم. معضوض النشاط؛ مقبوض الانبساط. 
وكان في عصره أكابر الدولة من الفحول» وذوي الهمم والعقول» عر الدين ستمازء 
وناصر الدين آقض» وأمين الدين أبو عبد الله أمير الدولة. ومن الخدم شرف الدين 
كربازوء وحم الدين رشيد. وهؤلاء ما زالوا أكابر ف الدول» مقدمين ذوي العديد 
واللحيوش والخيول. يلازمونه في السفر والحضرء ويثبتون معه في سبيل السلامة. ووادع 
أخاه ملكشاه وعقد له على خوزستان؛ فما تمكن منها منهاحه؛ ولا تم يما ابتهاحه. 
لاستيلاء الأمير أَيُدُعْدي بن كشطفان المعروف بشمله عليها وتغلبه» وتبطل أمره 
بتطلبه. فبقي في البلاد دائراً حائراء صابرا بالبلاء وإلى الضيق صائرا. وأما السلطان 
محمدء فإنه مع تكسيره وامتزاج صحة مزاحه بسقمه» ووقوف رصد المنون على لقمه: 
رغب في التزوج بابنة ملك كرمان فخطبها مع ما هو فيه من خطبء وبذل وحجلء 
وأتحف واحتفل. ووردت الخاتون الكرمانية؛ فزينت لقدومها القصورء ووفر الحضورها 
الحبور واستقبلها السلطان لمرضه في المحفة» وأحلها في كنفه. وتركها لا يقدر منها على 
متعة؛ ولا يطيق الإلمام من روضها برتئعة. فما اقتضت باقتضاضها قدرته؛ ولا افترت 


)1١(‏ لعلها "يكبرون" حى يتجانس المعى ويستقيم» رظن أنها تصحيف من الناسخ. 


ا تار بخ دولة آل سلجوق 
بافتراعها مسرته. بل عجز عن البناء عليهاء» وقصرت يد صحبته عن الامتداد إليها. 
وبقيت ف جنابه مخيمة» وفي حياته متأيمة. وعرضت للوزير همس الدين أبي النجيب 
هيضة 7" غربت بما شمسه؛ وفاضت نفسهء وغاض بفيض رمسه؛ وانقطع غده ونسي 
بيومه أمسه. ولقد كان أقوم قومه سيرة» وأمثل أمثاله وتيرة. وكان بالتواضع حالياء 
ومن التكبر خخحاليا. وقلد السلطان وزارته ضياء الدين بن محد الدين بن علحة 
الأصفهاني فنقله إلى الوزارة من منصب الطغراء» وزف عروس تلك المرتبة منه أمثل 
الأكفاء. ولقد كان في السيادة عريقاء وبالرئاسة لبيقا. لكنه حاءته الوزارة وهو 
مشارف الرحل؛ ومشار”'! الأحل. فما قرب من الوسادة حي قبر ووسّد؛ وما قام 
حطه بقدره وحن قاومه القدر وأقعد فأحزن السلطان موته, وَحرّبه فؤته. وكان قد 
طالة له قدحي واوالت مه لثنة مسن اوهو ده الو زان ويعرطنيا ال 
وجحادت بوصل حون لا ينفع الوصل. 

ومكث السلطان بعد ذلك لا حيا فبرحى» ولا مينا فيسجى, ثم إنه توق يوم السبت 
لانسلاخ ذي القعدة سنة 0014 ه, وكثر عليه الترحم؛ وزاد ممصابه التألم. فإنه كان 
أوقر السلحقية حلماء وأوفرهم علماء وأحبهم للعدل؛ وأحباهم للفضل. واختلف من 
بطة الأمراءع فاجتمعت آرائهم على استدعاء الأمير إيناج صاحب الري» ونشروا من 
الأمر المستور ممالأته ما كان في الطي. ثم تعارضت آراؤهم وتناقضت أهوؤهم.؛ فمنهم 
من مال إلى ملكشاه أي المتوثي. ومنهم من رأى الإرسال إلى الملك أرسلان لمكان أتابك 
إيلدكز زوج أمه. ومنهم من أشار بتمليك سليمان عمه. وكان الأمير إيناج يومئذ أكثر 
جنداء وأكثف جمعا وأرهف حدا. ومال إلى سليمان وقال: هو أسلم جاتبا وأوطؤه. 
وأثبت عن الأذية رأيا وأبطؤه. والخليفة كان قد ولاه. ووالى إليه الجميل وأولاه. فإذا 
أحلستناه قام الخليفة بتر بيته» ورضي بتوليته . 

قال: وكان سليمان بالموصل في اعتقال علي كوحك؛ فاتفق الأمير إيناج» وناصر 
الدين آقشء» وشرف الدين كردبازو على إرسال الأمير مظفر الدين ألب أرغون صاحب 
)١(‏ الهيضة: المرض بعد المرض. 
)١(‏ هكذا وردت ولعله يريد بما دنا أحله وأوشك أن يقطفء على سبيل احاز. 


تاريخ دولة آل سلحوق انشها 
قزوين إلى الموصل للوصول به وكوتب صاحبها ف طلبه. وكان زين الدين علي كوجحك 
أطلقه عند علمه بوفاة السلطان محمد وجهزه بعد التوثقة منه بالإيمان. فقدم واستقر 
بحمذان على سرير الملك؛ ودخل في طاعته سراة الترك, وانتظم أمره» واضطرم جمره. 
ووافقه مخالفوه؛ ووفاه محالفوه. وأصبح بالأمير إيناج حل الدولة وعقدهاء وبيده حبلهاء 
وبأيده وصلها. وصار مظفر الدين ألب أرغون بن يرنقش صاحب قزوين الأمير الحاجب 
الأمين. وقلد وزارته شهاب الدين محمود بن الثقة عبد العزيز النيسابوري» وكان وزير 
إيناج فئذ ('2 في الأقاليم أقلامه,» ومضت بالأحكام أحكامه. وأعاد إلى وجه الوزارة ماءها 
الذهاب؛ وأوضح ف إنارة آفاقها المذاهب. ولما رأى أنه ليس معه؛ وأنه رئما قصد سليمان 
ليدفعه. سير إليه بولاية أرانية منشوراء ونظم وضم ما كان هناك منشور| منشورا وعتدل 
ولاية العهد للملك أرسلان بعد سليمان» وتذلل الصعب وهان. وحسبوا أن السلطان بعد 
غموضه ينبه ولكأسه يريقءٍ ومن سكره يفيق. فبقي على الشرب مكبا وللعب محباً. 
وللعقل هاحراء وللحم زاجرا. فلا جرم حالت حاله وساء مآله. وسبذكر ذلك بعد ذكر 
بعض الحوادث ف أيامه. ونصل افتتاحه بافتتاحه. 
ذكر وفاة الإمام المقعفي لمر الله وجلوس ولده الإمام 
المستنجد بالله أبي المظفر يوسف أمير المؤمنين 
قال -رحمه الله-: كان الإمام المقتفي لأمر الله بعد الحصرء آثر أن يخرج إلى البلاد 
ليراهاء ويئري ببركة حر كته ثراها. فما حضر طرفا إلا حضره. وما نظر كنفا إلا نضره. 
وكانت إقامته في عسكره. طال أم قصر سفره وكانت الأخباز والأغنام والحوائج 
والعلائق» تفرق على عدد الناس والدواب» وعساكره بحرون من جراياتهم: ونفقاتهم 
وأعطياتم على المبار وا محاب» فما ينفق لأحد فرس إلا أخلفه عليه؛ ولا يلتمس صاحب 
معونة ولا مغوثة إلا عجل ها إليه. وأجناده يتمنون أن تطول أسفارهم, ليدوم لصبح 
سعادهم بعطاياه أسفاره. ووصل إلى واسط ف أواخر صفر سئة 4ه5ه ه, وأناب الب 
الوزير ابن هبيرة يماء وحرحت في أصحابي للتلقي؛ وكنت من زحمة اللقاء على غاية 


4م نازخ دولة آل مليحوق 
التوقي. فبصرت يموكب الخليفة وقد أقبل في أفواجه؛ كأنه البحر في أمواجه. فلنسزلت 
وتقدمت إليه؛ وقبّلت الأرض بين يديه. فوقف لأركب إشفاقاً على من الزحمةء وكانت 
فطرته محبولة على الرأفة والرحمة. وقال له مخلص الدين ابن الكيا الهراسي: هذا الذي يقول 
في أمير المؤمنين من قصيدته؛ كأنه يصف هذه الحالة: 

لا شفعت العرم وهو مؤيد بالحزم أسفر بالمنى منلك السفر 

وبرزت مثل الشمس تشرق للورى وسناك يحجب عنك ناظر من نظر 

عظلة ‏ سوداء تحكي هالة ١‏ وجه الإمام إيضيء فيها "القمر 

وقال الوزير: هذا صاحبي وقد وليته» وأصحبته وأوليته. وبمج بخدمي وجح 
وبذخ بنيابي ورحح. فوصى الإمام وزيره بي وأعجبه سمي وأسلوبي. وسار على رسله 
ودخخل إلى دار الديوان» وحلس ساعة في الإيوان. ثم قام وحلس الوزير في الدست» 
وكتب ووقع» وقال وأسمع. والناظر حينئذ في واسط الأمير مس الدين أبو الفضائل 
فائن» وهو من أكابر الخدم الذين هم المزايا والمزاين. ثم انتقل الخليفة إلى سرادقه. 
والوزير إلى مضاربه» ونزل أرباب الدولة كل منهم على مراتبه. 
قال: وحضرت هيدان واسطء والمقتفي ذَينه حاضرء ومعه أولاده ولي العهد 

المستنجد يوسفء وأبو علي؛ وأبو أحمد, وولده المستنجد أبو محمد. وهو المستضئ 
الذي تولى بعده. ولعبوا بالكرة. ول يلبث بواسط ثلاثة أيام» حب عاد إلى بغداد 
الها وكان وصوله للانمحجدار إلى الغراف.» فزاد الماء زيادة منعت العبورء 
فرجع على نية الرجوع. وعند عودته غرقت بغداد, وذلك في شهر ربيع الأول سنة 
4ه هه وذلك لأن الماء زاد في تلك السنة على خلاف عادته. وتور به بثق 
القوررج وتقورء وغلب وبلغ السور من صوب الظفرية وتسور. وطاف بتلك النواحي 
طوفان نوح؛ وراح شبح كل بناء بغير روح. وكان ذلك منظرا هائلاء وقدرا 
نازلا. وطارقا كثرت طرقه » وفتقا عسر رتقه. وركب الوزير وأرباب الدولة 
فصدوه وسدوهء وردعوه وردوه. واتفق أنه نقص ووقف. وغرق من ذلك 
الماء العظيم غرف. ولما انصرم الصيف وانكسر الحرء وصل المقتفي إلى واسط مرة 
أخرىء وانحدر إلى ناحية الغراف؛ وعزل عن ولايتها ظفرا نخادمه: وولاها أبا جعفر 


تاريخ دولة ال سلجحوق 10 
ابن البلدي. وقبض على ابن أفلح وزبر ظفر وعاقبه: وألزمه هما استخرحه من 
دفائن ابن حماد وطالبه. وكبا به الفرس قٍِ بعص تلك السواقي فوقم وتألم.ء 
واعتذر بصححته إليه القدر مما بنجرممء وذلك قف شهر رمضان من السنة. 

ولما دخلت سنة ههه ه», حرج الخليفة إلى هيت» وكان مقطعها نور الدولة 
ابن الأمير العميد» فحل عنه الإقطاع؛ وألزمه شحه المطاع. وأقبل من سفره سافر 
الإقبال ظافر الآمال. فما عاد حى عاده سقم. وألم به ألم. فتوق في يوم الأحد ثاني 
شهر ربيع الأول سنة 0ه هد »ء وانتقل إلى حوار الرب» طاهر الذيل نقي البيب» 
أمين الغيب» بريا من العيب. ولما عرف ولده وولي عهده الإمام المستنجد بالله أبو 
المظفر يوسفء أن والده قد وقع اليأس عنه أشفق من إتمام الأمر لأحيه أبي علي» وأنه 
للعهد غير ولي. وهجم الدار؛ وقبض الكبار والصغارء وعقل واعتقل» ونقل وانتقل. 
وبويع له بالخلافة يوم وفاة والده. واحتوى على طارفه وتالده. وقبض عدة من الأمراء 
الخيلية مماليك الخليفة المقتفي وأعدمهم, وانتخب جماعة من مماليكه وأمرهم 
وقدمهم. وأحذ القاضي سديد الدين بن المرحم أخذا شديداء وردد العذاب عليه 
ترديدا إلى أن فاضت نفسه؛ وغاض به رمسه. وحبس المخلص ابن الكيا الحراسي مدة 
أيام خلافته. وحرمه حظ عاطفته ورأفته. وأقر عضد الدين ابن رئيس الرؤساء على 
أستاذية الدار» ورفع قدره على الأقدار. وأقر عون الدين ابن هبيرة على وزارته» وبفي 
ماء الدولة به على غزارته. واستولى على دولته ملوكه قايماز» وعز بالاستظهار وظهر 
بالإعزاز. 

ذكر ماآال إليه أمر السلطان سليمان, وكيف جفاه زمانه وخان 

قال: لما اتسع ملكهء واتسق سلكهء ظن الأمراء أنه قد لاحف”؟2 الفلاح؛ وصالح 
الصلاح. فلم يضنوا بالإحسان إليه لحسن ظنهم فيه» وما زالوا في تقرير أسبابه 
وتسبيب قرار مساعدته ومساعفته» حي بدا هم إبداله فإن الأمير إيناج عاد إلى ربه» 


)١(‏ لاحف: لازم. 


5 تاريخ دولة آل سلحوق 
والسلطان سليمان انهمك في غيه: وأخل مظفر الدين صاحب قزوين .مموضع الحجبة» 
وثبت الباقون من الأمراء على الفتك بالسلطان» فإنه اشتغل بلهوه ولها عن شغله. 
وجحد حبل حده بخبله. وقالوا: الصواب ضبطه وربطهء وقبضه لا بسطه. ومكثوا مدة 
يتشاورون فٍ خلعه؛ ويتوامرون في وضعه؛ ويكاتبون همس الدين إيلدكز ليقدم بابن 
زوحته الملك أرسلان بن طغرل» وأهم لا يقطعون أمرا حب يصل. وأحكموا العهد 
وأبرمو! بضيق نفسه ونّفسه. فعادوه لألمه وعادوه ف أمله. واعتقلوه في قصر الدار 
السلطانية» ووكل كل أمير به من ثقاته جماعة. وأعقدوا على إضاعته عهدا واعتقدوا 
لعهده إضاعة. وذلك في شوال سئة ههه ه .ء ثم إنهم نقلوه إلى قلعة همذان, 
وحرعوه كأسا مسمومة:» وأزاروه ميتة مذمومة. وكانت وفاته في الث عشر شهر 
ربيع الأول سنة 8ه ه »ء بعد حلوس ابن أخيه في السلطنة. 
ذكر مراسلة الخليفة للسلطان 

قال: وأرسل الخليفة إلى السلطان سليمان» يسأله الطاعة والإذعان» ويطلب منه 
أن يخطب له ف جميع البلاد» ويقوي رجاءه منه في نيل المرادء ويذكره بإحسان المقتفي 
إليه» وأفضاله عليه. فبادر السلطان إلى التثام الأرضء وامتثال الفرض. وقبل كتابه 
وقبله» وكتب إلى البلاد ليخطب له. وظن أن بغداد قد وصلت إلى بغيته» وحصلت في 
قبضته وأا في انتظار هضته. فرتب القاضي نبيه الدين أبا هريرة الحمذاني رسولاء 
وكان مقبلا في سمته وسّمته مقبولا. وهو من أعيان المملكة وأماثلهاء وعلماء الأمة 
وأفاضلها. وندب معه الأمير ابن طغايرك ليكون ببغداد والياء ويعيد ما رخص ونزل 
من قدم السلحقية غاليا عالياء فعزم في عدم وزعم أنه على عدة. وسار القاضي 
والأمير ومن معهما مع رسول الخليفة» وهو الحاحجب سونج النظامي ذو النطق 
واللسن» والرأي الحسنء؛ والعلم والفصاحة,. والحلم والحصافة. فاستصحب القاضي 
والأمير ووصلء على ظن أنه بالمراد حصل. فلما قربا قرباء وبالرغائب رغبا. وأقيمت 
الرظائف؛ ووضعت اللطائف. وأقاما مدة للتقرب والترقب» ثم قاما للتطلب والتغلب. 
وقالا إنما حضرنا للتعرف والتصرفء لا للتوقي والتوقف. فقال لمما الوزير: ما 
بالكماء وما حالكماء وبم إرسالكماء وفيم سؤالكما؟ فقالا: ما جثنا لنذهبء وإئما 


تاريخ ذولة آل سلحوق ' نشها 
نخاطب ونخطب. فقيل هما ما أنتما إلا سفيرا اهتداء وإهداءء وخفيرا ولاية لوولاء. 
والتغرض- للنعطية العركض: للخطاوت». :وله اترعيا:'ي: اللفظية: إن +رغيدما: في. الولاء 
المحطوب. فقالا: رسولكم يما وعد ففيم إنحلاف العدة) وإتلاف اللحدة 
وإثارة الثائرة الملوجحدة للموجدة. فقيل لهما: ما كان لرسولنا أن يقول ما لم 
نشر به؛ وفيم رضانا عن مرسلكما أمن شربه وسربهء وغدا يوافقكم رسولنا على أنه 
نم يقل ما قلتماه» ولم يعقد ولم يحل فيما به عقدتماه. فافترقوا للاجتماع في غد 
والمعاودة لموعد. 
فاتفق أن رسول الخليفة» وهو الحاحب سونج النظاميء في تلك الليلة توفي 
وأحمد سراج حياته وأطفى؛ وكتم سره تحت التراب وأخفى. وكان هذا من 
أعجب الغرائب» وأغرب العجائب. حي تحدث الناس بذلك الحادث» وانبعثوا لذكر 
ما تحدد عليه من المباعث. وقيل: إنه خير بين أن يقتل صبراء أو يشرب سما وما فيهما 
حظ لمختار» وقيل: بل بقضاء من الله حارء وأحل موقوت عقدار. فلم يجر 
بعد وفاته لتلك المواعدة معاودة ولا موافاة» ووقعت من الرسولين منافرة ومنافاة. 
فاتفق أن القاضي أبا هريرة أحد الرسولين توفي بعد أسبوع من وفاة سونج؛ ولم 
يكن دينه أيضا من القدر يمنج. فرجف الناس وأرجفواء وتحدثوا بما عرفوا وبما لم 
يعرفوا. واستشعر الرفيق الآخر وقال: ما في الإقامة خخلاص. وأفلت راحلاً وله 
خصاصء فإنه غلب على ظنه أنه إن أقام قضى, ولحق يمن مضى. فتلاشت تلك 
الرسالة لعدم رسلهاء ولروعة مثل ذلك الحادث لم يرجعوا إلى مثلها. ووقعت في 
أنفسهم من بغداد, الحيبة ومن حصوها الخيبة. فلم يقدم ملك إليهاء ولم يقدم سلطان 
عليها. 
قال: وي هذه السنة. وهي سنة 6٠ه‏ ه» توق ملكشاه بن محمود بن محمد 
وذلك إنه لما عرف ملكشاه أن عمه ملكء, وأن حسان الممالك به تفذلك» وأنه يتعود 
حلوته» ولا يخلي عادتهه؛ ويريد هواه ولا يهوي إرادته» مض وافر العدد. واقٍ 
العدد. وحاء إلى حي بلالي. ووفر حبور أهل أصفهان بحضوره. وأذعنوا لأوامره إذ 
عنوا بأموره. واستبشروا وأنسوا ببشره؛ ونشروا الطيب وطابوا بنشره. وقالوا عاودتنا 
الألطاف الإهية» وعادت علينا الأيام الملكشاهية. وأقام» وسير الكتب إلى الأطراف» 


81" تار بخ دولة ال سلحوق 
بالاستمالة والاستعطاف. وخطب اللهو ولحا عن النطب», وغفل عن إسراع الذوي 
إلى عوده الرطب. وكان مغرورا بالشباب مشبوب الغرار» مقدارا للأمن آمنا من 
الأقدار. فلم ينقض عليه شهر حى اشتهر أنه قضى ومضىء وأنه برقه ويرمه 
ومضىء وذلك في يوم الاثنين الحادي عشر من شهر ربيع الأول من غير مرض سبق» 
ولا عرض عرض. بل كانت له مغنية قد استهوته واستغوته» وخبلت خلبه» وسلبت 
لبه فصار يأكل من يدها ويشرب؛ ويجئ بحبها ويذهب. وقيل: إهها بغت موته قمات 
بغتة» وقيل: بل أصابه سكتة. وأنها قد رغبت حى سقته >ما. وكان قدرا حتماء 
قد أحاط الله به علما. 
ذكر جلوس السلطان ركن الدنيا والدين أبي المظفر 
أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان 

قال: وصل أرسلان إلى همذان بعد اعتقال عمه في ذي القعدة من السنة. وجلس 
على سرير سروره؛ واحتاب حبر حبوره. ونعت همس الدين إيلدكز بأتابك الأعظم. 
فتقدم وأقدم, وأهان وأكرم. وكان السلطان تحت سلطانه: يرتوي من إحساء إحسانه؛ 
ويأكل من خحوانه مع إخوانه. فإن أولاد آتابك إيلدكز بنو أمه؛ وصار واسطة 
عقدهم بنظمه إليهم وضمه. وسعى سعد أتابك إيلدكز بقدم اللتقدم. وحد 
حده في التوسع والتوسم. وتصاغر له الكبراء وائتمر له الأمراء. وتقررت الوزارة 
على شهاب الدين محمود ابن الثقة عبد العزيز» والحجبة على طغرلتكين آياز. 
وأقامسوا يممذان شهرين؛ ثم توجه السلطان إلى أصفهان» وجعل ساوه مسلكه. 
واستصحب معه إيلدكز أتابكه. ووصل إليه قي ساوه الأمير إيناج بك سنقر صاحب 
الري؛ فابتهج بلقيته ولقى منه بمجة» وأقام بإيضاح محجة خلوصه على حكم طاعته 
حجة. وصار بينه وبين أتابك إيلدكز مصاهرة؛ وتمت بذلك للسلطان معهما مظاهرة. 
وزوجت ابنة إيناج بابن إيلدكز الأكيرء وهو نصرة الدين يُلوان محمد, وهو أنخو 
السلطان لأمه؛ وأقوم أهل الدولة بمهمه. ثم أكرموا إيناج وردوه إلى ولايته غير أنه 
باق على عتوهء راق في غلوف متكره بتكثر إيلدكز متكرثء متأثر قلبه من تقدمه. 
متأرث لكنه أبدى الرضا ما بدىء وأظهر أنه مع الأولياء» وأسر كونه مع العدى. 


تاريخ دولة آل سلمعوق أششس 
ووصل السلطان والجماعة وائقين بالمذكور» معتدين بعمله المشكورء إلى أصفهان, 
ودخحل السلطان إلى دار السلطنة فاحتل سريرهاء وقر يما سامي العين قريرها. ومدوا 
بأصفهان أيديهم وأجدوا تعديهم. وأخمذرا البريء بالسقيم» والكريم باللتيى 
والحميد بالذميم. وساقوا الناس بقلم التوزيع إلى لقم للتفزيغ؛ واستثمروا أصول 
المصادرات بالتقريع» وسدوا الأنمار على البساتين» حى أخخذوا أثمان الميا وشفهوا 
الموارد وصدوا عن الصادي ورد الشفاه. وأقام السلطان كذلك برهة؛ ولما عزم على 
الرحيل» تلوي عليه الأمير عز الدين ستمازء وتخلى عنه وتخلف» وتوقى منه وتوقف. 
وكان قد كاتب الأمير إيناج لمناوأة السلطان. وشق العصا بالعصيان؛ واستدعاء أنخيه 
الملك محمد بن طغرل من فارس وأحس السلطان بالتدبير» فوقع من التشويش 
والتشوير. فإن أتابك إيلدكز وأولاده كانوا يممذان» وهم لا يظنون من أولعك بالإيذاء 
الإيذان. فأغذ في السيرء واستعار ف القدوم عليهم قادمة الطير. فلما اتصل كنم أفرخ 
روعه وأفرق » وأشرف ضوؤه وأشرق. وامتد إيناج من الري متوجها مسارعا إلى لقاء 
السلطان ومناحزته؛ قبل التقاء أتابك إيلدكز به ومحاحزته. فاتصل بإيناج عز الدين 
ستمازء وصاحب قزوين ألب أرغو في جموع حاشدة؛ وحشود جامعة. والملك محمد 
بن طغرل معهم وقلويمم معه.» وقد ضاق الفضاء بالعسكر فما وسعه؛ والسلطان في 
عرمرمه العرم؛ وححفله الحفل. 
فزحف الجيشان؛ ورجحف الحاشان, وتحرك المحران» وتحرق الجمران وكان 
اجتماعهما بنواحي الكرج. وكرب الحرب معوز الفرجء وكان السلطان قد اتهم 
الوزير عمداحاته؛ ومكاتبة إيناج ومناجاته. وكانوا حملوا السلطان على قتله؛ وحذروه 
من مكره وخختله. فما سمع فيه مقالا ولا رأي له اعتقالاء بل وكل له في السر جماعة 
يظهرون أنهم في خدمتهء ويظاهرون في حفظ حرمته. وكان في اهتمام نصرة الدين 
يملوان» فقرر أمره على هدايا يهديهاء وأربعين ألف دينار يؤديها. فأخذوا منه في 
المآل المال» وتركدوا فيه القيل والقال. فصرفوا المال في مصالح العسكر, وعاد الوزير 
إلى سعده الأزهر وحده الأبمر. وقدم الحركة» يوم المعركة. ولما تواقف الجمعان. 


0 تاريخ دولة آل سلحوق 
واحتمع الموقفان» حملت ميمنة إيناج على ميسرة السلطان وكسرقاء فوحد() 
السلطان ووجمء وهجم عليه الهم ما هجم. لكنه ثبت في قلبه) وانتحى إيلد كر فحمل 
بأولاده وصحبه. وحفقوا على قلب إيناج وقلبه خحافق, وهمه لرهمه. مصافح مصافق. 
والطرد من ورائه ورأيه 2 الطرد. وغاب في الغبارء وأضمرته دياجي الضمر الجياد, 
وأصابت وحه الوزير ف هذه الوقعة ضربة سيف أذهبت عينه اليمئ. و لم يدر أنه بعد 
ذهاب ذهبه وعين نضاره بذهاب ناظر عينه يمئي» وحمل إلى همذان في محفة ليتداوىي, 
وشمت به عداته وعادت ضواريها عليه تتعاوى. فولى إيناج مدبرا وأدبر موليا. وحلى 
رحله ورحل متخليا. وعاد السلطان إلى عادته في السلطنة واتسع ملكه؛ واتسق سلكه 
ودار فلكه. ودر فلكه, وتفرد زوج أمه أتابك إيلد كز بالأمر والنهي) والنشر والطي, 
والحسم والكي؛ والإثبات والنفي. فأدن وأبعد, وأشقى وأسعد. وراقب الإضراب» 
وضرب الرقاب. وحالى الأعداء وعادى الأحباب . 

ولا وضعت الحرب أوزارهماء وحه السلطان إلى الري براياتهء» ووصل 
سراياه إلى إيناج لقطع سراياته. فقدموها وجبوا أعمالماء وحنوا أمواهاء وجمعوا 
ذحائرهاء وفرقوا أعايرها. وكان إيناج منهم بنجوة؛ وقد قنع من العيش بفحرة. وهو 
في حدود الدامغان» وما زال كما يستعطف ويستسعف» ويتوصل ويتوسل» إلى أن 
صلحت أسبابه واستتب صلحه. ونححت آرابه وأربى خحه. وقصروا رأيه على القناعة 
بالري» وتعوض برشده عن الغي . وحلت عنه حرباذقان وساوه. وعاودت معيشته 
وعيشته الطلاوة والحلاوة. ورحلوا إلى قزوين؛: فتحصن صاحبها في قلعة سرجهانء 
وعاين وعان الامتحان والامتهان. ففرقوا العمال» وجمعوا الأموال. وأقاموا إلى أن 
دهم الشتاء بشتات الدهسماءم )2 ورحل البلاء ببزول البلاع, فإاهم م يقيموا بالمكان وم 
يتمكنوا من المقام» وفكوا عن البلدة عروة الازدحام. وسار السلطان نحو همذان» 
وأتابك إيلدكز إلى أذربيجان. ثم استقرت سلطنة أرسلان بن طغرل بن محمد بن 
ملكشاه. وعدم في عزه ونفاذ أمره الأشباه. وحكم عليه وعلى البلاد جميعها شمس 
الدين إيلدكز زوج أمه. وجرى في إقامة ناموس سلطانه على رسمه. 


)١(‏ وجد: غضب, 


تار بيخ دولة آل سلجوق ١م؟‏ 
وكانت الوزارة مستمرة بشهاب الدين الثقة» وله من الناس لكرمه وعلو همته 
اللقة 2 إلى أن توفي بأصفهان واستوزر بعده الوزير فخحر الدين ابن الوزير المعين 
المحتص. ولما توق يبحمذان بعد سنين استوزر حلال الدين بن القوام الدركزيئ؛ 

وامتدت وزارته في الأيام الأرسلانية» ووفٍ بأحكام الأحكام السلطانية. 

ذكر وفةة السلطان أرسلان في سنة ١/اه‏ هف 

ووفةة أتابك ايلدكز قبله 

قال -رحمه الله-: كان السلطان قد تزوج بأخمت فخر الدين رئيس همذان؛ 
فاتفق وفاة همس الدين إيلدكسز بنخحوان» وتمكن ابنه محمد المنعرت ببهلوان وهو 
أخو أرسلان من أمهه فأراد الاستبداد دونه بحكمه. وكان أرسلان مريضاء 
فنقل إلى دار زوحته بممذان» وتوف يماء وقيل: إن أخاه يملوان سقاهء وللحزم في 
بقائه ما أبقاه. وأحلس ولده طغرل الصغيرء وشغل به السرير. ونفذت أوامره في 
المتاللك»:واضحة المساللف :واسعة المبارك: :وما وال آمره امستقيما وايتقاميه مسصرة: 
وثنايا دولته عن مباسم السعود مفترة» إلى أن توثٍ يملوان في أوائل سنة 4ه هء 
وتولى أخموه مظفر الدين قزل أرسلان بن إيلدكز الملك. ونمج المسلك ونسق 
السلك. وطغرل قد شب وأرب؛ فوجد أمره مهجوراء وعزه ححوبا محجوراً. فأحب 
الانفرادء وأراد الاستبداد. فهرب ليلا وانضم إليه جماعة من الأمراء البهلوانية» وبعثوه 
على التوحد بالعزة السلطانية. وكان سيئ التدبير» يعاقب على التهم بالقتل والتدمير. 
وكانت البلهوانية قد أنحدوه. وساعدوه وأسعدوه. وأقام قزل أرسلان مرارا فأقعدو. 
فاتهمهم يوما على ظنة أضرمت نار اشتطاطه؛ فقتلهم غيلة على بساطه. فنفرت منه 
القلوب» وتمكن قزل أرسلان» وتضعضع السلطان. واتهم وزيره عزيز الدين بن رضي 
الدين يوما فقتله وأحاه صبرا. وزاد في فتكه بخواصه كلما انكسر ولم يلف خييرا. 
واغتال فخر الدين رئيس همذان. ومه؛ وسلط على كل من تقرب منه وهمه وهمه. 
وكلما تمكن أزعجه عمه قزل أرسلان» حىّ وصل في سنة 8ه ه إلى الأمير حسن 


)١١‏ المقة: اخحبة. 


ا اي لهال توق 
بن قفجاق وتزوج بأخته, وحرى معه على حكم وقته. فنهض معه لينصره؛ ويعضده 
ويوزره؛ ووصل إلى مدينة أرمية فأغلقوا بالنما دونه؛ والقفجاقية معه يسعدوته. فدخلوا 
المدينة واستباحوها وكبوهاء واجتاحوها وخخربوها. وسير السلطان صلاح الدين من 
الشام رسله في الإصلاح بينه وبين قزل أرسلان؛ فدان له ولان. وكاد الصلح يتم 
والخبر ينم فأبى سوء الآراء استواء الآراب. وتستر الصواب بالحجاب؛ فعن للسلطان 
أن يقصد قزل أرسلان بجحمذان, إحمادا لنيران الافتتان. فقبضه يوم قدومه واعتقله في 
بعض المعاقل» فتعفت آثار تلك الطوائل. وسكن الدهرء وقضي الأمر. وضرب قزل 
أرسلان النواب الخمس» ووطن على الاستبداد بالسلطنة النفس. وفى بالصفاء عن 
الكدرء وغفل عن القضاء والقدر. فوحد ليلة من الليالي يكممذان مذبوحا على فراشه. 
وقد يئس عائر الملك به من انتعاشه.» وكان بين حفاظه وحراسه؛ ولم يعلم من الذي 
أقدم على قطع رأسه؛ وذلك في شعبان سنة لالمه ه. 

وسار ابن أخيه نصرة الدين أبو بكر يملوان إلى أذربيجان فملكهاء وسار أخوه 
قتلغ إينائج بن بملوان إلى طريق الري فسلكها وأدركها. وسعى بعض الأمراء في 
إخراج طغرل من محبسه؛ وأعاده من السلطنة إلى بجلسه. ومضى إلى دار الملك عمذانء 
واستأنف الإمكان, واستجد العدل والإحسان. فجاء السلطان خوارز مشاه ف سنة 
8 ه للتغلب على المملكة. فلقيه السلطان طغرل في المعركة وخحرق بفئة قليلة 
الصف الخوارزمي؛ وأظهر البأس الرستمي. 

فأحدقوا به ورموهء وأخبذوا رأسه وما ذب عته أصضحابه ولا حموه. وسير رأسه 
إلى بغداد, واستولى السلطان حوارزمشاه على البلاد» وحتمت الدولة السلجفية 
بطغرل» وكان افتتاحها بطغرل. وكانت مدة ملكها منذ وصل طغرل بك إلى بغداد 
إلى هذه الغاية ١4٠‏ سئةء وكأفا أشبهت سنة. فسبحان الذي ملكه لا يزول» وحكمه 
لا يحول. 


تاريخ دولة ال سلحوق م 
ذكرالوزراء المتولين. 
قال -رحمه الله-: كانت الوزارة لحلال الدين بن القوام» فلما توق وزر أخوه 
قوام الدين» ثم عزل واستوزر كمال الزحاني» المعروف بالتعجيلي؛ وبقى سنين وعزل؛ 
نم استوزر صدر الدين قاضي مراغة» ثم استقرت الوزارة بعد عزله على عزيز الدين ابن 
الرضى» ذي الخلق والكرم ا مرضي . ثم حرى ما حرى من قتله» وآذن الملك بشئات 
شله, 
قال: وفي شهور سنة 6ه ه, وجد إيناج صاحب الري مقتولا على سريره؛ 
ولم يعلم كيف كان سبب تدميره. وأضيف الفتك به إلى مماليكه. بتدبير الوزير 
وتشريكه. وكان وزير إيناج سعد الدين أسعد الأمثل» فاستوزره مخمس الدين 
إيلد كز واستقل. وكان وزير إيلد كز من قبله مختار الدين. 
قال: وتولى السلطان طغرل في الدولة الإمامية المستضية. وكانت ولاية 
المستضيء بأمر الله في ربيع الآخر سئة 5ه ه. وانتقل إلى -رحمة الله تعالى - في 
آخر شوال هلاه ه. وتولى الإمام الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن 
المستضيء بأمر الله أبي محمد بن المستنجد بن المقتفي -رضي الله عنهم أجمعين-. 
قلت وامتدت ولايته إلى آخر شهر رمضان سنة 77 ه»ء وتوفي في هذا 
التاريخ» وتولى ولده الإمام الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد وتوق د في رجحب سنة 
+5 هع وتولى ولده الإمام المستنصر بالله أبو حعفر منصور أعز الله أنصار 
وضاعف اقتداره. 


285 تاريخ دولة أل سلحوق 
قال الإمسام عماد الدين -رحمه الله- : وقد كنت أوثر أن أنمي هذ الكتاب 
إلى آخره بشرح حادثة كل عامء والانتهاء فيه إلى كل مرام. لكنه بغيبئ إلى الشام» 
وتياعدي عن معرفة صروف تلك الأيام؛ اقتصرت على ما عرفته من المجمل واستغنيت بما 
عن ذكر المفصل» ولأن السلطنة في تلك الأيام وهنت وهانت» وبانت أسباب 
احتلا ما وظهرت أسرار وهائها وهانت. وما تمكن وزير من سيرة سارة» ومبرة 
بارة حىّ أنزة بذكره وأنبه, وفيما أنشأته من محاسن الأيام الناصرية كفاية. ولكل 

موفق إلى هداه هذاية. 


فهرس الموضوعات ام 





فهرس الموضوعات 
الملوضوع الصفحة 
المقدمة: الأتراك السلاحقة 
أصل السلاحقة 
الانقلاب على مسعود وقتله م١‏ 
السلاحقة في العراق 18 
طغرل بك ف العراق ” 
بعد طغرل بك اه 
كيف سيطر الجماليون مه 
الاسترسال في التزييف 1 
بين السلاحقة والصليبيين 7 
وعادت الخطبة للسلطان محمد ببغداد 485 
التلاقي ف بغداد 4 
بر كياق من +جحديد 4 
ب الجانب الآحر من الوطن الإسلامي 1 
نقطة بيضاء 153 
في غرب العالم الإاسلامي 00 
من هم الملشمون؟ ١.4‏ 
ابتداء الحركة وتطورها 0 
تساقط بلاد الأندلس ١1‏ 
ثورة قرطبة ١١‏ 
مع السلاجحقة 1١18‏ 
الحال في غرب العالم الإسلامي ١>‏ 





سن فهرس الموضوعات 
مؤسس الدولة الخوارزمية ١4‏ 
فساد ما بين سنجر وأتسز ١4‏ 
بين الخطا وسنجر 15١‏ 
توسع ملك حوارزم شاه ١8‏ 
العودة إلى الخوارز ميين ١‏ 
الخطا والخخنوارزميون 7 ١‏ 
الصدام الأول: ختوارزمياء سلجوقياء عباسيا ١8‏ 
صدام المتحالفين ١‏ 
عود إلى الخطا ١6‏ 
الجر والمغول ١5‏ 
التتر يتحر كون كا 
دولة بي عمار في طرابلس ل 
تأسيس الدولة وازدهارها 4" 
منقبة مؤسس الإمارة» أمين الدولة الحسن بن عمار ١6‏ 
دار العلم في طرابلس ١1‏ 
أمراء الدولة علماء مؤلفون 71و 
حركة شعرية ناشطة ١7‏ 
بنو عمار من الكتاب إلى السيف ١)‏ 
ابن عمار والسلاحقة م 
بنو عمار والعمران ل 
مقدمة ١1‏ 
ذكر نبذة من بداية حال السلحقية ١85‏ 
ذكر دخول السلطان ركن الدولة طغرل بك 3 
ذكر الحال في ذلك ١84‏ 
ذكر عوارض عرضت وحوادث حدثت ١1‏ 


ذكر عودة السلطان إلى بغداد 8م ١‏ 


فهرس الموضوعات ومن 





ذكر سبب تولي ابن دارست وزارة الخليفة إلى حين انصرافه ك١‏ 
ذكر حوادث في هذه السنين 15 
ذكر وصول السلطان طغرل بك إلى بغداد ١7‏ 
ذكر وفاة السلطان طغرل بك بالري ١548‏ 
ذكر سيرة طغرل بك رحمه الله لحل 
ذكر جلوس السلطان عضد الدولة ١]‏ 
ذكر نظام الملك 0 
ذكر ما حرى لألب أرسلان بعد ملكه 6١‏ 
ذكر وصول شرف الملك أبي سعد محمد بن منصور 0 
ذكر حوادث طوارىٌ وطوارق واتفاقات وموافقات الح 
ذكر أحوال ألب أرسلان بديار بكر والشام 6" 
ذكر روج ملك الروم وكسره وقسيره وأسره كم 
ذكر أحداث حدثت في هذه السنين 36 
ذكر وفاة ألب أرسلان في سنة خمس وستين وأربعمائة 51١‏ 
ذكر حلوس السلطان حلال الدولة أبي الفتح يلف 
ذكر وفاة القائم بأمر الله؛ وتولي المقتدى بأمر الله 1" 
أيام السلطان جلال الدنيا والدين أبي الفتتح 107" 
ذكر الأكابر والكتاب في زمانه "1١‏ 
ذكر ظهور الإسماعيلية طرف 
ذكر نبذ من حوادث وأخبار في أيام ملكشاه ضف 
ذكر جمال الملك أبي منصور بن نظام الملك رف 
ذكر دخول السلطان ملكشاه إلى بغذاد نارق 
ذكر حوادث مع ؟ 
ذكر حال ولاية السلطان أبي المظفر ترق 
وزارة عز الملك أب عبد الله الحسين بن نظام الملك شف 


ذكر خروج السلطان أبي. الشجاع محمد بن ملكشاه 34 


84" فهرس الملوضوعات 





وزارة الأمير ضياء الملك أبي نصر أحمد بن نظام الملك 3 
وزارة خطير الملك أبي منصور محمد بن الحسين المييذي 06 
ذكر حلوس شرف الدين أنوشروان 4 
ذكر تولي كمال الملك على السميرمي إشراف مملكة السلطان محمد 

ابن ملكشاه وابتداء أمره هه" 
ذكر وزارة ربيب الدولة أي منصور ١4‏ 
ذكر حلوس السلطان مغيث الدنيا والدين أبي القاسم 51١‏ 
ذكر وصول السلطان الأعظم شاهنشاه المعظم ”> 
ذكر وزارة همس الملك بن نظام الملك يفف 
ذكر وزارة الدركز في سنة .1ههم يفف 
ذكر وزارة شرف الدين أبي نصر أنوشروان بن خالد 1" 
ذكر ما حدث بعد وفاة السلطان محمود 1 
ذكر جلوس السلطان المعظم ركن الدنيا والدين 0 
ذكر ما جرى للملك داود بن محمود بعد وفاة أبيه 84؟ 
ذكر حوادث جرت في أثناء ذلك من السلطان مسعود 0١‏ 
ذكر ما كان من حديث عمي العزيز 30 
ذكر قتل الوزير الدركرين وما آل إليه أمر السلطان طغرل 30 
وزارة شرف الدين على بن رجاء 55 
ذكر حلوس السلطان المعظم غياث الدنيا والدين أب الفتح 5 
ولاية أمير المإمنين أبي حعفر منصور 0 
ذكر زنكي بن آق سنقر في آخر عهده يدض 
ذكر مقتل حعفر نائب زنكي بال موصل رن 
ذكر حال جمال الدين الجواد أبي جعفر ام 
عاد الحديث إلى ذكر ما جرى للسلطان مسعود نفض 
ذكر وزارة تاج الدين بن دارست الفارسي فقن 


ذكر ما جرى ف الحوادث الى انحلت يما نض 





ذكر وزارة خمس الدين بن النحيب الأصم الدركزيئي عض 
ذكر ما حرى بأصفهان من الفتنة بعد مصرع بوزابه قن 
ذكر بعض الحوادث لض 
ذكر وصول السلطان سنجر بن ملكشاه 10 
ذكر حوادث في تلك السنين فض 
ذكر ما تحدد في الملك ملكشاه قرو 
ذكر حلوس السلطان ملكشاه بن محمود نفض 
ذكر جلوس السلطان ملشكاه غياث الدنيا والدين أبي الشجاع نانف 
ذكر ما جرى للسلطان سليمان بن محمد رض 
ذكر رجحوع السلطان محمد بن محمود ديف 
ذكر ما اعتمد الإمام المقتفي لأمر الله شف 
ذكر وصول السلطان سليمان بن محمد بن ملكشاه إلى بغداد 54١‏ 
ذكر اتصال الملك جفري شاه بن محمود بأخحيه السلطان محمد يحض 
ذكر حوادث حجرت في تلك السنين تحال 
ذكر وزارة خمس الدين أب النجيب الدركزيئي 0 
ذكر وصول السلطان محمد إلى محاصرة نغداد اق 
ذكر وفاة السلطان سنحر بن ملكشاه أمم 
ذكر السبب في ذلك 6م 
عود إلى حديث سنجر نا 
ذكر وزراء السلطان سنجر مخراسان باهم 
ذكر السبب في ذلك نكن 
ذكر جماعة من خواص سنجر ومماليكه لض 
ذكر علو همة السلطان سنجر و كرمه خض 
ذكر سبب اتختلال ملكه وانخلال سلكه لض 
ذكر السبب ف ذلك وانكسار سنجر في حربه تلض 


ذكر انتعاش سنجر بعد أن عثر وانتقاشه' نض 


6 فهرس الموضوعات 





ذكر نوبة الغز وذلك في سنة .م/14هه لذن 
ذكر الحوادث بالعراق بعد انفصال السلطان غ#ق 
ذكر وفاة الإمام المقتفي لأمر الله 0 
ذكر ما آل إليه أمر السلطان سليمان م 
ذكر مراسلة الخليفة للسلطان فض 
ذكر جلوس السلطان ركن الدنيا والدين لض 
ذكر وفاة السلطان أرسلان ف سنة ١/اهه‏ ان 
ذكر الوزراء المتولين 74